أحمد مجدلاني وزير العمل في السلطة الوطنية الفلسطينية ل اليوم رسم أحمد مجدلاني، وزير العمل بالسلطة الوطنية الفلسطينية، ملامح تعثر المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واتهم مباشرة حكومة نتانياهو بعرقلة العملية السياسية وتنكرها لمرجعية عملية السلام. وأعلن الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني في حوار أجرته معه بيان اليوم خلال زيارته الأخيرة للمغرب، عن استعداد الحكومة الفلسطينية للذهاب إلى المفاوضات إذا توفرت الشروط والضمانات، وعلى رأسها الوقف الفوري لعمليات الاستيطان في القدس. وقال عضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية إن حركة حماس تأتمر بأوامر مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في مصر، معبرا عن أسفه لواقع الانقسام في الصف الفلسطيني، محملا المسؤولية لقيادة حركة حماس، التي تراهن، بحسب قوله، على وجودها في إطار ائتلاف إقليمي قد يكسبها أكثر مما يمكن أن تكسب من العملية الديمقراطية وصناديق الاقتراع، أو أي اتفاق فلسطيني- فلسطيني. * أود أن أبدأ حديثي معكم بسؤالكم إلى أين وصل ملف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الوقت الحالي؟ - كما تعلم فالحكومة الإسرائيلية الحالية من أكثر الحكومات تطرفا، سواء من حيث تركيبتها أومن حيث برنامجها، والتي تشكلت عقب الانتخابات التي جرت العام الماضي. هذه الحكومة كان واضحا تنكرها لأسس ومبادئ ومرجعيات عمليات السلام. ومنذ البداية تبنت مفهوما مختلفا للعملية السياسية، ورفضت البدء في المفاوضات من حيث انتهت مع الحكومة السابقة. وعليه لم يكن من الممكن، في ظل هذه الظروف والمعطيات، استئناف أي عملية تفاوضية أو سياسية معها. ومن هنا فإن الموقف الفلسطيني ركز على أربع متطلبات رئيسية لاستئناف العملية التفاوضية. الأول هو وقف الاستيطان الشامل في الضفة الغربية، والقدس تحديدا، والثاني يتعلق بإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية المغلقة في القدس، والثالث العودة إلى حدود 28 سبتمبر 2000، والأخير إطلاق كافة المعتقلين الفلسطينيين. وهذه المتطلبات هي في الواقع التزام من الحكومة الإسرائيلية بفعل خطة خارطة الطريق التي أصبحت قرار مجلس الأمن 1515. والموضوع الرئيسي بالنسبة لنا هو موضوع الاستيطان، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال العودة إلى المفاوضات دون الوقف الفعلي لهذه العملية. ولا يمكن استمرار العملية التفاوضية في ظل استمرار البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي، وإقامة جدار الفصل والتوسع العنصري وتهويد القدس. وما تقوم به الحكومة الحالية هو إجراء تغييرات ديمغرافية عميقة، وهذا أمر في منتهى الخطورة. وبالتالي فإن هذه الحكومة هي حكومة استيطان وتوسع، وهي بنفس الوقت تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وحريته في تقرير مصيره. وهي من البداية طرحت شرطين لاستئناف المفاوضات. الشرط الأول هو استثناء قضية القدس واللاجئين من المفاوضات، والثاني الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل. والواقع أن نتانياهو، عندما كان يضع هذه الشروط، كان يشن