صدر للقاص أحمد رزيق مجموعة قصصية تحت عنوان “عزف منفرد” من جنس (القصة القصيرة جدا) من طبع ونشر “طوب بريس” الرباط سنة 2016 وبدعم من وزارة الثّقافة.صدر للقاص أحمد رزيق مجموعة قصصية تحت عنوان “عزف منفرد” من جنس (القصة القصيرة جدا) من طبع ونشر “طوب بريس” الرباط سنة 2016 وبدعم من وزارة الثّقافة.الغلاف في وجهه الأوّل يطغى عليه اللّون الأحمر الضارب إلى البنّي، وفي تفتّحه على اليسار سلّم موسيقي بلون أصفر باهت في الأعلى، و بالأبيض اسم القاص، يليه عنوان المجموعة بخطّ كبير، أسفله تحديد جنس المجموعة بخطّ أصغر. وفي ظهر الغلاف، نفس اللّون الأحمر/البنّي، و نفس السّلم الموسيقي و قد تموضع جهة اليمين. أمّا يساراً فوضعت صورة القاص مرفقة باسمه، و في وسط الغلاف نشر نص “ممحاة ” وفي الأسفل إشارة لوزارة الثقافة. و قد تصدر المجموعة إهداء لافت: “إلى شخصيات هذه المجموعة شرارها و خيارها ” ثمّ أربع قولات لكلّ من د سعاد مسكين، وجميل حمداوي، وحسين زروق، والقاص حميد ركاطة. عدد نصوص المجموعة ستون نصاً، أغلب عناوينها مفردة إلا عشرة:[ اللّص المغفل، لون الغواية، ضد التيار، مبدئي حتّى الموت، آذان لا تنام، أبيض وأسود، حزام ناسف، عد عكسي، عزف منفرد، فرصة للحياة].حجم النّصوص، وعلى غير المعتاد في (ق ق ج) ارتأى القاص ألا يعمد إلى التّحديد. فاختلفت أحجام النّصوص اختلافاً واضحاً، بين أصغر نص سطر ونصف: “مقايضة “ص/71 وأطول نص “سياسة” ص/43,42 في واحد وعشرين سطراً. أمّا عنوان المجموعة، “عزف منفرد ” فهو مصطلح موسيقي يعني العزف بآلة واحدة من طرف عازف واحد، كالعزف على القانون، أو العود، أو الكمان.. ويُعرفُ بالصّولو((Solo وقد تكرّر كعنوان في عدّة أعمال أدبية وفنّية ككتاب يوسف إدريس، الذي خصّه للحديث عن نفسه ولقاءاته الأدبية. كما نجده عنوناً لقصيدة شهيرة لمحمود درويش، وعنوانا لمجموعة قصصية للقاص الأردني مهند العزب. 1 الحدث ومعالجته: المجموعة تعالج عدّة أحداث معيشية مختلفة، ولقد تحكّم الحجم في طريقة المُعالجة، فالنّص الذي هو في سطر ونصف تختلف معالجته للحدث، عن نص من واحد وعشرين سطراً لذا جاءت المعالجة في صور مختلفة:1/1 الحدث في صورة ذكاء: سيّدة يُسرق دملجها الذّهبي بواسطة التّهديد بالسّلاح الأبيض. فبدل أن تستغيث و تصيح استغرقت في الضّحك، فظنّ اللّص أنّ الدّملج مُزيف، وليس ذهبياً فرماها به وانْصرف، ولو أنّها اسْتغاثت واسْتنجدت لظنّ اللّص أنّ ما بيده ذهب حقيقيّ وهذا ما نجده في نص “اللّص المغفل “ص/7 و يتكرّر الحدث الذي أساسه الذّكاء في نص”فخ” ص/8 شرطيان أوقفا سيّدة أحدهما انْشغل بالأوراق، و الآخر تفقّد السّيارة من الدّاخل، فأثار انتباهه الهاتف النّقال فسرقه .الأوّل أعاد الأوراق للسّيّدة. و لكنّها حين عادت تفقدت هاتفها، لم تجده، فأصرّت أن تنتظر الدّورية تمر، فما أن مرّت حتّى لوّحت للضّابط المكلّف بالمرور، و استعانت بهاتفه. وإذا بهاتفها يرنّ تحت قبعة الشّرطي. فانكشف أمره .