لا شك أن الذين تابعوا زيارة السيدة «اورسولا فون دير لاين»، رئيسة المفوضية الأوروبية، إلى المغرب، في أول رحلة لها منذ توليها المنصب عام 2019، قد التمسوا قراءة دلالتها من ثلاث زوايا على الأقل: 1 أولاها، زاوية الخطاب الملكي في نونبر الماضي. في الذكرى 74 للمسيرة الخضراء. وقد جاء الخطاب السامي في عز الأزمة مع الاتحاد الأوروبي، الذي كان قد اصطف مع إسبانيا، في مناخ التوتر الذي أعقب استقبالها لزعيم الانفصاليين إبراهيم غالي بن بطوش. وقد فهم الأوروبيون، عواصم ومحللون واعلاميون من رسائل ملك البلاد أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر تكتل قاري ما زال يعيش الرفاه في ظل الغموض، بالنسبة للقضية الوطنية المقدسة، بحسب تعبير ناصر بوريطة. وكان منطقيا في سياق الخطاب أن يعتبر الكل أن عبارات الملك موجهة إلى الأوروبيين، من بين معنيين آخرين بالرسائل. يومها قال ملك المغرب «نود هنا أن نعبر عن تقديرنا، للدول والتجمعات، التي تربطها بالمغرب اتفاقيات وشراكات، والتي تعتبر أقاليمنا الجنوبية، جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني. كما نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية».. بالعودة الى الأدبيات التي رافقت الزيارة الاخيرة ل«اورسولا فون دير لا ين»، لا سيما منها التصريحات المغربية نستخلص أن الاتحاد الاوروبي، خرج من دائرة التكتلات ذات « المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية» ، ومن من زاوية الخطاب الملكي دائما،فالاتحاد الأوروبي لم يعد معنيا بجدلية الربط بين القضية الوطنية والشراكات الاستراتيجية والاقتصادية. والدليل في ذلك هو أن رئيس الحكومة المغربية، مثله مثل رئيسة المفوضية الاوروبية «أوروسولا فون دير لاين» قد سطرا بالاحمر على تطوير الشراكات الاورومغربية. وكان لافتا أن عزيز اخنوش استعمل العبارة بإحالتها التي تسير في هذا الاتجاه عندما قال« سنعمل بجدية على تقوية هذه العلاقات التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس أهمية خاصة».. 2 الزاوية الثانية هي زاوية الأزمة مع الاتحاد الأوروبي، والتي اندلعت بسبب إسبانيا فقد سعت إسبانيا إلى إقحام الاتحاد الأوروبي في الازمة ،مع المغرب. ولكن يبدو أن الاتحاد الاوروبي لم ينتظر اسبانيا لكي يشركها في الانفراج الذي تبشر به زيارة رئيسة المفوضية الاوروبية. ويعد هذا المنحى الاوروبي ، بعد منحى المانيا ، التي غيرت ب 360 درجة مزاجها وعلاقتها مع المغرب ، إيذانا ببقاء إسبانيا في وسط النهر إن لم نقل وسط الحوض المتوسط... فهل تخلى الاتحاد الاوروبي عن اسبانيا ...في ازمتها مع المغرب؟ يبدو السؤال منطقيا بالنظر الى ترابط العلاقة بين التكتل القاري والجارة الشمالية في وقت الأزمة. ومن هذه الجهة، يعد مجيء رئيسة المفوضية الأوروبية، مسارا نحو الخروج من شراكة «استاتيكية»، ووضع متقدم مرت عليهما عشر سنوات،كانت الأزمة فيه علامة فارقة جاءت نتيجة هروب إسبانيا الى الأمام. وقتها قدمت أوروبا المظلة الجيواستراتيجية لإسبانيا، عندما تفاعلت معها ، وحاولت منحها الغطاء الذي يخفي حقيقة الأزمة :من أزمة ثقة سببها طعن المغرب في ظهره واستقبال خصومه والتنسيق معهم ليلا، الى أزمة حول الهجرة «وسلامة الحدود»، ولو كانت حدودا إستعمارية. الآن وقد انشق الترابط، وتحرك دينامو الاتحاد الاوروبي ممثلا في ألماني او فرسنا في الاتجاه الصحيح، يبدو أن مدريد متخلفة عن الركب وبعيدة عن دينامية الانفراج. وفي المقابل يكسب الاتحاد الاوروبي نقطا مهمة لفائدته: اقتناعه بأن المسارين الأوروبي والإسباني في علاقة مع المغرب مختلفين وليس من الضروري ان يظلا مرتبطين. الاتحاد الاوروبي أدرك بأن الشراكة الاستراتيجية تحتاج الى نفس جديد ، في افق 2030، العشرية الثانية في الترابط المتبادل بين الكيانين ، حول وضع متقدم لفائدة الطرفين.. وخلاصة التحليل في هذا الباب أن اوروبا تجاوزت موسم الأزمة مع المغرب إلى فصل بناء شراكات قوية..