فاجأت الانتفاضة في مصر العالم الغربي الحريص على أن يتخذ موقفا تاريخيا سليما وبدأ يعيد تقييم صلاته بقادة عرب يعارضون المد الديمقراطي بعناد ويدعمهم الجيش. وقال مسؤولون في مؤتمر امني في ألمانيا انه ينبغي على الغرب من منطلق المبادئ والمصالح الذاتية دعم حكومات أكثر ديمقراطية واحتراما لمطالب المواطنين في المنطقة لضمان التحول السلمي في مجتمعات تتوق لحياة أفضل. وقال جون مكين المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة «الأسبوعان الأخيران كانا بمثابة جرس إنذار». وأضاف أنه يرغب أن تتحقق الديمقراطية في المنطقة «ليس من منطلق أخلاقي في غير محله بل لان ما سيحققه ذلك من استقرار سيساعد الولاياتالمتحدة. وقال «أكبر ضمان للاستقرار هو الديمقراطية... مصالحنا الوطنية تتطلب تحقيقها (في الشرق الأوسط)». وقد يتوقف تحول هذه الأحاسيس لواقع على نتيجة الأحداث في مصر اكبر الدول العربية من حيث تعداد السكان وأكثرها نفوذا حيث هزت انتفاضة غير مسبوقة قبضة الرئيس حسني مبارك المحكمة على السلطة منذ 30 عاما. وقال فرانك ويزنر مبعوث الرئيس الأمريكي باراك أوباما الخاص للازمة المصرية «ما يحدث في مصر يؤثر على جميع مصالحنا في إرجاء المنطقة. نحن نهدف لتحول منظم نحو مستقبل ديمقراطي». وفقدت مساعي الولاياتالمتحدة لإحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط عقب غزو العراق في عام 2003 الزخم اثر فوز حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في الانتخابات البرلمانية في الأراضي الفلسطينية في عام 2006 . ويقول منتقدو الدبلوماسية الغربية في المنطقة ان هذا الفصل عكس ازدواجا في المعايير يتمثل تحديدا في تغاضي الغرب عن المبادئ الديمقراطية حين تكون النتيجة غير مرغوبة. ولكن كثيرين ممن تحدثوا في المؤتمر الأمني قالوا ان الانتفاضة في تونس وبصفة خاصة الانتفاضة في مصر أظهرا أن الوضع قد يكون مختلفا هذه المرة لأنهما ينطويان على تعبير شعبي حقيقي عن الغضب ضد الفساد والبطالة وسوء الخدمات التي تقدمها الدولة. وكذب انخراط شبان وعلمانيون وطبقة متوسطة متعلمة فكرة أن الإسلاميين يقودون القوى المعارضة في العالم العربي. وطالما قالت الحكومات العربية إن البديل الوحيد لحكمها القمعي جماعات إسلامية محظورة يشيرون إلى أنها ستأتي إلى المنطقة بنظم حكم دينية على غرار النظام الإيراني. وكرر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي عوزي أراد هذا القلق إزاء النفوذ الإسلامي وذكر أن الأمن ينبغي ان يتصدر المخاوف الأمنية في المنطقة. غير ان كثيرين من المحللين الغربيين يقولون إن الانتفاضة أتاحت فرصة لانخراط قوى أكثر تكنوقراطية وعلمانية وحداثة في الحكومة. وقال كارل بيلت وزير الخارجية السويدي «أصدقاؤنا هم من يرغبون في نقل مصر لعالم متطور». وتمثل مصر فرصة أمام الديمقراطية يجب ألا تضيع. ويرى جون شيبمان مدير عام المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية ان فكرة ان البديل الوحيد لمبارك هو الإسلاميون «مقولة بالية». ويقول «ثمة إمكانية لحكومة تكنوقراط تضم جميع المواهب ... اذا ساندت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ذلك». ويقول دبلوماسيون إن تحركا ناجحا نحو حكم رشيد أفضل في مصر سيلهم تغييرات مماثلة في دول عربية أخرى. وتشترك دول عربية من الجزائر إلى اليمن في كثير من الأوضاع مع مصر فيوجد في الكثير منها أعداد كبيرة من الشبان العاطلين عن العمل وقيادات تحكم قبضتها على السلطة والخضوع لحكم قوانين الطوارئ وجماعات معارضة تقول إن وقت الديمقراطية حان. ويقول محللون انه سواء ذهب مبارك أو بقي سيظل الجيش السلطة الحقيقية في البلاد فيما وراء الكواليس إذ ظلت القوات المسلحة المصرية في قلب العمل السياسي منذ إطاحتها بالحكم الملكي في عام 1952 . وقال شيبمان إن استمرار النفوذ العسكري ليس مبعثا للقلق بالضرورة. وتابع «نعم يمكن أن يمسك الجيش بالطوق ولكن سيمسك بطوق حكومة مختلفة تماما». واحد الأصوات الأكثر تشاؤما من وجهة النظر الديمقراطية الأكاديمي الأمريكي روبرت سبرينجبورج الذي لا يرى «أي فرصة» لانهاء واشنطن عادة تكوين تحالفات مع حكام مستبدين يدعمهم الجيش. وقال سبرينجبورج استاذ شؤون الامن القومي بكلية الدراسات العليا البحرية الأمريكية أن الجيش يعمل في هدوء مع الغرب لإبعاد مبارك عن السلطة مقابل ان تظل هيمنته على النظام السياسي من خلف الكواليس. وتابع «فوتنا فرصة تاريخية» مضيفا أن قيام دولة علمانية ديمقراطية في مصر كان سيصب في مصلحة إسرائيل.