و هناك حدث آخر في صورة ذكاء غير محمود، لأنّه ينطلي على مخاتلة و تهرب من أداء الواجب. كالذي نجده في نص “أزمة ” ص/10 السيّد يأمر السّائق أن يأتيه بسجارتين من بائع السّجائر بالتّقسيط، يخفي إحداها و يدخن الأخرى بارتياح. فحاول السّائق أن يَستغل الظّرف فطالبه أن يأمر بصرف راتبيه لشهرين سابقين، ولكن السّيد ربتَ على كتف السّائق و قال في أسى : ” صبراً،ألا تلاحظ أنّني أشتري السّجائر بالتّقسيط؟ ” . و يتكرر الحدث في صورة ذكاء في نص ” مواعيد ” ص/15 و هو يجسد الذّكاء العمليّ، دون صخب أو عتاب أولوم… 1 /2 الحدث في صورة مفارقة. وقد وردت ثلاثة نصوص كلها تحمل عنوان ” مفارقات “ففي “مفارقات (1)” رجلان يجمع بينهما مكان جلوس أحدهما يحمل قنينة خمر يريد أن يحتسيه، و الآخر متدين، ملتح، يسبّح بمسبحته. تبادلا النظرات، و لكن ذلك لم يُجدِ في شيء. فلا السّكير غيّر المكان، و لا المتدين نفر من الوضع المشوب بالشّبهات. و لكنّ هذا الأخير حدّث جليسه مُحذراً: “إحْترس إنّ دورية الشّرطة بالشّارع المجاور.” ص/11 أمّا الحدث في “مفارقات(2)” ص/12 فيجري في بهو المحكمة حيث تجمّع أهالي المُتّهمين لمعرفة مقتضيات الأحكام. فدار الحديث بين امرأتين، فسألت الأولى الثانية عن سبب اعتقال زوجها فقالت: وقفة احتجاجية أمام متجر يبيع الخمور في الحي، وأنت ؟فأجابت الثّانية و كأنّها تستخف بتهمة ابنها: لا، لا، الحمد لله أنا ولدي اعتقل فقط لشرب الخمر.و في “مفارقات (3)” ص/13 وقف الخطيب فوق منصة عالية جداً.. فكان المنصتون إليه يظهرون كالنّمل في صغرهم فسأل طفل أباه : ما يكون ذلك الشّيء الصّغير الصّغير الصّغير الذي لا أكاد أستبينه هناك.؟ 1/3 الحدث في صورة حالة كالذي نجده في نص “احتجاج” ص/16. زوج لم يكن يرى وليده إلا لماماً، حين يغادر العمل مساء، يقضي وقتاً في المقهى، ثمّ يواصل سهره في أبعد ملهى إلى الثلث الأخير من اللّيل، و حين يعود إلى البيت، يجد الكلّ في نوم عميق. إلى أن حدث ذات ليلة عاد فأحدث ضجّة، استفاق على أثرها ولده في السنتين من عمره، أضاءت الزّوجة الغرفة فرأى الطّفل: “صورة لم تألفها عيناه ، شعر رأس يُسافر في كلّ الاتجاهات ، و شارب فوضوي كثيف، و عينان حمروان…” . فانفجر الطّفل باكياً من الفزع…1/4 الحدث في صورة تهيّؤات و تمثّلات. كالذي نجده في نص ” النّظارة” ص/17 نظارة سائق سيارة الأجرة الأنيقة و التي وضعها على حاجز المقود، فاختطفت انتباه الزّبون، و رحلت بخياله بعيداً، إلى خليلته، و كيف استحسنت النّظارة، على عينيه، فازدادت إعجاباً به، و احتماء بذراعه في الشارع العام، و تباهياً أمام من يعرفها ومن لا يعرفها، وهو في انتشاء بمظهره الجديد، و استغرق في حلم اليقظة، يتخيل و يتخيل… ولكن ” لم يتخيل قط أن يعود من رحلت هناك بأضلاع مهشّمة،و رجل مكسورة، و متابعة قضائية …” ويتكرر الحدث في صورة تمثلات في نص ” لون