الوقائع: بناء على المقال المسجل لدى كتابة ضبط هاته المحكمة بتاريخ 17/11/2008 والمعفى قانونا من أداء الرسم القضائي تعرض فيه الطاعنة بواسطة نائبها الأستاذ الصديقي، أنها مالكة للعقار الكائن بالرباط والمسمى ... موضوع الرسم العقاري عدد ... والذي سجل عليه تقييد احتياطي بواسطة مقال مؤرخ في 23/6/1949 لفائدة السيد ... ومن معه، وهو المقال الذي بنى عليه السيد المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بالرباط والذي لم تؤد عنه الرسوم القضائية ولا يحمل طابع المحكمة ولا يتضمن أي رقم أو عدد أو تأشيرة، كما أنه لا يوجد أي ملف بالمحكمة الابتدائية يفيد وجود مسطرة التقييد الاحتياطي وأن المقال غير مسجل بأي سجل من سجلات المحكمة، كما أن ملف المحافظة العقارية خال من أي شيء يفيد وجود مسطرة قضائية لدعوى التقييد الاحتياطي، وأضافت الطاعنة أنها استنادا إلى كل هاته المعطيات استصدرت أمرا استعجاليا عن رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 22/9/2008 تحت عدد 913 في الملف رقم 722/08/6 قضى بالتشطيب على التقييد الاحتياطي المسجل بالرسم العقاري عدد ... بتاريخ 23/6/1949 سجل 72 عدد 830 وأمر السيد المحافظ على الأملاك العقارية بالرباط بتنفيذ مقتضيات هذا الأمر مع النفاذ المعجل، وهو الأمر الذي تم تبليغه لجميع الأطراف وأصبح نهائيا حائزا لقوة الشيء المقضي به لعدم استئنافه، وأنه في إطار مسطرة التنفيذ امتنع السيد المحافظ عن تنفيذ الأمر المذكور وتم تحرير محضر بذلك، مما حذا بالطاعنة الى تقديم تظلم الى السيد المحافظ العام بخصوص الامتناع عن التنفيذ إلا أنها توصلت منه برفض الطلب بعلة أن الأمر يتوقف على الإدلاء بحكم نهائي في الموضوع يفيد التشطيب على التقييد الاحتياطي وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 91 من ظهير 12/8/1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، وهو ما اعتبرته الطاعنة تعليلا غير مؤسس ومتسم بتجاوز السلطة ، والتمست تبعا لذلك الحكم بإلغاء قرار السيد المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بالرباط الرافض تنفيذ الأمر القاضي بالتشطيب على التقييد الاحتياطي مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك، وأرفقت مقالها بالتظلم وقرار رفض التشطيب ونسخة من الأمر الاستعجالي القاضي بالتشطيب ومحضر الامتناع وشهادة بعدم التعرض والاستئناف. وبناء على عدم جواب الطرف المدعى عليه رغم توصله وإمهاله. وبناء على الأمر بالتخلي والإبلاغ الصادر بتاريخ 21/1/2009. وبناء على إدراج القضية بجلسة 3/2/2009 اعتبرتها المحكمة جاهزة فأعطيت الكلمة للسيدة المفوض الملكي التي أكدت تقريرها الرامي إلى الاستجابة للطلب، فتم حجز القضية للمداولة قصد النطق بالحكم الآتي بعده. بعد المداولة طبقا للقانون: في الشكل: حيث قدم الطلب على الشكل المتطلب قانونا، مما يتعين معه التصريح بقبوله. في الموضوع: حيث يروم الطلب استصدار حكم بإلغاء قرار السيد المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بالرباط الرافض تنفيذ أمر استعجالي تأسيسا على اتسامه بالشطط في استعمال السلطة. وحيث أسست الطاعنة طلبها على وسيلة واحدة مستمدة من عيب مخالفة القانون الناتج عن عدم احترام قوة الشيء المقضي التي اكتسبها الأمر القضائي المطلوب تنفيذه. وحيث إنه بالرجوع الى الرسالة الصادرة عن المحافظ العام على الأملاك العقارية والرهون بتاريخ 2008/11/11 تحت عدد 3393، يستفاد منها