شكل مهرجان تخليد ذكرى 11 يناير الذي أقامته أحزاب الكتلة الثلاثة في الرباط، ومجريات النقاش خلال المجلس الوطني الأخير للاتحاد الاشتراكي، مناسبتين جرتا بعض إعلامنا ومحللينا إلى الحديث عن التحالفات الحزبية في بلادنا، وعن الخارطة الحزبية في أفق انتخابات 2012. منذ مدة، صار من الصعب على قارئ الحياة السياسية المغربية أن يستنتج توقعات حقيقية لتحالفات الأحزاب ولنواياها بهذا الخصوص، ومرد ذلك أن كثيرا من الكيانات الحزبية باتت تحسب الحساب للوافد الحزبي الجديد قبل أن تكشف عن رؤيتها للتحالفات، وفي نفس الوقت عدد منها يحاول كل مرة تكييف الكلام بحسب «تخريجات» الوافد المذكور، حيث مرة يخرجون علينا بفكرة «القطب الليبرالي الاجتماعي»، ومرة بالتوقيع على مواثيق محلية لتطوير الحكامة، وفي مرة ثالثة بالاصطفاف وراء شعارات الحداثة وتجميع القوى المؤمنة بالمشروع الديمقراطي الحداثي، وفي كل هذه التخريجات، تتوقف المسيرة بمجرد توقف النقل التلفزيوني، ويعود الزعماء، وفي خاطرهم، مع ذلك، شيء من الارتياب من أن يقدم الوافد الجديد على ابتلاع دكاكينهم. أما الجمهور فهو يعود إلى بداية السؤال، ويكرر رغبته في معرفة هوية مشهده الحزبي، ومحددات تحالفاته. وهنا تعتبر «الكتلة الديمقراطية»، بالرغم من كل تجليات الاختلال في العمل وفي القناعات الداخلية، التحالف الأكثر جدية والحامل لقراره ولتراكمات تاريخية ولمقومات في الرؤية وفي الإستراتيجية وفي بنية الخطاب. الكتلة تتشكل من أحزاب لها شرعية الوضوح وأصالة الحضور والفعل... الكتلة تضم أحزابا لديها هياكل حقيقية ومناضلين وتمتلك خطابا ومنظومة أفكار ومواقف... الكتلة جربت العمل المشترك بين مكوناتها ومع أحزاب أخرى، ولم تحدث لا أزمة ولا توقف النبض... الكتلة يمكن الانطلاق منها للتطوير وللتوسيع وللانفتاح، ولهيكلة تحالف ديمقراطي يقوم على أسس برنامجية، وعلى تعاقد مشترك لتنفيذ دفتر تحملات لمصلحة الوطن ولمصلحة الناس. وعندما تنجح الكتلة في الرهان، وتستقيم الأفكار والبرامج والبناء، ويبدأ الخطو، وتتضح الطريق، ستقام تحالفات أخرى تقابل التحالف المشار إليه، أو تجاوره أو تبتعد عنه، بحسب المنطلقات والأهداف، وسيكون الكل قد دفع من أجل توضيح أشكال الخارطة ومساحات الجدية والالتزام. بعد اختتام الدورة البرلمانية الخريفية مساء أول أمس، وفي أفق انطلاق المشاورات السياسية حول إصلاح القوانين الانتخابية، المناسبة مواتية للانطلاق نحو بلورة مواقف مشتركة بين الأحزاب، والإعداد المشترك للتصورات والمطالب والاقتراحات، بالموازاة مع ضرورة الانتصار على الذاتيات الحزبية، من أجل الانتصار لبلادنا، ولحاجتنا جميعا لتأهيل حقلنا الحزبي والسياسي، ولاستعادة نبل السياسة، ولمواجهة كل الانحرافات التي تتربص بالبلاد وبمستقبلها الديمقراطي.