الخبر مقدس والتعليق حر، هذا هو المبدأ الذي تجده على جدران معاهد الصحافة، مبدأ يتلقاه كل مبتدئ في دراسة مهنة الصحافة، ومفاده أن الصحفي قبل أن ينشر أي خبر، عليه أن يتأكد يقينا من صحته. كما أن تخصص الصحافة الاستقصائية تكون غايتها البحث عن حقائق لا تقبل التفنيد ولا تقوم بنشر ما تصل إليه إلا بعد التأكد من صحتها. وكل صحفي يحترم نُبْلَ مهنته لا يَتقبَّل أن يُطعَنَ في خبر نشره وبالأحرى أن يتقبَّل طعنا في نتائج استقصائه. ما نشاهده مؤخرا من تكالب حول المغرب من جهات وصفها أحدهم ب (المؤسسات الاعلامية ذات السمعة المهنية العالية) جاء كما يوصف، نتيجة لتقص قامت به مؤسسات إعلامية بدعم من Amnesty international و Forbidden Stories وخلصوا إلى توجيه اتهامات للمملكة المغربية مفادها أن مصالح هذه الأخيرة قامت بعمليات تجسس على هواتف شخصيات من هنا وهناك. كون هذا الخبر جاء نتيجة تقص يُفتَرَض أن يكون مبنيا على معلومات في غاية الدقة التي لا تقبل الطعن أو التفنيد. وأنا أطالع جريدة لوموند الفرنسية لعدد يوم الجمعة 23 يوليوز تقع عيني على مقال تحت عنوان "أجوبتنا على إنكار مجموعة NSO والمغرب" وهو عنوان توحي من خلاله الجريدة أنها في مواجهة المغرب!!! فهل يكون هذا دور الجرائد ذات "السمعة المهنية العالية". ألا تكون هذه الجرائد أكثر حرصا على المصداقية وتحري الحقيقة قبل نشرها. ففي المقال نجد أن كل هذه الحملة لا تنبني على يقين وإنما على احتمال كبير، كون المغرب يُعَدٌ أحد زبناء مجموعة NSO. في المقابل نجد أن المملكة المغربية تنفي اقتناءها لبرمجية بيجاسوس كما أن مجموعة NSO أيضا تنفي بيعها البرمجية للمغرب. وفي مقال آخر نشر بجريدة إسبانية OKDIARIO المتخصصة في الصحافة الاستقصائية جاء فيه تفنيد لمزاعم تجسس المصالح الاستخباراتية المغربية على شخصيات عمومية فرنسية باستعمال برنامج بيغاسوس، مؤكدة على أن "عملية التجسس تمت لكن باستخدام برنامج آخر يسمى" DarkMatter " تم تطويره من قبل شركة إيماراتية، وجرى اقتناؤه من قبل المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسية"! من جهة أخرى صرًح الوزير الأول الفرنسي في جوابه على سؤال لبرلماني من حزب (La France insoumise) في الجمعية العمومية حول هذا الموضوع أن الدولة الفرنسية أمرت بتحقيقات حول "مادية هاته الاتهامات" لم تفض لشيئ ملموس. فكيف تقبل صحافة مرموقة أن تُفَند أخبارها من قبل الجميع، وتتمادى في مزاعمها وادعاءاتها. هنا أنتقل لمبدأ آخر، يدرسه طلبة القانون في كليات الحقوق ويتعلق بالمحاكمة العادلة، مفاده أن "البينة على من ادعى"، ويال الغرابة، وأنا أتابع حوار على قناة فرانس 24 يناقش هذا الموضوع، تسأل فيه الصحفية ضيفها "هل للمغرب دليل لتفنيد ما زعمته هذه المنظمات؟" فعِوضَ أن يُسأَل صاحب الادعاء على أدلته، يسائَل المدعى عليه ليثبت براءته، فحسب علمي المتواضع لا توجد دولة تحترم مبادئ حقوق الإنسان والمحاكمات العادلة ودولة حق وقانون تضع عبئ الإثبات على المتهم عوض رافع الدعوى. فمنذ اليوم الأول الذي ادعت فيه منظمة العفو الدولية أن السلطات المغربية قامت بالتجسس على أحد مواطنيها، طالبت هذه الأخيرة المنظمة بتقديم دليل على زعمها، إلا أنها تكتفي فقط بتوجيه الاتهام دون تقديم أي دليل، الأمر الذي يُفهَمُ منه أن غايتها ليست في إبراز الحقيقة بقدر ما هي في التشهير ببلدنا. والجدير بالتأمل في كل هذا هو القرار الجريء والشجاع الذي اتخذه المغرب والمتمثل برفع دعوى قضائية أمام محكمة فرنسية ضد المؤسسات التي قامت بعملية التشهير ضد بلادنا، فلو كان هناك مقدار ذرة للشك حول موقف المغرب ونفيه لكل هذه المزاعم، هل كان سيُقدم على رفع هذه الدعوى. "ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين" صدق الله العظيم.