تعتبر النيابة العامة جهازا قضائيا مستقلا بذاته داخل المنظومة القضائية، واستقلاليته هاته نابعة من الخصوصيات التي تميز هذا الجهاز سواء على مستوى هيكلته أو على مستوى وظيفته. وقد نص المشرع على خلق مؤسسة النيابة العامة أمام المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية بشكل متزامن مع إحداث هذه المحاكم بمقتضى القانون رقم 53.95 . ومن المشاغل الأساسية لجهاز النيابة العامة المحافظة على النظام العام الاقتصادي، وهو مايتضح بشكل صريح بالنسبة لدورها الريادي في مجال صعوبات المقاولة ،حيث أن القانون رقم 73.17 المغير والمعدل للكتاب الخامس من مدونة التجارة، جاء بمجموعة من المستجدات، ومنح للنيابة العامة صلاحيات جد واسعة للسهر على حماية الأمن الاقتصادي، وذلك من خلال تخويلها حصريا مجموعة من المهام المرتبطة بمساطر صعوبات المقاولة . فما هو دور النيابة العامة في حماية المقاولة من الصعوبات التي قد تعترضها؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال مايلي : أولا : دور النيابة العامة في حماية الأمن الاقتصادي للمقاولة ثانيا : دور النيابة العامة في تفعيل العقوبات الخاصة بالمقاولة أولا: دور النيابة العامة في حماية الأمن الاقتصادي للمقاولة خول المشرع لجهاز النيابة العامة صلاحيات واسعة من أجل حماية الأمن الاقتصادي للمقاولة، خاصة بالتعديل الجديد للكتاب الخامس من مدونة التجارة، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 73.17 الذي أتى بمجموعة من المستجدات . لذلك سنحاول رصد مستويات تدخل النيابة العامة في حماية الأمن الاقتصادي للمقاولة من خلال النقاط التالية: 1 – على مستوى افتتاح مسطرة التصفية القضائية أجاز المشرع للنيابة العامة في إطار المادة 651 من م.ت الإمكانية لطلب افتتاح مسطرة التصفية القضائية إذا تبين لها أن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه . زيادة على ذلك، إذا اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية، فإنه يمكن للنيابة العامة في شخص وكيل الملك أن تطلب من المحكمة الإذن باستمراراية نشاط المقاولة، ومن ذلك مثلا، أن تطالب بتنفيذ العقود الجارية بتقديم الخدمة بشأنها للطرف المتعاقد مع المقاولة . 2 – تقديم المساعدة للقاضي المنتدب أكدت المادة 674 -فقرة أخيرة – بشكل صريح على أنه يطلع وكيل الملك القاضي المنتدب بناء على طلب هذا الأخير أو تلقائيا، على الرغم من أية مقتضيات تشريعية مخالفة على جميع المعلومات المتوفرة لديه والتي يمكن أن تكون مفيدة في المسطرة . 3 – حق المطالبة باستبدال السنديك منح المشرع للنيابة العامة في إطار المادة 677 من م.ت الحق في أن تطلب من المحكمة استبدال السنديك . ثانيا: دورالنيابة العامة في تفعيل العقوبات الخاصة بالمقاولة إن الدور البارز للنيابة العامة والذي خولها فيه المشرع صلاحيات جد واسعة هو مجال تفعيل العقوبات في مساطرصعوبات المقاولة، وهو الأمر الذي يتبين من خلال ما يلي: 1 – تطبيق العقوبات المالية نص المشرع بشكل صريح في المادة 742 من م.ت، على أن المحكمة تضع يدها على الدعوى في الحالات المنصوص عليها في المواد 738 إلى 740 ( 1) إما تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو السنديك . وهو ما يعني أنه للنيابة العامة الحق في تحريك الدعوى العمومية وتتبع تنفيذ العقوبات المالية، فمتى ظهر للنيابة العامة حصول خطأ في تسيير المقاولة ساهم في وجود نقص في باب الأصول، فإنه يمكنها المطالبة بتحميله كليا أو جزئيا، تضامنيا أم لا، لكل المسيرين أو البعض منهم فقط . 