علينا حملات واسعة للتحريض على القيادة ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، بحجة أن الفلسطينيين يضعون شروطا لاستئناف المفاوضات. في حين أننا كنا نطالب بالتزامات محددة على إسرائيل القيام بها، لأننا نفذنا كل التزاماتنا، وناتانياهو هو الذي كان يطرح شروطا مسبقة لاستئناف المفاوضات. وجدير بالذكر فإن الموقف الفلسطيني ظل ثابتا إلى أن اقترحت الإدارة الأمريكية ما يسمى «مفاوضات التقريب» الذي كان الهدف منها قيام الإدارة الأمريكية بدور فاعل، وتدخل عال بين الطرفين، على أساس أن تتم مناقشة ملفي الحدود والأمن. بالنسبة لنا وافقنا على مفاوضات التقريب انطلاقا من مبدأين أساسين: أولا، أردنا إعطاء الفرصة للإدارة الأمريكية لتكتشف بنفسها أن من يضع الشروط هي الحكومة الإسرائيلية ولسنا نحن. والثاني، أننا لسنا مع جهودها لإطلاق عملية سياسية جادة تؤدي إلى حل الصراع في المنطقة. وحرصنا في ذات الوقت أن يكون القرار عربيا فلسطينيا. لذلك التجأنا إلى الجامعة العربية ولجنة المتابعة العربية، ومنها انبثق الموقف العربي الداعم والمساند للموقف الفلسطيني، من جهة، وشريكا في اتخاذ القرار من جهة أخرى. والأهم من هذا أن هذا القرار منح مهلة أربعة أشهر لهذه المفاوضات لنرى ما هي حصيلتها لتقييم الوضع. *أنتم تعلمون جيدا أن أمريكا لن تكون في صفكم، والمبادرة العربية لن تسفر عن نتائج كبيرة، فلماذا اللجوء دائما إلى أمريكا؟ - كنت سأتحدث عن هذا الموضوع، في الواقع الإدارة الأمريكية هي التي بادرت، وقدمت خطابا سياسيا تصالحيا مع العالمين العربي والإسلامي، ولسنا نحن من بادرنا إليها. و قد لمسنا تغيرا كبيرا وجوهريا في رؤية الإدارة الأمريكية الحالية للعلاقات السياسية الدولية. ولمسنا أيضا جديتها فيما يتصل بالصراع في المنطقة، بالارتقاء به من إدارة للصراع إلى حل للصراع، كما عبر عنه الرئيس أوباما سواء في لقاءاته الثنائية مع الرئيس أبو مازن، أو من خلال الخطابين اللذين ألقاهما في كل من القاهرة وإسطمبول. وتلك كانت قراءتنا للسياسة الأمريكيةالجديدة، وعلى هذا الأساس تعاملنا مع هذه الإدارة من منطلق التعاون البناء. بالمناسبة نحن شعب صاحب قضية حريصون على كسب الأصدقاء وحريصون على تحييد الأعداء، أو أي طرف قد يكون غير متفق معنا، حتى لا نقول معاد لقضيتنا ومواقفنا. لذلك فإن الإدارة الأمريكية ليست شيئا صغيرا في العالم الآن بعد انهيار الثنائية القطبية، ونحن هنا نتحدث عن وقائع ملموسة، تجسدها قدرات وإمكانية الإدارة الأمريكية في التأثير على العالم، وبالتالي لا يمكن تجاهل هذا الأمر. والسياسة الفلسطينية تنطلق من منطلق أساسي ألا وهو الوصول إلى أهدافها الوطنية في الحرية والاستقلال وإقامة دولتها المستقلة، وبمعنى أدق إنهاء الاحتلال، مطالبة بالتعامل بجهد بناء مع كل دول العالم، بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية. فنحن نريد دائما أن نفوت الفرصة على الحكومة الإسرائيلية، حتى لا تضعنا في تعارض أو تصادم مع الموقف الأمريكي، وهذا لا يعني أن نتخلى عن ثوابتنا الوطنية لإرضاء الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإنما نتحرك بمرونة سياسية مع تماسك حازم بالثوابت