أكد البروفيسور الطيب الشكيلي وزير التربية الوطنية الأسبق وعضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، على أن موضوع إصلاح منظومة التربية والتكوين بات يطرح نفسه بإلحاح، خاصة بعد الدستور الذي أقره المغاربة سنة 2011. وأوضح الطيب الشكلي، خلال محاضرة ألقاها في افتتاح الدورة الأولى لمنتديات النقاش المخصصة للمسألة التربوية التي أطلقتها مؤسسة علي يعته، أول أمس السبت، بالمقر المركزي لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط، أن البناء الديمقراطي الذي أقره الدستور يحتاج إلى بناء مجتمع المعرفة، ويحتاج إلى مواطنين ومواطنات قادرين على الفهم وعلى الاستيعاب. وأضاف الوزير الأسبق، في المحاضرة التي أدار أشغالها إسماعيل العلوي رئيس مؤسسة علي يعته، أن أكبر تحدي سياسي يواجهه المغرب، هو ضرورة إعطاء أهمية كبرى للمسألة التربوية ومحاربة الأمية، لأن الأمية هي منافية للديمقراطية، ولبناء المجتمع الديمقراطي، مشيرا إلى أن العديد من المشاريع التنموية في العديد من القطاعات والتي كان سيكون لها انعكاس إيجابي، سرعان ما أبانت عن محدوديتها. وفي معرض تشريحيه لأعطاب المنظومة التربوية المغربية، استشهد المحاضر بمقولة الكاتب الفرنسي بول دوبوي "مجتمع بدون نقاش تربوي لا يمكن أن يكون إلا مجتمعا شموليا أو مجتمعا يحتضر"، مؤكدا على ضرورة إيجاد حل لأزمة التربية والتكوين التي أصبحت متفاقمة، ومشيرا إلى أن كل الأبحاث التاريخية والفلسفية أكدت على الأهمية التي تكتسيها التربية والتكوين في حياة الإنسان والمجتمعات، باعتبارها أساس الحضارة. وأضاف البروفيسور الشكلي، في السياق ذاته، أن الغاية من الدعوة إلى إعادة بناء النظام التربوي هي جعل المدرسة المغربية مدرسة وطنية مجددة ومتجددة، قادرة على المساهمة في متطلبات التطور الديمقراطي والدستوري والاقتصادي والثقافي والمجتمعي والبيئي، وقادرة، أيضا، على إنتاج القيم الإنسانية ومبادئ الانفتاح والتسامح، مشيرا إلى أن مدرسة المستقبل يتعين أن تكون مدرسة للتربية على المواطنة ومبنية على مبادئ التعدد، وعادلة ومتضامنة ومنفتحة على التغيرات، وفي إنصات دائم ومستمر لنبض المجتمع، ومعترف بها من خلال قيمة المعرفة التي تنتجها. وبحسب المحاضر، فإن المجهودات التي قامت بها الدولة منذ الاستقلال إلى اليوم، في مجال إصلاح المنظومة التربوية، لم تكن كافية، كما أن المردودية ضعيفة ولم تكن في المستوى المطلوب، مستدلا في هذا الباب، بالميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي قال عنه "إنه لم يطبق" ورؤية 2015 – 2030 التي لازالت تراوح مكانها بحسبه. وعزا الطيب الشكيلي، ذلك إلى كون المؤسسات المسؤولة عن الإصلاح تعتمد على مبدأ التوافق الذي لا يعني الاتفاق، مشيرا إلى أن إعمال التوافق في مجال الإصلاح التربوي لا يخدم أحدا، بدليل أن النتيجة كارثية وغير مرضية للجميع، حيث لازالت نسبة الأمية مرتفعة جدا، ونسبة الولوج إلى التعليم الأولي ضعيفة جدا، علما أن التعليم الأولي يشكل قاعدة خلفية لإنجاح عملية تعميم التعليم والقضاء على ظاهرة الأمية، بالإضافة إلى ضعف نسبة الانتقال من الإعدادي إلى الثانوي ومن الثانوي إلى الجامعي، ثم غياب التنسيق بين التربية والتكوين، مما يجعل معظم التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة غير مدمجين في قطاع التكوين المهني. وحذر البروفيسور الطيب الشكلي من استمرار تلك الأعطاب التي تعاني منها منظومة التربية والتكوين ببلادنا، لأنها لا تنتج في نهاية المطاف إلا مواطنا غير قادر على التأقلم مع متطلبات ومستجدات العالم الحديث، مؤكدا على أن بلورة نموذج تنموي مدمج، لن يتأتى إلا من خلال التربية والتكوين