2 – سقوط الأهلية التجارية في الحالة التي يثبت فيها قيام كل تاجر – شخص ذاتي- بارتكاب أحد الأفعال غير المشروعة كقيامه مثلا، بإغفال مسك المحاسبة أو إختلاس أو إخفاء كل الأصول أو جزء منها ، أو الزيادة في الخصوم بكيفية تدليسية، أو كالتصرف في أموال الشركة، كما لو كانت أمواله الخاصة وغيرها من الأفعال التي عددها المشرع ( 2) ، فإن المحكمة يجب عليها أن تضع يدها تلقائيا على الدعوى المقامة بسبب أحد هذه الأفعال، أو بناء على طلب النيابة العامة أو السنديك . ففي هذه الحالة يحق للنيابة العامة تحريك هذه الدعوى للمطالبة بسقوط أهليته التجارية . 3 – العقوبات الزجرية قد ترتكب بعض الجرائم في إطار مساطر صعوبات المقاولة، من ذلك مثلا جريمة التفالس المنصوص عليها في المادة 754 من م.ت والتي عاقب عليها المشرع بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و بالغرامة من 10,000 إلى 100,000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، أو كبعض الجرائم الأخرى كتلك التي قد يرتكبها السنديك من قبيل الاستعمال اللامشروع للسلط المخولة له قانونا في غير ما أعدت له، وبشكل معاكس لمصالح المدين أو الدائنين، وغيرها من الأفعال الإجرامية اللامشروعة والتي عاقب عليها المشرع بنفس عقوبة التفالس. أيضا الجرائم التي قد يرتكبها الدائن الذي يقوم بإبرام عقود تخوله امتيازات خاصة على حساب الدائنين الآخرين، فإن الدعوى هنا تعرض على أنظار القضاء الزجري إما بمتابعة من النيابة العامة أو من طرف السنديك بصفته طرفا مدنيا .كما يمكن للنيابة العامة أن تطلب من السنديك أن يسلمها جميع العقود والوثائق التي بحوزته. 4 – حق الطعن في المقررات خول المشرع للنيابة العامة حق الطعن بالإستىناف في مجموعة من المقررات الصادرة بشأن مساطر صعوبات المقاولة والمنصوص عليها في المادة 762 من م.ت، نذكر منها مثلا : * المقررات الصادرة بشأن فتح مسطرة الإنقاذ أو التسوية أو التصفية القضائية * المقررات الصادرة بشأن العقوبات المدنية * المقررات الصادرة عن القاضي المنتدب التي بموجبها يأذن ببيع الأصول عن طريق مسطرة المراضاة أو المزاد العلني . * المقررات الصادرة بشأن تعيين أو استبدال السنديك أو تغيير سلطاته أو تجديد آجال إعداد تقرير الموازنة المالية أو الاقتصادية . ختاما إن النيابة العامة بوصفها جزء من الجهاز القضائي تلعب دورا فعالا في المحافظة على النظام العام الاقتصادي، خاصة بدورها الريادي في مجال حماية الأمن الاقتصادي للمقاولة وتفعيل العقوبات الخاصة بها، فهي الجهة الوحيدة الأمينة قانونا على المصالح الاقتصادية والاجتماعية للدولة . علاوة على ذلك، فإن المتأمل في المستجدات القانونية الخاصة بمجال المال والأعمال سيجد أن دور النيابة العامة في الحفاظ على النظام العام الاقتصادي لا يقتصر وحسب على مقتضيات الكتاب الخامس المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، وإنما يتسع ليشمل كذلك بعض المجالات الأخرى ، من ذلك مثلا : – السهرعلى تفعيل الجانب الزجري لقانون الشركات. – التدخل في إضفاء الحماية الجنائية على حقوق الملكية الصناعية، حيث يمكن للنيابة العامة أن تقوم بتحريك الدعوى العمومية بشكل تلقائي في بعض جرائم التزييف . – كما تناط بها مهمة البحث وتتبع المخالفات المرتكبة والثتبث منها في إطار قانون حماية المستهلك. *باحثة في الشؤون القانونية الهوامش: أنظر المواد من 738 إلى 740 من مدونة التجارة أنظر المواد 754و755و756و757 من مدونة التجارة المراجع : الكتاب الخامس من مدونة التجارة و المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، كما وقع تتميمه وتغييره بمقتضى القانون رقم 73.17 .