أنه استند في رفضه التنفيذ على تطبيق مقتضيات الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري واشترط لأجل ذلك الإدلاء بحكم في الموضوع حائز لقوة الشيء المقضي به يفيد التشطيب، وهو الموقف الذي يدعم امتناع المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بالرباط المضمن في محضر رسمي بواسطة المفوض القضائي السيد... بتاريخ 2008/10/29. وحيث استقر القضاء الإداري المغربي ( الحكم الصادر في الملف رقم 07/239. غ عن إدارية الرباط والمؤيد بمقتضى القرار الاستئنافي عدد 988 الصادر في الملف رقم 5/08/184) على اعتبار كون القرارات الإدارية الرافضة لتنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به في غير الحالات الاستثنائية ، تشكل تجاوزا في استعمال السلطة بسبب خرقها للقوانين الأساسية التي تحكم المسطرة والتنظيم القضائيين اللذين يعتبران من النظام العام، إذ العبرة في صدور الأحكام القضائية أن تجد طريقها الى التنفيذ باعتبارها تعبر عن الحقيقة القانونية الملزمة بصورة نهائية، ولاتتحقق الحماية القضائية إلا بتمام تنفيذ الأحكام وفق ما قضت به على اعتبار ان التنفيذ هو الذي يزرع الروح في جسد الحكم لينتج آثاره ويحقق المنشود منه، وعليه يظل كل امتناع عن ذلك التنفيذ من شأنه نزع الروح عن الحكم وإقباره وطمس آثاره مما يؤدي إلى المس بسلطة القضاء وهبته والاستخفاف بحجية الشيء المقضي به التي حازها الحكم الصادر باسم جلالة الملك وهو ما يؤدي بالتبعية الى فقدان المتقاضين للثقة في النظام القضائي ككل. هذا فضلا عن أن الإدارة هي الجهة الأولى المعنية والملزمة بتنفيذ أحكام القضاء إعمالا للصيغة التنفيذية لتلك الأحكام وما تتضمنه من أمر بتنفيذها، حتى تعطي القدوة للأشخاص الخواص في مجال التنفيذ. ذلك أنه لاقيام لدولة الحق والقانون إلا بإعلاء مبدأ خضوع الدولة للقانون وسيادة المشروعية ولاقيمة لهذا المبدأ ما لم يقترن بمبدأ خضوع الدولة للقانون وسيادة المشروعية، ولاقيمة لهذا المبدأ ما لم يقترن بمبدأ تقديس واحترام أحكام القضاء ووجوب تنفيذها، ولاحماية قضائية إلا بتمام تنفيذ الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية، ولاقيمة للقانون بدون تنفيذ مقتضاه، فالأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به أو المشمولة بالنفاذ المعجل تسمو على القاعدة القانونية وعلى القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات الادارية وباقي الإجراءات الإدارية الأخرى، ما لم توجد حالات استثنائية تجعل تنفيذ الحكم القضائي أمرا متعذرا، وحتى في هاته الحالة ينبغي اللجوء الى المسطرة الواجبة الإتباع كما نظمها قانون المسطرة المدنية في الفصل 436 منه والمتعلقة بإثارة الصعوبات الواقعية والقانونية من أجل إيقاف أو تأجيل تنفيذ الحكم، والتي يختص القضاء وحده بالتحقق منها حتى لاتتحول إلى مجرد وسيلة للمماطلة والتسويف ترمي إلى المساس بحجية الشيء المقضي به. ذلك أنه إذا كانت المعايير الدولية المعتمدة في تصنيف الدول وترتيبها في مجال احترام حقوق الإنسان ترتبط أساسا بسلطة القضاء ومدى جديته ونزاهته ودرجة احترام أحكامه وقراراته والامتثال إليها، فإنه لا خير يرجى فيمن لايحترم هذا القضاء ولا يستجيب لأوامره، لأن الامتناع عن تنفيذ تلك الأحكام والقرارات لا يشكل تحقيرا لها فقط ينبغي زجره، وإنما يتعدى ذلك الى الإساءة بالسمعة بل ككل يسعى بكل مكوناته الى تلميع صورة القضاء داخلية وخارجيا، ويشكل أبشع مظاهر خرق