الغواية” ص/20 ، ونص: “مخبرفوبيا ” ص/36 1/5 الحدث في صورة احتيال، كالذي نجده في نص “سخاء” ص/18 معلم ، أو صنف من هؤلاء الذين ابتلي بهم التّعليم، يبتزّ تلاميذه الصّغار، بأن يحتال عليهم و يستولي على مصروفهم اليَومي، و ذات يوم زار النّاظر القسم مرفوقاً برجل، فظن المعلم أنّه أحد الأباء جاء مشتكياً . فبادر إلى توزيع ما أخذه ذلك الصّباح من التّلاميذ، وهو يُحذّر من مضار الحلوى، و أنّه سيعاقب كلّ من اشترى بدرهمه حلوى، بحرمانه من درهمه يوم غد” ولكنّه تفاجأ بأنّ النّاظر جاء برجل مُعوز في حاجة إلى مُساعدة ليشتري لابنه أدوات مدرسية، فبادر التّلاميذ بكلّ سخاء و أمَدّوا الرّجل بكلّ ما كان معهم.وتستمر الأحداث في تنوعها، و اختلافها، و أهميتها:كالسّخرية في نص: “فرح”ص19. و”رؤساء “ص/29. والتّضاد و الخلاف في الرغبات والأماني في نص”ضد التيار”ص/21. و “بيض و أسود ” ص/2 . و”عرفان” ص/33. واللا انتماء، كما هو في نص “القاعدة” ص/26. أو البخل، في نص: “مبدئي حتّى الموت” ص/27، أو مخبر السّلطة ، في نص “آذان لا تنام “ص/31، أو السرقة، في نص “سرقة” ص/34 و الريبة والشبهة، في نص: “شارع “ص/38 و نص: ” حزام ناسف “ص/39…. 2 شكل المعالجة لقد اختار القاص أحمد رزيق، أن يعالج أحداث نصوص مجموعة “عزف منفرد” بطريقة خاصّة و منفردة حقاً. إذ لا يشعر المتلقي أنّه بصدد نصوص قصيرة جداً. ليس من حيث الشّكل والحجم المتفاوت، ولكن من حيث طريقة المُعالجة ، غير المألوفة في القصّة القصيرة جداً. و التي هي من خصائص القصّة القصيرة.إذ ليس الحجم الموجز و القصير… هو ما من شأنه أنْ يُحدّد معالم القصّة القصيرة جداً، وإن كان من خصائصها الضّرورية. فالحجم قد يتمطّط من سَطرين ثلاثة إلى نصف صفحة إلى صفحةٍ كاملة، و لكن مع ذلك أسلوب الكتابة، ينبغي أن يخضع لعدّة مقومات، قد يتوفر معظمها، أو بعضها في النّص القصصي .و هي التي تحدّد نكهة القصّ القصير جداً ومنها على سبيل المثال لا الحصر: التّكثيف اللّغوي، والإضمار، والحذف، والإدهاش، والتّراكيب اللّمّاحة ،و فعلية الجملة ضمانا للحركية و الدّينامية ، والتّسريع…فضلا عن دلالات الصّور السّردية ، كالتّداول، والسّيمياء، والاختلاف، والائتلاف… إنّ عدم مراعاة معظم هذه الخصائص المائزة، جعل النّصوص في أغلبها تكون كمشروع قصّة قصيرة، وبخاصّة منها الطّويلة نسبياً، التي تجاوزت أربعة/ خمسة أسطر. فهل تعمّد القاصّ أحمد رزيق نقلَ التجربة الأسلوبية للقصّة القصيرة إلى رحاب القصّة القصيرة جداً؟ أم أنّ الأمور تلقائياً اتّخذت لها هذا المَسار؟ كيفما كان الأمر، تبقى طريقة معالجة الحدث في بعض النّصوص الطويلة فيها نظر. على عكس النّصوص قصيرة جداً، والتي اسْتجابت للطّقس القصصيّ، بلْ وتكيّفتْ ومُتطلباته نذكرُ منها: سرقة ص/34، حلاوة ص/46، احتراق ص/47، بيع ص/52، مرآة ص/53،عجز ص/54،احتجاج ص/55، فطنة ص/56، ممحاة ص/59، عزف منفرد ص/60، قتل ص/ 69 تغريدةص/75، فهل هذا يعني من باب التّجريب المُزاوجة بين طريقتي المُعالجة للجنسين معاً ؟ كيفما كان الأمر تبقى النصوص الأقل من أربعة/خمسة سطور الأقرب لروح القصة القصيرة جداُ. بينما النّصوص الأخرى تهيمن عليها نسقية القصّة القصيرة. رغم أنّها حَجماً لا تتجاوز الصّفحة الواحدة إلا قليلا . 3 لغة القص: حسب المتعارف عليه، وما هو سائد في الكتابة القصصية القصيرة جدأ، أنّ اللّغة تتّسم بالكثافة، والتّلميح، وأنّها تسكت عن أشياء كثيرة، ولا تمرّر إلا الضّروري الذي يخدم فكرة النّص، و على المتلقي أن يتعامل، مع الجمل المقتضبة، والمجازية ، والإيحائية بحذر وفطنة بغية استنطاقها، والوصول إلى دلالتها، ومكنونها. فهي لغة أقرب ما تكون من لغة الشّعر، في ترميزها وتجريدها أحياناً، محققة أدبية الخطاب، وحسنات البلاغة، وإفادة المضمون، والمقبولية، والمتعة.في مجموعة “عزف منفرد” اللغة القصصية تشذ عن هذا في معظمه، وتعتمد لغة تتّسم بالانفتاح، والوضوح، وتسلسل الحكي والتّعبير، وذكر الجزئيات، والاهتمام بها لتحقيق البنية النّهائية ((Dénouement كالذي نلاحظه في النّصوص الطويلة نسبياً.مثل: [ فخ ، احتجاج، سخاء، لون الغواية، ضد التيار، مبدئي حتى الموت، رؤساء، مخبر فوبيا، سياسة، قيثارة، رسالة…] و السّبب في ذلك و كما أشرنا آنفاً ، أنّ النّصوص كُتبت بطريقة القصّة القصيرة .التي تسمح ببعض الزّائد اللّفظي، رغبة في التّعبير، والملاءمة النّصية على عكس القصّة القصيرة جداً، التي تفقد تلك الإمكانية بحكم ضيق المجال، والقصر الشّديد. ولكن حين يَعمد القاص أحمد رزيق إلى كتابة النّصوص القصيرة جداً في سطرين ثلاثة.. تتغير نَسقية اللّغة، و بناؤها، و تراكيبها .. فيشعرُ المتلقي بهذه المفارقة اللّغوية. وتداهِمه الأسئلة: لماذا لم تتبَع خطة سردية لغوية مُلائمة ؟ لماذا النّصوص الطّويلة نسبياً جاءت بنسقية لغوية تلائم القصّة القصيرة؟ لماذا النّصوص القصيرة جداً احتفت بلغة مُلائمة؟ هل يَعتبر القاص أنّه جمع بين جنسين من السّرد: القصّة القصيرة و القصيرة جداً؟ إذا كان الأمر هكذا فماذا عن غلاف المجموعة الذي يحمل “قصص قصيرة جداً”؟ في غير هذا مجموعة “عزف منفرد” للقاص أحمد رزيق يُختلق فيها الحدث، كشاهد على مُجريات الأمور في الحياة العامّة. وكأنّه لا يخضع لمنطق التّطور والنّمو، وإنّما يأتي كقدر تنتشر حوله تجلياته، وتبعاته التي من واقعيتها الاجتماعية…تشعرُ المتلقي، بصدق الحكي، والقيمة الدّلالية التي صيغت في عدّة صور، تتسمُ بالنّقد، والسّخرية، والأدرمة… ما يَستوجبُ إعادة النّظر في مُجريات عدّة قضايا، التي أصبحت من شدّة التّكرار كأنّها مُسلّمات، لا تقبل النّقض ولا التّعديل. نصوص المجموعة تتدفق بعفوية سردية، وتتحاشى غريب اللّفظ والتركيب، محققة مَسارات تصويرية، لا يخلو بعضها من عناصر سيميائية: رمز، إشارة، أيقونة، صورة .. بغية منح النّص بعداً تأويلياً، ومَجالا تخيلياً.