عندما أصيب لاعب كرة القدم الشاب في قدمه حاول الأطباء جاهدين معالجتها ولكن وبعد عدة عمليات جراحية صعبة أيقن الأطباء أن إصابة القدم كانت من الشدة بحيث اضطروا إلى منع النجم الشاب من ممارسة اللعبة نهائيا، انهار العالم أمام عينيه ففي لحظات تحول من لاعب شهير تتسابق الأندية لضمه إليها مع مزايا خيالية من راتب وسيارة وشهرة وأضواء إلى شخص عادي لايكاد احد يسأل عنه، أثرت عليه هذه الحالة حتى أصيب باكتئاب شديد فترك دراسته الجامعية وأهمل مظهره وترك صلاته واعتزل الناس وبقي وحيدا في غرفته ليلا ونهارا مما جعل أهله يقلقون كل القلق ويفكرون بأي طريقة لإخراجه من عزلته وإعادته إلى الحياة الطبيعية، نصحهم الطبيب المعالج بمراجعة أخصائي نفسي هو الأفضل في مجال عمله اسمه سعيد عله يستطيع مساعدته. لم يرض اللاعب الشاب في بداية الأمر ولكنه رضخ بعد إلحاح شديد من الأهل والأصدقاء وذهب إلى موعده مع المعالج النفسي سعيد. دخل إلى العيادة وجلس على الكرسي وبعد التعارف قال بشكل مباشر لايخلو من الوقاحة: - سيد سعيد أريدك أن تعرف أني لم آت إلى هنا برغبتي وبصراحة أنا اعتبر العلاج النفسي نوعا من الدجل. ضحك سعيد وقال: - وأنا أيضا اتفق معك في هذا ولكن مادمت قد جئت فدعنا نتحدث حتى نهاية الجلسة وأكون أنا قد جنيت مالي وتكون أنت قد تخلصت من إلحاح اهلك وأصدقائك. وافق الشاب وقال: - حسنا فانا حياتي قد ضاعت وانتهت على أي حال ولم يعد للوقت لدي أي قيمة فسواء قضيته أمام التلفاز طوال النهار أو معك فالأمر عندي سيان. قال سعيد وهو يهز رأسه: - صحيح والله معك فعندما ينتهي طموح الإنسان ومسيرته المهنية فما فائدة الحياة أصلا؟ استغرب الشاب هذا الكلام وقال: - أي نوع من المعالجين أنت؟ أليس المفترض أن ترفع معنوياتي؟ قال سعيد: - لا، فكما قلت أنت أنا لست سوى دجال يبيع الوهم للناس!! أنا لن أعظك أو أعالجك ولكني سأروي لك قصة حصلت مع احد الأشخاص شبيهة تقريبا لما حصل معك, هذا طبعا إن وددت سماعها. أجاب الشاب بلا اكتراث: - الأمر عندي سيان قصة، موعظة، أي شيء المهم تنتهي الجلسة وأعود إلى بيتي. قال سعيد: - القصة بدأت عندما كان احد سواق الأجرة وهو شاب طيب القلب لم يكمل تعليمه الثانوي ومتزوج وعنده ثلاثة أطفال، يقود سيارته برفقة عائلته في يوم الإجازة ليذهب بهم إلى مدينة الألعاب كي يتسلى الصغار وكان الجميع فرحين ويضحكون وفجأة اتجهت نحوهم سيارة شحن ثقيلة أفلتت مكابحها فحاول السائق أن يتفاداها ولكنه لم يفلح فاصطدمت بهم صدمة ساحقة، وحين أفاق وجد نفسه في غرفة العناية المركزة يتأرجح بين الحياة والموت وبعد عدة أيام وعندما استقرت حالته علم من الأطباء انه قد فقد زوجته وأولاده الثلاثة وانه قد أصيب بالشلل في كلتا ساقيه. تأثر الشاب وقال: - سبحان الله مسكين. أكمل سعيد وقال: - وبعد فترة من العلاج في المستشفى عاد إلى بيته فلم يستطع البقاء فيه فقد كان كل شيء فيه يذكره بعائلته التي فقدها فذهب عند احد أصدقاءه وسكن في غرفة على السطح في بناية يملكها، ولم يكن يعرف مكانه سوى الصديق وخادم اتفق معه أن يأتي لرعايته مرة يوميا لينظف ويعد له الطعام. كان الرجل قد فقد إيمانه بالكامل وظل يردد لو إن الله كان عادلا كما يقال فلم فجعني بأهلي هكذا؟ وأنا الذي لم افعل شيئا يغضبه لهذا الحد. هز الشاب رأسه: - الصراحة معه حق فأنا أيضا سألت نفسي هذا السؤال مرات عديدة. أكمل سعيد وقال: - بقي الرجل على هذه الحالة فترة من الزمن شحب وجهه من قلة التعرض للشمس وطال شعره وذقنه وفاحت رائحته من قلة الاستحمام وتدهورت صحته حتى اضطر صديقه والخادم إلى نقله إلى المستشفى مجددا. وفي يوم كان راقدا في سريره وفتح الراديو فكان المقرئ يرتل هذه الآية الشريفة: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ رد الشاب: - صدق الله العظيم أكمل سعيد وقال: - يقول صاحبنا نزلت علي هذه الآية كالصاعقة على رأسي وأحسست أن الله سبحانه وتعالى يخاطبني بها ويرد بها على سؤالي أنا تحديدا، فاستغفرت ربي على ضعفي وقلة إيماني. تطهرت وأخذت وضوءا وصليت وفتحت كتاب الله وأخذت أقرأ فأحسست بإحساس غريب فكانت كل أية اقرأها تدخل في عروقي وشراييني كالمصل فتذهب بالألم والهم والغم وختمت القران فأحسست نفسي رجلا آخر وأدركت أن الله له في كل قضاء حكمة وفي كل بلاء رحمة، فخرجت من المستشفى وعدت إلى بيتي وعاهدت نفسي إن أكون من الصابرين الذين بشرهم الله وان أكون قويا ليس لنفسي فحسب بل لكل شخص بحاجة إلى مساعدة. تعجب الشاب وقال: - سبحان الله آية واحدة من القران غيرت كيانه هكذا؟ ولكن ماذا سيفعل فهو كسيح ولن يستطيع العمل كسائق أجرة بعد الآن؟ أكمل سعيد وقال: - يقول صاحبنا انه عثر على عمل كموظف استعلامات يجيب على الهاتف طوال النهار وفي نفس الوقت بدأ يدرس من جديد بدوام مسائي حتى حصل على شهادته الثانوية بمجموع عال وظل يدرس حتى تخرج من الجامعة بتفوق ولم يتوقف بل أكمل الماجستير والدكتوراه وأصبح واحدا من أهم العلماء في البلد. شرد ذهن لاعب الكرة الشاب وقال: - كلامك يادكتور قد لخبط كياني فإذا كان رجل كسيح بلا ساقين قد تمكن من النجاح في حياته وتغلب على مصيبته وتحول من سائق أجرة إلى عالم كبير، فأنا على الأقل لازلت املك ساقين اثنين وأنا طالب في الجامعة بالفعل فلن أكون اقل منه واضعف وسأستمر بدراستي وأتخرج وابذل كل جهدي كي انجح في مجال آخر في الحياة غير الكرة. شكرا لك يادكتور فقد ساعدتني أن أرى ماخفي عن عيني انك حقا معالج ماهر جدا، ومع إني اعتقد أن قصتك فيها الكثير من المبالغة وربما تكون خيالية إلا أنها أثرت في كل التأثير وأريدك أن تسلم لي على زميلك وتحييه. ابتسم الدكتور وقال: - أنا لم أعالجك بل دردشت معك ورويت لك قصة صديقي لاغير وإنما أنت من عالجت نفسك واخترت الخروج إلى النور بدلا من العيش في الظلام ولعل الآية الكريمة قد أثرت فيك أيضا مثلما غيرت حياة صديقي. خرج الشاب من عند سعيد ولم يكن هناك مرضى آخرون، فضرب سعيد الجرس ودخلت الممرضة مع كرسي متحرك وساعدت سعيدا على النهوض ووضعته فيه وغطت ساقيه المشلولتين ودفعته إلى خارج العيادة.