لاسيما والمغرب ذاته كان يلح على الفصل بين المسارين: الاوروبي من جهة والاسباني من جهة ثانية ، مدركا أن مصلحته تكمن في التعامل مع كون معيار الاشتباك في كلتا الحالتين مغاير للآخر.. وقد برهن الاتحاد الاوروبي، في الازمة المتعلقة بسياق الحكم الصادر عن المحكمة الاوروبية ومجلسه على تحمل مسؤوليته والوفاء بالتزاماته الى جانب المغرب.. حيث تم استأنف مجلس الاتحاد الأوروبي لدى محكمة العدل الأوروبية من أجل إلغاء الأحكام الصادرة عن محكمة الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري المبرمتين مع المغرب.. ولم ينتظر المغرب «الوعي الشقي» لأوروبا من أجل الدفاع عن مصالح، بل تحرك على جبهتين، الاولى جبهة المحيط الألماني في بودابست، عند عقد الاجتماع الوزاري الأول لمجموعة "فيسغراد + المغرب"، والتي تضم عن الجانب الأوروبي جمهورية التشيك وبولونيا وهنغاريا وسلوفاكيا، وأوضح وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، عقب ذلك الاجتماع، أن "المغرب وشركاءه داخل مجموعة فيسغراد يحدوهما عزم قوي لتعزيز تعاونهما من أجل مواجهة التحديات المشتركة، لا سيما في مجال محاربة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود"، وهي نفسها المجالات الحصرية مع جنوب اوروبا. كان ذلك في عز الأزمة مع ألمانيا التي تحيط بها هذه الدول وتعتبرها مجالها الاوروبي الحيوي ، شرقا .. كما تحرك المغرب في الجهة البريطانية وما فتحه «البريكست » من امكانية لتنويع شراكاته .. بل اكثر من ذلك وَضَع َقضية تنويع الشراكات الاستراتيجية مَوْضعَ تقدم.. 3 ثالثة الزوايا في النظر الى زيارة «أورسولا فون دير لاين» هي القمة الاوروبية الافريقية المنتظرة في هذا الشهر يومي 17 و18 ... عندما ننظر الى عناصر الشراكة الأوروبية المغربية التي تريد السيدة اورسولا احياءها، نجد أنها تنبني على شراكة القيم ، والمعرفة المشتركة ، والتقارب الاقتصادي والتماسك الاجتماعي، علاوة على «التشاور السياسي والتعاون المتقدم في قضايا الأمن». وفي هذا الجانب ليست الصدفة وحدها او الثوابت العامة التي تفسر التلاقي حول نفس المواضيع. فالمغرب والاتحاد الاوروبي على بُعد أسبوع من القمة الاوروبية الإفريقية القادمة .. وعناصر الشراكة بينهما هي محاور في القمة اياها حسب ما أعلنه الرئيس الفرنسي الذي تَرأَسُ بلاده الاتحاد الاوروبي..فهو يطرح أجندة من المحاور الثلاثة : إعادة تأسيس عقد جديد اقتصادي ومالي مع إفريقيا تطبيق أجندة في التعليم والصحة والمناخ ( شراكة خضراء بلغة رئيسة المفوضية ). دور أكبر للاتحاد الأوروبي في أمن منطقة الساحل الأفريقي فليس صدفة كذلك أن رئيسة المفوضية الأوروبية قد أعلنت عن خطة استثمار بأكثر من 150 مليار يورو (171 مليار دولار) لإفريقيا . وكانت فون دير لايين قد وصلت إلى السنغال للتحضير لنفس القمة المذكورة أعلاه و بغض النظر عن أهداف الخطة التي تعتبر ردا على الاستراتيجية الصينية المعروفة بطريق« الحرير والحزام »، فإن الطريق الأوروبي إلى جل دول إفريقيا يمر عبر المغرب من الآن فصاعدا. وهو ما يدركه الأوروبيون أكثر من غيرهم!.