■ حين توجهت الوفود والفلسطينية إلى موسكو، بدعوة من معهد الاستشراق التابع لوزارة الخارجية الروسية، لم يكن أحد من المراقبين، يتوقع أن تصل الأطراف الفلسطينية، في حوارها الثالث في العاصمة الروسية، إلى إتفاق على إنهاء الإنقسام. بل إن موسكو نفسها، لم تكن تعتبر نفسها المنصة المعنية بهذه المهمة الشائكة والشاقة، وتعترف في السياق نفسه أن هذه المهمة، كما قال وزير الخارجية الروسي لافروف، ملقاة على عاتق الفلسطينيين أنفسهم، وإن برعاية مصرية، وفقاً لقرار جامعة الدول العربية الذي أحال رعاية الملف الفلسطيني إلى العاصمة المصرية. كان سقف ما تتمناه موسكو، وتعمل لأجله، هو وضع حد لتدهور العلاقات بين طرفي الإنقسام، وتقليص مساحة الخلاف، وتوفير الأرضية السياسية والنفسية والمعنوية، أمام الأطراف الفلسطينية، لاستئناف الحوار الوطني الشامل في القاهرة. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، كانت موسكو تتطلع نحو تفاهم فلسطيني- روسي، يدعو فيه الفلسطينيون، القيادة الروسية، لدعمهم في الدفاع عن قضيتهم وحقوقهم الوطنية في المحافل الدولية، وهو أمر لا تستطيع موسكو أن تقوم به، إلا إذا صدر في دعوة علنية من الأطراف الفلسطينية كافة.. وهذه الدعوة، أرادت منها موسكو أن تعيد تقديم الأطراف الفلسطينية في حالة تفاهم داخلي، وإن كانت لم تنجح بعد في إنهاء الإنقسام بين فتح وحماس. فالدبلوماسية الروسية ترى أنه لا يمكن الدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم وقضيتهم الوطنية، وهم في حالة إنقسام، وفي حالة إحتراب إعلامي وسياسي، وصل فيه الخطاب المتبادل إلى مستويات هابطة جداً، أساءت إلى القضية والحقوق الوطنية، وإلى سمعة الشعب الفلسطيني، وسمعة قواه السياسية، ووفرت الأجواء المناسبة للجانبين الإسرائيلي – والأميركي، لانتهاز الفرص، وتبرير سلوكهما إزاء القضية الفلسطينية، بالإشارة إلى الفوضى في الحالة الفلسطينية، باعتبارها تعبيراً عن عدم النضج الكافي للدخول في العملية السياسية، وتصوير نضال الشعب الفلسطيني، في الوقت نفسه، بأنه شكل من أشكال الإرهاب، وأن العدوان الإسرائيلي اليومي، في الضفة الفلسطينيةوالقدس، وحصار قطاع غزة، ما هو إلا في إطار الحق (المزعوم) المشروع لإسرائيل في الدفاع عن نفسها. (2) ■ لبت الدعوة إلى الحوار في العاصمة الروسية (11-13/2/2019) الفصائل المدعوة كافة، وكان تمثيلها على أعلى المستويات، ما كان يفترض أن الحاضرين كانوا يتمتعون بالإدراك السياسي العميق لطبيعة المرحلة وتعقيداتها، والإدراك العميق لأهمية اللقاء، في عاصمة الدولة الكبرى التي تنافس الولاياتالمتحدة في المحافل الدولية. كما يفترض أنهم كانوا يملكون الصلاحيات الكاملة لاتخاذ القرار السياسي المطلوب والمفيد، في خدمة القضية والحقوق والشعب. الوفود في موسكو كانت تدرك، وهذا ما عبر عنه أكثر من متحدث، أن موقع القضية الفلسطينية تراجع إلى حد كبير في الحسابات الإقليمية العربية، وأن عدداً غير بسيط من العواصم العربية، قد بدأ بالانفتاح مع إسرائيل، إما في علاقات علنية (قطر، الإمارات، عمان، البحرين) أو في علاقات ولقاءات غير معلنة أشارت وسائل الإعلام العبرية إلى بعضها، بناء على حديث لنتنياهو، قال فيه إنه زار أربع دول عربية بشكل غير معلن. كما أن الوفود في موسكو كانت تدرك أن الولاياتالمتحدة تتبع سياسات هجومية على الصعيد الإقليمي، وعلى الصعيد الدولي، لمحاصرة م.