لا يختلف اثنان في كون الفيلم الوثائقي أصبح حاملا لعدة رسائل تخدم الإنسان كما المجتمع، ولا يخفى مدى التهافت الفني على هذا الجنس من الإبداع الذي كان حبيس الصدفة الإبداعية على امتداد الوطن العربي من طرف مخرجين يحملون هما ثقافيا اسمه الفيلم الوثائقي أو التسجيلي، كما يسميه الإخوة المشارقة، وطبعا هذا التواجد الذي مر عبر عقود زمنية من التريث تارة ومن التسرع تارة أخرى، جعل ثلة من المهتمين والمؤرخين للسينما يفكرون في التقعيد لهذا النوع من الفن بقواعد مضبوطة ودقيقة على اعتبار أن الضرورة تقتضي من هذا الجنس السينمائي أن يكون مخلصا في معالجته الخلاقة للمجتمع وأن يكون صادقا في هاته المعالجة بالشكل الذي يضمن الكرامة لأي كائن كان موضوع المعالجة، وحيث أنه لا يمكن أن نفصل أو نعالج أي فيلم وثائقي بمعزل عن صانعه لأن هذا الأخير يعتبر حاملا لقضية ما وبالتالي يعتبر جزءا لا يتجزأ من كينونة هذا الفيلم، فإنه لا يجب بأية حال من الأحوال أن نسلم بموت المخرج في الفيلم الوثائقي كما يسلم بذلك ثلة من نقاد الآداب في التسليم بموت الكاتب حين التعامل مع النص الأدبي بعيدا عن صانعه، اللهم إلا إذا كنا أمام جنس يسمى بأفلام «سينما المؤلف». ضمن هذا السياق شاركت بعض الأفلام الوثائقية السينمائية المغربية ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم في دورته 12 بطنجة، لتؤثث وتغني رصيد الإنجازات السينمائية المغربية خلال الموسم السينمائي 2010، والمركز السينمائي المغربي بخطوته هاته، يكون قد أشفى غليل كل زائر ومهتم وناقد ومخرج وموزع، لهاته الأنواع السينمائية التي جادت بها قريحة مخرجينا شبابا وشيابا في أفق التفكير في مهرجان وطني للفيلم الوثائقي الطويل. من الأفلام التي أثارت نقاشا ضمن هاته التظاهرة الوطنية خلال ندوات مناقشة الأفلام هناك فيلم يحمل عنوان «أرضي» لمخرجه نبيل عيوش الذي سبق له أن اشتغل على تيمة الهامش من خلال فيلمه الطويل «علي زوا» والذي نال به عدة جوائز، وطبعا فإن اشتغاله على جنس الفيلم الوثائقي يعتبر نقلة نوعية تبررها عدة اعتبارات، فيلم «أرضي» الذي عرض في مدينة طنجة وحسب ملخصه الموجود في كتيب المهرجان، يمنح الكلمة للاجئين فلسطينيين فروا من فلسطين سنة 1948، دون العودة إلى وطنهم حيث يعيشون في مخيمات بلبنان لأزيد من 60 عاما، شهادات تصل إلى مسامع شباب إسرائيلي همه تنمية بلده وتعلقه الشديد بأرضه دون معرفة تفسير لذلك، بين ذاكرتين هناك حقيقة، حقيقة شعبين يتصارعان من أجل نفس الأرض، حوار يظهر هذا الصراع من زاوية إنسانية قبل كل شيء، وطبعا فهناك من حشر هذا العمل الفني ضمن جنس الربورتاج على اعتبار أنه اعتمد تقنية الميكروترطوار، وهناك من اعتبره فيلما توثيقيا، على اعتبار أن مثل هاته الأفلام تنجز تحت الطلب بدافع التطبيع مع إسرائيل، وهناك من طرح أسئلة من قبيل الصفة التي كان يقدم بها المخرج اسمه وهو يقوم بعملية التصوير، كيف كان يقدم نفسه للفلسطيني وكيف كان يقدمها للإسرائيلي حتى يتمكن من إنجاز هذا الشريط وإخراجه للوجود وفق رؤيته وقضيته وحمولته الثقافية والفكرية وقناعاته من القضية ككل، ثم إن عنوان الشريط يحمل أكثر من معنى إذ أن كلمة «أرضي» تحيلنا تارة على أن المتكلم هو الفلسطيني كما تحيلنا على أن المتكلم قد يكون هو الإسرائيلي، تبقى أن طريقة المعالجة كانت ذكية جدا وضعتنا أمام سينما يمكن تسميتها ب «سينما الأمر الواقع «، إذ يظهر من خلال الشريط أن أحد الطرفين ليست له يد طولى فيما حصل وأنه متشبث بأرضه، لأنه خلق اتجاهها نوستالجيا وأصبحت تشكل فضاء وجزءا من كينونته وهويته، بالرغم من إدراكه بأنه متسلط ومغتصب لها، الشريط يرمي بكرة في مرمى مفاده أن الأرض هي لمن يتواجد عليها، فاعتماد المخرج على آلية «الأمر الواقع» من شأنها -وهنا يكمن الذكاء في عملية المونتاج وفي طريقة الرواية/التعليق- أن تجعل المتفرج مشدودا شدا، وهنا مربط الفرس حيث يضع المخرج المتفرج أمام عدة مواقف: إما التعاطف مع قناعاته أو أن يخلق هذا المتفرج لنفسه موقفا ذاتيا خاصا يتماشى وهمومه وحمولته الثقافية والوطنية والقومية.