يعقد المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، مؤتمره الخامس بمدينة أكادير أيام، 27، 28 و29 أبريل الجاري. وقبله، تنظم هيئة متابعة توصيات المناظرة حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، المنتدى أحد مكوناتها التأسيسية والأساسية، ندوة دولية حول «مسار الإنصاف والمصالحة بالمغرب» تحت شعار:» من أجل ضمان عدم التكرار» وذلك أيام 20، 21 و22 أبريل الجاري بمدينة مراكش. وفي هذا السياق، أجرت بيان اليوم، حوارا مع الأستاذ مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، اعتبر فيه، أن المنتدى منظمة للضحايا تدبر ملفا ذي طبيعة سياسية بأدوات حقوقية، ويتعلق الأمر بإيجاد تسوية سياسية لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وفق قاعدة تسمح باستمرار تعايش الأطراف شريطة توفير أسس عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة في المستقبل. وعبر عن أمله بالمناسبة، أن يستمر المنتدى في أن يتبوأ نفس المكانة التي كسبها من خلال عمله المتواصل، مؤكدا على أن الوطن محتاج إلى مهندسي القطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بسلمية وعقلانية وبعيدا عن تمثلات مرحلة تنازع السلط العنيف. وفيما يلي نص الحوار. عقد المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف مؤتمره الخامس بمدينة أكادير، أيام 27، 28 و29 أبريل الجاري، أين وصلت التحضيرات له؟ وماذا عن حصيلة المنتدى خلال ولايتكم الحالية.. المكاسب والإنجازات؟ أعتقد أن التحضيرات ماتزال متواصلة، كما أن اللجنة التحضيرية أنهت أشغالها، والأوراق التي ستقدم للمؤتمر جاهزة، واللجنة المكلفة باللوجستيك منهمكة في آخر التحضيرات. وفيما يخص حصيلة المنتدى خلال هذه الولاية، سأتوقف بالخصوص عند الأنشطة المهمة، فبالإضافة إلى توفير مقر جديد للمنتدى والعمل على تمكين عدد من الضحايا من مستحقاتهم، ونحن بالمناسبة من الناحية الإيتيقية، نتفادى نشر اللوائح عموميا ولأن من شأن النشر الإضراربالخصوصيات، لذلك ستكون مضمنة في التقرير الأدبي الذي سيعرض على أشغال المؤتمر للمصادقة، فقد كان المنتدى قد أطلق دينامية كبيرة بموازاة انطلاق تجديد مجلس النواب، انطلقت بتقديم مذكرة لجميع الأحزاب الوطنية وخاصة الكبرى منها، من أجل تضمين مطالب ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجميع توصيات هيئة الانصاف والمصالحة لبرامجها الانتخابية. تلاها بعد ذلك تقديم مذكرة إلى السيد رئيس الحكومة الحالي إثر تعيينه من أجل تضمين البرنامج الحكومي لنفس المطالب، وهو الشيء الذي تمت الاستجابة إليه بتضمين البرنامج الحكومي الالتزام بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في سابقة من نوعها مند انتهاء أشغال الهيئة. تقدمنا، بعد ذلك، إلى السيد رئيس الحكومة بمذكرة تفصيلية حول ملفات الإدماج الاجتماعي، التسوية الادارية وملف اهرمومو وملفات أعضاء المنتدى المصنفة ملفاتهم خارج الأجل وحول تعديل مدونة التغطية الصحية لتشمل ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي كنا قد تقدمنا بها سابقا إلى السيد عبد السلام الصديقي، وزير التشغيل السابق. وفي هذا السياق، عقدنا لقاءات متوالية مع السيد رئيس الحكومة والسيد وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان ومع مساعديهما، وانتهى كل ذلك إلى إعلان رآسة الحكومة عزمها