استأنفت المقهى الأدبي بمدينة أسفي مشروعها الفكري التربوي لسنة 2009 2010 باستضافة احد الفعاليات التي تنتمي للمدينة "الدكتور محمد أمين السرغيني" استاذ التعليم العالي بكلية العلوم بجامعة ابن زهر بأكادير،و هو باحث في مختبر البيولوجيا التكنولوجية و تقييم الموارد الطبيعية، و ذلك يومه الاثنين 26 أكتوبر 2009 في موضوع: منظومة التربية و التكوين بالمغرب: إصلاح التعليم الجامعي نموذجا. استهل المحاضر عرضه بكلمة ترحيبية في حق كل الذين لبوا دعوة الحضور لهذا اللقاء الفكري التربوي، و منوها في نفس الوقت بالمجهودات التي تبذلها مؤسسة الفكر في برمجة مثل هذه اللقاءات و الندوات، مساهمة منها في الإشعاع الثقافي الذي تعلبه لفائدة مدينة أسفي، و مختلف المهتمين بالقضايا الإنسانية و الاجتماعية. بداية انطلق الرجل من عرض السياق الديموغرافي للنظام التعليمي بالمغرب، و مرجعية منظومة التربية والتكوين، ابرز من خلال هذا المحور عدد المستفيدين من الحق في التعليم، و المحدد حسب إحصاء 2004 في خمسة ملايين مستفيد، و هي نسبة لا تعكس بشكل موضوعي المجموع الإجمالي للساكنة خصوصا الفئات التي بلغت سن التمدرس و الملزمة بولوج المؤسسات المدرسية المغربية. مما يعني أن المجتمع المغربي مازال متعثرا في استيعاب هذه الجيوش الاحتياطية من الأطفال الذين يوجدون في وضعية قانونية لولوج المدرسة مقارنة مع مجموعة من الدول التي تنتمي لشمال إفريقيا و بلدان الشرق الأوسط. بعد ذلك عرج المتدخل للحديث عن مرجعيات منظومة التربية و التكوين و المحددة في:1. مشاريع إصلاح منظومة التعليم؛2. مشاريع الميثاق الوطنية؛3. إحداث اللجنة الخاصة بالتربية و التكوين؛4. الميثاق الوطني للتربية و التكوين؛5. إحداث المجلس الأعلى للتعليم؛6. ثم أخيرا برنامج المخطط الاستعجالي؛هذا التدرج على مستوى المسار التاريخي للتربية و التكوين بالمغرب و تحديدا منذ سنة 1958 إلى سنة 2009، يكشف عمق الانشغال الموجود لدى الوزارة الوصية على التربية و التكوين في السعي نحو وضع خريطة الطريق الأنجع لإنقاذ المدرسة المغربية و جعلها قاطرة للتنمية البشرية و الاقتصادية داخل المجتمع، و هو رهان يقول الرجل صعب المنال و يتطلب بذل جهود كبرى لإعادة الاعتبار لها، لا على مستوى التدبير المالي و اللوجيستيكي، و إنما أيضا على مستوى التدبير البيداغوجي و السوسيولوجي، خصوصا إذا علمنا أن نسبة الإهدار المدرسي يشير "السي محمد امين" بلغت ثلاث مائة و تسعون ألف منقطع عن الدراسة لأسباب مختلفة حددها الرجل على الشكل التالي: · عدم تلاؤم المدرسة مع محيطها؛ · محدودية الطلب عن الدراسة [خصوصا من طرف الساكنة القروية]؛ · الظروف السوسيواقتصادية لعائلات المتمدرسين بالرغم من مجموعة من الإجراءات المتخذة من طرف الوزارة الوصية على التربية و التكوين في صيغة مشاريع نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: برنامج الأولويات الاجتماعية؛ مشروع سكوفي؛ مشروع تيسير.....دون أن ننسى مبادرة الوزارة في إنشاء جمعيات مدرسة النجاح التي تم إحداثها مؤخرا داخل كل مؤسسة مدرسية بالمغرب بناء على موجهات برنامج المخطط الاستعجالي كآلية من آليات الدعم المالي للأسر المعوزة و الفقيرة لتلبية احتياجات التمدرس و الاستمرارية في تلقي التربية و التكوين على المدى البعيد ].
