إن الغاية من إصدار الأحكام هي تنفيذها، فكل مواطن يلتجئ إلى القضاء يتوخى في نهاية المطاف إنصافه وتمكينه من حقوقه التي تقاضى من أجلها، وتطلبت منه وقتا ثمينا وجهدا مضاعفا، لأن التنفيذ هو آخر مرحلة في الدعوى القضائية، يأتي بعد سلسلة من الإجراءات المسطرية، التي تكون في غالب الأحيان بطيئة ومعقدة. وبعد سنوات من العمل القضائي بالمغرب، تم إنتاج العديد من تلك الأحكام، التي بقي جزء منها حبيس رفوف المحاكم، وتراكم فوقها غبار سنوات طويلة من الإهمال أو النية المبيتة لإبطال مفعولها. وكان من بين نتائج هذا التعطيل، سواء الذاتي منه أو المقصود، تضرر المواطنين أنفسهم منه، فأصبحوا يحملون أحكاما (أوراقا) عبارة عن شيكات بدون رصيد، كما أن خزينة الدولة تضررت من عدم استخلاص الأموال المترتبة عن تنفيذ تلك الأحكام، بالإضافة إلى تفويت مصالح جمة أخرى. ويمكن إرجاع أسباب عدم تنفيذ الأحكام إلى تعقيد المساطر والبيروقراطية من جهة، وإلى سوء نية بعض الجهات ومصلحتها في عدم التنفيذ، وإثارة كل صعوبة من شأنها إفراغ الأحكام من محتواها، بالإضافة إلى تقاعس بعض الجهات المسؤولة عن التنفيذ عن القيام بما يمليه الضمير المهني والقانون من تعجيل في قضاء مصالح الناس. ويمكن أن تساهم بعض التدابير الوزارية في تعطيل الأحكام، كما هو الشأن بالنسبة لمنشور وزير العدل لسنة 4991، الذي استثنى الأعوان القضائيين من تنفيذ الأحكام ضد شركات التأمين، أو منشور الوزير نفسه الصادر بتاريخ 21 أبريل 3002 حول حذف الإكراه البدني في الديون التعاقدية. وللتذكير، فإن عملية تنفيذ الأحكام القضائية تشترك فيها جهات عديدة، منها على سبيل المثال، مؤسسة كتابة الضبط، الأعوان القضائيون، النيابة العامة وقاضي التنفيذ، والسلطات الإدارية فيما يخص الحالات التي تسخر فيها القوة العمومية أو تنفيذ أحكام الجماعات والمقاطعات. ولا نستثني، بطبيعة الحال، المحكوم عليهم، الذين يضمرون في غالب الأحيان سوء نيتهم في عدم الامتثال لأوامر القضاء. وأمام استفحال ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية، لم يبق أمام الحكومة، خاصة وزارة العدل، إلا الإعلان عن حملة وطنية، انطلقت يوم 28 أبريل الماضي، وستستمر إلى غاية 28 يونيو القادم، تهدف هذه الحملة إلى تنفيذ 130 ألف حكم قضائي. وتأتي على رأس تلك الأحكام غير المنفذة، 50 ألف حكم متعلق بشركات التأمين، و22 ألف حكم متعلق بالقضايا التجارية، وما يقارب 11 ألف حكم خاص بالنفقة. وعلى ذكر النفقة، فإن تعطيل تنفيذ أحكامها له آثار سلبية بالغة على العديد من الأسر المغربية، خاصة النفقات المتعلقة بالأطفال في سن التمدرس. ومن بين 130 ألف حكم، هناك أحكام غير منفذة صادرة ضد المؤسسات العمومية، وشبه العمومية، والجماعات المحلية، وهو ما يبين أن الدولة عاجزة تماما عن تنفيذ حتى الأحكام الصادرة ضد مصالحها الخاصة. وبصفة عامة، فإن تنفيذ الأحكام القضائية سيوفر سيولة مالية هامة، سواء لفائدة خزينة الدولة أو لفائدة الأشخاص أنفسهم، مما يساهم في الإنعاش الاقتصادي للبلاد، ومن جهة أخرى التقليص من الاحتقان الاجتماعي وإعادة بعض الثقة إلى مؤسسة القضاء. ونظرا لأن نتائج عدم تنفيذ الأحكام لها أبعاد إنسانية وقانونية وإدارية واقتصادية، وبالتالي فإن البحث عن حلول لتنفيذها، يحتاج إلى مقاربة بنيوية شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع تلك المعطيات ، ناهيك عن أن الحل مرتبط أيضا بعملية إصلاح القضاء عموما، هذا الإصلاح الذي ما زال متعثرا لحد الساعة. ونتمنى أن تكلل الحملة الوطنية لتنفيذ الأحكام القضائية بالنجاح، ونخشى بالمقابل أن تكون وزارة العدل قد أصابتها فقط عدوى باقي الحملات الوطنية الأخرى، كالحملة الوطنية للتضامن ضد الفقر، والحملة الوطنية للحد من حوادث السير وغيرها من الحملات الكثيرة.. وهي الحملات التي تلعب دور العقاقير المسكنة فقط. وعلى كل حال، فنحن سننتظر من وزارة العدل أن تقدم لنا في نهاية شهر يونيو القادم نتائج حملتها الوطنية.. عمر العمري