تعتبر الشركة الوطنية “سوناكوس” أداة للدولة قصد تنفيذ الشق المتعلق بالبذور في مخطط المغرب الأخضر، حيث تتدخل في جل مراحل سلسلة البذور المعتمدة وتؤمن إنتاج وتوزيع كميات مهمة منها. الشركة الملقى على عاتقها مسؤولية تزويد الفلاحين بالبذور تم إنشاءها سنة 1975. وتعد شركة مجهولة الاسم وذات إدارة جماعية ومجلس مراقبة، وتخضع لوصاية وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات. وتتلخص مهمتها الرئيسية، كما تحددها أنظمتها الرئيسية، في اقتناء واستيراد واستغلال وتوضيب بيع البذور والشتائل والأشجار، أو أي جزء نباتي يستعمل لإعادة الإنتاج. كما يمكنها القيام بإكثارها. وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن أربع شركات خاصة تقوم إلى جانب شركة “سوناكوس” بتسويق البذور المعتمدة للحبوب الخريفية، إلا أن شركة سوناكوس تستأثر بحصة 85 في المائة من نشاط هذا التسويق. وعلى سبيل المثال فإن متوسط كميات البذور التي توفرها “سوناكوس” سنويا بالنسبة للحبوب الخريفية منذ انطلاق مخطط المغرب الأخضر يناهز مليون و800 ألف قنطار. غير أن الافتحاصات التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات كشفت عن جملة من الاختلالات التي تعرفها هذه الشركة، الأمر الذي يضيع على المغرب فرصة النهوض بالقطاع الفلاحي، لاسيما في الشق المتعلق بتأمين بذور الزرع للفلاحين. *المجلس الأعلى للحسابات ينتقد تدبير المؤسسة في تأمين حبوب جيدة للفلاحين اختلال في عملية إكثار البذور سجل المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره السنوي الصادر خلال سنة 2018، فيما يتعلق ببذور حبوب الخريف، انخفاضا في المساحات المخصصة للإكثار، وذلك، ابتداء من الموسم الفلاحي 2013-2014، وذلك بعد تحقيق الأهداف المسطرة من طرف اتفاقيات التنمية الجهوية خلال المواسم الفلاحية الثلاث الأولى (63 هكتار و690 آر سنة 2010-2011). كما انخفضت المساحة المنجزة خلال الموسم الفلاحي 2015-2016، أي ما يعادل 52 ألف هكتار و967 آر، إلى المستوى المسجل في بداية مخطط المغرب الأخضر. ولاحظ قضاة المجلس الأعلى للحسابات، أن عدد المكترين المتعاقد معهم أخذ في الازدياد (من 803 في الموسم الفلاحي 2009-2010 إلى 1.122 في الموسم الفلاحي 2015-2016)، بالرغم من أن المساحات المخصصة للإكثار تعرف تناقصا مضطرا، وهو الأمر الذي يخفي ظاهرة تجزيء الأراضي الفلاحية، وتضطر معه شركة “سوناكوس” اللجوء إلى التعاقد مع العديد من ذوي المساحات الصغيرة. ووقف المجلس على عدم استقرار الحصة المسقية من المساحة الإجمالية للإكثار، إلى جانب استمرار انخفاضها في السنوات الأخيرة، حيث تراوحت بين 38 في المائة، و45 في المائة، مقابل 67 في المائة، المنصوص عليها في الاتفاقيات الجهوية الموقعة. وفيما يتعلق بتوزيع المناطق الخاضعة للإكثار حسب أصناف الحبوب، فقد تبين أن القمح الصلب والشعير بدآ يكسبان اهتماما متزايدا خلال الفترة المشمولة بالمراقبة. إلا أنه، فيما يخص الشعير، فعلى الرغم من أن المساحة المزروعة قد تضاعفت ثلاث مرات، فإن معدل استخدام بذور الشعير المعتمدة لا يتجاوز 2 في المائة، مقابل 29 في المائة المتوقعة من قبل مخطط المغرب الأخضر في أفق 2020!. ولذلك فإن المجلس الأعلى للحسابات تساءل عن المعايير والفرضيات التي تم اعتمادها كأساس لتحديد الأهداف التي تم التنصيص عليها سلفا في الاتفاقيات الآنفة الذكر، وذلك بالنظر إلى الإنجازات المتوسطة والضعيفة في بعض المناطق. وانتقد تقرير المجلس عقد الإكثار الموحد الذي يشكل أساس العلاقة بين المكثر وشركة “سوناكوس”، بحيث يستهدف مجموع المكترين دون الأخذ بعين الاعتبار لخصوصيات كل فئة على حدة (حسب المنطقة، ومساحة القطعة الأرضية، وطبيعة المنطقة المسقية أو البورية، ونوع البذور، والجيل…). مما ينتج عنه عدم تقديم مقترحات شخصية للمكترين، من حيث الالتزامات والحقوق أو المزايا الممنوحة والمقتضيات التقنية (تحديد المسار التقني والكمية الدنيا للبذرة…)، وكذا من حيث الإشراف والمتابعة وصيغة التوضيب. وعلاوة على ذلك، فإن النظام التقني الذي تصاغ على أساسه العقود، بحسب المجلس الأعلى للحسابات يتطلب أن لا تكون الزراعة نتاج زراعة سابقة ذات تبن (حبوب خريفية)، وذلك لتفادي اختلاط البذور. ويرى المجلس أنه يترتب عن عدم احترام هذه القاعدة رفض اعتماد الحقل من طرف المكتب الوطني للسلامية الصحية للمنتجات الغذائية، وفي هذا الإطار، تبين لخبراء المجلس، أن شركة “سوناكوس” تقوم بإبرام العقود قبل الشروع في الزيارات الميدانية للمساحات المخصصة للإكثار قصد التأكد من العناصر المصرح بها من طرف المكترين ووضعية المحصول السابق. بالإضافة إلى ذلك، فإن التصاريح المتعلقة بنوعية الزراعات وعقود الإكثار لا تقول أية معلومات حول المحصول السابق. ولاحظ المجلس الأعلى للحسابات في السياق ذاته، قصور عمليات المراقبة القبلية من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، للحقول المخصصة للإكثار منذ بداية العملية، بحيث يراقب المكتب هذه العملية، بناء فقط على الوثائق دون القيام بأية زيارة ميدانية للحقل إلا عند القيام بالمراقبة المتعلقة بالصحة النباتية خلال مرحلة ظهور السنبلة في شهر مارس. وزاد المجلس، أنه بالرغم من تنوع الحقول المصرح بها، فإن مصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية المذكورة لا تجري مراقبتها إلا على بعض العينات. مما من شأنه أن يفقد المراقبة القبلية للحقوق معناها. كما ينتج عن النقص في صرامة المراقبة القبلية أن أغلب أسباب رفض الحقول المخصصة للإكثار، على إثر مراقبة المكتب المذكور المنجزة بين سنتي 2013 و2015، ترتبط بالزراعة السابقة. ويتعلق سبب هذا الرفض أيضا بالمساحات المسقية. وأشار المجلس إلى أن رفض الحقول المخصصة للإكثار ينم عن عدم التزام المكترين بالنظام التقني، فضلا على أنه يثير مسألة اختيار المكترين ومتابعتهم، والسبب في هذا الوضع، يرجع بحسب التقرير، إلى شركة “سوناكوس” التي لم تضع أية معايير لاختيار المكترين، كما أنها لا تتناول الإنجازات السابقة من أجل اختيار الأفضل منهم. ومن جهة أخرى، أبرز المجلس الأعلى للحسابات، على المستوى الإجرائي للأونسا، أن هذا الأخير، لا يخبر رسميا شركة “سوناكوس” بنتائج مراقبة الحقل، وهو ما يؤكد، بهذا الصدد، غياب قنوات الاتصال بين هذا المكتب والشركة من أجل تبادل المعلومات المتعلقة بالحقول المرفوضة وأسباب الرفض، مما يضيع على شركة “سوناكوس” الجهود والوسائل المبذولة لتتبع المساحات المرفوضة، ولا يسمح لمراكزها الجهوية بضبط برنامج وجدولة الإنتاج في