كل من عاين سليمان الريسوني في جلسة محاكمته الأخيرة بالقاعة السابعة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، يحق له أن يتساءل: لماذا تصر زوجة هذا الأخير على "تسقيمه" وتقديمه للرأي العام في صورة الهيكل العظمي الذي يمشي نحيفا على قدميه نحو لحده وأجداثه؟ ولماذا تستعجل الزوجة "ارتداء حق الله" واقتناء الكفن المطروز كنوع من الحداد، بينما الرجل يحضر جلسات محاكمته ويستقبل زياراته بالسجن، سواء الأسرية منها أو المهنية ممثلة في وفد النقابة الوطنية للصحافة المغربية؟ كما يحق لكل المتتبعين والمهتمين بهذا الملف، ضحية وهيئة دفاعه ومراقبين حقوقيين، أن يتساءلوا لماذا تشهر زوجة سليمان الريسوني فزاعة "المؤامرة والتخوين" في حق جميع المتدخلين في الدعوى العمومية، سواء النيابة العامة والقضاة والمحامين، بل وحتى في مواجهة الغير الخارج عن الخصومة الجنائية! لاسيما المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج والطبيب المشرف على الوضع الصحي لزوجها المعتقل. تقرير طبي.. وطلبات إرجاء غير مبررة لم تفهم هيئة دفاع ضحية سليمان الريسوني لماذا يصر محامو هذا الأخير على تقديم طلبات متواترة للإرجاء والتأجيل، ولماذا يمعنون في اشتراط حضور المتهم في مرحلة مناقشة الطلبات الشكلية، التي يصفها فقهاء القانون والمرافعات بأنها "مرحلة البت في الشكل التي يتنافس فيها حصريا الدفاع والنيابة العامة، فالأول يحاول جاهدا إثبات عيوب المسطرة ونواقص الإجراءات، بينما يدفع الادعاء بالعكس ويشهر فصول القانون لتفنيد دفوعات الدفاع". وفي هذه المرحلة من سير القضية، فإن وجود المتهم من عدمه لا يؤثران على سير المحاكمة، على اعتبار أن "التراشق القانوني" يكون بين الدفاع والادعاء وينصب أساسا على الشكل وليس على جوهر القضية. ورغم شكلية الطلبات والدفوعات في هذه المرحلة من المحاكمة، ورغم أن المتهم يحضرشخصيا إلى قاعة الجلسات وهو يمشي على قدميه، وفق بلاغ المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج، إلا أن زوجة سليمان الريسوني تصر على مناقضة الجميع والمطالبة بتصحيح الإشهاد على "أن زوجها يحتضر" و"أن الجميع مشترك في وفاته المؤجلة إلى حين من الدهر"!! بل تصر زوجة المعتقل على التجريح في مصداقية الطبيب المعالج وتطعن في نزاهته وحياده. ألم تقل صراحة بأن "التقرير الطبي كاذب؟" ألم تتهم الطبيب بالتواطؤ رغم أنه يلازم زوجها يوميا (والملازمة هنا من المواكبة لأجل العلاج وليس من المتلازمة المرضية التي تتحدث عنها الزوجة في تدويناتها الأخيرة). لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا: ما الذي يغيض زوجة سليمان الريسوني في التقرير الطبي الذي أدلت به النيابة العامة لهيئة المحكمة؟ وما الذي يجعلها تتهم التقرير بالكذب وتطعن في حياد وتجرد الطبيب؟ فالتقرير الطبي، حسب هيئةالدفاع، يقول أن نسبة السكر في دم سليمان الريسوني عادية، ونفس الشيء بالنسبة لدقات القلب وضغط الدم! وأن الشيء الوحيد الذي تغير هو وزن المعتقل بسبب ما يمكن اعتباره "إضرابا بطعم الحمية". فمثل هذه الخلاصات والنتائج الطبية يفترض فيها أن تجعل زوجة سليمان الريسوني تفرح وتبتهج بها، لأن زوجها في وضع صحي عادي! هذا إن كانت فعلا حريصة على صحته وباقية على الود بينهما. ولعلّ هذا التناقض الصارخ هو ما جعل العديد من المهتمين بهذا الملف يتساءلون عن الدوافع والخلفيات الحقيقية التي تقف وراء امتعاض الزوجة من تقرير طبي يطمئن الأسرة قبل هيئة المحكمة بخصوص وضعية سليمان الريسوني. المحاكمة .. والتغرير الفايسبوكي لا يعدم، من يتابع هذا الملف، الوسيلة وكذا الحجة، ليدرك أن محيط سليمان الريسوني يراهن على السجال الإعلامي أكثر من مراهنته على المنافحة القانونية في ردهات المحاكم. فكيف يمكن تبرير طلبات التأجيل العديدة التي يقدمها دفاع المتهم رغم أن كل يوم تأخير إنما يقتات من حرية المتهم نفسه؟ وكيف يمكن تفسير مخاصمة زوجة المتهم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ولإدارة السجن المحلي بعكاشة وللطبيب المعالج رغم أنهم أصدروا فقط تقارير وبيانات تتحدث عن استقرار الوضع الصحي للمتهم سليمان الريسوني؟ فهل كان من الضروري أن يقولوا بأن المتهم سيموت قريبا ليحظوا بتدوينات عائلية مفعمة بالشكر والمديح؟ لكن التمعن قليلا في سريان هذه المحاكمة، واستحضار محاكمات مماثلة مثل قضية توفيق بوعشرين وعمر الراضي، يجعلان المتتبع لهذا الملف يدرك جيدا بأن هناك جهات فايسبوكية حريصة على "التضحية" بسليمان الريسوني على مذبح النضال المزعوم! بل إن هذه الجهات المعلومة تركن دائما لنفس الأساليب المكشوفة لتهريب النقاش من نطاقه القضائي إلى متاهات الفايسبوك، مستغلة كورال التطبيل الجاهز لنشر الأراجيف والكذب، والمستعد لتأجير حسابه الشخصي في منصات التواصل الاجتماعي لتأجيج فزاعة المؤامرة ورهاب التسييس. والمؤسف حقا، أن الخاسر الأكبر دائما في مثل هذه الملفات والقضايا هم المعتقلين وأفراد عائلاتهم، والذين يخلفون موعدهم مع مناقشة القانون ومقارعة الحجج بالحجج ويتماهون مع "شعارات المغررين في موقع فايسبوك"، ليدركوا بعد فوات الأوان أنهم كانوا ضحية استيلاب وتغرير من طرف أدعياء النضال. فحسن بناجح لا يأبه لحال سليمان الريسوني بقدر ما يحشد العدة لقومته المجهضة، فهو يتقاضى قوت يومه مقابل ما دبج يوميا من تدوينات ونشر من هاشتاغات افتراضية. والدليل أن لسان حال جماعة العدل والإحسان يحصي منتشيا أيام الإضراب عن الطعام وكأنه "عدّاد للموت" يحصي ما تبقى من حياة سليمان الريسوني. والمحامي محمد زيان لا يتألم لحال زوجة سليمان الريسوني، رغم التظاهر بذلك في الفايسبوك، فهو يعتبر هذا الملف فرصة للانتقام من القضاء الذي أدان نجله بالحبس النافذفي قضية الكمامات القاتلة. ومحمد رضا لا يبحث عن براءة سليمان الريسوني وإطلاق سراحه، لأنه، بكل بساطة، يزايد بحريته ويقامر بسجنه، وهو اليوم بحاجة لموته سجينا أفضل من أن يراه حرا طليقا. فما أكثر المزايدين الذين يغررون بمحيط سليمان الريسوني ويدفعونه دفعا لمخاصمة جميع المؤسسات ومشاكسة كل المتدخلين في الدعوىالقضائية. لكن يفترض في هذا المحيط الأسري والمهني أن يتأمل مليا، اليوم، ما يقوله كورال المغررين عن توفيق بوعشرين وقبله عن سجناء آخرين! ألم يتخلوا عنه بعد أول حكم قضائي بالإدانة صدر في حقه؟ ألم يتجاسر بعضهم ويقول "يدير أكثر من داكشي"؟ فأين هو اليوم ذاك الصديق البرلماني الذي كان يحظر متأنقا إلى جلسات المحكمة بربطة عنق ونظارات طبية؟. إن العبرة هي بما يقع في جلسات المحكمة لا بما يدور خارجها في منصات التواصل الاجتماعي، والعبرة أيضا هي بإثبات البراءة ودحض الإدانة في نطاق القانون لا في إطار المزايدة ب "الهاشتاغات والتدوينات المبللة بدموع التماسيح" والتي تنضب وتجف حتى قبل أن تصل للوحة الحاسوب الذين يستعملها المغررون في عمليات (التغرير) الافتراضي. 1