محمد عزلي إن القيمة السياحية للسوق الصغير تتجلى في كونه النقطة المركزية التي تتفرع عنها جميع المسالك والممرات بالمدينة العتيقة للعرائش وعندها تنتهي أيضا، كما تتجلى في جمالية الفضاء وطابعه الأنيق والعتيق، وقد ذكر السوق في كتب الأدباء والرحالة والمؤرخين من كل جنسيات الارض، فهذا أحد الرحالة الإسبان من الذين زاروا المدينة أواسط القرن 19 الميلادي يقول "...وقعت عيني وأنا أتجول بالمدينة على سوق لم أرى مثله في إفريقيا كلها..." ويقصد السوق الصغير. كما أشار رحالة فرنسي من الذين زاروا المدينة سنة 1902م إلى السوق الصغير بقوله "...خرجت من الدرب الضيق إلى ساحة فسيحة محاطة بأقواس تشبه البازيليك بروما..." في إشارة إلى الجمالية والفخامة المعمارية التي كان عليها السوق آنذاك. أما الأديب اللبناني أمين الريحاني فقد وصف السوق الصغير في رحلة 1939 بقوله "إن السوق الكبيرة، بدكاكينها وأروقتها وقناطرها لأوسع ما شاهدت في هذه المنطقة، وهي تنعم في معاملاتها ببركتين: المعهد الديني في أحد طرفيها، والجامع في الطرف الآخَر، وهناك في حر الصيف البركة الكبرى، هناك إلى جانب الجامع مفيأة جميلة، هي كمسرح التمثيل، مقصورة بثلاثة جدران، مجالسها مثل جدرانها وأرضها، مصفحة بالبلاط الزليجي الزاهي الألوان، فمجرد صورتها تنعش الزائرين. وهذه وراءها أسكفة المدينة القديمة والباب المفتوح إلى الجادات والزنقات، ببيوتها التي لا يُرَى منها غير الحائط الواحد والباب فيه. ما أشد فضول الغريب في هذه الزنقات، وهو يحاول التصور لما وراء الأبواب الموصدة من أسرار الحياة، ويقف كاللص عند باب مفتوح على شقه يسترق اللحظ إلى ما وراءه، فلا يرى غير مدخل ضيق ينتهي إلى باب آخَر موصد. هي الحياة المغربية، وقُلِ الشرقية العربية، بحجبها المتنوعة." يملك السوق الصغير بالعرائش من المعطيات والظروف ما يسمح له بنهضة سياحية حقيقية، تتواجد به اليوم عدة وحدات فندقية على شكل دور ضيافة تراثية النمط، إضافة إلى بعض المقاهي والمطاعم التقليدية الشعبية المتواضعة إجمالاً والتي توفر وجبات من الطبخ المحلي بأسعار تنافسية، كما توجد به أيضا بعض الصناعات والحرف التراثية التقليدية المهددة بالتلاشي والاختفاء. إن البنية التحتية السياحية والمنتوج التراثي المادي والرمزي للسوق الصغير لا يتناسبان والقيمة (التاريخية / الثقافية / الجمالية) للفضاء، مما يجعلنا نعتقد أن المستقبل التنموي للمدينة العتيقة ككل مرتبط بالاستثمار السياحي وتثمين التراث الثقافي المادي والرمزي، خاصة وأن السوق الصغير اليوم أصبح وجهة معروفة وطنيا ودوليا بفضل التسويق الإعلامي والكم الكبير من الأنشطة والمهرجانات التي تجعل من ساحته مسرحا لفعالياتها.