الوطنية. وقد نجحنا مثلا في العام الماضي عدة مرات أن نضع التصادم بين الحكومة الإسرائيلية والولاياتالمتحدةالأمريكية، وأبدينا كل المرونة والاستعداد، لكن عندما كانت الأمور تصل إلى نقطة معينة كان نتانياهو هو الذي يتراجع ويتخلف عن التقدم في العملية السياسية. وظهر الآن جليا أن نتانياهو يستغل حاجة الإدارة الأمريكية لقوى الضغط اليهودية في المجتمع الأمريكي، وخصوصا قبل الانتخابات النصفية للكونغرس. كما أنه يركز على قضيتين في حملته، الأولى أن الخطر الأكبر على المنطقة هو من إيران ومن السلاح النووي الإيراني، وأنه في سبيل التقدم في العملية السياسية يجب الانتقال إلى مفاوضات مباشرة، لأنه في الواقع لا يستطيع التفاوض بطريقة غير مباشرة. ويدعي أنه إذا تمت المفاوضات بشكل مباشر سيقدم مقترحات وحلول، أو ما يسميها هو «خطوات مؤلمة»، دون أن يحدد كونها مؤلمة على أي طرف. والواضح تماما أن الإدارة الأمريكية قد اشترت هذه البضاعة، وبالتالي كان مطلب الرئيس أوباما، من خلال جولة السيناتور جورج ميتشيل الأخيرة في المنطقة، الانتقال إلى مفاوضات مباشرة. بالواقع هذا الموضوع ومتطلباته كان مصدر نقاش عميق في إطار القيادة الفلسطينية، واللجنة التنفيذية في اجتماعها قبل أيام. وخلصنا إلى أنه أصبح ضروريا الانتقال إلى مفاوضات مباشرة، شرط اعتراف الحكومة الإسرائيلية بإطار عملية السلام، ثم مرجعية عملية السلام، بمعنى قرارات الشرعية الدولية، بالإضافة إلى السقف الزمني للعملية، لأننا في كل الأحوال لا يمكن أن نتفاوض إلى ما لا نهاية. ولكن قبل شيء، الوقف الفعلي للاستيطان وخاصة في القدس. إذا توفرت هذه المتطلبات فنحن جاهزون للذهاب إلى المفاوضات المباشرة أمس وليس اليوم، وإذا استطاعت الإدارة الأمريكية أن تقدم لنا هذه الضمانات من الحكومة الإسرائيلية فليست لدينا أية إشكالية في التفاوض. المشكلة بالنسبة إلينا ليست في شكل المفاوضات، هل هي مباشرة أم غير مباشرة، بل مضمون وإطار المرجعية التفاوضية. *أشرتم إلى أن نتانياهو يستغل حاجة الإدارة الأمريكية لجماعات الضغط اليهودي في المجتمع الأمريكي، ألا ترون أيضا أن الحكومة الإسرائيلية تستغل حالة الانقسام الفلسطيني لوضع شروطها؟ - بكل صراحة حالة الانقسام الفلسطيني ضارة ومؤذية وصفحة سوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني، سواء استغلته إسرائيل أو غير إسرائيل. وبالنسبة إلينا إنهاء الانقسام ليس خيارا، بل شرط أساسي وضرورة ملحة لإنهاء الاحتلال. بالتأكيد إسرائيل تستغل أي شيء، وهذه قضية كبرى تستغلها إسرائيل. والانقسام شيء خطير نعمل على إنهائه بكل الطرق والسبل الممكنة، بالحوار والوسائل الديمقراطية. ويمكن أن أقول لكم إننا قطعنا شوطا كبيرا مع الإخوة في حركة حماس، من خلال سبع جولات للحوار امتدت على مدى سنة ونصف برعاية الأشقاء المصريين. وحصيلة ما تحاورنا عليه عبر اللجن الخمسة المشكلة، لخصته مصر في ورقة المصالحة الفلسطينية. * لكن حماس ترفض هذه الورقة المصرية للمصالحة؟ - في الواقع أول من اطلع على تلك الورقة مرتين، هم قيادة حركة حماس، ووافقوا عليها قبل أن يقدموها لنا أشقاؤنا المصريون بعد ذلك. وأنا شخصيا لما نقل لي السفير المصري في رام الله الورقة اطلعت قليلا على المقدمة والخاتمة فأدركت خلال دقائق أننا ذاهبون للانتخابات بعد ستة أشهر، فقلت له نحن موافقون فورا وبدون أية تحفظات. لأن من شأن هذا الاتفاق أن ينهي الانقسام، وأن يعيد وحدة الشعب والأرض والمؤسسات، والأهم من ذلك كله إعادة وحدة القضية الفلسطينية ووحدانية القرار الفلسطيني. وسينهي الانقسام على قاعدة الديمقراطية والانتخابات. فالكل وافق ووقع على الوثيقة، غير أن الإخوة في حماس، إلى غاية اليوم، يرفضون التوقيع على الورقة، مع أنهم وافقوا عليها منذ البداية وقبلنا. وبتقديرنا فإن عدم استجابة قيادة حماس للمصالحة الفلسطينية يعود إلى أربعة عوامل رئيسية: أولا، حماس مرتهنون لمعادلة إقليمية ودولية، مع أن هذه المعادلة لم تنضج بعد لحوار وتفاهم بين تلك القوى الإقليمية، تحديدا إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية. ثانيا، تعتقد قيادة حركة حماس أنها، في إطار حل إقليمي ودولي، من الممكن أن تحصل على حصة أكبر من النظام السياسي الفلسطيني مما ستحصل عليه من اتفاق فلسطيني – فلسطيني وعبر صناديق الاقتراع. ثالثا، وهو الأهم، أن مجلس شوري حركة الإخوان المسلمين في مصر لازال يدعو إلى اليوم حركة حماس بالتمسك بالحكم في غزة كنموذج لنظام الخلافة الإسلامي، تطبيقا لشعار «الإسلام هو الحل». رابعا، هناك قيادات وقوى اقتصادية واجتماعية جديدة نشأت داخل حركة حماس في غزة من مصلحتها بقاء الانقسام على حاله، لأنه وفر لها قدرة من الاستفادة على كل المستويات، وبالتالي لا تريد أن تخسر ما تستفيد منه. فهذه القيادات والقوى الجديدة تعارض، من حيث المبدأ، الوحدة وتتمسك بالانقسام. وعلى العكس بدأنا نسمع ثقافة جديدة في المجتمع الفلسطيني تقوم على أن هناك تمايزات بين الفلسطينيين في غزة والآخرين في الضفة الغربية. هذه الثقافة الجديدة تخلق أبعادا جديدة للانقسام، كما كان الحال في اليمن الجنوبي والشمالي سابقا. *يبدو أن حركة حماس أثناء موافقتها على ورقة المصالحة المصرية، انتبهت إلى أن مداها هو الانتخابات بعد ستة أشهر، هل كانت حماس تخشى فقدان مواقعها؟ -هذا عامل من العوامل الرئيسية، والعامل الأهم هو وجودها في إطار ائتلاف إقليمي تراهن عليه. *كان الحديث بقوة عن المبادرة العربية للسلام، إلا أنها ظلت إلى حد الآن غير ذات جدوى، فإلى ماذا يعزى هذا الانكماش؟ -المبادرة العربية مبادرة خلاقة، غير أن أصحابها لم يتعاطوا معها بالشكل الكافي. فالمبادرة في غياب موازين قوى على الأرض في حاجة إلى تحرك دبلوماسي وسياسي نشيط، وآليات عمل فعالة تجند موقفا دوليا، عربيا وإسلاميا، من شأنه أن يشكل قوة ضغط على إسرائيل. وهذه المبادرة بمثابة فرصة تاريخية لإسرائيل للأسف لم تستفد منها. لأن جوهر المبادرة العربية يقوم على معادلة السلام مقابل الاعتراف والتطبيع. وإسرائيل تريد أن تحصل على السلام والأرض دون أن تقدم أي تنازلات. ولذلك فالأمر بالنسبة لنا يجب أن يكون واحد من القضايا الرئيسية في جدول القمة العربية المقبلة. بمعنى كيف تتعامل القمة العربية مع موضوع مبادرة السلام العربية، وكيف تخلق لها الآليات وقوة الدفع المطلوبة لحشد قوة دولية تتبناها لإرغام إسرائيل على قبولها. *ألا تعتقدون أن هذه المبادرة لو جاءت في سنوات سابقة لأعطت نتائج أحسن ؟ -المشكلة ليست في توقيت المبادرة، ولكن المشكل أيضا في الوضع داخل إسرائيل. إذن فالمشكلة ليست في الجانب العربي، بل في الجانب الإسرائيلي أولا. وعلينا أن نعترف أن هناك متغيرات حقيقية وجدية حدثت داخل المجتمع الإسرائيلي منذ مطلع التسعينيات مع موجات الهجرة الكبيرة من دول الاتحاد السوفييتي السابق، والتي أثرت بشكل كبير على المجتمع الإسرائيلي الذي أصبح يميل أكثر نحو التطرف، ونحو اليمين القومي والديني، ونحو أشكال ترفض فكرة الحل باعتبار أنه سيضع حدا للاستيطان. لأن الغالبية العظمى من المهاجرين تحولوا إلى مستوطنين. كما أن معسكر السلام وقوى السلام في المجتمع الاجتماعي بدأت تتراجع بعد اغتيال رابين. وفي تقديرنا فالذي اغتال رابين أراد أيضا اغتيال العملية السياسية، ومستقبل السلام والأمن في المنطقة. للأسف الشديد فإسرائيل لم تنتج قيادة تاريخية واستراتيجية بمستوى رابين الذي أدرك أن مصلحة إسرائيل في تعايشها مع محيطها العربي، وأن تكون إلى جانب دولة إسرائيل دولة فلسطينية جارة وشريكة. الآن مع مناخات التطرف والإرهاب في إسرائيل ليس هناك عقلانية ولا عقلية. فالقيادة الإسرائيلية الحالية تتعاطى مع الموضوع السياسي يوما بيوم، وبالنسبة لنتانياهو مستقبل الائتلاف الحكومي أهم من مستقبل الاستقرار والأمن في المنطقة. *الكثير من المتتبعين يرون أن الشارع العربي لم يعد مهتما بالقضية الفلسطينية بالشكل الذي كان عليه في السابق، والهيئات السياسية والمجتمعية العربية أصبحت منشغلة بقضايا أخرى، هل ترون أن هذا الانحسار يعود إلى الفلسطينيين أم إلى اهتمام الرأي العام العربي الذي بدأ يغير نظرته للقضية؟ - في الحقيقة يحتاج هذا الموضوع إلى كثير من البحث والتدقيق فيما يمكن أن نسميه «أزمة حركة التحرر العربي»، وهذه الأزمة يمكن ملاحظتها على مستوى التأصيل الفكري والإيديولوجي، خاصة بعد انهيار المعسكر الشرقي. ثم أيضا على مستوى علاقة القومي بالوطني، وأخيرا التحولات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية. وهذا فرض ما يمكن أن نسميه «المهام الملحة» أمام حركة التحرر العربي في كل بلد من البلدان. وفي إطار الأزمة الفكرية التي نتحدث عنها وتراجع القوى الديمقراطية والتقدمية، بدأت قوى الإسلام السياسي تسد الفراغ وتسعى إلى وراثة حركة التحرر العربي، ليس فقط على الصعيد القطري بل على الصعيد العربي برمته. هذه القوى السياسية الإسلامية كانت تاريخيا حليفا للقوى اليمينية العالمية، تبدو وكأنها الآن في تصادم معها، وتبرز حركة التحرر العربية كأنها هي الحليفة لها. وتبعا لهذا، فإن الأحزاب الديمقراطية والقوى التقدمية في الوطن العربي بحاجة إلى إعادة تقييم الوضع، وقراءته بدقة، لاستخلاص العبر والدروس من أجل صياغة رؤية نضالية مشتركة استنادا للواقع الملموس الجديد. صياغة هذه الرؤية لابد أن تستمر لاشتقاق المهمات المباشرة لمعالجة الشأن الوطني والاجتماعي والديمقراطي، سواء على الصعيد الوطني أو القومي. وأخيرا ينبغي تأصيل فكر اشتراكي تقدمي انطلاقا من الهوية الثقافية والموروث التاريخي للشعوب العربية. وهذا هو الموضوع الرئيسي الذي يجب أن يتناوله النقاش. وللأسف الشديد الذي يتقدم الصفوف هي قوى الإسلام السياسي، ونحن في تراجع. *خلال زيارتكم إلى المغرب معظم لقاءاتكم كان ذات طابع رسمي، فلماذا استثنيتم الأحزاب السياسية، خصوصا التي تشتركون معها في المرجعية السياسية، من اللقاءات؟ - الحقيقة أن زيارتي زيارة رسمية، وأنا جئت بصفتي وزيرا للعمل في السلطة الوطنية الفلسطينية وليس أمينا عاما لجبهة النضال الشعبي أو عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. اللقاء السياسي الوحيد الذي أجريته كان مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون، السيد الطيب الفاسي الفهري، بصفتي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. أما ما عدا ذلك كان لي لقاء مجاملة مع فتح الله ولعلو، وآمل في زيارة مقبلة للقاءات واسعة مع الأحزاب السياسية المغربية، خصوصا المشكلة للأغلبية الحالية. * وقعتم مع نظيركم المغربي على مذكرة تفاهم لتبادل الخبرات والمعلومات والزيارات في مجالات الحماية الاجتماعية والتشغيل وقوانين الشغل، ما الذي جعلكم تستلهمون تجربة المغرب في هذا المجال وماهي أوجه استفادتكم منها؟ - نحن نعتبر أن تجربة المغرب في هذا المجال غنية، وفيها مراكمة وتطور مهم، خصوصا في مجال التشغيل وسياسة التدخلات في سوق العمل، وفي مجال التكوين المهني. فالمغرب حقق قفزة نوعية في هذا المجال. وبالنسبة لنا نولي موضوع التكوين المهني اهتماما كبيرا لأننا نعتمد عليه كأحد الوسائل الأساسية في معالجة مشكل البطالة. كما أننا نرى أن التجربة المغربية غنية ومتطورة في مجال الحوار الاجتماعي والعلاقة ما بين أطراف الإنتاج، وذلك يعود إلى وجود حركة نقابية تاريخية قوية ومتأصلة. وحيثما كانت حركة نقابية لا بد أن يكون هناك حوار اجتماعي. ونريد أيضا الاستفادة من تجربة المغرب في التأسيس للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، لأننا بصدد التوجه لمثل هكذا مجلس. وبالنسبة لنا نحن الفلسطينيين أي جهد أو أي تعاون فني سيفيدنا كثيرا في إطار رؤيتنا كحكومة فلسطينية لإنهاء الاحتلال. والمغرب كان دائما سباقا في دعم القضية الفلسطينية، وكان دائما صاحب مبادرات خلاقة، وجلالة الملك محمد السادس يتخذ دائما المواقف الملائمة والضرورية في الوقت المناسب، دون أية حسابات أو حساسيات سياسية. ونحن نعتقد أن مستوى هذا الدعم من جلالة الملك، ومن الحكومة، ومن الشعب المغربي، والأحزاب والقوى السياسية في غاية الأهمية بالنسبة لنا. نحن تربينا كفلسطينيين وتعلمنا أن الشعب المغربي لديه قضيتان وطنيتان هما قضية الصحراء والقضية الفلسطينية. وبالنسبة لنا القضايا الوطنية المغربية هي قضايا وطنية فلسطينية أيضا. شخصيا وقبل 50 عاما، عندما بلغت السادسة من عمري، أخذني والدي ليسجلني في مدرسة ابتدائية في حينا اسمها مدرسة الأمير عبد الكربم الخطابي، طبعا لم أكن أعرف من هو هذا الأمير وكنت أظنه صحابيا جليلا. وعندما دخلت إلى المدرسة في بداية العام الدراسي أول سؤال طرحته للمدرس من هو عبد الكريم الخطابي هذا؟ ومنذ ذلك الوقت تعرفت على المغرب وعلى القضية المغربية والشعب المغربي والحركة الوطنية بالمغرب ولازلت إلى الآن مرتبطا به.