شارف حكم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المتواصل منذ سنوات طويلة على نهايته، غير أن مسرح مدينة بريمن قد أسدل الستار على هذا الفصل من تاريخ ألمانيا مع عرض حول إرثها السياسي، في مؤشر إضافي على بدء الألمان بطيّ الصفحة. وشكّلت مسرحية "أنجيلا آي" لفرقة بريمر شكسبير كومباني "عرضا استشرافيا"، يتمحور حول الديمقراطية المتأزمة والشعوبية والفجوة المتنامية بين الزعماء السياسيين والمواطنين. وتظهر فيها أنجيلا ميركل وهي لم تعد المستشارة الألمانية، تدخّن سيجارة مع سائقها السابق وتجري تقييما. فالنظام البرلماني بصدد الانهيار، وحتى النسر رمز البلاد المتربع عادة في مقرّ البوندستاغ، يطير هربا بدوره. وتقول مؤلّفة المسرحية كاتيا هنزل "نبدأ العرض بشخصية ميركل التي لم تعد في السلطة. وتراودني أفكار سوداوية في هذه اللحظة"، موضحة "بالرغم من كلّ مآخذي عليها، أظنّ أن الوضع سيكون صعبا من دونها، فميركل جلبت الاستقرار لأوروبا التي تبدو متزعزعة الأركان". وبدأت المستشارة الألمانية البالغة من العمر 64 عاما والتي تمسك بمقاليد الحكم منذ 2005 انسحابها التدريجي من المعترك السياسي في ديسمبر بعد سلسلة من الانتكاسات الانتخابية. واضطرت للتخلّي عن رئاسة حزبها المحافظ (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) الذي ينعتق مذاك من إرثها الوسطي التوجّه. وتنوي ميركل مغادرة الساحة السياسية رسميا عند انتهاء ولايتها في 2021، غير أن وسائل الإعلام الألمانية لا تستبعد انصرافها في وقت أبكر. وقد يكون هذا الموعد في الخريف إذا ما قرّر الحزب الاشتراكي الديمقراطي حليف ميركل الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها أن يدير لها ظهره، أو إذا ما تكبّد الاتحاد المسيحي الديمقراطي تراجعا كبيرا في الانتخابات الأوروبية في الربيع ثم خلال الاستحقاقات الإقليمية الألمانية في الخريف، في ظلّ تنامي اليمين المتطرّف. ويعكف حزب ميركل راهنا بدفع من رئيسته الجديدة أنيغريت كرامب-كارنباور الملقّبة "ايه كاي كاي" على اعتناق مبادئ يمينية، لاسيما في ما يخصّ سياسة الهجرة. وهو تعهّد عدم تكرار ما حدث سنة 2015 بقرار من المستشارة وقت فتحت البلاد حدودها لأكثر من مليون مهاجر. ولم يتوان عدة كوادر في الحزب عن المجاهرة بعدم رغبتهم في حضور ميركل، وهي بمثابة كابوس لليمين المتطرّف، الاجتماعات المزمع انعقادها هذه السنة تمهيدا للاستحقاقات الانتخابية في مناطق ألمانيا الشرقية سابقا. وأثار قرار المستشارة الألمانية استقبال اللاجئين في بلدها سنة 2015 الذي لقي استحسانا في بادئ الأمر، انتقادات من كلّ حدب وصوب، خصوصا في أوساط معارضي سياسة الهجرة والتعددية الثقافية ومنتقدي الإسلام. ودخل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرّف إلى مجلس النوّاب في 2017، وبات له ممثلون في كلّ البرلمانات المحلية. وانقلب المشهد السياسي رأسا على عقب في ألمانيا.