على حل ملفات الإدماج الاجتماعي والتسوية الإدارية الموضوعة، التي كانت قد جهزت من طرف المجلس الوطني لحقوق الانسان، كما عبرت عن نيتها في النظر في ملفات اهرمومو وملفات أعضاء المنتدى المصنفة ملفاتهم خارج الأجل وذلك من خلال ايجاد حلول محلية لها. تقدمنا أيضا، إلى الحكومة عبر وزارة العدل، بمذكرات رامية إلى تضمين مشروع تعديل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، لمواد مجرمة للاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب، ومتضمنة لتوصيف لهذه الجرائم يتلاءم مع توصيفها في القانون الدولي لحقوق الانسان وتحديد عقوبات عليها في الأقصى؛ وهي المطالب التي تمت الاستجابة اليها إلى جانب مطالب أخرى متعلقة بالجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب. تقدمنا أيضا إلى السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان بمناسبة تحيين الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الانسان بضرورة تضمين الخطة المحينة لفصول خاصة بالحكامة الأمنية وبوضع حد للإفلات من العقاب وهو مما تم بالفعل. قمنا أيضا بمبادرة تنظيم ورشة وطنية، حضرتها جل مكونات الحركة الحقوقية لمناقشة القانون الخاص بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان وخاصة المواد المنظمة للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، والتي نحرص على ملاءمتها مع المرجعية الدولية في الموضوع، وهي الورشة التي انتهت بالاتفاق على تهييئ مذكرة مشتركة في الموضوع سيتم الترافع بشأنها أمام الفرق البرلمانية. كما أننا وفي إطار التحضير للمؤتمر، وباشتراك مع هيئة المتابعة، نهيئ لتنظيم ندوة وطنية ببعد دولي، أيام 20، 21 و22 أبريل الجاري، لتقييم مسار الإنصاف والمصالحة، سندعو لها كل الأطراف من جمعيات حقوقية وهيئات سياسية ونقابات ومؤسسات وطنية وحكومة من أجل بلورة "خلاصات وطنية" – إن أمكن – في الموضوع. وهكذا، فالأنشطة جد كثيرة كما أن منسوب مردودها محترم. وماذا عن الإكراهات؟ فيما يخص الإكراهات، فهي متعددة، منها ما هو مشترك مع باقي الفاعلين الديمقراطيين والمتمثل في ضعف الحزام الديمقراطي اللازم للتقدم في إعمال نتائج تسوية ملف الانتهاكات الجسيمة، وبالتالي التقدم في المسار الديمقراطي المفتوح، ومنها التردد الحاصل لدى النخب بخصوص اقتحام مجالات هذا الإعمال، ومنها استبطان النخب السياسية بالخصوص لنوع من الاتكالية واعتبار العديد من القضايا خارج اختصاصها وضعف الروح الاقتراحية لديها، ومنها اكراهات الوسط الحقوقي المنقسم بين من يعتبر العمل الحقوقي عملا معارضا بالخلق، وبالتالي يتخندق في خطاب وعمل يقوم بالأساس على الإدانة ولا يهتم بترصيد المكتسبات، ومنها ما هو خاص بالمنتدى، الذي وجد نفسه أحيانا غارقا في قضايا وملفات ليست من صلب مشروع العدالة الانتقالية في المغرب، أوعلى الأقل تشوش وتكبح جوهره الذي يتمثل في المساهمة في توفير شروط الانتقال نحو الدولة الديمقراطية، إضافة إلى أن عددا كبيرا من منشئي المنتدى والعارفين بأفقه غادروا للأسف السفينة. من الإكراهات أيضا، وفي الواقع، يمكن احتسابها على الأخطاء التدبيرية أكثر من الإكراهات، هو انسياقنا وراء تحويل المجلس الوطني لحقوق الانسان من مكلف بمتابعة تنفيذ التوصيات إلى مسؤول عن المشاكل التي اعترضت إعمال توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والحال أن سلطة الإعمال هي في يد السلطة التنفيذية، حدث ذلك في جو غلب فيه المطلب التعويضي على مطلب إرساء ضمانات عدم التكرار. وأتمنى أن يعمل المنتدى على تجاوز ذلك. هل المنتدى ملزم بتبني ملفات ضحايا ما بعد 1999 إلى اليوم؟ خصوصا وأن أحداث كثيرة وقعت في العقدين الأخيرين، وسجلت فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؟ التبني بمعنى متابعة كافة الانتهاكات التي ارتكبت أو ترتكب ضد الأشخاص ودعم ضحاياها، هو من صميم عمل المنتدى، وبالتالي المطالبة بتوقيف كل أشكال التعسف والانتهاك بل وبمتابعة مرتكبيهما هو أيضا عمل حقوقي بامتياز. الانتهاكات المسجلة هي انتهاكات مدانة، بعضها كبير وبعضها خطير، ولكنها لا ترقى للانتهاكات الجسيمة. فكما تعلم، فللانتهاكات الجسيمة مواصفات لا تتوفر فيما يجري حاليا، فالمعايير الدولية في الموضوع غير متوفرة، ليبقى دور الحقوقيين حاسما وجديا في ضرورة الإسراع بإخراج الآلية الوطنية المستقلة للوقاية من التعذيب، لأن الأغلبية لا تميز بين التعنيف الذي يقع خارج مراكز الاحتجاز وأثناء الاستنطاق، وبين التعذيب الذي يمارس من أجل الاستدراج والإكراه على انتزاع الاعتراف، وفق التعريف الأممي الوارد في مواد الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، ثم إن هذه الانتهاكات يجب أن تتم تسويتها ضمن العدالة العادية، القضاء ، وليس في إطار "عدالة انتقالية جديدة"، لن نتمكن حينها من استثمار المكاسب ومن الاستفادة من المجهود الوطني الذي بذل في التسوية التي تمت حتى الآن، مما يعني لنا صراحة تعثر مطلب جدوى وجودة القطيعة المنشودة والملموسة . في نفس السياق دائما، هناك من يتساءل، هل المنتدى جمعية حقوقية أم نقابة لضحايا ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان؟ المنتدى منظمة للضحايا تدبر ملفا ذا طبيعة سياسية بأدوات حقوقية. يتعلق الأمر بإيجاد تسوية سياسية لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وفق قاعدة تسمح باستمرار تعايش الأطراف شريطة توفير أسس عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة في المستقبل. إن الأمر يتعلق بتقديم جواب سياسي/حقوقي عل سؤال، ما العمل ازاء الجرائم السياسية التي ارتكبت زمن الرصاص؟ وما هو شكل الإطار المؤسساتي أي السياسي الذي يجب بناؤه بشكل مشترك والذي يجب أن يكون ديمقراطيا على وجه الإلزام؟ وفي النهاية فإن النتائج تكون مرتبطة بطبيعة ميزان القوى وطبيعة وعي الأطراف المعنية وخاصة ذات المصلحة لأهمية مثل هذا الإنجاز. والواقع، أن المنتدى هو الذي تصدر التفاوض حول شروط التسوية جعله يعمل في مجال السياسة أكثر. أكيد، أن قضايا الحقيقة وخاصة في ملفات الاختفاء القسري وجبر الضرر والمساءلة، هي قضايا فردية قبل أن تكون جماعية، وهي حقوق لأصحابها وجب استيفائها بالكامل ووفق اجتهادات القانون الدولي لحقوق الانسان في الموضوع. غير أن إقرار هذه الحقوق دون إقرار الانتقال نحو الديمقراطية هو عمل لن يكون إلا ناقصا. مشكل الضحايا الخارجين عن الأجل، هل توصلتم مع الحكومة إلى حل لهم؟ المقترح الذي تقدمنا به يتعلق بإيجاد حلول محلية أي على مستوى الولايات والعمالات والجهات. كما أن مقترحا آخرا، كان قد تدوول فيه في المؤتمر السابق، ويتعلق بخلق صندوق خاص بضحايا الانتهاكات يمكن أن يكون ضمن المركز الوطني لتأهيل ضحايا الانتهاكات الوارد في توصية خاصة لهيئة الإنصاف والمصالحة. وفي كل الأحوال، موضوع خارج الأجل يتعلق بتعويض الضحايا ماليا وليس بأية مطالب سياسية. كما أن عدم ايجاد حلول لكل هذه القضايا يعرقل الإعمال الصحيح لتوصيات هيئة الانصاف والمصالحة وفق جوهر هذه التوصيات، أي بناء مغرب يتم فيه تدبير النزاعات الاجتماعية والسياسية على أسس ديمقراطية. مسألة البنية التنظيمية للمنتدى تطرح تساؤلات عديدة، حيث تقتصر إلى حد الآن، على ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ما بين 1956 و1999، ألا تعتقدون أنه آن الأوان للانفتاح على طاقات خارج هذه الفئة، لمواكبة المنتدى في العمل على تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة من قبيل تحقيق العدالة الانتقالية وعدم الإفلات من العقاب وسن ضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؟ اللجنة التحضيرية تناولت الموضوع، وخصصت له جلسة خاصة من جلساتها، وانتهت إلى بلورة مقترح وسطي بتوسيع العضوية على غير الضحايا من المقتنعين بالأثر الكبير لبلورة نتائج تسوية ملف الانتهاكات الجسيمة على إنجاز مطلب الانتقال نحو الديمقراطية. ألا تلاحظون أن مسألة المقاربة التعويضية خصوصا في جبر الضرر (المطالبة بالمأذونيات مثلا) حاضرة بقوة لدى فئة كبيرة من الضحايا، خصوصا الضحايا خارج الأجل، على حساب موضوع الإصلاح المؤسساتي والتشريعي؟ ألا تتخوفون مستقبلا أن يتحول المنتدى في نظر البعض إلى إطار لتوزيع التعويضات المادية فقط وتكريسا بشكل أو بآخر لثقافة الريع؟ التخوف مشروع، وقد حان الوقت لإعادة تسييد مطلب الحقيقة وإرساء ضمانات عدم التكرار في عمل المنتدى. من المؤكد، أن هناك حقوقا يجب استيفائها، ومن المؤكد أيضا، وجود ضحايا يعانون من التقصير، غير أنه يجب العمل على ايجاد توازن معقول بين مختلف المطالب، ويجب بالخصوص عدم نسيان أن الهدف الأهم والأكبر والضامن لعدم التكرار، وسأكرر ذلك مرة أخرى، -لأن الأمر يتعلق بالقضايا التي لا تمل كما يقوا كرامشي-، أن هذا الهدف هو الديمقراطية. ففي النهاية، إذا لم نحرص على إتمام هذا العمل بما يمكن من تحقيق ذلك الهدف الكبير، فإننا سنكون قمنا كوطن بعمل جد صغير لكيلا أقول شيئا آخرا. ما رأيكم فيمن يقول بأن المنتدى أصبح بالنسبة للبعض منطلق للعبور نحو السلطة ومجالا للارتقاء السياسي والاجتماعي؟ من بين أقدس الحقوق، الحق في الاختيار، ولأنه لا يمكن فصل حرية الاختيار عن حرية الفكر والاعتقاد ، وبالتالي الحق في الاختلاف؛ فإنني لن أصطف الى جانب من يصادرون هذه الحقوق. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فالانتماء الى المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف شبيه بالانتماء الى الوطن، فضحايا سنوات الرصاص وجدوا أنفسهم، بقوة الواقع في جمعيتهم، وكرسوا هذا الانتماء ومأسسوه، بالانخراط والعمل في صفوفه وفي هياكله وأجهزته وفق أرضيته التوجيهية، إلى هنا، يمكن أن نحاسب كل من تهاون وتخلى عن أدبيات أو أخل بمواثيق المنتدى، لكن أن نحاسب من شاءت ظروفه أو الاقدار، لا فرق، أن يتبوأ منصب مسؤولية في السلطة أو في مؤسسة عمومية أو خاصة، فهذا حقه، فله الحق في أن يحتفظ بمكانه وعضويته داخل المنتدى شريطة تفادي حالة التعارض بين الانتماءين. فالمنتدى ليس جمعية عقائدية أو سياسية بمعناها الحزبي، ولم يسبق له أن فصل أي عضو اختار تحمل المسؤولية في دواليب السلطة