حقوق الانسان خاصة عندما يكون الامتناع عن التنفيذ صادر على سلطة إدارية هي الأجدر باحترام السلطة القضائية، تأسيسا على كون التنفيذ هو لحمة الحكم وسداه ويمثل أهم مرحلة من مراحل التقاضي، فبدون تنفيذ تصير الأحكام عديمة الجدوى والفعالية، فيفقد الناس ثقتهم في القضاء، ويدب اليأس في نفوسهم، وتعم الفوضى وينعدم الأمن والاستقرار في وسط المجتمع، فالتنفيذ هو الذي يُحول الحقوق من حالة السكون إلى حالة الحركة عن طريق إجبار وإلزام من صدرت الأحكام في مواجهتهم على إرجاع تلك الحقوق إلى أصحابها ولو بالقوة. وانطلاقا من كوننا دولة اسلامية، فلا بأس من التذكير بأن الشريعة الاسلامية كانت سباقة في التأكيد على صفة الإلزام التي يجب ان تعطى للأحكام القضائية قبل ان تقول بها النظريات الحديثة، هكذا جاء في تبصرة الحكام لابن فرحون بان القضاء «هو الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام»، كما عرف نفس المؤلف التنفيذ بأنه «الإلزام بالحبس وأخذ المال بيد القوة ودفعه لمستحقه وتخليص سائر الحقوق»، وجاء في الرسالة المشهورة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى موسى الأشعري عندما ولاه القضاء: «فإنه لاينفع تكلم بحق لانفاذ له». وذهب الإمام الماوردي الى أبعد من ذلك حينما أوجب محاربة الذين يتمردون على أحكام القاضي فقال «فأما أهل العمل يقصد بهم الخصوم فالتنفيذ لازم في حقوقهم بإظهار الطاعة وإلزام الحكم، فإن امتنعوا على التزامه لعذر أوضحوه، وإن كان لغير عذر أرهبوا، فإن أقاموا على الامتناع حوربوا عليه كما يحاربون على امتناعهم من الفروض». ولما كانت الدولة هي المسؤولة على فرض هيبة القضاء ليس فقط في علاقة الأفراد بعضهم مع بعض، بل حتى في علاقتها معهم، فإن دولة الحق والقانون تستلزم خضوع الدولة لمبدأ المشروعية وسيادة القانون في العلاقة التي تربطها مع المواطنين، الشيء الذي يقتضي منها الالتزام قبل غيرها باحترام قوة الشيء المقضي به. وحيث إنه بالرجوع إلى نازلة الحال، فإن المحافظ العقاري، وبغض النظر عن مدى وجاهة السبب الذي اعتمد في الامتناع عن تنفيذ الأمر القضائي من عدمه، فقد كان يتعين عليه لإضفاء الشرعية على موقفه أن يعمد إلى سلوك مسطرة إثارة الصعوبة كما تمت الإشارة إليها أعلاه ويترك للقضاء تقدير مدى جديتها، ولا يكتفي فقط بالامتناع عن تنفيذ الأمر المذكور بالرغم من أنه الجهة المعنية بالتنفيذ ذلك أنه ليس من صلاحية المحافظ مناقشة مدى مطابقة الحكم للقانون، بل يرجع الأمر في ذلك الى الجهة القضائية الموكول إليها بالبت في الطعن الممارس ضد هذا الحكم. وإنما يبقى من شأنه في ذلك شأن باقي أطراف الدعوى إثارة الصعوبة في التنفيذ إذا كانت هناك أسباب واقعية أو قانونية تمثل استشكالا في التنفيذ حصل بعد صدور الحكم وذلك استنادا إما الى الفصل 149 أو 436 من ق. م. حسب الأحوال. وحيث إنه استنادا لكل ما سبق يكون القرار الإداري المطعون فيه القاضي برفض تنفيذ الأمر الاستعجالي المومأ الى بياناته أعلاه، متسما بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون، مما يتعين مع القول بإلغائه للعلة المذكورة. المنطوق: وتطبيقا لمقتضيات المواد 3 و 4 و 5 و 7و 8 من القانون رقم 41.90 المحدثة بموجبه محاكم إدارية وقانون المسطرة المدنية. لهذه الأسباب: حكمت المحكمة الادارية علنيا ابتدائيا غيابيا: في الشكل: بقبول الطلب. في الموضوع: بإلغاء القرار المطعون فيه مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك.