تحدث المصطفى لبريمي عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية عن مجتمع المعرفة الذي يعد من دعائم تطور أي مجتمع، وهو مفهوم جديد يرى لبريمي أن من أسسه تعزيز التمكين الاجتماعي من خلال منظومة جيدة للتربية والتكوين، لضمان الإدراك والوعي بمستلزمات التنمية المستدامة الشاملة. مشيرا خلال هذا الحوار، أن استحضار فلسفة هذا المفهوم في إصلاحات منظومة التربية والتكوين في بلادنا، نظرا لنجاحاته عبر العالم وقوة تأثيره في هيكلة الانتاج وتحسين المهارات وتنشيط الاقتصاد، يقتصر على مستوى الخطاب والمقاربة النظرية دون تطوير ملحوظ لسياسة التربية والتكوين المتبعة. وأوضح أيضا أن الاستثمار في منظومة التربية والتكوين ليس باستثمار في مقاولة، بل هو مجهود مجتمعي لتمكين كل الساكنة وأينما وجدت فوق التراب الوطني من التأهيل للعيش الكريم في دولة الحق والقانون المزمع تشيدها. وانتقد محاولة تبضيع وتسليع منظومة التربية والتكوين، معتبرا أن محاولة طرح إشكالية التمويل بجعل المعرفة سلعة وبضاعة محكومة بقوانين التجارة التنافسية من عرض وطلب وكلفة وربح يضعف الاهتمام بقيم الدولة الديمقراطية الحديثة والمجتمع المتضامن. في جانب آخر أشار لبريمي إلى التعليم الأولي الذي يعتبر من ركائز نجاح منظومة التربية والتكوين، حيث اعتبر هذا التعليم يعكس الفوارق الاجتماعية ويساهم في فشل المنظومة التعليمية في مجملها، بالنظر إلى التخبط الذي يعيشه. ما موقع المغرب من مجتمع المعرفة، وهل يتم استحضار فلسفة المفهوم في الإصلاحات التي تشهدها منظومة التربية والتكوين في كل مرحلة من المراحل؟ لا يمكن لأحد أن ينكر دور المعرفة وأهميتها في حياة الناس، حيث أصبحت تؤثر على الاقتصاد وتساهم في تطوير المجتمع. وبصفة متوازية مع التطور التكنولوجي ومتطلبات التغيير التي أصبحت ضرورة في المجتمعات المعاصرة، انبثق مفهوم "مجتمع المعرفة" ليؤكد على الحصول على المعلومات وتوظيفها لرقي البشر وتعزيز حريته واحترام بيئته بكل مكوناتها. وقد ورد طموح بناء مجتمع المعرفة في المغرب في إطار تعزيز المسلسل الديمقراطي الوطني والاهتمام بالعنصر البشري وجعله المحور الرئيسي للسياسة العمومية. ومن أسس مجتمع المعرفة تعزيز التمكين الاجتماعي من خلال منظومة جيدة للتربية والتكوين، لضمان الإدراك والوعي بمستلزمات التنمية المستدامة الشاملة. وإذ يتم استحضار كل ما تقدم والمزيد في إصلاحات منظومة التربية والتكوين في بلادنا نظرا لنجاحات هذا المفهوم عبر العالم وقوة تأثيره في هيكلة الانتاج وتحسين المهارات وتنشيط الاقتصاد، يبقى ذلك على مستوى الخطاب والمقاربة النظرية دون تطوير ملحوظ لسياسة التربية والتكوين المتبعة. وينتج عن هذا نوع من دوابان أسس مفهوم "مجتمع المعرفة" في الإصلاح المزمع إنجازه وتحقيق فاعليته على مستوى جودة التعليم وعلى المجتمع بأكمله. يكفي أن نستحضر نسبة الأمية في بلادنا لمعرفة نسبة إعاقة مجتمعنا في هذا المجال، فرغم المجهودات المبذولة منذ الاستقلال ما زال كفر الجهل يهم 30 في المائة من الساكنة، وأن القضاء على شبح الأمية سوف يتطلب عشرات السنين مع كل الأسف. ما هي نتائج الاصلاحات التي طبقها المغرب على المنظومة وما هي النتائج المرتقبة من الاصلاحات الجديدة؟ عرف مسار التعليم ببلادنا عدة وقفات للإصلاح والاستجابة لمتطلبات التطور وإرساء منظومة تربوية وطنية تساهم في التنمية الشاملة بشكل فعال. ويمكن القول إن الإصلاحات المتتالية لم تحقق النتائج المنتظرة منها، فبعد فترة من الترقب تتغلب مظاهر الأزمة وتنبعث الاختلالات من كل هياكل التربية والتكوين وهكذا دواليك. ولربما هذا نتاج عدم قدرة مجتمعنا في جعل الانسان المغربي في صلب مجهوداته نحو التنمية والانعتاق. حيث إن الاستثمار في التعليم، وفي مجالات اجتماعية أخرى، يعتبر عبئا كأن على الدولة التخفيف منه إن لم تتمكن من التخلص منه. وهذا المنظور مخالف لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، ولا يرتكز على احترام الديمقراطية وعلى تدبير حكيم للإكراهات وللإمكانيات التي تتيح تجاوزها. فيرجع " الإصلاح" ليكتفي بإجراءات تستجيب إلى حد ما لاكراهات مرحلية دون جعل المنظومة بأكملها تتأهل لمتطلبات المستقبل وجعل الرأسمال البشري في تطور مفيد للمجتمع وبيئته. ف"المدرسة الجديدة من أجل مواطن الغد" ما زال شعارا لم يترجم إلى الواقع. وعلى الإصلاح المرتقب أن يتمكن فعلا من إرساء دعائم المدرسة الجديدة، تربية وتكوينا وعلى كل المستويات، وجعلها في خدمة المواطنة والرحية والانعتاق. والأمل هو أن تتوفر الإرادة السياسية الكاملة في بلورة سياسات عمومية تجعل من منظومة التربية والتكوين مجالا للاستثمار المعرفي لتمكين بلادنا وساكنتها من نهضة مجتمعية تعزز المواطنة في " دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة" ( مقتطف من تصدير الدستور). تخضع منظومة التربية والتكوين في الوقت الراهن لإصلاح آخر ( رؤية 2015 – 2030) والقانون الاطار الجديد، ومن ضمن المحاور التي يضمها فرض رسوم في مستويات معينة من مستويات التعليم، كيف ترون هذا الأمر؟ لا يمكن إصلاح منظومة التربية والتكوين والتوفق في هذا الإصلاح حسب ما سبق وما هو وارد في تصدير الدستور، لا يمكن ذلك إذ تم اعتباره كمصاريف تهدر فيما هو غير منتج ولا يستحق الاهتمام. فتمكين منظومة التربية والتكوين من كل الوسائل الضرورية هو من مسؤولية الدولة ولا يمكن لها أن تتخلى عن هذه المسؤولية. كما لا يمكن الارتكاز على مدى صرف ميزانيات كبيرة على التربية والتكوين وتطابقه مع الوضعية المتأزمة غير المرضية للتعليم بكل أطواره والتكوين المهني. إن الاستثمار في منظومة التربية والتكوين ليس باستثمار في مقاولة، بل هو مجهود مجتمعي لتمكين كل الساكنة وأينما وجدت فوق التراب الوطني من التأهيل للعيش الكريم في دولة الحق والقانون المزمع تشيدها. وهذا المجهود الجماعي هو مجهود تضامني يستخرج من المال العام الذي يأتي من الضرائب. ولا يمكن للمواطن أن يلدغ منها مرتين، عند الاقتطاع المباشر وعند تعليم الناشئة. ثم لو كان التمويل هو المشكل في النهوض بمنظومة التربية والتكوين، لتمكنت أموال البرنامج الاستعجالي من إخراجها من الأزمة البنيوية والهيكلية التي تتخبط فيها، لكنها ذهبت أينما ذهبوا. إن محاولة تبضيع وتسليع منظومة التربية والتكوين، هي التي تطرح إشكالية التمويل بجعل المعرفة سلعة وبضاعة محكومة بقوانين التجارة التنافسية من عرض وطلب وكلفة وربح دون الاهتمام بقيم الدولة الديمقراطية الحديثة والمجتمع المتضامن. والتأكيد على ضمان مجانية التعليم الالزامي بأسلاكه الثلاثة، الأولي والابتدائي والاعدادي، يمكن فهمه على أن الدولة قامت بما يلزمها وتتخلى عن واجبها في التعليم العالي والبحث العلمي، وهذه المقاربة إن وجدت تؤكد على اعتبار التعليم ليس كرافعة للاقتصاد الوطني ومحوا للتنمية بل ككلفة كبيرة يجب الحد منها شيئا فشيئا. كما أن إقرار رسوم التسجيل سيشكل عرقلة جديدة لولوج التعليم العالي بالنسبة لجل الطلبة المتوجهين إلى مؤسسات الدولة، حيث إن الطلبة أبناء ما سمي بالعائلات الميسورة لا يقصدون هاته الكليات اعتبارا منهم أنها لا تليق بمستواهم الاجتماعي كما يبقى إلى حد الآن غموض كبير وضبابية حول التمييز بين الأسر الميسورة وبين الأسر غير الميسورة. ولا يستقيم هذا التصنيف في الأصل على اعتبار أن الغالبية العظمى من المغاربة من الفقراء أو من الطبقات المتوسطة التي تكافح من أجل توفير الحدود الدنيا من مقومات العيش الكريم خاصة مع توسيع الهوة بين العائلات الغنية القليلة والسواد الأعظم من الجماهير الشعبية. والكل يعرف حق المعرفة أن العائلات الغنية القليلة تتوجه إلى مؤسسات تعليمية خصوصية وأجنبية لتكوين أبنائها في الداخل أو الخارج، وهذه العائلات الميسورة فعلا لا يهمها مسار التربية والتكوين بقدر ما يهمها اكتناز الأموال من أزمته وعيوبه. إن التضامن الوطني من شأنه ضمان ولوج الجميع على قدم المساواة لتعليم عالي ذي جودة وعلى الدولة أن تفي بالتزامها في تعزيز تمويل التربية والتكوين وترشيد نفقاته وتدبير النفقات العمومية المرصودة له على أحسن وجه خدمة للصالح العام. يطرح إشكال التعليم وعلاقته بسوق الشغل، حيث ينتقد العديدون منظومة التعليم ويحملونها مسؤولية تخريج العاطلين، هل من تخطيط لتجاوز هذه الوضعية؟ سوق الشغل مرتبط بالاقتصاد الوطني وطبيعة الفاعلين فيه من دولة ومقاولات وشركات ومؤسسات مختلفة. ومن مهام منظومة التربية والتكوين مد هذه السوق بالقوى العاملة من الساكنة النشيطة والقادرة على العمل والمؤهلة للقيام به. والتحديات التي يعرفها سوق الشغل تكمن إما في عدم تمكن الاقتصاد الوطني من توفير فرص العمل وإتاحتها لكل من يبحث عنها، أو في قلة المؤهلات والمهارات المتوفرة لدى الساكنة القادرة على العمل وتلبية العروض التي يقدمها الفاعلون الاقتصاديون. وبقدر ما ترتبط منظومة التربية والتكوين بجميع مكونات الاقتصاد الوطني وبقدر انفتاحها وإشراكها للفاعلين فيه لتحديد أهدافها ونهج مسالك تكويناتها، بقدر ما تتمكن من مد الاقتصاد الوطني بالمؤهلات والمهارات والموارد البشرية التي تساهم في تدبيره وتطويره ونموه. ويستوجب هذا، انصهار كل الفاعلين الاقتصاديين في هذه الشراكة. إلا أنه في بلادنا لم نصل بعد إلى هذا المقصود بجعل كل الفاعلين الاقتصاديين مندمجين في منظومة التربية والتكوين، ويتطلعون إلى " مجتمع المعرفة" وإلى اقتصاد المعرفة والاستثمار في الرأسمال البشري وتمكينه من التكوينات المطلوبة التي ستلبي حاجيات هؤلاء الفاعلين الاقتصاديين. فالتنسيق بين مؤسسات بين مؤسسات التربية والتكوين والفاعلين في الاقتصاد الوطني ضعيف جدا إن لم يكن غائبا. ومن الفاعلين الاقتصاديين من يجعل الربح والربح السريع همه الوحيد، ومنهم من يعتبر أن مسؤولية الشغل كما مسؤولية التربية والتكوين هي مسؤولية الدولة ولا دخل لهم فيها. ومنهم كذلك من يبحث فقط على التحفيز لتمكينه من الاغتناء الشخصي دون المساهمة في التضامن الوطني. ومن مؤسسات التربية والتكوين ما يكتفي بحراسة الشباب دون تمكينه من المعرفة بسبب الاكتظاظ وقلة التأطير وضعف الإمكانيات وفق التجهيزات. إصلاح منظومة التربية والتكوين يجب أن يكون لصيقا بتطور الاقتصاد الوطني ومتطلبات الجماهير الشعبية في المعرفة والثقافة والانعتاق. وعلى الاقتصاد الوطني أن يعتبر العنصر البشري هو الوسيلة وهو الهدف، وهو الفاعل في خلق الثروة والمستفيد منها. وأن يرتبط هذا الاقتصاد بالاستجابة أولا لمتطلبات المغاربة مع انفتاحه على الأسواق الخارجية، كما أنه من الواجب تعزيز البحث العلمي في كل المجالات للتمكن من تطوير انتاجيتنا ومحاربة الفوارق المجالية وتمكين كل الساكنة من العيش الكريم والتمتع بالعدالة الاجتماعية والحفاظ على بيئته الطبيعية في إطار التنمية المستدامة. فيما يتعلق بالتمويل الأولي، يلاحظ أنه قطاع تابع لوزارة الشبيبة والرياضة وتدبره أطراف (جمعيات المجتمع المدني وجهات أخرى)، في حين أنه تعليم يعتبر ركيزة لبناء شخصية الطفل، هل تعتقدون أن وضع التعليم الأولي حاليا وضع سليم، ألا يجب أن تعمل الدولة على إعادة النظر في هذا الوضع وتخضعه لرقابة مؤسسات التربية والتكوين؟ إن التعليم الأولي ركيزة أساسية لتطوير منظومة التربية والتكوين وولوج مجتمع المعرفة واحترام كل أسسه. وهذا التعليم الأولي لا يوجد حاليا في حالة مرضية، فهو متعدد في تكويناته وفي محتوياته التربوية، وهو كذلك مبعثر في مسؤولية تدبيره بين قطاعات مختلفة. والتعليم الأولي في بلدنا يعكس حاليا الفوارق الاجتماعية ويركزها بل يساهم في فشل منظومة التربية والتكوين في مجملها. ومن الواجب إعطاء العناية الكافية له وجعل أطفال المغرب يتلقون بشكل عادل وتعادلي نفس التكوينات التي ستمكن شخصيتهم من الانفتاح وتمكنهم من ولوج أسلاك التربية والتكوين بثقة وعنفوان. وإلزاميته تعني مده بكل ما يلزم من معدات وتجهيزات وموارد بشرية مكونة ومؤهلة لتقوم بمسؤوليتها في تعليم الناشئة. كما وجب توحيد هذا القطاع وجعل الإشراف عليه ضمن منظومة التربية والتكوين الوطنية الموحدة والوحيدة والمكونة من التعليم الأولي والابتدائي والثانوي والتعليم العالي المتضمنة الى تكوينات مرتبطة بالاقتصاد الوطني وتطوره وانفتاحه وتميز هيكلتها جسور على جميع المستويات لتمكن المجتمع من الخروج من التخلف وجعل كل مكوناته تتمتع بالازدهار والحرية والسعادة. **** أحمد بلقاضي أستاذجامعي بكلية الآداب والعلوم الانسانية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير: التوسع الجغرافي للجامعة يطرح إشكال التكوين الشخصي للطالب الجامعة كانت دائما وستظل فضاء لتخرج الأطر والنخب يثير أحمد بلقاضي الأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الانسانية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير، العديد الإشكالات المرتبطة بالجامعة المغربية، أهمها التحولات التي عرفتها سواء على مستوى التوسع الجغرافي أو على مستوى المضامين التكوينية، كما تناول في رده على أسئلة «بيان اليوم» الإكراه التي يطرحها التوسع الجغرافي وأثره على تكوين شخصية الطالب. إلى جانب ذلك أمد بلقاضي أن الجامعة كانت وستظل فضاء لإنتاج الأطر وصناعة النخب، كما أشار إلى مسألة انفتاح الجامعة على محيطها وهي مسالة جدلية وفق بلقاضي. في ظل هذه التغييرات المتسارعة لا من الناحية التكنولوجية، والمخططات الإصلاحية، ماذا يمكن للجامعة أن تقدمه؟ في البداية لابد من الإشارة إلى أن الجامعة المغربية عرفت عدة تحولات، التحول الأول يتعلق بالتوسع الجغرافي للجامعة، حيث انتقلنا من جامعة واحدة في سنوات الخمسينات والستينات، إلى جامعة تغطي جهات المغرب. هذه الجامعة بدورها التي تغطي التراب الوطني، هي بنفسها بدأت تتوسع في الرقعة الجغرافية، من خلال خلق مؤسسات وملحقات في كل الأقاليم. وإذا أخدنا جامعة ابن زهر بأكادير مثلا والتي تغطي حتى الحدود مع موريتانيا، أي ما يوازي أكثر من أربع جهات، ولديها في كل إقليم مؤسسة جامعية أو نواة جامعية. السؤال الذي يطرح الآن حول هذا التوسع، هو هل يمكن أن يعطينا ما ننتظره من الجامعة؟ هل يمكن في ظل هذه الملحقات والأنوية الجامعية أن تلبي انتظاراتنا من تكوين رصين وتكوين النخب ومن تكوين للطالب خارج إطار الدرس الجامعي، وهنا أقصد الأنشطة الموازية للطالب والتكوين في الجانب الحقوقي والاجتماعي، وأحيل هنا إلى الفصائل الطلابية التي خلقت في الجامعة المركزية، إن صح التعبير، هل ستنشأ أيضا في هذه الملحقات وهذه المؤسسات الجديدة، أم أنها ستسقط إلى حد ما فيما يشبه مؤسسات التعليم الثانوي ولكن بمواصفات إدارية جامعية. ماذا تقصد بخلق الفصائل؟ يعني هل يمكن للجامعة أن تكون الطالب كإطار للمستقبل، الذي يمكن ان يكون إطار عاليا في الدولة، وخصوصا على مستوى التكوين الشخصي بعيدا عن التكوين الجامعي المرتبط بالدروس الجامعية. ارتباطا بهذه التحولات التي أشرتم إليها، ما موقع الجامعة مما يصطلح عليه أزمة التعليم العمومي؟ في نفس الاتجاه، وبعد توسع الرقعة الجغرافية للجامعة، تطرح مسألة المضامين الحالية للتكوين، هل تساير ما يعرفه الاقتصاد والمجتمع من تغييرات، أم أنه أصبح متجاوزا، لذلك يطرح سؤال: ماذا تقدم لنا الجامعة؟ الجامعة كانت دائما وستظل فضاء لتخرج الأطر، وتخرج سياسيين كبار يسيرون البلاد، أطر يساهمون في تأطير وتوعية المجتمع. والجامعة جزء من المجتمع، وتأثرت بمشاكل المجتمع، وهذا يرتبط كله بالتغييرات التي تلحق المجتمع والفاعلين فيه، وهل المجتمع ساير التغييرات الحاصلة، وهل السياسي الحالي مثله مثل السياسي قبل سنوات وغيرها من التساؤلات المطروحة. الأستاذ وظيفته تكوين النخب والأطر والأجيال، ولكن هذا الأستاذ الذي تخرج من هذه الأنوية الجامعية والملحقات، هل لديه تلك الحمولة وذلك التكوين الذي يمكن أن يوصله إلى الطالب، وبالتالي المساهمة في التأطير والتكوين. فالطالب إذا كان يدرس في مدينة معينة مثلا كورزازات، هل منحنا له الفرص الكافية للاحتكاك بمحيط آخر وأناس آخرين، ألا يساهم هذا في تراجع مستوى التكوين الشخصي للطالب.وحتى إن أتيحت فرصة الاحتكاك بالأخرين فلا تلمس إلا فئة قليلة. فيما يتعلق بانفتاح الجامعة على محيطها، هل قدمت شيئا وهل استفادت من شيء في المقابل؟ يمكن أن أقول إن هذه المسألة تعتبر بمثابة تهمة ألصقت بالجامعة، لماذا لا نقول انفتاح المحيط على الجامعة؟ أو لنتركها علاقة جدلية. الجامعة إلى حدود سنة 2003 كانت البرامج التي تدرس في أكادير تدرس في وجدة، نفس البرامج ونفس المضامين، وبعدها أتت برامج وإصلاحات متتالية. وهنا أقول إن الجامعة أو الأستاذ الجامعي لا يتحملان مسؤولية عدم الانفتاح أو الانفتاح أو تخريج العاطلين كما قال البعض. الجامعة في البداية تأسست من أجل تكوين أطر للتدريس، هذا هو الأصل، بعد ذلك قطاع التعليم تشبع. وبعد توالي السنوات وحصول عدد من الأطر على التقاعد، أصبحنا نعيش خصاصا، وبالتالي لجأت الدولة إلى التوظيف بالتعاقد، وهذه المسألة فيها نقاش كبير، لأنه كيف يعقل لطالب حصل على الإجازة اليوم، ويوظف للتدريس بالرغم من أنه لا يملك الأدوات البيداغوجية والمعرفية. ولما طرحت مسألة الانفتاح، أعطيت حرية مقيدة نوعا ما، للمؤسسات الجامعية في وضع المضامين التكوين الأساسي، وأعطيت الأهمية أكثر فيما يتعلق بالتكوينات الموازية المرتبطة بالإجازات المهنية والماستر والدكتوراه، حيث أعطيت صلاحية الاقتراح للأستاذ والمؤسسة. وهذه التكوينات أتاحت فرصا لعدد من الخريجين لولوج سوق الشغل. وهذا نوع من انفتاح الجامعة على محيطها، وهو ما يعني أنه حينما أعطي هامش من الاقتراح للمؤسسة طرحت تخصصت تؤدي مباشرة إلى سوق الشغل. *** عمر حلي رئيس جامعة ابن زهر أكادير: بعد ثلاث سنوات من العمل تمكنت الجامعة من تقليص الاكتضاض وتوصلت إلى إحداث التوازن قال عمر حلي إن جامعة ابن زهر استطاعت أن ترفع من طاقتها الاستيعابية بنسبة وصلت إلى 170 في المائة في خمس سنوات بالمقارنة مع ما أنجز من 1984 إلى سنة 2011. وأضاف أن الجامعة أحدثت العديد من الفضاءات الخاصة بمزاولة أنشطة الطلبة حيث تم تشجيع النوادي والمبادرات العلمية والثقافية للطلاب بشكل يساهم في جعل الجامعة فضاء رحبا للجميع، ضدا على كل تعصب وكل الممارسات التي تقوم على فرض الرأي بالقوة. وأوضح أنه توجد بالقطب الجامعي لأيت ملول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ومركز للآداب والعلوم الإنسانية ومركز العلوم والتقنيات، ويقع مركز الآداب ومركز العلوم، تحت إشراف كل من كلية الآداب والعلوم بأكادير والكلية متعددة التخصصات بتارودانت على التوالي، وفقا للمادة 19 و20 من القانون 00.01، الذي يمنح للجامعة إمكانية إحداث مراكز جامعية، والشهادات الجامعية الصادرة عن الكليات التي أحدثتها، شأنها شأن باقي الشهادات الممنوحة على الصعيد الوطني، والأمر نفسه بالنسبة للمركز الجامعي كلميم التابع لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير. يرى عدد المتتبعين أن جامعة ابن زهر شهدت وتشهد دينامية متواصلة على مستوى خلق البنيات التحتية من خلال المؤسسات المحدثة والتي سيتم إحداثها، هل تعتقدون أن هذه الدينامية تنعكس على مستوى التأطير والتكوين وجودتهما؟ كان الحديث عن جامعة ابن زهر مرادفا للاكتظاظ، مع ما تستتبعه تلك الصورة من غياب فضاء التحصيل وتدني مستوى الفضاءات الجامعية وسوء تدبير الزمن الجامعي، من مراحل التسجيل إلى فترات التقويم، أي في الدخول وفي الخروج الجامعيين. وكان لزاما علينا، والحالة هذه، أن نبتكر في رفع وتيرة الإنجازات وبتجويدها والرقي بالفضاء الجامعي وتوفير المقعد اللائق أولا. وذلك ما جعل المدن الجامعية التابعة لجامعة ابن زهر تنتقل من أربع مدن جامعية إلى ثمانية والمؤسسات من ثمانية إلى ستة عشر مؤسسة. عرفت جامعة ابن زهر خلال السنوات الأخيرة توسعا ملحوظا على مستوى بنياتها التحتية والتي غطت من خلالها عددا من مدن الجهات الجنوبية، كيف يمكن أن تلبى حاجيات التأطير والتكوين لفائدة أبناء هذه المناطق في ظل اقتصار هذه المؤسسات المحدثة على تخصصات معينة؟ القفزة التي أشرت إليها تبدو كمية، ولكنه كم يحمل في طياته نقلة نوعية كيفا، على صعيد تنويع التكوين واستكمال ما كان غائبا، وخاصة فيما يتصل بالتكوين في إطار قطب صحي قاطرته الأولى كلية للطب بأكادير. وبالطبع تفادينا ان ننزلق وراء المطلب الاجتماعي وحده، فنحرم المدن الجامعية الجديدة من مدارس عليا. ولذلك أصبحت لجامعة ابن زهر مدرسة عليا للتكنولوجيا بكلميم وأخرى بالعيون ثم مدرسة وطنية للتجارة والتسيير بالداخلة. وقد تم ذلك بدعم خاص من الوزارة ومشاورات دقيقة مع الفاعلين المحليين والجهويين. هل هناك مخطط أو رؤية لتوسع هذه المحلقات أو إحداث مؤسسات جامعية أخرى تشمل جميع التخصصات بهذه المناطق؟ الآن لدينا تحد أول هو انغراس للمؤسسات المستحدثة بكلميموالعيونوالداخلةوالسمارة وأيت ملول في تربتها المحلية والجهوية والوطنية، ثم توسعتها التدريجية على صعيد التكوين ودعم مواردها البشرية لتحسين التأطير بها، وللتمكن من تطوير أدائها في البحث. وهذا الأخير لا يستقيم إلا بعد تكوين كتلة وتراكم تدريجي في البحث وتكوين فرقه ومختبراته. ثم هناك مركز الدراسات الاقتصادية بكلميم الذي يحتاج الى توسعة تراعي الدور المنوط به. تلقينا دعما هاما وصل إلى 12 مليون درهم من جهة الداخلة وادي الذهب من أجل بناء المدرسة الثانية بالداخلة هي عبارة عن مدرسة عليا للتكنولوجيا بمدينة الداخلة. وتلقينا دعما بلغ 4 ملايين درهم من جهة العيون الساقية الحمراء لتوسيع البنية الجامعية بمدينة العيون. والجامعة منكبة على تهيئة الملفات التقنية والقانونية لإطلاق هذين المشروعين. وفي أكادير، تشتغل الجامعة والجهة ووزارة الاربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بمعية وزارة التجارة من أجل إطلاق مشروع فضاء الابتكار الذي من المفترض أن يرى النور في مطلع الموسم الجامعي القادم. وهو فضاء مخصص للبحث العلمي القائم على المشاريع المندمجة المتكاملة التي تستحضر مختلف التخصصات. تعزز العرض التكويني والتأطير بإنشاء القطب الجامعي أيت ملول، هل نجح ذلك في تخفيض الضغط على الكليات بأكادير، وكيف تم تدبير الموارد البشرية في هذا الإطار؟ توجد في القطب الجامعي لأيت ملول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ومركز للآداب والعلوم الإنسانية ومركز العلوم والتقنيات. وقد أحدثت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أيت ملول بمرسوم في شهر غشت 2016 وستمنح الشهادات الجامعية الوطنية التي تمنحها باقي الكليات المماثلة بربوع الوطن. أما بالنسبة لمركز الآداب ومركز العلوم، فإنهما تحت إشراف كل من كلية الآداب والعلوم بأكادير والكلية متعددة التخصصات بتارودانت على التوالي، وفقا للمادة 19 و20 من القانون 00.01، الذي يمنح للجامعة إمكانية إحداث مراكز جامعية وبالتالي فالشهادات الجامعية الصادرة عن الكليات التي أحدثتها، شأنها شأن باقي الشهادات الممنوحة على الصعيد الوطني، والأمر نفسه بالنسبة للمركز الجامعي كلميم التابع لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير. هذا الوضع جعلنا نخفف من الضغط الذي كان حاصلا على مؤسسات أكادير. وبعد ثلاث سنوات من العمل، الذي لم يكن دائما سهلا، توصلنا إلى إحداث التوازن بتسجيل نصف الطلبة في أكادير ونصفهم في المدن الجامعية الأخرى. ألا يشكل إحداث هذا القطب نوعا من المنافسة لكليات مدينة أكادير التي شكلت النواة الأولى للجامعة منذ إحداثها؟ القطب سيتحول إلى مؤسسات وسيجعل مدينة أيت ملول مدينة جامعية بامتياز وقد راعينا في إحداثه التكامل المعرفي والفضاءات الجديدة الجيدة وتكامل المرافق، وستكون به إقامات جامعية ستفتح أولاها أبوابها في الموسم القادم. ولسنا نرى فيه منافسا لأكادير والمؤسسات الموجودة به، بل أكادير تغذي شرايين قطب أيت ملول. ينتظر أن يتم افتتاح عدد من المؤسسات في تخصصات أخرى كالهندسة والطب وغيرها، ما هي القيمة المضافة لهذه المؤسسات بالنسبة للجامعة، وكذا بالنسبة للجهة؟ الطب وكليته يرفع من جودة التكوين ويرفع من الأداء في البحث ويستتبع مستشفى جامعيا ستقوم بإنشائه وزارة الصحة، مما سيحسن مؤشر الصحة بالجهة ويحل مشكل التدريب بالنسبة لكلية الطب. وأنا سعيد بأن أعلن بأن كلية الطب والصيدلة بأكادير ستكون من بين ألمع الكليات الوطنية تجهيزا وبناءات وتأطيرا. الطريق صعب وإكراهاته جمة، ولكن عزيمة الجامعيين وثقة الشركاء والوتيرة التي سرنا بها كلها تدل على أن الأفق أفضل مما كنا عليه. كلية الطب كانت مطلبا شبيها بالحلم، ثم جاء الدعم وتظافرت الجهود واليوم لدينا 220 طالبا طبيبا نصفهم في السنة الثانية ولدينا منشأة في مراحل إنجازها الأخيرة. وأما عن الهندسة المعمارية، فهي تابعة للوزارة التي تدبر قطاع التعمير، وتمت اتفاقية بين هذه الأخيرة وجامعة ابن زهر وجهة سوس ماسة وهيئة المهندسين المعماريين من أجل إطلاق مشروع المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، وقد تم الأمر وانطلقت القاطرة. تغطي جامعة ابن زهر أكثر من أربع جهات ترابية، واتجهت خلال السنوات الأخيرة إلى إحداث ملحقات في مدن بهذه الجهات، هل توفقت الجامعة في تقليص حدة الضغط بأكادير؟ الأرقام أصدق أنباء من التنبؤات. استطاعت جامعة ابن زهر أن ترفع من طاقتها الاستيعابية بنسبة وصلت إلى 170 في المائة في خمس سنوات بالمقارنة مع ما أنجز من 1984 إلى سنة 2011، وبجودة عالية. مدرسة جديدة للمهندسين تليق بهم، وكلية للطب، ومدرستان للتكنولوجيا جديدتان بكلميم ثم العيون، ومدرسة وطنية للتجارة والتسيير ثانية بمدينة الداخلة، وكلية للعلوم الشرعية بمدينة السمارة، ومركب جامعي جديد بأكادير وقطب جامعي بأيت ملول. ذلك كله مع توسعات وتأهيل بمختلف المؤسسات القديمة. وليس الأمر كمي فحسب بل فيه ابتكار وتجديد من خلال بهو للبحث العلمي بكلية العلوم ومركز للأعمال بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بأكادير وفضاء للإنسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية وتجهيزات علمية بوارزازات وكلميم في الطاقات المتجددة وفي مجال السمعي البصري. قلتم أن إشكالية الضغط لم تعد مطروحة بحدة كما هو الشأن في سنوات سابقة، وبالرغم من ذلك يشتكي عدد من حاملي الباكالوريا القديمة من عدم قبول ملفاتهم ومتابعة الدراسة الجامعية، ما هي الأسباب وراء ذلك، وما هي المعايير المعتمدة في قبول ملفات الطلبة حاملي الباكالوريا القديمة؟ الكليات تسجل عددا هاما للحاصلين على الباكالوريا ما قبل السنة الجديدة، ولكن عددا كبيرا ممن يطلبون التسجيل حاصلون على إجازة أو إجازتين، وإنما تمنح المؤسسات حسب تقدير لجانها ومجالسها الأولوية للطالب الجديد الذي يجب أن نوفر له المقعد والفضاء والتأطير اللازم. وعلى الإخوة أن يتفهموا هذه الأمور. جهات خمس وما يزيد عن 23 ألف طالب جديد كل سنة. مع توسع مؤسسات الجامعة والانتشار الجغرافي الذي يطبعها، كيف أمكن لرئاسة الجامعة التوفيق في تدبير انتشار الأطر؟ يمر الأمر وفق الحاجيات التي تعبر عنها المؤسسات، مع مراعاة المؤسسات الجديدة. ثم هناك تخصصات لا نجد لها مرشحين بالعدد الكافي مثل التدبير واللغة الانجليزية مثلا، نمنحها الاسبقية، وهناك جاذبية المدن والمؤسسات الجامعية نفسها، وتحسين هذه الجاذبية يأتي مع صورة المؤسسة وطبيعة تكوينها ومع العمل الذي نقوم به محليا وعلى صعيد كل جهة مع الشركاء من أجل دعم الجانب الاجتماعي ودعم المؤسسات. ساعدنا الاهتمام الخاص الذي حظيت به جامعة ابن زهر بحصولها على عدد هام من المناصب وصل إلى 700 منصب خلال السنوات الست الأخيرة. وقد حصلنا هذه السنة على مناصب جعلتنا نبرمج مباريات في كل المؤسسات كما جعلتنا نحصل على مناصب ستة أساتذة في الطب وعدد محترم للكليات والمدارس بما فيها القطب الجامعي لأيت ملول الذي ستضاف إليه 48 من الأساتذة دفعة واحدة. ولكن ما زال الخصاص حاضرا خاصة في تأطير الدروس التطبيقية التوجيهية. لتجاوز الصعوبات يخصص مجلس الجامعة دعما ماليا هاما للساعات العرضية لسد الخصاص في بعض الوحدات أو المجزوءات. في سنوات سابقة شهدت الجامعة أحداث عنف بين التيارات الطلابية، غير أنه في السنوات الأخيرة التراجع مستويات هذا العنف وابتعدت نوعا ما عن الوسط الجامعي، هل كانت ساهمت إستراتيجية التوسع الذي عرفتها الجامعة وراء هذا التراجع أم هناك أسباب أخرى؟ كانت الجامعة دائما حرما للاختلاف وكان تدبيرهذا الاختلاف يتم وفق أعراف جامعية، على الرغم من التدافعات وحدة المواقف. ولكن تغيرت خارطة الساحة الطلابية وتغيرت معها المرجعيات بشكل جعل الأعراف تتوارى في بعض السياقات ويغلب النفس القائم على المواجهة لضيق أفق الحوار، وفي كثير من الأحيان لهشاشة التكوين والتأطير الفكري والسياسي. لهذا حدثت أشياء غريبة على جسم الجامعة. كان يساهم في ذلك ضيق دوائر الحوار وغياب فسحات الأنشطة الطلابية الهادفة التي تساهم في صقل شخصية الطالب وتقوي لديه المناعة الفكرية وتذكي فيه روح التسامح المبدئي الناتج عن الإدراك العميق والعملي لمعاني الاختلاف. في جامعة ابن زهر أحدثنا العديد من الفضاءات الخاصة بمزاولة أنشطة الطلبة وشجعنا النوادي والمبادرات العلمية والثقافية للطلاب بشكل يساهم اليوم في جعل الجامعة فضاء رحبا للجميع، ضدا على كل تعصب ودرءا لكل الممارسات التي تقوم على فرض الرأي بالقوة. أظن أننا قطعنا شوطا في الاحترام المتبادل بين مختلف المكونات. ولكن ما زال هناك عمل يجب القيام به لصون هذا المكسب، ولزرع الثقة في الآخر. الجامعة فضاء رحب يجب أن يتسع للجميع. *** فاطمة الشعبي أستاذة جامعية بكلية الآداب والعلوم الانسانية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير، وعضو النقابة الوطنية للتعليم العالي: الإصلاحات لم تأخذ بعين الاعتبار أهمية العنصر البشري والشركاء لا يؤخذ بمقترحاتهم ترى فاطمة الشعبي أن الإصلاحات التي همت المنظومة التعليمية، وخاصة التعليم العالي، لم تعطي الأهمية التي يجب للعنصر البشري، بحيث اقتصرت على الجانب المادي والميزانياتي، في حين أغفلت الدور المحوري للرأسمال البشري، وتضيف فاطمة الشعبي في هذا الحوار الذي أجرته معها « بيان اليوم» أن البرامج والإصلاحات تتغير بتغيير المسؤولين الحكوميين المكلفين بالقطاع، وهو ما يضرب في الصميم هذه الإصلاحات والبرامج، حيث ما تبدأ مع مسؤول حتى تتوقف مع المسؤول الذي يأتي بعده، كأن الإصلاح السابق لم يكن صالحا بالمطلق. وتعرج فاطمة الشعبي، كذلك، على مسؤولية الدولة في الحفاظ على الجامعة العمومية، ومسؤولية الأستاذ والطالب في الرفع من قيمة التحصيل العلمي، فضلا عن إبراز دور الجامعة في صناعة وإنتاج النخب. على مدى سنوات وعقود تم تمرير مجموعة من المخططات والبرامج الإصلاحية التي تهم قطاع التعليم بصفة عامة والتعليم العالي بصفة خاصة هل تم إشراك الأساتذة والنقابيين في إعداد وتنزيل هذه المخططات؟ الجامعة المغربية عرفت عدة إصلاحات وعدة مخططات منذ الاستقلال إلى الآن، ومرت من مجموعة من المراحل، أولها مغربة الأطر وتم ذلك على مراحل، ليأتي بعد ذلك تعريب التعليم على مستوى التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، والذي توقف عند هذا الحد ولم يصل إلى التعليم العالي، مما خلق مشكلا كبيرا بالنسبة للطلبة الحاصلين على الباكالوريا والذي يتوجهون بعدها إلى كليات العلوم، وهو ما يعني أن هذا مخطط تعريب التعليم فشل، ولم يتم الاعتراف بأنه فشل. وبعدها جاءت مراحل أخرى من الإصلاح، وعلى رأسها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي جاء بالعديد من الأمور الايجابية لكن أغلبها لم يفعل، وكذا بالنسبة للقانون المنظم للتعليم العالي 01.00 الذي أتى هو الآخر بالعديد من الأمور الايجابية لكنها هي الأخر لم تفعل، مع العلم أن القانون المنظم للتعليم العالي يضم بابا خاصا بالتعليم العالي العمومي وباب خاص بالتعليم العالي الخاص. بعد ذلك يأتي برنامج المخطط الاستعجالي، والذي كان هاجسه الأساس هو الجانب المادي والميزانياتي، واتضح فيما بعد أن الإشكالية ليست في الجانب المالي أو في الميزانيات، طبعا البحث العلمي يحتاج إلى ميزانية ضخمة، لكن في المقابل البحث العلمي أيضا في حاجة إلى الرأسمال البشري. التعليم العالي بصفة عامة مفتاحه هو الرأسمال البشري والاستثمار في الموارد البشرية، وهذه الأمور لم تؤخذ بعين الاعتبار في برنامج المخطط الاستعجالي الذي ركز على الأمور المادية المتركزة في كل ما هو بناء وآليات ولوجيستيك وبنيات تحتية، من ناحية كل هذه الأمور جيدة لكنها أغفلت جانبا آخر أكثر أهمية وهو الرأسمال البشري. وبعد المخطط الاستعجالي يأتي إصلاح أخر، وحاليا نتحدث عن إصلاح آخر والمرتبط بالرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030، ولكن قبل الحديث عن كل هذا أو الشروع في تنزيله، كان لابد من تقييم المخططات والإصلاحات السابقة للوقوف عند مكامن القوة والضعف، ولكن للأسف هذا التقييم لم يتم على كل المستويات، والمسؤولين الحكوميين المتعاقبين كل واحد منهم يشتغل بمخططه وهو ما يضرب في الصميم استمرارية المخططات السابقة كأنها لم تكن صالحة بتاتا، وإلا لما يستغني كل مسؤول حكومي عن مخطط سبق أن طرحه المسؤول الذي قبله، ويشرع هو الآخر في تنفيذ مخطط جديد، وهو نفس الأمر بالنسبة للرؤية الإستراتيجية الحالية، فإذا ما دققنا فيها سنجد أنها أخذت الكثير من برنامج الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والكثير من الأمور أيضا أخذت من الإصلاحات والمخططات السابقة، بالرغم من أنه لا يوجد هناك اعتراف بفشل الإصلاحات السابقة أو على الأقل القول بعدم جدواها. دهل يمكن القول أن هناك تعدد المخططات والبرامج وفي نفس الوقت هناك غياب الرؤية وضبابية تخيم على مسار التعليم الجامعي؟ طبعا هذا أمر واقع، هناك تعدد للمخططات والأفكار وغيرها، وليس الأفكار هي التي تنقص، ولكن الإشكال البارز هو أن الطرف الأساسي في هذا الإصلاحات لا يؤخذ برأيه، وهذا الطرف هو الأستاذ والموظف في الإدارة والطالب، والشركاء المتدخلون بالقطاع. مثلا في التعليم العالي لا يؤخذ برأي مجلس الجامعة أو مجلس المؤسسة أو برأي الشعبة، والأمر الواقع أن المخططات تنزل من فوق فقط دون أية مقاربة تشاركية، وحتى في بعض المحطات التي تم فيها جمع مقترحات مختلف الشركاء، اتضح فيما بعد أنها كانت مسرحية، ولم يؤخذ بهذه المقترحات. كيف تعلقين على الصورة النمطية اللصيقة بالتعليم العالي والتي مفادها أن الجامعة تفرخ العاطلين لا غير؟ الجامعة مكان لتلقين المعرفة وإنتاجها، وليست مؤسسة للتكوين المهني، في عقود السبعينات والثمانينات كانت الجامعة في مسار جيد وتنتج المعرفة، وكان هناك نخب في الفكر والفلسفة والأدب، نخب تساهم في تنمية المجتمع. الذي وقع هو أن نتائج الإصلاحات المتتالية هي التي أدت إلى تراجع الجامعة عن أداء دورها في إنتاج النخب. وما يروج بخصوص الصورة النمطية بالنسبة لي لا أظنه صائبا، على اعتبار أن الجامعة فضاء لإنتاج المعرفة والفكر في مختلف المجالات في الاقتصاد والقانون والأدب والفلسفة والعلوم وغيرها. وطبعا دورها أيضا أن تخرج الأساتذة الذين يدرسون في الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى، مستقبلا، وأن تنتج نخب وأطباء ومحامون ومسيرين، ولكن الإصلاحات المتعاقبة، خصوصا الإصلاح الذي كان قبل الرؤية الإستراتيجية التي ستنزلها الوزارة، أفرز واقعا أخر، وهو أن الطلبة لم يعودوا يدسون كما هو الحال بالنسبة لنظام أربع سنوات، وفق برنامج سنوي، ففي نظام ثلاث سنوات اختلط الأمر، لأن شروط نجاحه غير متوفرة. وطالبنا بمجموعة من الشروط لضمان نجاحه، ومن بينها أن تكون المجموعات قليلة من حيث عدد الطلبة، مع توفر الوسائل التدريسية، وكان بالإمكان توفير هذه الحاجيات خصوصا مع المخطط الاستعجالي الذي لم يوفق. هذا يعني أن توالي المخططات والبرامج الإصلاحية أربك النظام التعليمي في الجامعة المغربية؟ طبعا وبشكل كبير، الطالب الآن يتخرج في أي تخصص وهو غير مؤهل لولوج سوق الشغل، وخصوصا التدريس، الطالب عندما يلج الكلية لا يفكر في شيء غير الامتحانات، لم يعد هناك معنى للتحصيل العلمي. والمبدأ في التعليم العالي أن الطالب يجب أن يجتهد من تلقاء نفسه وألا يعول كثيرا على المدرس الجامعي الذي يقدم له 25 في المائة فقط من الحاجيات التعليمية والتي ترتبط أساسا بالتوجيه والتأطير فيما 75 في المائة المتبقية على الطالب أن يغطيها بنفسه في البحث العلمي. في هذه النقطة، وبغض النظر عن البرامج والمخططات، ألا يتحمل الأستاذ الجامعي قسطا من المسؤولية في هذا الباب، زيادة على مسؤولية الطالب كذلك؟ لا أنكر أن الأستاذ الجامعي يتحمل جزء من المسؤولية في هذا الصدد بصفته مؤطرا، وبالتالي يتحمل مسؤوليته في توجيه الطالب، لأنه لا يمكن للأستاذ داخل مدرج الكلية أن يقتصر على تلقين الدروس فقط، لابد من إشراك الطالب في الدرس حتى يستوعب طريقة البحث بناء على أرضية يؤسس لها الأستاذ، ولكن بالرغم من ذلك فنسبة كبيرة من الطلبة لا يقومون بهذا العمل من تلقاء أنفسهم، بالرغم من توفر العديد من وسائل البحث خاصة مع الثورة الرقمية التي سهلت الولوج إلى عدد كبير من المراجع ووفرت كثيرا من المعرفة. من بين التحديات التي يواجهها التعليم العالي، الجامعات الخاصة التي تعتمد من قبل الدولة، كيف ترين هذا الأمر؟ نحن في النقابة الوطنية للتعليم العالي، طرحنا هذا الموضوع في ملفنا المطلبي، ومن بين أولى أولوياته الدفاع عن التعليم العالي العمومي، خاصة مند فترة الوزير الأسبق لحسن الداودي، الذي أعطى أهمية كبرى للتعليم الخصوصي فيما يتعلق الشراكة على حساب التعليم العمومي، إلى درجة أنه قال ذات مرة أن مؤسسات العلوم الإنسانية والقانونية تنتج العاطلين، ولا حاجة لنا بها، وهو الآخر كرس تلك الصورة النمطية الرائجة. وبالنظر إلى منصبه كوزير مسؤول حينها ما كان عليه أن يقول ذلك، بل على العكس عليه أن يعطي أهمية للفكر، لأن بالفكر تبقى الأمم. مسألة الجامعة العمومية وعلاقتها بالشراكة مع التعليم الخصوصي، نحن نعلم أن المؤسسات الخصوصية تستعين بأساتذة التعليم العمومي، وبالتالي حينما يتم تفريغ المؤسسات العمومية من الأساتذة، كيف يمكن أن تنتظر من الجامعة العمومية أن تنتج، بالنظر إلى الاغراءات التي تمنح لهم من مؤسسات التعليم الخاص. القطاع العمومي نعتبره مهما، وحين نقيم مقارنة مع الدول المتقدمة في هذا المجال، نجد أن التعليم العمومي بهذه الدول يبقى في مستويات جيدة، كما هو الشأن لقطاع الصحة حيث تعتبر الخدمات الصحية من أحسن الخدمات في هذه الدول. وهنا تبقى مسؤولية الدولة في حماية وتحسين الخدمات العمومية، والاهتمام بالقطاعات الاجتماعية. من المبررات التي تتحجج بها الحكومات المتعاقبة في هذا الباب، أنها غير قادرة على تمويل هذه القطاعات لأنها تكلف الكثير بالنسبة للميزانية العمومية؟ الدولة حين تقول إن هذه القطاعات ومنها التعليم، تكلفها كثيرا، يكفينا أن نقوم بمقارنة مع الدول القريبة منا، كالجزائر وتونس، حيث إن عدد الطلبة الجامعيين بهاتين الدولتين أكبر بكثير من عددهم بالمغرب، وتونس مثلا التعليم العالي لديها لا يعرف المشاكل التي يعاني منها بالمغرب. الدولة يجب أن تستثمر في الرأسمال البشري، وان تعطي قيمة للإنسان كمواطن كيفما كان.