عندما يتوجه المواطن إلى القضاء الإداري فإنه يتوخى من ذلك استصدار حكم لصالحه يحمي حقوقه، بيد أن هذه الحماية تبقى نظرية، ما لم ينفذ هذا الحكم، وما لم يجد القاضي الوسيلة لإجبار الإدارة على تنفيذه، في حالة امتناعها عن ذلك. لقد حاولت السلطة التنفيذية احتواء هذه الإشكالية من خلال إصدار منشورات، تحث فيها الإدارة على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، لكن هذه المحاولة لم تحقق النتائج المرجوة بسبب غياب الطابع الإلزامي لهذه المنشورات. وبسبب سلوك جل الإدارات استفحلت ظاهرة تعطيل تنفيذ الأحكام خلال السنوات الماضية، وما زالت ترخي بظلالها إلى اليوم. ففي سنة 2001 لم يتم تنفيذ سوى 712 حكما من أصل 3169 حكما إداريا، بمعنى أن عدد الأحكام المنفذة لم يتعدى نسبة 22.47%. ويلغ عدد الملفات الرائجة خلال سنة 2003: 1059، نفذ منها 461 فيما بقى 598 ملفا بدون تنفيذ. ويرى المهتمون والدارسون أن هناك مجموعة من الصعوبات تواجه تنفيذ الأحكام الإدارية بالمغرب، منها ما هو قانوني ومنها ما هو واقعي. في إحدى دراساتها، تعتبر الأستاذة نورة بوطاهر أن إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية تكمن بالأساس في غياب مسطرة خاصة بتنفيذ الأحكام الإدارية من أجل إجبار الإدارة على التنفيذ، فقانون المحاكم الإدارية لا يتضمن مسطرة خاصة بتنفيذ الأحكام الإدارية، كما أن قانون المسطرة المدنية لا يتضمن الوسائل اللازمة لجبر الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به. إن القانون المحدث للمحاكم الإدارية اكتفى بوضع مادة فريدة في ميدان التنفيذ، وهي المادة 49 التي تنص على أن التنفيذ يتم بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم، ويمكن للمجلس الأعلى أن يعهد بتنفيذ قراراته إلى المحكمة الإدارية. والملاحظ أن هذه المادة - أي المادة 49 - لم توضح بشكل مفصل كيفية تنفيذ الأحكام الإدارية، مما جعلها متسمة بالقصور، والأكثر من ذلك أنها تسببت في مجموعة من التعقيدات، وطرحت مجموعة من الإشكاليات كمسألة الإنابة،مادام أن المحاكم الإدارية لا توجد في كل المدن المغربية... ومن الصعوبات الواقعية التي تعترض تنفيذ الأحكام الإدارية، تلك الصعوبات التي يكون مصدرها هو الإدارة، بحيث تقوم بالمناورة من أجل تفادي آثار الشيء المقضي به ضدها، وذلك من خلال خلق صعوبات قانونية أو مادية للتخلص من تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها. وحسب الدراسة المذكورة، إن تتبع عمل المحاكم الإدارية المغربية يظهر أنها بدلت جهدا كبيرا من أجل إيجاد الوسائل المناسبة لإرغام الإدارة على التنفيذ. ومن أهم الوسائل التي اعتمدتها المحاكم الإدارية، من أجل التصدي لامتناع الإدارة، نجد الغرامة التهديدية. وفي الحالة التي يمتنع فيها الأفراد عن تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، فإنه يمكن استخدام طرق التنفيذ الجبرية المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية من أجل إجبارهم على التنفيذ، ومن هذه الوسائل هناك الحجز التحفظي والحجز التنفيذي والحجز ما للمدين لدى الغير والحجز العقاري. وأبانت التجربة أن جل المحاكم الإدارية بالمغرب، حسب ذات المصدر، تجيز الحجز على منقولات المرفق العمومي إذا لم تكن تلك المنقولات لازمة لسير المرفق، أما إذا كان حجزها يعطل سيره وانتفاع جمهور الناس بخدماته، فإنها توقعه. فلا يمكن مثلا مباشرة الحجز التنفيذي على ناقلة النفايات للمجلس البلدي لما في ذلك من تعطيل لخدماته في هذا الشأن، كذلك لا يمكن مباشرة الحجز المذكر على سيارة الإسعاف لنفس العلة. ومن خلاصات الدارسين والمتتبعين، أن تنفيذ الأحكام الإدارية مازالت تعترضها صعوبات، وبالرغم من محاولات القضاء العديدة والجريئة أحيانا لم يتم التغلب النهائي على هذه المشكلة. ويذكر أن حيوية هذا الموضوع استرعت اهتمام الخبراء والسلطات القضائية بمختلف الأقطار العربية. وسبق أن تناولت ندوة علمية عقدت في بيروت الصيف الماضي مسألة تنفيذ الأحكام القضائية. خلالها بحث المشاركون في أهمية تضمين التشريعات والأنظمة العربية قواعد تنفيذ الأحكام القضائية، ومعرفة إشكالية التنفيذ في الأحكام الصادرة من القضاء المدني أو الجزائي أو الإداري، والطرق المتبعة في معالجتها. ودعا المشاركون في الندوة إلى وضع تنظيم قانوني متكامل لتنفيذ الأحكام القضائية الإدارية، وإسناد تنفيذها إلى جهاز خاص مستقل تحت إشراف قضاء التنفيذ. ودعوا أيضا إلى إصلاح نظام عمل المحضرين المنفذين للأحكام، وتفعيل اتفاقيات التعاون القضائي العربي وتشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون عربي استرشادي موحد لتنفيذ الأحكام القضائية...