وتشجيع البحث العلمي الذي لا يوليه المغرب، مع الأسف، الأهمية اللازمة، حيث لا تتجاوز الميزانية المرصودة للبحث العلمي 0.07 في المائة من ميزانية الدولة ضمنها أجور الأساتذة الباحثين. ومن جانب آخر، دعا المحاضر إلى ضرورة التغلب، بشكل نهائي، على مشكل الحكامة في المنظومة التربوية، والتي قال عنها إنها "حكامة جامدة وممركزة"، وأنها خاضعة للتعليمات التي تتم عن طريق الدوريات، وكذا مشكل الموارد البشرية الذي يعتبر، في نظره، من أبرز أسباب الأزمة، مؤكدا على ضرورة التفكير في إعادة النظر في طريقة التوظيف والبحث في كيفية استقطاب وجلب الكفاءات والمتفوقين. * إسماعيل العلوي: الطيب الشكيلي رمز النضال والأخلاق الرفيعة ونموذج للمثقف العضوي ببلادنا هذا، وقد تم خلال هذه الدورة الأولى من منتديات النقاش حول المسألة التربوية في المغرب، تكريم البروفيسور الطيب الشكيلي، من قبل مؤسسة علي يعته، تقديرا لعطاءاته في هذا المجال وتقديرا لمساره العلمي والفكري والنضالي. في هذا السياق أورد إسماعيل العلوي رئيس مؤسسة علي يعته، شهادة شاملة ومؤثرة في حق المكرم الطيب الشكلي الذي وصفه ب "المناضل الذي بصم بشكل قوي كل الميادين التي خبر فيها كفاءته وذكاءه كرجل ميدان وعمل وكمنظم ومربي ومؤسس"، مضيفا، أن الطيب الشكيلي، ابن مدينة مراكش، اختار منذ نعومة أظافره أن يدمج بين ميدانين متكاملين: ميدان العمل السياسي وميدان العمل الطبي من المنظور العلاجي والتكويني. وبحسب شهادة إسماعيل العلوي، فإن الطيب الشكيلي استطاع طيلة حياته أن يميز بشكل قوي بين العمل الاجتماعي والعمل السياسي. فمنذ البداية اهتم بالجانب الثقافي حيث كان عضوا نشيطا في النادي السينمائي بمراكش سنة 1957، وبعد ذلك التحق بالعمل السياسي وانخرط في صفوف الحزب الشيوعي الذي كان محظورا آنذاك سنة 1969. وبعد أن حصل على الباكالوريا، التحق بكلية الطب بمدينة تولوز في فرنسا حيث تألق هناك، وحاز على الميدالية الذهبية عند حصوله على الشهادة النهائية، مما يدل، يقول العلوي "على نبوغه الفكري ونبوغه في التكوين العلمي"، مشيرا إلى أنه قام خلال فترة دارسته في تولوز بتأسيس جمعية لمناصرة القضية الفلسطينية. وبعد عودته إلى أرض الوطن، ساهم الطيب الشكيلي في المسيرة الخضراء، سنة 1975 وكان مكلفا بالتنسيق في كل ما له علاقة بالجانب الصحي للمتطوعين والمتطوعات، وفق شهادة رئيس مؤسسة علي يعته. إلى ذلك، عمل الطيب الشكيلي كمدير للمستشفى الجامعي بالرباط، وأعاد تنظيم مستشفى الرازي للأمراض العقلية بسلا، كما سهر على إحداث وتنظيم مستشفى التخصصات بالرباط، وبشكل مواز كان يقوم بعملية التدريس، وشغل منصب عميد كلية الطب لمدة 7 سنوات، وعين وزيرا للتربية الوطنية سنة 1992، لمدة خمس سنوات، وأدخل مجموعة من الإصلاحات التي وصفها إسماعيل العلوي ب "الجوهرية". وخلال سنة 1997 سينتخب نائبا برلمانيا باسم حزب التقدم والاشتراكية، وترأس جامعة محمد الخامس بالرباط، كما شغل منصب رئيس رؤساء الجامعات بالمغرب. وعرف بإنتاجاته الغزيرة في مجال البحث العلمي في مستوياته المختلفة، وليس في ميدان الطب فقط، كما بادر إلى إنشاء مركز الدراسات الإفريقية، ووضع اللبنة الأولى لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات. يولي البروفيسور الطيب الشكيلي، أهمية كبرى للتعليم الأولي الذي يعتبر أن الاستثمار فيه، يعد أفضل استثمار من أجل إنجاح إصلاح المنظومة التربوية ببلادنا. ويعتبر الطيب الشكيلي، بحسب إسماعيل العلوي، قدوة للكثير من المناضلين والأطباء والأستاذة، وهو أيضا قدوة لكل عاشق للشعب المغربي ولرقيه وتقدمه المجتمعي، فهو رمز النضال والأخلاق الرفيعة، ونموذج للمثقف العضوي ببلادنا.