ت.ف والحالة الفلسطينية، إن في محاولة اتهام النضال الوطني الفلسطيني بأنه إرهاب(على غرار ما حاولت أن تدفع إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في 6/12/2018) أو في محاولة الضغط على عدد من الدول في أوروبا وأميركا اللاتينية، للاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل سفارات بلادها إليها، في محاولة لتكريس أمر واقع تطمح إسرائيل من وراءه أن تحقق أهدافها المعروفة بدعم من الولاياتالمتحدة. كذلك، كانت مصادفة ذات مغزى سياسي وكبير أن ينعقد الحوار الفلسطيني في دورته الثالثة في موسكو، بينما الولاياتالمتحدة ترعى مؤتمراً في وارسو، دعت له، وحضرته 60 دولة، من بينها إسرائيل، ودول عربية، لبناء حضور أشبه بالحلف السياسي، في مواجهة إيران، بذريعة أنها الإرهاب، وتبرئة دولة الاحتلال منه، وتوفير الفرص، لفتح المزيد من الأبواب أمام التطبيع العربي – الإسرائيلي، في ظل بقاء الاحتلال الصهيوني للمناطق الفلسطينية والجولان السوري، وأجزاء من جنوبلبنان، في عملية إنقلابية على مبادرة السلام العربية التي وضعت آليات وأولويات في حل المسألة الفلسطينية، مقابل التطبيع مع إسرائيل. وبالتالي كان يفترض أن يجعل الفلسطينيون من الحوار، محطة لتحقيق ثلاثة أهداف كبرى: 1) كسر الجمود في العلاقات الفلسطينية وتهيئة الأرضية لاستئناف الحوار في خطوة لاحقة في القاهرة، للبدء والشروع في تطبيق اتفاقات وتفاهمات إنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الداخلية. 2) التأكيد على الصداقة الروسية – الفلسطينية، والطلب إلى موسكو لعب الدور المنشود في دعم القضية والحقوق الفلسطينية. 3) تحويل محطة موسكو، إلى رد استباقي على مؤتمر وارسو، والتأكيد أنه على الطاولة الفلسطينية يتقرر مصير الشعب الفلسطيني ومستقبله السياسي، وأن المجتمعين في وارسو لا يحملون تفويضاً يمكنهم من التحدث باسم الشعب الفلسطيني وقضيته، وأن أية مشاريع تطرحها الولاياتالمتحدة على مؤتمر وارسو، لحل القضية الفلسطينية لن تمر ولن تكتب لها الحياة مادام الفلسطينيون يرفضونها، وأن الفلسطينيين، رغم خلافاتهم، يقفون وقفة واحدة وموحدة، ومتماسكة في وجه صفقة ترامب، ومشاريع التسوية الهابطة لنتنياهو، إن في دولة ذات حدود مؤقتة، أو في ما يسمى «السلام الإقتصادي»، أو في تأبيد الحكم الإداري الذاتي، بديلاً للدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، على حدود 4 حزيران 67، وضمان حل قضية اللاجئين بموجب القرار 194. (3) ■ في تتبع دقيق لمجرى الحوار، كما أداره رئيس معهد الإستشراف فيتالي نعومكين، وبحضور مندوبين عن السفارة المصرية في موسكو، حققت الوفود خطوات مهمة إلى الأمام، في ما قدمته في مداخلاتها، وأكدت توحدها وتوافقها على معظم القضايا المدرجة على جدول أعمال الحركة الوطنية ونضالاتها في المرحلة الراهنة إذ: أكد الجميع على ضرورة إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية، وأن الإنقسام يلحق الضرر الشديد بالقضية والحقوق ومصالح الشعب. كما أكدوا على ضرورة الإلتزام بالإتفاقات والتفاهمات الموقعة من قبل الجميع منذ «إعلان القاهرة» في