أو المؤسسات الوطنية والعمومية، وقد جرى التقليد والعرف أن نتوصل من بعض من كانوا في قيادة المنتدى أي المكتب التنفيذي برسائل أو طلبات إعفاء وتجميد العضوية، ودأبنا على احترام الاختيار، واسمح لي أن أؤكد لك، أن أغلب من قادوا أو انخرطوا في مسلسل العدالة الانتقالية منذ هيأة الإنصاف والمصالحة ، قد يكونوا قد قصروا ، لأسباب معينة ، ولكن لم يضروا قضية الحقيقة والإنصاف، وهذا مصدر مفخرة واعتزاز أن يساهم أطر تخرجوا من المنتدى في دعم مشروع الانتقال الديموقراطي، والمهم في آخر التحليل أن الطموح مشروع شريطة ألا يتحقق على حساب التعاقدات التبادلية أو المشتركة. إذن تعتبرون الأمر عاديا والطموح مشروعا، لكن كيف تتصورون، وأنتم ضحية سابق، هذا الارتقاء من ضفة إلى أخرى؟ أولا، أنوه بتوصيفك لي بضحية سابق، فعلا هذا هو المنشود، كيف نتحول من مواطن عادي إلى فاعل منتج يسهم في بناء المستقبل الديمقراطي. أما ارتباطي مع المنتدى فهو دائم على قدر تمسك وحاجة الإطار إلى وإلى كافة ذوي الكفاءات أو التجربة، وعلى قدر العمر الإفتراضي، وإحساسي الكبير أي أمنيتي أن يستمر المنتدى في أن يتبوأ نفس المكانة التي كسبها من خلال عمله الميداني والاقتراحي المبدع والمتواصل. ولقد سبق أن لعب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب دورا مهما وكبيرا في تكوين أطر وجيل بداية عهد الاستقلال وما بعده. فالوطن محتاج إلى مهندسي القطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بسلمية وعقلانية وبعيدا عن تمثلات مرحلة تنازع السلط العنيف. ما الذي تحقق في مجال الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية، خصوصا في موضوع الضمانات لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وعدم الإفلات من العقاب؟ تحقق الكثير وبقي الكثير، هناك تحولات تجري في جميع المستويات، غير أن هناك إحساسا بالتردد وبعدم تساوق المستويات والفاعلين يغلب في النهاية. الأوراش الكبرى ذات الصلة في نظري هي المتعلقة بالترتيب بالحكامة الأمنية وبإصلاح القضاء وبالاستراتيجية الوطنية لوضع حد للإفلات من العقاب. أما موضوع المراجعة الدستورية فقد تحقق في 2011، والذي قدمنا فيه مطالبنا هي موضوع الباب من الدستور ، وفقا لمقاربتنا التي تعطي الأولوية لصك الحقوق قبل صك فصل السلطات، وإن كان تركيزنا ولازال يتمحور حول استقلال القضاء وتمثله لصفة ومؤسسة السلطة، وبغض النظر عن مؤاخذات البعض، فإن الجهد يجب أن ينصب على تنفيذ وإعمال المقتضيات الجيدة والمتقدمة الواردة فيه، لقد طغى على نخبنا الميل نحو التقليل بل وتسفيه كل شيء، دون النضال من أجل حماية المكتسبات المتحصل عليها في الدستور عن طريق إعمالها والانتصار للتأويل الديمقراطي لمقتضياتها والقطع مع الدساتير الموازية المجازية أي غير المكتوبة. فمعضلة كل الدساتير الوطنية خلال تاريخ المغرب مند دستور 1908 ليس سياق ما نتحدث عليه في عدم تطبيقها. ودعني أؤكد على التقدم الكبير الذي عرفه ورش اصلاح العدالة. لن أتوقف عند تفاصيله، أشير فقط إلى أن الاهم في ورش العدالة الآن يستلزم عملا يدخل في باب الجهاد الأكبر ويتعلق الأمر بممارسة الجسم القضائي لدائرة الاستقلال التي توفرت الآن. النزاهة والاستقلال كما الشجاعة والنبل هي خصال شخصية وجماعية لا تضمنها النصوص والقوانين، بل القيم والتربية وغيرهما مما يدخل في بابهما، علينا انتظار تراكم الممارسة القضائية لمزيد من التفصيل والحكم، ولنحذر من صمود مقاومات الإصلاح. وماذا عن ترشيد الحكامة الأمنية، وأجرأة الفصل 54 من الدستور الذي يتحدث عن إحداث مجلس أعلى للأمن؟ في مجال الحكامة الأمنية، وكما تعلمون، فقد ظل الشأن الأمني طوال زمن الرصاص منفلتا وخارجا عن مجال التدبير الحكومي وتعودت الحكومات المتعاقبة والهيئات السياسية والمدنية والمؤسسات التشريعية وغيرها على اعتبار الأمر الأمني خارج مجال اهتمامها؛ وغالبا ما تتحرك وتتعبأ – إن تعبأت وتحركت – وراء قرارات جاهزة في الموضوع. ومنذ سنة 1999، انطلقت عملية سياسية أفصحت عن نفسها بوصفها أسلوبا جديدا في تدبير السلطة، يستند إلى المرجعية الديمقراطية في الحكم، ويبغي إقامة الدولة الديمقراطية، وهو الفصح الذي أسنده دستور 2011 ، وكان مسلسل تسوية ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان قد انتهى إلى جملة من الخلاصات أهمها الدور الحاسم للأمن -أجهزة ومؤسسات في إدامة الانتهاكات على مدى أربعة عقود من الزمن ووجوب إنجاز تحول كبير في هذه الأجهزة لجهة إخضاعها لقواعد الحكامة، ومع أن مياها كثيرة قد جرت تحت القناطر، إذ شهدت مساحات الحرية مزيدا من الاتساع، كما أن الهندسة الدستورية الأخيرة قد منحت مزيدا من المسؤوليات لأجهزة الحكومة والبرلمان وللأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني، وعرفت الأجهزة الأمنية تغيرات بشرية واستراتيجية وقانونية ومؤسساتية عديدة، إذ خلال العقدين الأخيرين، تمت معاقبة عدد وافر من المسؤولين من مختلف الرتب قضائيا وإداريا بسبب أفعال تتعلق بالشطط واستغلال النفود وسوء استعمال السلطة(التخليق)، كما أن منسوب التواصل مع الجمهور ما فتئ يتواصل ويتوسع( نشر تصريح في نهاية كل سنة بنتائج الأداء الأمني ونشر ولايات الأمن لتقارير مشابهة)، تعديل القانون الأساسي لرجال الأمن، إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية، منح ضباط "الديستي" الصفة الضبطية بالنسبة لجرائم الارهاب والجريمة المنظمة، تغييرات مست قيادة مختلف الأجهزة الأمنية: الجيش، الدرك، القوات المساعدة ،رجال الإطفاء، ادارة السجون. ومع كل هذه التغيرات والتي تنهل على مستوى الخطاب على الأقل من المرجع الديمقراطي بوصفه المرجع الجامع للمرحلة…رغم كل ذلك، فقد بقيت النخب السياسية الحزبية والمدنية سواء من موقع المسؤولية الحكومية أو المعارضة أو…بعيدة عن كل هذه التغييرات، ومن تجليات ذلك: غياب أية اشارة في مختلف البرامج الحزبية والانتخابية للهيئات السياسية لقضايا السياسات الأمنية، سواء في بعده المحلي المتعلق بمحاربة الجريمة وحماية الاشخاص والممتلكات أو بتدبير الاحتجاجات الاجتماعية او بالتساوي أمام القانون، أو في بعده الإقليمي المتعلق بالتدبير الأمني للنزاع القائم حول الصحراء وبالإرهاب إلخ.. إن الانطباع الغالب، هو أن هناك شأنا أمنيا يدار بشكل أكثر "تطورا" وإيجابية، غير أن ذلك يتم في شبه استقلال، لكي تتضح الصورة أكثر من (الزاوية الأكاديمية). لا يقع هذا على الأقل حسب المتوفر من المعطيات العينية بسبب من كبح من جهة ما، بل بكبح ذاتي.. نوع من الرقابة الذاتية تمارسها الأحزاب والنخب على نفسها في الموضوع. ويبدو أن موضوع التقاليد والثقافة السياسية هو أقوى من التبدلات الدستورية، فلازال الفاعلون السياسيون يعتبرون أن الشأن الأمني مجال محفوظ للملك.