شهد فضاء المقهى الثقافي بالقنيطرة مؤخرا، حفل توقيع أحدث إبداعات الإعلامي والشاعر محمد بلمو، يتعلق الأمر بأولى تجاربه في التأليف المسرحي، نصّه الموسوم ب “حمار رغم أنفه” الذي كتبه تحت تجنيس مستحدث ومركّب “سينمسرح” رفقة السيناريست والمبدع عبد الإله بنهدار، وأصدراه في بحر هذه السنة. هذا النشاط الثقافي المتميز الذي عرفته القنيطرة، بتنسيق مع المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة، يأتي مسكا لختام البرنامج السنوي لشبكة المقاهي الثقافية بالمغرب، التي تأسست قبل ثلاث سنوات، وساهمت في إرساء وترسيخ فعل ثقافي جاد وعميق على المستوى الوطني.. وقد أثث فعاليات هذا النشاط كل من رئيس شبكة المقاهي الثقافية نورالدين أقشاني، والناقد والإعلامي الباحث الطاهر الطويل، والفنان (عازف الوتار) محمد نفينيف الذي أمتع الحضور بأداء روائع من الغناء العربي والأمازيغي لمارسيل خليفة ومحمد رويشة. نورالدين أقشاني، في كلمة له بمناسبة هذا الحدث الثقافي، قدّم نبذة عن شبكة المقاهي الثقافية وأنشطتها وفروعها، وما ينتظرها من رهانات ومشاريع، لاسيما على مستوى تأسيس فروع جديدة، ارتأت الشبكة إرجاءها إلى ما بعد الجمع العام السنوي الأول. الناقد والإعلامي الطاهر الطويل، عبر عن تقديره وتثمينه لجهود ونضالات هذه الشبكة في تقديم وترسيخ تصور آخر مغاير وفاعل وأكثر مطواعية للعمل الثقافي خارج أسوار وصلابة المؤسسة الرسمية، كما شكر صاحب المقهى المحتضِن للنشاط واعتبره يجمع بين حس المقاولة باعتباره صاحب مشروع تجاري من جهة، والحس الإبداعي والثقافي الذي يهتجس به بوصفه منسق الشبكة بالقنيطرة، وباحثا في سلك الدكتوراه، سيكون على موعد قريب مع مناقشتها. وفي معرض تقديمه لكتاب “حمار رغم أنفه”، عرج على صداقة جمعته بمحمد بلمو تعود إلى سنوات التسعينات حين كان الهمّ الثقافي هو ما يوحدهما في دروب الصحافة، وبالأخص الإعلام الثقافي من خلال تجربتهما المشتركة، بعدها واصل محمد بلمو إنتاجه الشعري الهام والعميق، وأنشطته الجمعوية على مستوى قصبة بني عمار التي آل على نفسه، رفقة رجالات آخرين من أبنائها البررة، أن يعيدوا لها الاعتبار ويعطونها ما تستحق من خلال مهرجان بني عمار الذي وصل صداه إلى مستوى عالميّ. وعن العمل الإبداعي المحتفى به، اعتبره الطويل ثمرة جهد مُعتبر بين الشاعر محمد بلمو والسيناريست عبد الإله بنهدار، يحيل على تجربة للكاتب في إطار الجمعية التي يشتغل عليها وتشرف على تنظيم مهرجانٍ ينشغل أساسا برد الاعتبار للحمار بوصفه حيوانا له دور فعال في الوسط القروي، وبالتالي ينبغي إنصافه والتعريف بقيمته. والنص المسرحي المضمن بين دفتي الكتاب يعتمد على المستوى التقني (بحسب الناقد الطويل) على المزاوجة بين التقطيع السينمائي والمشهدية المسرحية، أما على مستوى النوع والخطاب فهو ينتمي إلى “الكوميديا السوداء” باعتباره يتوسّل بالمواقف الهزلية والمفارقات الساخرة من أجل انتقاد الواقع، ويتغيا من ورائها استنهاض وعي المتلقي وإثارة السؤال لديه. من جهة أخرى، يرى الناقد أنّ النص المسرحي تحوم حوله روح كافكاوية (إذْ تحاول إحدى شخصيات العمل التحول إلى شخصية حمار، لكنه حمار ناطق). أما المحتفى به الشاعر والإعلامي محمد بلمو، فقد تفاعل مع أسئلة الطاهر الطويل، موضحا فكرة كتابة مسرحية “حمار رغم أنفه”، وكيف نبعت من المهرجان الذي ينظم في قصبة بني عمار، ويحتفي بالحمار، وهو الاختيار الذي أثار لغطا وجدلا واسعا في وقته، انتهى بأن تقبّل منتقدوه- بل ثمّنوا- هذه المبادرة، وهذه الالتفاتة لحيوان ظل رفيقا للإنسان يعينه في الشدائد والطرقات الوعِرة عبر تاريخ طويل. هذا السياق المرتبط بالمهرجان وبما أثاره وأساله من مداد في زمنه هو ما حفزّ بلمو (بحسب ما جاء في كلمته) على تأليف هذه المسرحية التي اعتبرها نوعا من الكوميديا السوداء التي تشتغل على مفارقات الزمن المغربي ومتناقضاته من خلال رؤية نقدية. في ذات الكلمة، وجوابا على أسئلة الحضور، اعتبر بلمو، أن المغرب لا يعيش أزمة قراءة كما ظلّ يردَّد دائما، بل أزمة ترويج وتسويق للكتاب، لذلك يكون الإقبال محترم على الكتب، عندما يتم الذهاب عند الناس حيث هم، كما بينت تجربة المقاهي الثقافية. هذا وتوج هذا الحدث الثقافي بتوقيع اتفاقية شراكة بين شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب ممثلة في رئيسها نورالدين أقشاني، والجمعية الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب في شخص رئيسها نورالدين الحراق، الذي ألقى كلمة عبّر من خلالها عن رغبة الجمعية في المساهمة في إشعاعية المشهد الثقافي بالمغرب في هذه الفضاءات التي ضلت لعقود بمعزل عن الانخراط في الشأن الثقافي.