آذار/مارس/2005 وصولاً إلى تفاهمات 12/10/و22/11/2017، وأن الخطوة اللاحقة لحوار موسكو يجب أن تكون القاهرة، حيث هناك يستأنف الحوار (ليس من نقطة الصفر) من أجل وضع آليات تطبيق ما تم الإتفاق عليه. وفي هذا السياق، كان الحوار هادئاً، رغم أن بعض المداخلات حاولت أن تحمل طرفاً دون غيره مسؤولية تعطيل عملية إنهاء الإنقسام. حتى أن مداخلات حركتي فتح وحماس بدت في بداياتها مداخلات تصالحية، نشرت أجواء تفاؤلية في قاعة الحوار. أكد الجميع على أن المقاومة الشعبية بكل أشكالها، حق ثابت من حقوق الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال والإستيطان، ولم يتم التطرق إلى ما يسمى ب«المقاومة السلمية» وبالتالي، إعتبر هذا التوافق خطوة مهمة في رسم آلية إستراتيجية في مواجهة الإحتلال والإستيطان، مع الربط بين استنهاض المقاومة الشعبية (دوماً بكل أشكالها) وضرورة إنهاء الإنقسام. جرى التأكيد على أن م.ت.ف. هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني [دون استثناء] مع التأكيد على ضرورة تطبيق ما جاء في وثائق الحوار الوطني (منذ 2005 وحتى 22/11/2017) بما يفتح أبواب المنظمة أمام الأطراف التي علقت عضويتها فيها كالجبهة الشعبية القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة، وأمام حركتي حماس والجهاد. كما تم التأكيد على رفض أية بدائل للمنظمة، بغض النظر عن واقعها الحالي، وعن النواقص والثغرات التي تعانيها. جرى التأكيد على «البرنامج المرحلي»، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة وعاصمتها القدس. مع التأكيد في السياق نفسه، أن هذا لا يعني ولا للحظة التخلي عن أي شبر من أرض فلسطين الإنتدابية. وأن النضال ضد المشروع الصهيوني، وضد دولة الإحتلال، متواصل حتى إنجاز البرنامج الوطني الإستراتيجي. في السياق نفسه، تمّ التأكيد على رفض كل الحلول البديلة لحق العودة، الى الديار والممتلكات التي هجر منها اللاجئون الفلسطينيون، والتمسك بقرارات الشرعية ذات الصلة، بما في ذلك القرار 194. كذلك تم التأكيد على رفض «صفقة ترامب» من قبل كل مكونات الشعب الفلسطيني، وحركته الوطنية، وضرورة محاصرة هذه «الصفقة» وإسقاطها، لصالح إعلاء البرنامج الوطني الفلسطيني بعناصره كافة. تم التأكيد على رفض « قانون القومية» العنصري، الذي تبنته حكومة دولة الإحتلال، وحصر حق تقرير المصير «بالشعب اليهود»، مع التأكيد على وحدة الحالة النضالية بين مكونات الشعب الفلسطيني في مناطق تواجده كافة في العالم. تمت الإشادة بمسيرات العودة وكسر الحصار، ودعت إلى مواصلة النضال لرفع الحصار عن القطاع. وأخيراً، وليس آخراً، أشاد الجميع في مداخلاتهم، بدور موسكو، وأكدوا على ضرورة أن يشكل البيان الختامي [الذي اقترح له عنوان إعلان موسكو] سلاحاً بيد الدبلوماسية الروسية في دفاعها عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية والإقليمية. وحين إنتهى الحوار من الفصل الخاص بالمداخلات، بدت الأجواء إيجابية وإنتقل المجتمعون إلى البحث في إصدار ما اتفق عليه في بيان اتفق أن يحمل «إعلان موسكو». (4) ■ تقدم راعي الحوار البروفسور نعومكين بمسودة «إعلان» صاغها خبراء معهد الإستشراق. حاولوا فيها الإبتعاد، قدر الإمكان، عن القضايا الشائكة التي يعرفون جيداً أنها