· تكلفة التعليم عند العائلات المعوزة ...هذه العوامل و غيرها كانت من الأسباب المحورية في تفاقم ظاهرة التسرب و الإهدار الدراسي داخل المجتمع المغربي، و هو ما جعلها تؤثر سلبا على وثيرة النمو الاقتصادي بالبلاد.و لقد أكد الأستاذ الباحث في سياق مداخلته هاته، بأن النفقات التي تصرفها الدولة على منظومة التربية و التكوين طغى عليها منطق الكم أكثر من الكيف، مقدما مثالا يخص إصلاح التعليم لسنة 1985[ التعليم الأساسي تحديدا]، مشيرا في هذا الصدد: بان هذا الأخير لم ينفد منه إلا الجانب الهيكلي (البناءات و التجهيزات)، كما أن البيئة الاجتماعية و الاقتصادية المحيطة بالمؤسسة المدرسية لم تحظ بالقدر الكافي من الاهتمام، خصوصا على مستوى التوجيه و التكوين بالتناوب الذي تم التنصيص عليه من طرف اللجان العشر لإصلاح التعليم المغربي سنة 1985 [ التكوين المهني ]، إلى جانب غياب التقويم المستمر و التتبعي لهذه الإصلاحات من طرف سلطة القرار السياسي، و هو ما ساهم في خلق بعض اختلالات الإستراتيجية مست بشكل واضح تطور المدرسة المغربية و آفاقها المستقبلية. هذا المقاربة الميكرو سوسيولوجية لم تمنع باحثنا من الحديث عن مهام المؤسسة المدرسية المنظر لها في التوجيهات الرسمية، و عن كفايات الفاعل التعليمي التربوي المراهن عليه في منظومة التربية و التكوين، بالإضافة إلى توضيحه لمستويات الفئات المستهدفة بداخل المدرسة المغربية من حيث درجة تمكنهم من الكفايات المعرفية المرجوة مقارنة مع مجموعة من الدول المجاورة و الدول الغربية؛ و في هذا الإطار حاول الرجل التذكير بمهام المدرسة حسب موجهات سلطة القرار التربوي التكويني، حاصرا إياها في المهام التالية: * التكوين الأساسي؛ * الإدماج المجتمعي؛ * الإعداد للحياة المهنية بما فيها اكتساب المهارات و الكفايات. و هي مهام تكشف عمق التحول الذي ستعرفه المدرسة المغربية كأداة للتنمية الاقتصادية و البشرية، بالرغم من ضبابية المستقبل في بلورة المشاريع الذاتية بالنسبة للمتعلمين أمام انسحاب فعاليات المجتمع المدني في دعم هذا التحول من الناحية الإستراتيجية.لينتقل بنا للحديث عن المدرس كفاعل مركزي في المنظومة التربوية، بناء على الكفايات التي وجب عليه التحلي بها سواء في تكوينه الأساسي أو المستمر، و المحددة في ما يلي: * كفايات معرفية (المعارف)؛ * كفايات ديداكتيكية (منهجية التدريس؛ السياق – التقنيات والهندسة البيداغوجية ...)؛ * كفايات علائقية (المتعلم، جماعة الفصل، آباء و أولياء المتعلمين و المتعلمات.....) هذه الكفايات من الناحية البيداغوجية يشير السي محمد امين السرغيني، وجب على المدرس إخضاعها دائما لمنطق التطورية والحركية في مهنة التدريس، اعتبارا بطبيعة الحال لاكراهات التطور السريع للمعرفة على المستوى العالمي، و أمام كذلك عولمة الأسواق و الفاعلين في مختلف المجالات...