الوقت المناسب. وانتقد المجلس عدم توفر المراكز الجهوية على تطبيق معلوماتي مرتبط بنظام المعلومات بالمقر المركزي مكرس لتسيير برامج الإكثار، من شأنه أن يتيح تتبع عملية الإكثار منذ إبرام العقود، وحتى اعتماد الإنتاج من قبل مصالح المكتب الوطني للسلامية الصحية للمنتجات الغذائية. علاوة على هذا، فإن هذه المراكز، بحسب المصدر ذاته، لا تتوفر على قاعدة بيانات ولوحات قيادة تمكن من جرد المكترين الذين يتم إبرام عقود الإكثار معهم، قصد منحهم برامج للإكثار مستقبلا، وذلك وفقا لمؤهلاتهم التقنية.
* حصيلة هزيلة وتبعية أجنبية لاحظ المجلس الأعلى للحسابات، بخصوص عملية الإنتاج وتوضيب البذور، وجود تباين بين توقعات الاتفاقيات الجهوية وحصيلة إنتاج بذور الحبوب، حيث بلغ الإنتاج الإجمالي والصافي من البذور المعتمدة نسب إنجاز متباينة بالنظر إلى الأهداف المسطرة في عقود الشراكة الجهوية، حيث تراوحت هذه النسب بين 50 في المائة، في الموسم الفلاحي 2014-2015، و68 في المائة خلال الموسم الفلاحي 2015-2016، في حين تجاوزت 70 في المائة خلال الموسمين الفلاحيين 2011-2012 و2012-2013. وعلى مستوى التطور السنوي للإنتاج الإجمالي والصافي من البذور المعتمدة، كشف المجلس، أنه بالرغم من أن التوقعات التي تم وضعها لضمان نمو مطرد خلال المواسم الفلاحية ما بين 2010-2011 و2014-2015، تبين أن الإنتاج المحقق يبقى بعيدا عن مستويات الإنتاج المتوقعة. بحيث لم يتجاوز، مثلا، صافي الإنتاج المسجل في الموسم الفلاحي 2015-2016 ما مجموعه 781.189 قنطارا، أي بمستوى إنتاج أدنى من ذلك المسجل في الموسم 2008-2009، والذي بلغ 840.630 قنطارا. ومن هنا، فإن هذه المنجزات لا تمثل سوى 28 في المائة من الأهداف المسطرة لإنتاج بذور الحبوب المعتمدة في أفق سنة 2020، والذي يناهز 2.8 مليون قنطار. ولاحظ المجلس بخصوص أنواع بذور الحبوب الخريفية المنتجة، أن القمح الطري يبقى في صدارتها بنسبة متوسطة تبلغ 77 في المائة من الإنتاج الإجمالي خلال المواسم الفلاحية الستة موضوع مراقبة المجلس. يليه القمح اللين بنسبة 21 في المائة. في حين بلغ إنتاج بذور الشعير 2.6 في المائة من إجمالي الإنتاج خلال موسم 2014-2015، وذلك بفضل الزيادة في الدعم المقدم لهذا النوع. أما من حيث المردودية، أشار المجلس إلى أن معظم الجهات لم تحقق إلا جزئيا المردود المتوقع، بنسبة تباين تجاوزت 30 في المائة بالمقارنة مع التوقعات الإجمالية للمواسم الفلاحية الستة. ومن جهة أخرى، لاحظ خبراء المجلس أن ثمانية مراكز جهوية لشركة “سوناكوس” (وهي؛ الفقيه بن صالح والدروة وسيدي العايدي ومكناس وفاس وخميس الزمامرة ومراكش والرماني) من أصل 14 مركزا، تستأثر بنسبة 80 في المائة من الإنتاج الصافي من البذور المعتمدة، وذلك منذ انطلاق مخطط المغرب الأخضر. ومن خلال هذه المعطيات، وبالنظر إلى الموقع الجغرافي لهذه المراكز الثمانية، تساءل المجلس الأعلى للحسابات عن وجاهة الاستمرار في القيام بوظيفة إنتاج بذور الحبوب الخريفية في المراكز الستة الأخرى. وأبرزت تحاليل المجلس بخصوص المعطيات المتعلقة ب”تشكيلة أصناف البذور”، أن عددها محدود بالنسبة لبذور القمح الطري والقمح الصلب والشعير المستغلة من قبل شركة “سوناكوس”، كما أبرز أيضا تركيز غالبية الإنتاج على أصناف