موضع خلاف بين أطراف الحالة الفلسطينية. كما صاغوا «الإعلان» بلغة سياسية أخذت في الإعتبار قرارات ومفاهيم الشرعية الدولية، حيث أن مهمة «الإعلان» هي مخاطبة المجتمع الدولي بخطاب سياسي يفترض أن يستقطب تأييده. في الوقت نفسه حمل مشروع «الإعلان» مواقف واضحة وصريحة لا تحتاج إلى تأكيد، بشأن الحقوق المشروعة، الدولة المستقلة، حق العودة، إدامة عمل وكالة الغوث… وتقدم نعومكين بثلاثة خيارات للتعامل مع مشروع «الإعلان»: الأول: القبول به كما هو، مع معالجة بعض الأخطاء الناتجة عن الترجمة، وتقديمه للعالم بإعتباره يمثل رأي الطرف المضيف. الثاني: إدخال تعديلات طفيفة على بعض البنود، لتظهير بعض المواقف الفلسطينية للرأي العام. الثالث: إعادة صياغة «الإعلان» من الأساس، مع الإهتداء به في «إعلان» جديد. وبعد نقاش مطول أقرت الأغلبية الخيار الثالث ما تطلب تشكيل لجنة صياغة ضمت فتح، الديمقراطية، الشعبية، حزب الشعب، المبادرة، حركة الجهاد. ولم ترشح حماس نفسها للجنة، وشكل ذلك سابقة في جولات الحوار الوطني، حيث تحرص حماس، على الدوام، أن تكون في عداد لجان الصياغة. خطت لجنة الصياغة خطوات مهمة في القضايا المباشرة، وهي قضايا كبرى بلا شك من مبدأ إنهاء الإنقسام وإستئناف الحوار في القاهرة، إلى مبدأ المقاومة الشعبية بكل أشكالها، إلى التوحد في مواجهة «صفقة ترامب». الصعوبة التي واجهتها لجنة الصياغة، أن بعض الإقتراحات والنقاشات أعادت الحوار الفلسطيني إلى نقطة الصفر، واستعادت أجواء العام 1974 أحين أطلقت الجبهة الديمقراطية البرنامج المرحلي وصادق عليه المجلس الوطني في نقاطه العشر. القضايا التي أثيرت هي كالتالي: الدولة الفلسطينية. هل يذكر «على حدود 67»، أم تبقى عبارة مفتوحة بلا حدود؟ مدينة القدس عاصمة دولة فلسطين. هل تذكر «القدس الشرقية» أم يكتفي بالقدس؟ م.ت.ف. هل يكتفي بالتأكيد أنها الممثل الشرعي والوحيد، أم يشترط للإعتراف بها إصلاح أوضاعها، عملاً بالتوافقات الوطنية بحيث تضم الجميع، بما في ذلك حماس والجهاد. وحول هذه القضايا دار حوار مطول ومعقد. وفي هذا السياق قدمت الجبهة الديمقراطية وجهت نظر أرادت من خلالها أن تحاصر المشكلة وأن تضعها في سياقها السليم، لإنقاذ «الإعلان»، والوصول إلى توافق حول بنوده، يتوج الحوار، ويقدم للمضيفين الورقة التي تمكنهم من التحرك في صالح القضية الوطنية. (5) ما قال وفد الجبهة الديمقراطية في مناقشة مسودة «الإعلان» تمحور حول النقاط التالية: لسنا هنا لنتفق على كل شيء. فنحن في الأساس مختلفون في عدد من القضايا. لكننا إتفقنا على قضايا جوهرية وكبرى، المهم فيها أنها تشكل القضايا المباشرة المدرجة على أجندة الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني في المرحلة الراهنة. وهذا واضح في مسودة «الإعلان». لسنا هنا لننهي الإنقسام، فهذه ليست مهمة هذه الجولة من الحوار، كما وأن الأصدقاء في موسكو لم يرشحوا أنفسهم لهذه المهمة بل تركوها للأشقاء في مصر. وبالتالي دعونا نتفق ألا نسمح للإنقسام، المؤجل علاجه، أن يهيمن على نقاشاتنا. ويعطل توافقنا على الإعلان. لا نستطيع أن نتفق سياسياً على كل شيء. ولا يستطيع أي منا أن يفرض برنامج حزبه أو حركته على الآخرين. نحن هنا لنصل معاً إلى القاسم المشترك، لذلك على كل منا أن يقدم تنازلاً، ليس للآخرين، بل لشعبنا، كي نتمكن من تحقيق الغرض من هذا الحوار، وهو الوصول إلى «إعلان موسكو» بموافقة الجميع. لذلك دعونا نتجاوز القضايا الكبرى غير المطروحة على جدول أعمالنا المباشر، كالحديث عن حدود العام 67، أو القدس الشرقية، أو شروط تطوير م.