اعتبر محمد الأمين الصبيحي أن المدخل الأساسي لإصلاح المنظومة التعليمية المغربية، يجب أن ينطلق من اصلاح المؤسسة التعليمية التي تعتبر الفضاء التي يتم فيها تكوين التلميذ دون الاقتصار على الإصلاحات الكبرى والشمولية، وأوضح الصبيحي في هذا الحوار، أنه لابد من إدماج المؤسسة التعليمية في إطار مجموعة تربوية تتكامل فيها الأدوار بين مختلف المكونات التي ستشكل هذه المجموعة التربوية من أطر تربوية وإداريين وتلاميذ. وتحدث الصبيحي عن الرسوم الجديدة المفروضة وفق القانون الإطار الجديد المرافق للرؤية الاستراتيجية 2015 -2030 المتعلقة بإصلاح المنظومة التعليمية، حيث اعتبر أن هذه الرسوم ولو فرضت لا تشكل إلا نسبة قليلة مقارنة مع الميزانية التي تصرفها الدولة على التعليم، وقال إن الأسر المغربية حاليا تؤدي مجموعة من المساهمات السنوية مثل رسوم التأمين ومساهمة جمعيات الآباء وجمعية الرياضة المدرسية، وهي مساهمات تؤدي لأطراف غير معنية، وأشار إلى أنه من الأفضل أن تؤدى إلى مجلس المؤسسة وهو الذي سيتولى تنظيم مجموعة من الأنشطة والمبادرات التي ستفيد التلميذ. وبخصوص التعليم العالي، انتقد الصبيحي الواقع الذي تعيشه الجامعات المغربية، حيث تغيب الالتقائية والتنسيق فيما مؤسسات التعليم العالي داخل جامعة واحد، وهو ما أفرز مجموعة من التكوينات التي لا تؤدي إلى النتائج المتوقعة على مستوى التكوين وجودته. كيف تنظرون إلى واقع منظومة التعليم المغربية؟ نعتبر في حزب التقدم والاشتراكية، أن الطموح الذي يجعل المغرب ينخرط في مجتمع متقدم حداثي تسود فيه العدالة الاجتماعية والديمقراطية، يمربالأساس من خلال تأهيل العنصر البشري ومن خلال التربية والتكوين. فبالنسبة لنا ليس هناك أهم سياسية لبلادنا من أن تضمن لكل أطفالها معرفة تواكب العصر ومهارات تتماشى وحاجيات المجتمع في حركية دائمة جاعلة بالفعلقضايا التربية والتكوين في صلب الانشغالات الوطنية. إلا أن التجربة، تجربة الفترة الأخيرة على الأقل منذ وضع ميثاق التربية والتكوين، أوضحت أن مجرد الإرادة السياسية تبقى غير كافية إذا لم يتم ترجمة الإرادة إلى التزام حكومي حقيقي، يقدم الدعم والوسائل الضرورية مع تدقيق الأهداف وتقوية قدرات التنفيذ وتقويم النتائج، وتولي هذه السياسية من قبل إدارة ومسؤولين بمقدورهم تدبير القطاع بكيفية إرادية ودينامية. في هذا الاتجاه بالضبط، أعد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتكليف من جلالة الملك، رؤية استراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين لفترة 2015 – 2030، كما أعطى جلالته توجيهاته السامية إلى الحكومة من أجل صياغة هذا الإصلاح في إطار تعاقدي ملزم من خلال قانون إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد. ومساهمة منا في حزب التقدم والاشتراكية في إعداد هذه الرؤية الاستراتيجية،تقدمنا في أكتوبر 2013 بمذكرة للمجلس الأعلى نعرض فيها مقترحات حزبنا من أجل إعطاء انطلاقة جديدة لمسلسل الإصلاح. عرفت منظومة التربية والتكوينمجموعة من الإصلاحات والمخططات غير أن وضعية التعليم إلى اليوم لم ترقى إلى المستوى المنتظر، أين يوجد الخلل؟ بالفعل هناك خلل فيما يخص جودة التعليم، يجب أن نعترف أن المغربعلى الأقل منذ الحكومة الأولى للتناوب التوافقي، اجتهدت من أجل تعميم التعليم الابتدائي ما بين 6 سنوات و12 سنة، والتعليم الابتدائي اليوم شببه معمم، ويجب الإقرار بأن الدولة قامت بمجهود جبار لتعميم التعليم الأساسي (ابتدائي اعدادي)، غير أنه وبالرغم من هذه المجهودات، يشتكي الجميع من مستوى التعليم وجودته. طبعا كانت هناك إصلاحات، ويمكن أن ننطلق من الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي نعتبره إطارا مرجعيا توافقيا وأساسي، كما كانت هناك إصلاحات أخرى كالمخطط الاستعجالي، ولكن المشكل يكمن في كون الإصلاحات الكبرى تشمل المنظومة التربوية ككل، في الوقت الذي كان من المفروض أن يركز أي اصلاح على المؤسسة التعليمية. وداخل المنظومة التربوية نجد قطبين للسلطة، القطب الأول هو إدارة التربية الوطنية بتوجهاتها الوطنية التي لها دور أساسي كإصلاح المناهج وتنظيم الحياة المدرسية وتكوين المدرسين، وهذا كله له انعكاس على مردودية النظام التعليمي.والقطب الثاني هو المؤسسة التعليمية وحجرة الدرس حيث يوجد الأستاذ الذي يتحكم في هذه الحجرة. والمؤسسة التعليمية لا يمكن اختزالها ككيان لتطبيق الدوريات والتوجهات الوطنية. الاشكال الكبير للتعليم بالمغرب في اعتقادي، هو أنه لم نتمكن من جعل المؤسسة التعليمية مجموعة تربوية، بمعنى أن المدرسين يشتغلون من أجل تكوين المتلقي، حيث من المفروض ان تكون هناك اجتماعات دورية بين هيئة التدريس لتقييم مستوى المتمدرسين وتتبع مجموعة من الملفات، وإجراءات الدعم التربوي الذي يمكن تقديمه. وفي كثير من الحالات لا توجد إدارة تربوية في المؤسسات التعليمية، إذ يقوم المدير بتدبير المؤسسة لوحده، وفي بعض الحالات يتجاوز عدد المتمدرسين بهذه المؤسسات ألف تلميذ. وهكذا فإذا لم نتمكن من جعل المؤسسة التعليمية مجموعة تربوية تجعل كل المكونات التربوية والإدارية تشتغل معا في إطار مشروع تربوي للمؤسسة، فإن أي إصلاح لن يعطي نتائجه المطلوبة. من هي الجهة التي تتحمل المسؤولية في هذا الوضع؟ أعتقد أن هيكلة الوزارة أو إعادة النظر في الأكاديميات الجهوية ومنحها مسؤوليات وصلاحيات تدبيرية على صعيد الجهة، والقيام بإصلاحات في المناهج، سينعكس إيجابا على مردودية المؤسسات التعليمية.ولكن منطلق الإصلاح الذي يجب أن يكون هو المؤسسة التعليمية، لذلك يجب تدقيق صلاحيات المؤسسة التعليمية، ومنحها هامش استقلالية على مستوى التدبير المالي، ولما لا خلق مجموعة تربوية داخل المؤسسة التعليمية التي ستشتغل من أجل تجويد الخدمات التي تقدمها المؤسسة، وهذا هوالمنطلق الأساسي. الاشكال القائم هوأن جميع محاولات إصلاح المنظومة التربوية لم تنطلق من المؤسسة التعليمية لأن هذه الأخيرة هي نقطة تلاقي بين التلميذ والنظام التعليمي. هل هذا يعني أن نجعل من المؤسسة التعليمية لوحدها مركز المنظومة التربوية عوض التلميذ، أو أن نجعلهما مركزا للمنظومة بشكل متواز؟ جميع الإصلاحات تبنى على كون التلميذ مركزا للمنظومة التربوية، لكن يبقى إشكال الكيفية، وهذا هو النقاش الأساسي. فإذا انطلقنا من المؤسسة التعليمية كما أشرت إلى ذلك، وحصرنا الإشكاليات المطروحة داخل المدرسة، وعملنا على تقوية الإدارة التربوية للمؤسسة ووفرنا إلى جانب المدير طاقم إداري لتدبير المؤسسة، ثم اشتغلت المدرسة في إطار شبكة مؤسسات تعليمية تربوية بمعية مؤسسات تعليمية أخرى، فلا شك أن ذلك سيؤدي إلى نتائج جيدة، أما باقي الآليات الأخرى كالأكاديميات الجهوية أو المديريات الإقليمية وغيرها، فكلها آليات لدعم المؤسسة التعليمية. ارتباطا بهذا الموضوع، يطرح إشكال التعليم الأولي الذي يعرف مجموعة من الاختلالات خاصة فيما يتعلق بالأطر التربوية وتعدد المتدخلين وطبيعة الفئة التي تدرس بهذا التعليم، هل تعتقدون أن إسناد مؤسسات التعليم العالي إلى جمعيات من شأنه أن يمكن الطفل من تعليم يتماشى مع خصوصياته سنه؟ كل التجارب برهنت أن الأطفال الذين ولجوا التعليم الأولي تكون لديهم فرض وقدرات نجاح أوفر من الأطفال الذين لم يتمكنوا من ذلك. وأذكر أن ميثاق التربية والتكوين حدد سنة 2003 كسنة لتعميم التعليم الأولي للأطفال ما بين 4 و6 سنوات.وإذا أردنا أن نعمم التعليم الأولي العصري، كان من الضروري على الدولة أن تقوم بدور ريادي في هذا المجال، زيادة على الجماعات المحلية والقطاع الخصوصي اللذان يقومان بجزء من المجهود في هذا الاتجاه، لكن الدولة التي كان عليها أن تعلب الدور الريادي لتعميم التعليم الأولي لم تقم به بالشكل المطلوب. فالدولة اعتقدت أن تعميم التعليم الأولي سيمر عبر الجمعيات والقطاع الخصوصي، وكان من الأولى أن تقود الدولة هذه العملية، بالنظر إلى قدرتها على وضع التعليم الأولي العصري في سكته الصحيحة، وقدرتها أيضا على تكوين مكونين أكفاء في هذه العلمية الحساسة الصعبة للتعامل مع أطفال في السنوات الأولى، وهي عملية لها خصوصيات من الناحية النفسية وغيرها من الجوانب. اليوم من خلال المخطط الجديد استدركت هذا الخطأ، ومشروع القانون الإطار يجعل من دور الدولة دورا أساسيا، وهي التي يجب أن تقوم بتعميم الأولي العصري، ويكون جزء من التعليم الابتدائي.وبالقيام بهذه العملية، ستساهم الدولة في تقليص من نسبة الهدر المدرسي أو نسبة التكرار، لأن التجربة أظهرت أن الأطفال الذين استفادوا من التعليم الأولي يتفوقون في المسار التعليمي، حيث تتقلص نسب الهدر والتكرار.ونحن نعلم أن الهدر والتكرار يهم حوالي 800 ألف طفل وتلميذ من أصل 7 ملايين متمدرس في المغرب، طبعا هذا الوضع يكلف كثيرا، وتقدر تكلفتهالمالية بما يفوق 4 ملايير درهم سنويا، بمعنى إذا قامت الدولة بتعميم تعليم أولي جيد وعصري، سيكون له انعكاسات إيجابية على الكلفة المالية للنظام التعليمي. في نفس السياق هناك توجه للحكومة للبحث عن بدائل أخرى لتمويل التعليم ومنها فرض رسوم التسجيل في بعض المراحل، هل يعني ذلك أن الحكومة غير قادرة على تمويل المنظومة؟ الدولة تقوم بمجهود لا بأس به فيما يخص تمويل النظام التعليمي، حيث تخصص له حوالي 25 في المائة من ميزانية الدولة أي ما يمثل 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهذا يجعل المغرب مقارنة مع نفس الدولة التي لديها نفس مستوى التطور، من الدول التي تصرف أكثر على التعليم. المشكل هو أن الناتج الداخلي الخام للمغرب يبقى متواضع، ثم إذا في الحصة التي تصرف على كل تلميذ سنويا سنجدها هي الأخرى جد متواضعة، وعلى سبيل المقارنة مثلا مع دولة كالبرتغال، نجد أن المغرب يصرف عشر ما تصرفه البرتغال على كل تلميذ، وبالمقارنة مع فرنسا فالمغرب لا يصرف إلا 1 من 15 مما تصرفه فرنسا على كل تلميذ. ثم أذا احتسبنا متوسط ما يصرف على كل تلميذ، فإنه يقارب 4 آلاف درهم سنويا، غير أن الحصة لا يستفيد منها التلميذ بشكل مباشر إذ تشكل عمليات الاستثمار والصيانة وما يرتبط بالبنيات التحتية 90 في المائة منها، أما العملية التربوية من هذه الحصة فلا تتجاوز ما يقدر بما بين 250 و300 درهم لكل تلميذ سنويا، والتي تهم تجويد التعليم. طبعا مجهود الدولة مجهود ضخم، وهناك إمكانيات أخرى للتمويل وهنا يجب على الدولة أن تقوم بمجهود للوصول إليها، وفي هذا الإطار أذكر بالإجراءات التي تقدم بها حزب التقدم والاشتراكية في مذكرته إلى المجلس الأعلى للتعليم، والتي من شأنها أن تساعد على الرفع من مستوى التمويل. ومن بين التدابير التي تم اقتراحها على سبيل المثال، أن تساهم الشركات الوطنية بجزء من مداخيلها في عملية تمويل التعليم، فمثلا إذا فرضنا رسما على شركات الاتصالاتبمعدل سنتم واحد على كل درهم من المكالمات الهاتفية على أن توجه حصيلة هذا الرسم إلى صندوق دعم التمدرس ودعم التعليم، على الأقل ستتمكن الدولة او الحكومة من توفير ما بين 600 و700 مليون درهم، ونفس الأمر بالنسبة لباقي القطاعات والشركات الكبرى في مجال التأمينات وسوق البورصة والأبناك وغيرها. ويؤدي بنا هذا إلى الرسوم التي جاء بها المشروع الإصلاحي الجديد فيما يتعلق بالتعليم الثانوي بدرجة أولى.وفي هذا السياق فإن التعليم الالزامي المجاني يهم المرحلة الابتدائية والاعدادية. وفيما يتعلق بالتعليم الثانوي الذي يهم حوالي مليون تلميذ، إذا افترضنا أن هذا العدد من التلاميذ في التعليم الثانوي يؤدون رسما ب 300 درهم في السنة في المجموع سنصل إلى 300 مليون درهم وهذا المبلغ مبلغ لا يمثل إلا نسبة قليلة بالمقارنة مع 45 مليار درهم التي تصرفها الدولة على المنظومة التعليمية. في هذا الإطار تقدم حزب التقدم والاشتراكية باقتراح وهو أن توجه المساهمات التي تؤديها الأسر المغربية في جمعيات الآباء وجمعية الرياضة المدرسية والتأمين إلى مجلس المؤسسة،وهذا الأخير هو الذي سيقوم بتمويل العمليات التربوية للتلميذ من خلال أنشطة موازية ودعم المكتبة المدرسية وغيرها من الأنشطة. ونحن نعرف أن الأسر المغربية تؤدي سنويا مجموعة من المساهمات منها مساهمة في جمعية أباء وأمهات وأولياء التلاميذ، ومساهمة لجمعية الرياضة المدرسية، وتؤدي كذلك رسم التأمين، في المجموع سنجد أن الأسر المغربية تؤدي نحو 150 درهم سنويا عن كل تلميذ، لذلك وجب توجيه هذه المساهمات إلى مجلس المؤسسة. علاقة بالرسوم الجديدة التي ستفرض على التعليم الثانوي والعالي، طرح إشكال تصنيف العائلات الميسورة من غير الميسورة، ماهو معيار هذا التصنيف وما هي الآليات للتصنيف؟ هذا النقاش، نقاش مغلوط من أساسه، لأن المداخيل المرتقبة من هذه الرسوم تبقى هامشية جدا. سبق أن أشرت إلى مجموع التلاميذ في التعليم الثانوي يقدرون بحوالي مليون تلميذ، وإذا افترضنا أن الأسر المغربية التي لها أولاد في التعليم الثانوي، ستؤدي نحو 200 درهم من رسوم التسجيل في السنة، في المجموع سيتم تحصيل 200 مليون درهم، لذلك فإن هذا المبلغ لن يحل مشكل تمويل التعليم ولن تمثل أية قيمة مضافة حقيقية في تمويل المنظومة التعليمية. وعلى هذا الأساس بني اقتراح حزب التقدم والاشتراكية في تحويل مساهمة الأسر في جمعيات الأباء والرياضة المدرسية والتأمين إلى مجالس المؤسسات كميزانية إضافية تصرف من أجل تنظيم أنشطة موزاية وغيرها. وهذه الرسومقائمة أصلا تؤديها الأسر إلى أطراف غير معنية، لذلك اقترحنا أن تؤديها إلى مجلس المؤسسة. لكن هناك أسر لا تستطيع تحمل هذه التكاليف خصوصا الأسر التي لديها أكثر من تلميذ؟ طبعا هناك أسر ليس لديها القدرة على هذه التحملات، غير أن هناك مبدأ من مبادئ القانون الإطار يؤكد أن الجانب المالي لا يمكن أن يكون عائقا أمام تمدرس أي تلميذ مغربي. في الوقت الذي تفرض فيه الحكومة رسوم التسجيل على الأسر المغربية، تمنح تحفيزات ضريبية للقطاع التعليمي الخاص،كيف تعلقون على هذا الأمر؟ القطاع الخاص يمكن أن يكون شريك للقطاع العمومي فيما يخص المجهود الوطني من أجل التمدرس، وإلى حد الآن القطاع الخصوصي لم يلعب الدور المنوط به، حيث يستعين في الغالب بالمدرسين في القطاع العمومي وهو بذلك لا يساهم في التشغيل بالشكل المطلوب، والقانون الإطارجاء بإجراءات جديدة تجاه هذا القطاع ليصبح مستقلا خلال أمد زمني معين، حتى يمكن من التوفر على أطر تعليمية وإدارية خاصة به تشتغل بكيفية دائمة وبهذه الطريقة سيساهم في التشغيل المثمر من خلال توظيف شباب لديهم تكوينات ملائمة. ومن هذا المنطلق وفي حالة تحمل القطاع الخصوصي لمسؤوليته وشرع في تشغيل أساتذة وإدرايين قاريين في مؤسساته، حينها لا مانع من منحه تحفيزات وإعفاءات جبائية حتى يتمكن من تنشيط التشغيل. حاليا يعيش القطاع الخصوصي وضعية غير سليمة، حيث إن أغلبية المؤسسات، تشغل جزء كبير من المدرسين في القطاع العام وهذا ينعكس على مردودية المدرسين في شغلهم الأصلي والأساسي في القطاع العام. هناك من يعتبر أن القانون الإطار الجديد لا يرقى إلى مستوى تسميته بقانون إطار، بالنظر إلى تركيزه على جزئيات المنظومة أكثر من شموليتها؟ القانون الإطار كجميع القوانين المماثلة، بني على مجموعة المرجعيات والمبادئ التي تؤطر النظام التعليمي، وهذا القانون يحيل إلى مجموعة من التشريعات والإجراءات التنظيمية التي ستؤطر الإصلاح بكيفية عملية.المبادئ العامة التي جاء بها المشروع إيجابية ولا تطرح أي مشكل. طبعا هناك حديث عن بعض الجزئيات التي كان من الممكن ألا تكون فيه، ولكن على العموم لا تشكل أي مشكل، في حين أن الاشكال المطروح هو في أي اتجاه ستسير هذه التشريعات وهذه الإجراءات التنظيمية؟ هل في اتجاه الإصلاحات السابقة وتتحدث عن المنظومة التعلمية في شموليتها وإعادة النظر في الوزارة والأكاديميات والمناهج بدون أن تنطلق من النقطة الأساسية التي هي المؤسسة التعليمية ومنحها هامش استقلالية في التدبير المالي من أجل تقويتها من خلال إدارة تربوية وجعل المدرسين يشتغلون في إطار مشروع مؤسسة بتمويلات من المؤسسة، قصد دعم هذه المؤسسة في إطار شبكة مؤسسة التي من شأنها أن تقوي إمكانية المؤسسات التعليمة لتجويد التعليم الذي يتطلب مجموعة من العناصر،ومنها المجموعة التربوية التي يشتغل في إطار مجموعة من الأساتذة ويتداولون أسبوعيا في مردودية المؤسسة ومناقشة مجموعة من العوامل التي تساعد في تعلم التلميذ بشكل جيد.التخوف القائم، هو أن القانون الإطار جاء بمبادئ يمكن اعتبارها إيجابية ويمكن أن تساهم في تجويد النظام التعليمي، لذلك هل ستتجه التشريعات والمقتضيات التنظيمية التيجاءت في القانون الإطار للتركيز على معالجة الإشكالية الحقيقة التي هي المؤسسة التعليمية أم على إصلاح المنظومة، مع العلم أن المؤسسة هي التي تكون التلميذ وليس المنظومة. إذن فالسؤال يدور حول كيفية بلورة هذه الإجراءات والمقتضيات التنظيمية وتنزيلها بالشكل الصحيح. فيما يتعلق بالتعليم العالي، سجل خصاص كبير على مستوى الأطر كما أن ميزانية التعليم العالي تبقى دون مستوى التحديات التي تواجد المؤسسات الجامعية خاصة فيما يتعلق بتجويد التكوين؟ بدون أن أكون مستفزا، يمكن أن أتسأل هل يمكن أن نعتبر أن المغرب يتوفر على جامعات أو مؤسسات تعليم عالي حقيقية؟ لا أعتقد لأن جامعة ما مثلا تتكون من مجموعة من الكليات والمؤسسات العليا التابعة لها، وعلى مستوى التدبير نجد غيابا تاما للتنسيق، حيق إنه حين نتتبع كيفية تدبير الجامعة وصلاحية كل جزء من أجزاء هذه الجامعة، نخلص إلى أنه لا وجود للجامعة بالمعنى الحقيقي، ذلك أن مجموعة من مؤسسات التعليم العالي مرتبطة بجامعة وكل مؤسسة لديها صلاحيات معينة وبنايات وأساتذة، بدون أن تكون هناك التقائية بين هذه الإمكانيات مع مؤسسة أخرى تابعة لنفس الجامعة، فالأستاذ الذي يدرس في كلية ما ليس لديه الحق في أن يدرس في كلية أخرى. وأستاذ في تخصص معين لا يمكن أن يقدم دروسه لطلبته في بناية كلية أخرى من تخصص آخر. ثم إن المدرجات والامكانيات التي تتوفر عليها كلية ما لا يمكن أن تستغلها كلية أخرى. إذن لدينا مجموعة من المؤسسات تابعة لجامعات دون أن يكون تنسيق لاستغلال إمكانيات هذه المؤسسات فيما بينها. وعلى مستوى التكوين، وإذ رجعنا لإحصائيات التكوينات التي تقدمها المؤسسات الجامعية، تبين أن 90 في المائة من المسالك المقترحة هي مسالك منظمة في إطار كليات، وفي غالب الأحيان نجد أن كل كلية تقتصر على خلق مسالكها دون التنسيق مع الكليات الأخرى، في الوقت الذي من المفروض أن تكون هذه المسالك منبثقة من مجلس الجامعة وبإمكانه أن يحدد الكليات التي يمكن أن تتدخل في هذا المسلك أو ذاك، لأن التكوين يتطلب مجموعة من التخصصات، حتى تكون المسالك قريبة لمتطلبات لسوق الشغل واهتمامات القطاعات الأخرى. بناء على هذا الواقع الذي أشرت إليه كيف يمكن الحديث عن جودة التكوين في التعليم العالي؟ بطبيعة الحال منذ إصلاح سنة 2003، لم نتمكن من تقديم مسالك مفيدة للطلبة تتيح لهم الاندماج في سوق الشغل، وأغلبية التكوينات تكون في تخصصات أساسية كانت تؤدي في السابق إلى التوظيف في قطاع التعليم بشكل عام، غير أنه، وفي الوقت الراهن، لم تبق هذه التخصصات مطلوبة بنفس الوتيرة، وبالتالي يتخرج عدد مهم من الطلبة في تخصصات لا تتيح الاندماج في سوق الشغل بالشكل المطلوب في الوقت الذي كان من الممكن خلق عدة مسالك وتخصصات فيما بين الكليات من شأنها أن تتيح فرص الاندماج في سوق الشغل. هل يكن الحديث عن إشكال التنسيق فيما بين المقاولات ومؤسسات التعليم العالي؟ أولا سوق الشغل بالمغرب سوق هش، ونسبة التأطير داخل المقاولات المغربية نسبة جد محدودة، ويمكنتقديرهافي حوالي 10 إلى 15 في المائة من الأطر في المقاولات، ثم إن حاجيات المقاولات غير مضبوطة، وبالتالي لا يمكن ربط التكوينات في مؤسسات التعليم العاليبحاجيات سوق الشغل، بالنظر إلى كون حاجيات هذا السوق ضعيفة جدا، زيادة على أن الاقتصاد المغربي اقتصاد غير مرتبط بمجتمع المعرفة. في الجانب الأخر، بقيت الجامعات مرتبطة بمسالك أساسية تنتهي بولوج خريجيها لقطاع التعليم بالأساس واليوم لم يعد قطاع التعليم يستوعب العدد الكبير للخريجين من أجل تشغيلهم. على الجامعة أن تعمل على اقتراح تكوينات شبه موسوعية، ويعني ذلك أن تكون مجموعة من التكوينات مرتبطة فيما بينها، لأن الخريج في الوقت الراهن يفرض فيه أن يكون ملما بمجموعة من المعارف في مجالات متعددة دون أن يكون منغلقا على تخصص معين، حتى تكون لديه فرص واسعة للولوج إلى سوق الشغل. كيف يمكن جعل البحث العلمي قاطرة للنمو والتطور الاقتصادي؟ لابد أن نذكر أن الحكومة الأولى للتناوب التوافقي، سبق أن ذهبت في هذا التوجه، حيث أحدثت صندوق دعم البحث العلمي وكان الهدف بلوغ نسبة 1 في المائة من الناتج الداخلي من الإنفاق على البحث العلمي، وهو ما خلق حينها حيوية في الجامعة بشراكة مع مؤسسات خارجية، وبدأت هذا المجهود يعطي بعض النتائج غير أن هذا المشار للأسف لم يستمر.ومن باب المقارنة، فكوريا الجنوبية التي عولت كثيرا على البحث العلمي، اتخذت قرار الزيادة في ميزانية التعليم العالي منذ بداية الستينات ب 20 في المائة كل سنة، وهذا المخطط تم تطبيقه منذ الستينيات، واليوم نلاحظ المستوى الذي بلغته كوريا الجنوبية حيث استثمرت كثيرا في الموارد البشرية والبحث العلمي التطبيقي.المغرب انطلق في سنة 1998 ولكن المجهود التي تم حينها لم يستمر، واليوم نجح في بعض التجارب خصوصا في قطاع الطيران والإليكترونيك حيث أصبح هذه القطاعات مصدرة، وبالتالي هناك إمكانيات ضخمة من خلال دعم البحث العلمي التطبيقي والذي يمكن أن تساهم فيه مؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص من أجل إنشاء اقتصاد متطور، وهناك إرادة سياسة في إطار هذا التوجه، يبقى فقطكيفية بلورة هذه الإرادة حتى تكون مستمرة، لأن البحث العلمي يقتضي أن يكون مستمرا وتسطر أهدافه على المدى البعيد آنذاك ستظهر ثماره.