قديمة بالرغم من القيام بتسجيل أصناف جديدة، إلى جانب التخلي عن بعض الأصناف الجديدة سنوات قليلة فقط بعد إدخالها. ويعكس هذا الوضع وفق المجلس، فشل الشركة في التعريف والترويج بمزايا الأصناف الجديدة لدى الفلاحين، كما يمكن أن يخفي إقبال الفلاحين على الأصناف التقليدية المعروفة، عدم ملاءمة الأصناف الجديدة للحاجيات الحقيقية للفلاحين ولخصائص بعض المناطق، ولاسيما إذا كانت ذات أصل أجنبي. ووصف تقرير المجلس الأعلى للحسابات تبعية قطاع الفلاحة للبذور ذات الأصل الأجنبي ب”الخطر”، داعيا شركة “سوناكوس”، من خلال إستراتيجيتها التجارية، إلى مواكبة المكترين بمدهم بأصناف جديدة من البذور ذات خصائص مناسبة (مقاومة الأمراض، وملاءمة التربة، والقدرة على الإنبات…)، ملاحظا، وجود هيمنة للأصناف الأجنبية المسجلة التي تعود إلى عدة سنوات مضت، إضافة إلى عدم إدراج أصناف محلية جديدة من بذور الحبوب الخريفية في السجل الرسمي المغربي منذ سنة 1997 إلى حدود سنة 2010 (لا يتجاوز المعهد الوطني للبحث الزراعي كمستنبت نسبة 40 في المائة من الأصناف المدرجة في السجل الرسمي). وأشار المجلس، في هذا الصدد، إلى بلوغ الأصناف الأجنبية المعدة للإكثار والإنتاج نسبة 44 في المائة من أصناف بذور حبوب الخريف المنتجة في الموسم الفلاحي 2014-2015، مقابل 24 في المائة فقط في الموسم 2010-2011، “مما يؤشر على مدى تزايد اعتماد القطاع على البذور ذات الأصل الأجنبي”. ومن جهة أخرى، سجل قضاة المجلس، وجود تأخير كبير بين إدراج بعض الأصناف في السجل الرسمي واستغلالها، الأمر الذي يعرقل حصول الفلاحين على الأصناف المطورة، وبالتالي يمس بمردودية الزراعات الوطنية على المدى البعيد. ونتيجة لذلك، كشف التقرير أن الدولة اضطرت إلى دعم استيراد البذور من الخارج بمبلغ قدره 500 درهم للقنطار لاستيراد بذور ما قبل الأساس الجيل الثالث (G3) و400 درهم للقنطار لبذور الأساس (G4)، وذلك على حساب البذور الوطنية التي لا يتجاوز دعم الدولة عند شرائها 180 درهما للقمح الصلب و170 درهما للقمح الطري و160 درهما للشعير. وقد تؤدي هذه الوضعية استنادا إلى تقرير المجلس، إلى خلق مخاطر تتمثل في التبعية للشركات الأجنبية المنتجة للبذور قصد ضمان تنوع الأصناف، بالإضافة إلى إضعاف البحث الوطني في هذا المجال. وانتقد المجلس الأعلى للحسابات، ارتباط الشركة بعدد محدود من الموردين الأجانب، بحيث اقتصرت، خلال المواسم الخمس الأخيرة التي خضعت لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات، على أربعة موردين أجانب فقط، لاستيراد أصناف من بذور الحبوب، محذرا من زيادة “مخاطر ارتهان القطاع بمجموعة محددة من الموردين”. كما هو الحال مع استئثار الشركة الفرنسية “فلوريموند ديبري” (Desprez Flomimond) بنسبة 80 في المائة من الشراءات خلال الموسم الفلاحي 2014-2015. ووقف خبراء المجلس على عشوائية “سوناكوس” في اقتناء البذور كل موسم فلاحي على حدة، في غياب تام لتخطيط وبرمجة متعددة السنوات للإنتاج والتسويق، يتم تحديدها بالاتفاق مع الموردين الأجانب. واعتبر المجلس أن هذا الواقع، يجعل الشركة رهينة بالأصناف والكميات المتوفرة عند المورد الأجنبي، الأمر الذي يكشف الاختلاف القائم بين الحاجيات والكميات المطلوبة، من ناحية، وبين الكميات