و إذا كان هذا الأمر يخص الفاعل التربوي التكويني المراهن عليه في البرنامج الاستعجالي، فإن الوضعية التعلمية التعليمية للمتعلمين المغاربة،في تصور الرجل، مازالت حرجة إلى حد ما، مقارنة مع مجموعة من الدول التي قطعت مراحل مهمة في تعميم التعليم، و إكساب الفئات المستهدفة الكفايات اللغوية و المهارية و العلمية الضرورية لتحقيق اندماجهم و توافقهم مع مختلف الأوساط السوسيوثقافية القائمة في صلب المجتمعات المدنية التي سينتمون إليها؛ و في هذا السياق يطرح "السي محمد امين السرغيني" مستوى المتعلمين المغاربة حسب ترتيب TIMSS العالمي لسنة 2007 و كفاياتهم حسب ترتيب PIRLS العالمي. بحيث حصل المغرب في ترتيب سنة 2007 على الرتبة 28 من أصل 36 بلد. كما أن المعدل الذي حصل عليه المتعلمين المغاربة من المستوى السنة الرابعة ابتدائي هو أقل من الحد الأدنى المعمول به على الصعيد العالمي. هذه النسب و هذه الترتيبات يقول المحاضر تؤكد بالملموس الوضع المأزمي الذي تعيشه المدرسة المغربية من الناحية البيداغوجية و الديداكتيكية؛ ناهيكم عن وضعية اللغات بالمدرسة المغربية التي مازالت في وضع التلمس و الارتجال و التراجع على مستوى الاكتساب لكفاياتها الأساسية، و ما طرحه هذا التعريب من صعوبات على مستوى الاندماج في سوق العمل الذي تطغى فيه اللغات الأجنبية [اللغة الفرنسية نموذجا] على قطاع الاقتصاد المعاصر. و قبل ختم مداخلته القيمة هاته قام بشرح مفصل لمقومات الإصلاح البيداغوجي الجامعي من حيث المسالك المحدثة في الدراسات الجامعية سواء بالجامعات او الكليات المتعددة التخصصات، و من حيث النسب المائوية من الوافدين عليها بعض حصولهم على شهادة الباكالوريا. و المحددة في: * % 1 من السكان الذين يلجون الجامعة، مع ارتفاع يناهز 8 % سنويا؛ * المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود: % 16, 3 من طلبة التعليم العالي؛ * المؤسسات ذات الاستقطاب غير المحدود: 83,6 % من طلبة التعليم العالي؛ * 3/2 من الطلبة يغادرون الجامعة دون الحصول على الإجازة. حاول المحاضر من خلال عرضه لهذه الإحصائيات و غيرها أن يكشف لنا وضعية التعليم العالي بالمغرب، و التي هي وضعية لم ترق بعد للمستوى المطلوب، مقارنة مع مجموعة من التجارب الكندية و الألمانية و الأردنية التي حققت في نظره قفزات نوعية سواء في القضاء على الأمية و تحقيق المواطنة، أو على مستوى توفير البنيات التحتية الملائمة، و تفعيل التكوين المستمر،و العمل بالتعليم المهني التناوبي. مختتما مداخلته بالتطرق لبرنامج المخطط الاستعجالي و المجالات الأربعة التي أتى بها، شارحا و مفسرا لأبعادها و امتداداتها و آثارها المستقبلية على الإصلاح الجامعي المغربي الحالي، مراهنا ان تكون لها جدوى على تطور التعليم الجامعي و على أبعاده الوظيفية في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية[ المادة تسعة من الميثاق الوطني للتربية و التكوين].أعقبت هذه المداخلة المفصلة مجموعة من ردود الأفعال للسادة الحاضرين عكست في مجملها الهم المشترك الذي يحمله كل فاعل تجاه وضعية التربية و التكوين بالمغرب، و طموحاتهم في تطويرها نحو الأفضل بما يخدم احتياجاتنا و رسالتنا التاريخية المستقبلية.