توجد بالمدينة العتيقة مجموعة من الأحياء التاريخية من بينها حي”بوسيبير” الذي تم إحداثه من طرف الاستعمار الفرنسي وذلك مع بداية تواجده في المغرب بفترة قصيرة من توقيع معاهدة الحماية في 1912. قبل عهد الحماية، وتحديدا في عام 1865 أقيمت الوكالة القنصلية الفرنسية بمدينة الدارالبيضاء، وكان المسؤول فيها هو “بروسبير فيريو”. تسمية الحي “بوسبير” جاءت نسبة إلى “بروسبير فيريو” الذي يقال إنه كان يملك الأرض التي احتضنت لاحقا هذا الحي المخصص. لم يكن “بوسبير” مجرد حي صغير، بل كان أشبه بالدويلة الصغيرة، إذ كانت مساحة الحي تصل إلى 24 ألف متر مربع تقريبا، وكان الحي يتضمن مجموعة كبيرة من المرافق من مطاعم ومقاهي وحمامات ومحلات حلاقة للنساء والرجال ومحلات للملابس، ومتاجر لبيع الخضر والفواكه والفحم والتبغ، بالإضافة إلى مستوصف وسجن وقاعة سينما. “كلميمة” أشهر حي يبهر زواره بأنشطته المختلفة وساكنته المتنوعة غير بعيد عن هذا الحي يوجد شارع يسمى “كلميمة” يعيش هذا الشارع الصغير حياة صاخبة. فهو بمقومات كبيرة وبقدرة هائلة على إبهار زواره ومرتاديه والعابرين منه الذين يكتشفون أن كل شيء يباع فيه، وأن كل ما تريده العين أو تشتهيه النفس متوفر في هذا المكان. شارع أو زنقة “كلميمة” أصبحت له شهرة كبيرة، كشارع محمد علي بالقاهرة وشارع “الشانزلي ليزي” بباريس. وشهرته لا علاقة لها بالفن أو بالجمال. وإنما يكتسبها من مختلف الأنشطة التي تمارس فيه. شهرة الشارع تمتد من المحيط إلى الشام. ومن الدارالبيضاء إلى نواذيبو. لا أحد يعرف من أكسبه هذا الشهرة. تحققت الوحدة العربية في حي “كلميمة” لتجد في عمارة واحدة جنسيات تتعايش بتقاليدها وعاداتها وطرق عيشها. هنا يعيش كل هؤلاء المختلفون في انسجام تام. وكما يختلفون في انتماءاتهم واهتماماتهم وجنسياتهم تختلف أنشطتهم التجارية وأعمالهم التي منها يجنون الأموال. اللبنانيون يتخصصون في المطعمة المجدرة والطحينة والشيش طاووق والمشاوي والكبة والتبولة واليخنات بأنواعها والشيش برك وغيرها وجدت طريقها إلى المغرب عبر مواطنين لبنانيين اختاروا فتح مطاعم لبنانية يزورها عشاق هذا المطبخ الباحثين عن لذة أطايب لبنان. أما التونسيون والجزائريون وبعض الموريتانيين فقد اختاروا التجارة لكسب عيشهم. إدارة المطاعم ليست حكرا على اللبنانيين فقط، فبعض السوريين والأردنيين اختاروا أيضا فتح مطاعم لكنهم أيضا يعملون بالتجارة ويديرون شققا مشبوهة. بينما يعد مجال العقار شبه محتكر من قبل الخليجين وقد كان العراقييون أول من أقاموا عمارات سكنية وتاجروا في الشقق. في هذا الشارع الصغير تلتقي كل هذه الجنسيات وكل هذه الأنشطة. باب مراكش .. رمزية تاريخية تقاوم الإهمال “باب مراكش” أحد الأحياء الكبيرة بالمدينة العتيقة حيث يوجد به سوق تسمى المنطقة باسمه، كل شيء يباع في هذا السوق الكبير المنفتح على ساحة صغيرة في ملتقى مجموعة من الأحياء والدروب الممتدة إلى عمق باقي الأحياء المشكل لهذه المنطقة من تراب عمالة سيدي بليوط. شارع الطاهر العلوي، درب بوطويل، درب السبايس، ودرب الإنجليز، كل واحدة من هذه الدروب المتشعبة تشكل سوقا طويلا ومزدحما، بل وامتدادا لسوق باب مراكش الكبير. وحدها الرغبة في التزود بمتطلبات العيش بأسعار مناسبة، يمكن أن يفسر الاقبال اليومي على هذا السوق الذي يزداد رواجه خلال المناسبات والأعياد، فكل شيء موجود بهذا السوق، انطلاقا من الخضر والفواكه واللحوم والأسماك إلى المجوهرات والحلي الذهبية والفضية، وملابس الأطفال من كل الأعمار، والأزياء العصرية التقليدية للرجال والنساء والأواني ومستلزمات المطبخ، والبهارات والتوابل والعطور والأعشاب. فاطمة نمريس، التي ازدادت في هذه المنطقة، تقول، لابد لكل زائر أن يشغف بها ويحظى بفرصة للتبضع والتسوق والاستمتاع بما تزخر به المدينة القديمة، وتضيف فاطمة، أن حي باب مراكش هو معلمة تاريخية ومن المآثر التي لا زالت صامدة، بما له من رمزيه لا تختزل في بابه العتيق فقط وإنما أيضا في عمرانه وتصاميم بنائه، واتجاهاته المتشبعة بالمتاهات والأزقة، أضافة إلى أنه يحتضن الملاح وهو الحي التاريخي لليهود الذين هجروه منذ حرب1967، كل هذه الرمزيات تجعله قبلة للاستكشاف من قبل السياح الأجنبيين. فاطمة الحاصلة على الإجازة في التاريخ، تقول إنها جد فخورة بالانتماء إلى المدينة القديمة، لكنها في نفس الوقت غير راضية على ما وصفته بالوضعية المتردية التي آلت إليها المنطقة في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت قبلة لكل من هب ودب من الباعة المتجولين واللصوص والمنحرفين وباعة المخدرات، ناهيك عما يعرفه سوق باب مراكش من انتشار للأزبال. حي باب مراكش الممتد في جميع الاتجاهات والمتشبع بالمتاهات والأزقة، يحتضن الملاح وهوي الحي التاريخي لليهود الذين هجروه منذ حرب1967. أحياء مهددة بالهدم والانهيارات في المدينة القديمة، أحياء مثل درب الصوفي وعرصة بن سلامة ودرب المعيزي ودرب السنغال، وبوطويل، وكلها مناطق معنية ساكنتها بالترحيل في إطار تهيئة مسجد الحسن الثاني، كما أن بعضها مهدد بانهيار المنازل الآيلة للسقوط. هناك من بين ساكنة هذه الأحياء من تم ترحيلهم إلى مناطق بضواحي المدينة، بعد هدم منازلهم في إطار هذه العملية أو في إطار إعادة أسكان الأسر المتضررة من انهيارات المباني المتداعية، مثال على ذلك درب السينغال، درب المعيزي الذي أزيلت بعض معالمه، وباقي الدروب الأخرى التي مازالت تنتظر بطش الجرافات، كلها دروب وأحياء تعتبر من أقدم أحياء المدينة القديمة وتشهد على فترات تاريخية من حياة مدينة الدارالبيضاء وتطورها، ومعلمة من معالم الذاكرة الجمعية لهذه المدينة.