المطلوبة وتلك التي تم استلامها، من ناحية أخرى. وأشار التقرير، أنه في الوقت الذي يجب أن تقوم فيه الشركة باستيراد كميات من بذور الأساس وما قبل الأساس، عمدت “سوناكوس” إلى استيراد البذور المعتمدة للإكثار الأول (R1) والإكثار الثاني (R2)، في خطوة ارتجالية وغير سليمة، ولم يكتف المجلس بهذا، بل انتقد أيضا، إقدام الشركة خلال الموسم 2010-2011، على قبول استيراد بذور ذات جودة متدنية بتخفيض المعايير المطلوبة في العقد الأولي مع الاحتفاظ بسعر البذور ذات الجودة العالية. ووقف المجلس على ضعف الشراكة بين الشركة والمعهد الوطني للبحث الزراعي في مجال البحث والتطوير، فبالرغم من توقيع شركة “سوناكوس” والمعهد الوطني للبحث الزراعي خلال عامي 2009 و2014، مجموعة من الاتفاقيات بخصوص البحث والتطوير في قطاع البذور، إلا أن هذه الاتفاقيات ركزت أكثر على الجوانب التنظيمية والترويج وآليات تعزيز القدرات من خلال تجميع المواد، بخلاف التركيز على تطوير البحث وخلق أصناف جديدة، والذي يشكل جوهر الشراكة. أما فيما يتعلق بتطبيق هذه الاتفاقيات، أشار المجلس إلى أنه لم يتم تنفيذ كافة الإجراءات المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات، باستثناء شروع الشركة في استغلال مخازن المعهد الوطني للبحث الزراعي مجانا، ووضعها كميات بذور الجيل الأول (G1) رهن إشارة المعهد. وانتقد المجلس عدم مراقبة الشركة لجودة الأكياس المستخدمة في حفظ الحبوب، والتي قد تسبب مشكلا في التأثير على جودة هذه الحبوب، مشددا على أن مراقبتها قبل الاستلام هو أمر بالغ الأهمية، لاسيما وأن الأكياس تعتبر عاملا أساسيا في سلسلة الإنتاج، مسجلا أن “استلام الأكياس المقتناة يتم على مستوى المراكز الجهوية التي لا يتوفر ممثلوها على الوسائل اللازمة لضمان احترام المواصفات التقنية المنصوص عليها في دفاتر التحملات التي يتم إعدادها أساسا على المستوى المركزي”. ولاحظ المجلس الأعلى للحسابات، وجود نقائص تشوب عملية ما قبل اعتماد الإنتاج، إذ تبين من خلال فحصه أن هناك تنوع في التعامل والاهتمام بعملية تحليل ما قبل اعتماد الإنتاج الخام من مركز إلى آخر. وبالإضافة إلى ذلك، فإن غياب دليل مرجعي لأخذ العينات والوسائل الملائمة لإنجازه يشكك في الطابع التمثيلي للعينات المأخوذة والنتائج التي تنتج عنها. مؤكدا على أن منظمة الأغذية والزراعة تنص على معايير معينة بالنسبة للتسليم بالجملة والتسليم في الأكياس، والتي لا تؤخذ بعين الاعتبار من قبل مصالح الشركة. وأشار المجلس الأعلى للحسابات أن عينة الإنتاج الخام التي يتم أخذها تخضع إلى تحليل ما قبل الاعتماد أثناء الاستلام (تحليل نسبة الرطوبة، والوزن النوعي، والخلط والشوائب)، مشيرا إلى أنه إذا تم قبول الإنتاج من أجل التوضيب، يتم إجراء تحليل آخر ما قبل اعتماد الإنتاج الصافي أثناء عملية التوضيب. ولاحظ المجلس أن إنجاز هذه العملية تظهر وجود نقص في الوسائل التقنية للتحليل، وكذلك اللجوء إلى طرق متقادمة لمعالجة المعلومات من التعليمات الشفهية، والسجلات اليدوية، مسجلا أن نظام التحليل المتبع أثناء مرحلة التوضيب لا يمكن من إعطاء تعليمات فورية لتغيير الإعدادات الأولية للآلة، مما قد يؤدي إلى غياب التجانس في جودة البذور الموضبة، وبالتالي، فإن هذا الوضع لا يسمح