يبدو أن مقال أحمد نجيم، الصحافي وناشر موقع كود الإخباري، قد حرّك مياها آسنة وبركة راكدة في خلجان منظمة العفو الدولية واتحاد Forbidden Stories؛ مما ينذر بتصاعد شرارة فضيحة عالمية وعابرة للحدود الوطنية، يشتبه في استخدامها لمقاولات إعلامية بترسانة حقوقية لاستهداف دول وشركات لتطوير البرمجيات المعلوماتية. وكانت Forbidden Stories قد نشرت تحقيقا تقول فيه إنها حصلت على قائمة بحوالي خمسين ألف رقم هاتفي يشتبه في كونها تعرضت للتجسس السيبراني باستعمال برنامج بيغاسوس الذي تُصنّعه شركة المعلوميات الإسرائيلية NSO؛ من بينها أرقام هواتف مملوكة لصحافيين مغاربة ومحامين وشخصيات فرنسية. وقد أردف هذا الاتحاد الإعلامي "تحقيقه الاستقصائي" بقائمة اسمية مفتوحة خاصة بالحيز الجغرافي (المغرب)، تضم أسماء الصحافيين والمحامين والسياسيين الذين يفترض أو يزعم أنهم تعرضوا للتجسس من طرف السلطات المغربية!. تجسس معلوماتي.. أم فضيحة حقوقية وإعلامية؟ انبرى الكثير من الحقوقيين والصحافيين يبحثون بشغف عن أسمائهم في قائمة التجسس المفترضة التي نشرتها مجموعة Forbidden Stories بالتعاون مع منظمة العفو الدولية، إلى درجة أن مراسلة إسبانية مقيمة في المغرب نشرت مقالا تُمنّي فيه نفسها بالعثور على اسمها ضمن زمرة "المخترقة هواتفهم"؛ وكأن التجسس المعلوماتي بواسطة نظام بيغاسوس أصبح "ميزة إعلامية" هي من تعطي قيمة ورصيدا نضاليا للصحافيين والحقوقيين عبر العالم. وفي سياق متصل، سارع صحافيون فرنسيون في مواقع إخبارية مغمورة وغير معروفة لدى السواد الأعظم من المغاربة إلى النيابة العامة بالعاصمة الفرنسية باريس، لتسجيل شكايات ووشايات ضد "مجهول "بدعوى ورود أسمائهم في قائمة التجسس المنشورة؛ وهو ما اعتبروه قرينة مسبقة على تعرضهم للاختراق السيبراني واستهداف لأنظمتهم المعلوماتية. ومن جانب آخر، لم يتوان العديد من "مناضلي" المنصات التواصلية ووسائط الاتصال الجماهيري في التعاطي مع خلاصات هذا "التقرير الاستقصائي" على أنه كتاب مُنزّل لا يأتيه الباطل، إذ تم الجزم بامتلاك المغرب برمجيات الشركة الإسرائيلية، على الرغم من النفي والتفنيد المتواتر الصادر عن الحكومة المغربية. كما تم التماهي حد اليقين مع مزاعم التجسس المعلوماتي، على الرغم من أن التقرير كان يتحدث فقط عن فرضيات تعوزها نتائج دامغة توفرها عادة الخبرات التقنية. لكن سرعان ما سيتلاشى عنصر اليقين والجزم بعدما تواترت خرجات بعض "المحظوظين" ممن أنعمت عليهم Forbidden Stories ومنظمة العفو الدولية بوصف "ضحية" التجسس المعلوماتي بواسطة برنامج بيغاسوس. وكان أول خروج إعلامي في هذا الصدد للصحافي أحمد نجيم، الذي عبّر عن اندهاشه من إقحام اسمه في اللائحة المفترضة بدون علمه وحتى بدون مراجعته المسبقة ومطالبته بإخضاع هاتفه المحمول لخبرة تقنية. وشدد ناشر موقع كود على أن هذا الموضوع يشكل سقطة مدوية، خصوصا عندما استشهد بمقارنة عرضية بين ما قامت به الجهة الناشرة للتقرير مع صحافية فرنسية وبين ما امتنعت عنه في قضيته كصحافي مغربي. وفي المقابل، تطلع العديد من "المطبلين" لهذا التقرير إلى أن تكون خرجة أحمد نجيم مجرد حالة شاردة أو هفوة غير مقصودة من جانب منظمة العفو الدولية وForbidden Stories؛ لكن المثير هو أن مقالة مدير نشر موقع كود الإخباري لم تكن سوى قطعة دومينو سرعان ما أعقبتها قطع وخرجات أخرى مماثلة سوف تعصف بمصداقية التقرير وبسمعة معدّيه، حسب العديد من التعليقات والتدوينات التي واكبت هذا الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي. قائمة مفبركة.. أم لائحة قابلة للتحيين؟ كل من اطلع على اللائحة الاسمية المخصصة للتجسس المعلوماتي المفترض بالمغرب تفاجأ بخضوعها لمراجعات جذرية وتحيينات مستمرة وتعديلات متواترة في أكثر من مناسبة، وكأن هناك جهة ما تقوم في الخفاء بتعديل وتحيين الأسماء وحذف بعضها حسب الشكايات والاتصالات والتبليغات والإخطارات التي ترد من أصحاب هذه الأسماء. فقد نشر الصحافي المغربي رضى زيرك تدوينة يؤكد فيها ورود اسمه في لائحة "الضحايا المفترضين" التي نشرتها Forbidden Stories قبل أن يتم حذف اسمه بعد ذلك في اليوم نفسه، مستطردا بأن اللائحة التي كانت تضم 27 اسما أضحت تحتوي على ستة عشر اسما فقط، ممن يوجدون في السجن أو يعملون لصالح وكالة الأنباء الفرنسية مع بعض الاستثناءات الأخرى. وانتهى الصحافي المغربي إلى التأكيد على ما معناه "أن مجمل بروفايلات الأحد عشر اسما التي تم حذفها من اللائحة لا تتناسب مع القصة أو السرد المأمول من طرف أصحاب هذا التقرير"، مشددا في الأخير على "هواية (بمعنى عدم احترافية) Forbidden Stories وكذا مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP . ولاحظ المتتبعون لهذه اللائحة كيف كانت تحذف منها تباعا الأسماء والألقاب دون استبدالها أو تعويضها، إذ اختفى أحد عشر اسما بالتدرج وبطريقة متوالية ومريبة؛ من بينها أسماء كل من أحمد رضى بنشمسي وأحمد نجيم ورضى زيرك وأسماء صحافيين وشخصيات أخرى ممن أبلغوا ترجيحا عن فضيحة إقحامهم في لائحة لا تعنيهم، أو ممن رفضوا التمثيل أو المشاركة في مشهد سريالي يستخدم، بشكل معيب، حرية التعبير وحرمة المعطيات الشخصية في معركة كسر العظام بين الدول وشركات تطوير البرمجيات المعلوماتية. ومن المؤكد أن تناسل مثل هذه الانسحابات وتواتر التبليغات حول زورية هذه اللائحة وصورية التجسس المعلوماتي قد يزيد من شدة السجال القائم سلفا بين الحكومة المغربية ومنظمة العفو الدولية، كما ينذر برفع دعاوى قضائية من طرف بعض المواطنين المغاربة في مواجهة Forbidden Stories ومنظمة العفو الدولية ممن اعتبروا أن استخدام أسمائهم وإقحامها في تلك اللائحة كان بطريقة تدليسية ومشوبة بالتزوير؛ وذلك لأغراض هي أقرب للدعاية والتشهير، وأبعد ما تكون عن الدفاع عن حرية الرأي والتعبير.