ت.ف، للإعتراف بها وأن نتفق على صياغات ممكنة، تتناول القضايا المباشرة والراهنة، كصفقة القرن، والمقاومة الشعبية وإنهاء الإنقسام وغيره. بدوره أدلى البروفسور نعومكين بدلوه في الإتجاه ذاته، خاصة وأن بعض الأصوات إرتفعت تشترط إما أن يحوي الإعلان ما تريده هي بشكل واضح وصريح، وإما فلا إعلان ولا بيان. وكادت هذه النزعة الإنتحارية الصفرية، التي جاءت من داخل بعض فصائل م.ت.ف، في إسناد ودعم غير حكيم لما تراه صوناً للمنظمة، وأن تغلق الطريق، وأن توفر لمن كان يحمل نية مسبقة بتعطيل الحوار للوصول إلى تحقيق هدفه. وبعد نقاش مضنِ تواصل لساعات طوال تم التوصل إلى صيغة توافقية نصت على التالي: التأكيد على «حدود 67». ذكر القدس دون الشرقية بإعتبار أن ذلك تضمنه «حدود 67». التأكيد على م.ت.ف، الممثل الشرعي والوحيد، دون أية إضافات. مع الإشارة في بند آخر، على ضرورة تطبيق توافقات 2005 حتى 22/11/2017، بإعتبار أن توافقات 2005، و2011، وغيرها تعالج قضية إصلاح الأوضاع في م.ت.ف. وهكذا ذهبت الوفود إلى لقاء وزير الخارجية لافروف، في ظل أجواء تفاؤلية، وبعد أن وصلت أنباء التوافق على «إعلان» موسكو إلى القيادة الروسية. ما جرى بعد ذلك أن «يداً خفية» وزعت نصاً ل «الإعلان» مرفقاً بتصريح من سفر فلسطين في موسكو عبد الحفيظ نوفل، يؤكد أنه الإعلان الذي تم التوافق عليه. «الإعلان» أشار إلى «حدود عام 67»، كما أشار إلى «القدس الشرقية» وهو ما أعاد النقاش إلى نقطة الصفر، ووجهت سهام الإتهام إلى سفارة فلسطين وإلى من أمرها بما قامت به. لم تنجح محاولات رأب الصدع, فانقسم المتحاورون، بين من يدعو إلى التوقيع على «الإعلان»، مع حق التحفظ على أي من بنوده، فالهم أن يخرج «الإعلان» إلى عالم السياسة. وبين رفض التوقيع، ورفض «الإعلان» كاملاً. وبذلك أسفرت النتيجة عن توقيع 8 فصائل للإعلان، وإمتناع أربعة هي، إلى جانب حماس، والجهاد، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.■ ■ ■ ■ كان يمكن، دون أي شك، الوصول إلى التوافق على «إعلان موسكو». لو أن الأطراف المعطلة استمعت إلى نصيحة لافروف الذي دعا إلى وضع المصالح الحزبية والإقليمية جانباً، والالتفات إلى مصلحة الشعب الفلسطيني وحده. أثبتت الأطراف المعطلة لإصدار بيان بالإجماع أنها لا تتمتع بالقدر الكافي من المسؤولية الوطنية، والإحساس بالاستحقاقات القادمة. وإنها غلبت تحالفاتها الخارجية، ومصالحها الفئوية على باقي المصالح. أثبتت التجربة أن النظام السياسي الفلسطيني بات نظاماً معاقاً، لا يحتكم إلى المؤسسات، بل إلى فرد يتسلط على كل الصلاحيات. وأن مؤسساته فاشلة، ولا تتسع في إطارها ومبناها الحالي لكل المكونات في الحالة الفلسطينية. أثبتت التجربة أنه دون حل شامل، يطال بنية النظام السياسي وإعادة بنائه بالإنتخابات الحرة والنزيهة والشفافة سيبقى إلى حد كبير، مستحيلاً الوصول إلى إنهاء الإنقسام بالوسائل التي مازالت تتبعها القاهرة مع طرفي الإنقسام■ معتصم حمادة