من جهة، بمعالجة واستغلال نتائج عمليات ما قبل الاعتماد، ومن جهة أخرى، لا يتيح ضمان تتبع جودة عملية الفرز، أو فصل المسؤوليات في حالة اعتراض من طرف مكثر ما. وأشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية يقوم بدور مراقبة جودة واعتماد البذور. وينتج عن ذلك، إما اعتماد البذور المنتجة، وإما الرفض، نظرا لعدم احترامها للمعايير المنصوص عليها في النظام التقني، أو القبول مع إعادة تصنيف البذور إلى جيل أدنى. وسجل المجلس أن معدلات رفض اعتماد بذور الحبوب الخريفية بعد عملية المراقبة المنجزة في مختبر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية شهدت تحسنا ملحوظا، حيث انتقلت من 24 في المائة في موسم 2010-2011 إلى 25 في المائة، في موسم 2014-2015 في المتوسط. ووقف المجلس على أن غالبية أسباب الرفض تتعلق بالخلط ووجود الأعشاب الضارة. وترتبط هذه الأسباب، من جهة، بجودة الزراعة في الحقل التي من المفروض أن يصادق عليها المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، ومن جهة أخرى، بعملية التوضيب التي من المفترض أن تنظف قسمة البذور وتزيل منها الشوائب. وفيما يخص عملية القبول مع إعادة التصنيف إلى درجة، همت عملية تخفيض التصنيف بنسبة عليا صنف بذور الأساس (G4) إلى درجة البذور المعتمدة للإكثار الأول (R1) والإكثار الثاني (R2) (45.641 قنطار من (G4) ثم تخفيض تصنيفها في الموسم 2012-2013)، وتأتي بعد ذلك، بذور الإكثار الأول (R1) التي تم تخفيض تصنيفها إلى درجة الإكثار الثاني (R2) (39.740 قنطار من (R1) تم إعادة تصنيفها في الموسم 2012-2013). وبالمثل، فإن بذور ما قبل الأساس من درجة (G2) و(G3) (المكثرة بكميات قليلة نظرا لأهميتها وللجهد التقني المتطلب من أجل إكثارها) قد تم تخفيض تصنيفها حتى إلى مستوى فئات الإكثار الأول (R1) والإكثار (R2) (13.021 قنطار من (G3) تم خفض تصنيفها في الموسم 2011-2012)، مما يشكل خسارة ثلاثة أجيال من البذور المعتمدة بالنسبة لشركة “سوناكوس”. ويعد الخلط النوعي ووجود الأعشاب الضارة الصعبة، والنسبة المرتفعة من المواد الجامدة الأسباب الرئيسية لإعادة التصنيف. في حين لم تتم ملاحظة سبب تخفيض التصنيف المرتبط بقدرة الإنبات وبالنقاوة النوعية سوى في حالات تتعلق ببذور ما قبل الأساس والأساس. ومن ثمة، فإن عمليات خفض التصنيف المتكررة تهدد تخطيط الشركة الأولى في الإنتاج والتسويق، ويمكن أن تسبب في تأخير أجيال البذور، وفي خسارة في تكاليف الإنتاج، خاصة فيما يتعلق بفئات بذور ما قبل الأساس، بالإضافة إلى الكسب الضائع أثناء عملية البيع. *** ردود سوناكوس من جهته، قدم رئيس مجلس الإدارة الجماعية للشركة الوطنية لتسويق البذور (سوناكوس)، بعد توصله بمشروع الملاحظات المتعلقة بتدبير الشركة من طرف المجلس الأعلى للحسابات، سلسلة من الأجوبة والتوضيحات، والمتعلقة بإكثار البذور، والإنتاج وعملية توضيب البذور، وتسويق البذور، والمخزون وظروف تخزين الحبوب الخريفية، وإستراتيجية التنويع، والتوازنات المالية. وأرجعت شركة سوناكوس، تراجع مساحات إكثار بذور الحبوب الخريفية، إلى المساحات التي عرفت تراجعا خلال الفترة الممتدة ما بين 2013/2014 و2015/2016، وذلك بسبب الكميات الكبيرة لمخزونات البذور الناتجة عن الوضع التجاري الصعب الذي تأثر بالظروف المناخية الغير ملائمة، وكذا بحجم المنتوج الوطني للمواسم السابقة. وأشارت الشركة إلى أن الإنجازات عرفت ارتفاعا ملحوظا لمساحة الإكثار خلال الموسم الفلاحي 2016/2017 حيث بلغت 630 ألف هكتار، أي بزيادة 20 في المائة مقارنة مع الموسم الفلاحي 2015/2016. وعزت عدم إنجاز أهداف الإنتاج المحددة في إطار مخطط المغرب الأخضر إلى تقليص مساحة تكثير البذور، حيث بلغت نسبة الإنجاز 71.43 في المائة، و79.54 في المائة، على التوالي للمواسم الفلاحية 2013/2014 و2014/2015، وكذلك إلى أهمية المخزون لدى سوناكوس من هذه المادة، مشيرة إلى أن المتوفرات من البذور خلال هذه الفترة كافية للاستجابة إلى متطلبات الفلاحين المستعملين لها (ما يفوق 1.800.000 قنطار). وفيما يخص النقطة المتعلقة باقتناء بذور حبوب غير معتمدة، أفادت سوناكوس في ردها، بأنه تم اللجوء بصفة استثنائية إلى اقتناء بذور الجيل الموالي للإكثار (GUR2) خلال السنوات الصعبة (2009/2010، 2010/2011 و2011/2012)، حيث أن المتوفرات من البذور كانت غير كافية لتغطية حاجيات المستعملين وقد تم التخلي عن هذه الدرجة من البذور بصفة نهائية مباشرة بعد الموسم الفلاحي 2011/2012 كما تم سحب الدعم المخصص لها. وأرجعت خطر تبعية القطاع للبذور ذات الأصل الأجنبي، إلى تزايد طلبات الفلاحين المكثرين والمستعملين للبذور، من الأصناف ذات الإنتاجية العالية، ومن أجل الاستعداد لتحقيق الأهداف الإنتاجية لمخطط المغرب الأخضر، وفي ظل غياب ملحوظ تسجيل أصناف وطنية جديدة، كلها عوامل دفعت سوناكوس لاستيراد أصناف أجنبية جديدة، مشيرة إلى أن آخر أصناف المعهد الوطني للبحث الزراعي اقتنتها سوناكوس تعود لسنة 2015 وتهم 7 أصناف من القمح الصلب والتي توجد الآن في طور الإكثار. وفيما يخص ملاحظة ارتباط الشركة بعدد محدود من الموردين الأجانب، أكدت سوناكوس مواصلتها البحث عن شراكات جديدة على أساس مبدأ «رابح-رابح» مع توطيد العلاقات مع الشركاء الأربع الحاليين وإعطاء الأسبقية للشريك الوطني «أملا في تحسين حصة الأصناف الوطنية من المبيعات»، مسجلة أنها تقوم منذ سنة 1988 باقتناء أصناف وطنية عن طريق طلب العروض المقدم من طرف المعهد الوطني للبحث الزراعي، وحاليا تشتغل سوناكوس ب 26 صنف وطني أي ما يعادل 40 في المائة من الأصناف الموجودة لديها. ودفعت ملاحظات وتوجيهات مجلس الحسابات بخصوص تسويق البذور، شركة سوناكوس، بسحب الرد، إلى تحسين التخطيط التجاري منذ الموسم الفلاحي 2017/2018، حيث تم وضع مذكرة تأطير لتوحيد الرؤى على المستوى الجهوي والمركزي، بعد عدة اجتماعات عقدت عشية الموسم التجاري بين المسؤولين المركزيين والجهويين، من أجل زيادة تعزيز التشاور ومشاركة المراكز الجهوية في تحديد الأهداف التجارية. وبخصوص الملاحظات المتعلقة بظروف التخزين، أفادت الشركة أن التخزين المطول يعرض جودة البذور للتلف، وخاصة فيما يخص قوة الإنبات، وذلك أكثر وضوحا بالنسبة للقمح الصلب، الذي يتميز بحساسيته الوراثية مقارنة مع القمح الطري والشعير، وهذا التدهور يؤدي إلى رفض البذور أو تخفيض درجتها من طرف ONSSA، وينتج عن ذلك خسائر لشركة سوناكوس، وإهدارا للجهود المبذولة على مدار عدة أعوام لإنتاج البذور، بحسب رد الشركة على تقرير المجلس الأعلى للحسابات.