الذين راهنوا على مزاعم التعذيب وضروب المعاملة المهينة أو الحاطة من الكرامة في قضية العروبي في ميريكان، كدفع شكلي ودفاع جوهري لضرب مصداقية أجهزة العدالة الجنائية بالمغرب، وجدوا أنفسهم في موقف حرج لا يحسدون عليه، بعدما نفى المتهم نفسه ادعاءات التعذيب ودحض مزاعم المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة في حضور زواره من البعثة القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء. ولرفع هذا الحرج، بادر المعتقل السلفي السابق محمد حاجب بنشر تدوينة فايسبوكية ينفي فيها مزاعم التعذيب نقلا عن تدوينة مماثلة لشقيق العروبي في ميريكان، رغم أن المعني بالأمر كان من الأوائل والقلائل الذين فسروا تثاقل مشية شفيق العمراني عند حضوره مسطرة الاستنطاق بالمحكمة على أنها مؤشرات لجلسة تعذيب مفترضة! وقد أثارت تدوينة المعتقل السابق محمد حاجب الداحضة لمزاعم التعذيب ردود أفعال متباينة بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ورواد الإعلام البديل، بين من اعتبرها "تدوينة استباقية ترنو لرفع الحرج بعدما كان هذا المعتقل السابق في قضايا الإرهاب والتطرف هو أول من تحدث عن شكوك حول التعذيب المزعوم في هذه القضية" وبين من وصفها بأنها "ربما مصالحة مع الذات أو ارتداد عن مواقف راسخة وانطباعات جاهزة كان يتبناها المعتقل السابق في جميع القضايا الجنائية التي تعالجها مصالح الأمن المغربية". وأيا كانت الخلفيات الحقيقية التي تغذي هذا النوع من التدوين الرقمي في العالم الافتراضي، فإن الحقيقة المادية القائمة حاليا هي انتفاء مزاعم التعذيب وادعاءات المعاملة القاسية أو المهينة بدليل تصريحات المتهم نفسه. فكيف سيكون إذن رد فعل كل أولئك الذين جزموا بوقوع التعذيب مستندين في ذلك على تفسيرهم المتطرف لمشية شفيق العمراني في بهو الحبكمة؟ هل سيحذو علي لمرابط نفس حذو محمد حاجب وسينشر تدوينة تصحيحية لمزاعمه السابقة؟ عملا بالقول الدارج " الراس لي ما يدور كدية"، أم أنه سيفضل العمل بالمثل العربي القائل " كم من حاجة قضيناها بتركها". ولئن كانت مزاعم التعذيب لم تصمد كثيرا في قضية شفيق العمراني، إذ سرعان ما تداعت وتهاوت بسبب تأسيسها على ادعاءات باطلة ووهمية، فإن بعض المدونين حاولوا تصوير زيارة القنصل الأمريكي للمتهم في سجنه بعكاشة وكأنها ضمانة إضافية خاصة بذوي الجنسيات المتعددة، أو أنها امتياز لفائدة العروبي في ميريكان بسبب جواز سفره الأزرق، بل إن هناك من ذهب أبعد من ذلك عندما أسدل على الزيارة طابع الحمايات القنصلية التي أوجدتها اتفاقية مدريد لسنة 1880، والتي يعرف أصحابها في الذاكرة الشعبية لدى المغاربة " بالمحميون الجدد". فأصحاب هذه التدوينات، الذين يعتبرون زيارة قنصلية عادية بمثابة نقصان من السيادة الوطنية، عليهم أن يرجعوا ويراجعوا نصين قانونيين فقط، أولهما دولي والثاني وطني، ليعرفوا التقعيد القانوني لمثل هذه الزيارات، وليستنكفوا عن وضع أنفسهم في حرج شبيه بحرج أصحاب مزاعم التعذيب في قضية شفيق العمراني. فالمادة 36 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963 جاءت بعنوان بارز مؤداه "الاتصال برعايا الدولة الموفدة ومقابلتهم Communication and Contact with Nationals of the sending State "، والتي تنص على ما يلي: 1-... ( ج ) للموظفين القنصليين حق زيارة أي من رعايا الدولة الموفدة، المسجون أو الموقوف أو المحتجز احتياطيا أو الخاضع لأي شكل من أشكال الاحتجاز، والتحدث إليه، ومراسلته، واختيار ممثل قانوني له. ولهم كذلك حق زيارة أي من رعايا الدولة الموفدة إذا كان مسجونا أو موقوفا أو محتجزا في منطقتهم القنصلية تنفيذا لحكم قضائي. ومع ذلك على الموظفين القنصليين أن يمتنعوا عن التدخل لصالح أي مواطن مسجون أو موقوف أو محتجز احتياطيا أو خاضع لأي شكل من أشكال الاحتجاز، إذا عارض صراحة قيامهم بهذا العمل. 2 -"إن الحقوق المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة، يجب أن تمارس في نطاق قوانين الدولة المضيفة وأنظمتها، علما بأن هذه القوانين والأنظمة يجب أن تتيح التحقيق الكامل للغايات التي من أجلها منحت الحقوق المنصوص عليها في هذه المادة". أما النص الوطني الذي يسوغ مثل هذه الزيارة التي حظي بها العروبي في ميريكان، بسبب جنسيته الثانية التي تشبث بها، والتي يستفيد منها كل الأجانب بالمغرب والخارج، فهو المادة 85 من الظهير الشريف رقم 1.99.200 الصادر في 13 من جمادى الأولى 1420 (25 أغسطس 1999) القاضي بتنفيذ القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية. فهذه المادة تنص صراحة على ما يلي "يحق لأعوان التمثيل الدبلوماسي أو القنصلي، بترخيص من مدير إدارة السجون، زيارة رعاياهم المعتقلين، بعد إدلائهم بما يثبت صفتهم". مما سبق، يظهر جليا أن مزاعم التعذيب والحماية القنصلية الجديدة المثارة في قضية العروبي في ميريكان هي مجرد استيهامات مغلوطة تغذيها خلفيات مفضوحة، ويبقى المطلوب قانونا في هذه المرحلة من مراحل الخصومة الجنائية هو أن يجيب المتهم على صك متابعته الذي يستند على جرائم القذف والإهانة والإخلال بواجب التوقير للمؤسسات الدستورية والتحريض على الكراهية. أما المزايدة بالجنسية الأجنبية وبالنشاط الفايسبوكي، الذي أصبح في عرف البعض نضالا حقوقيا، فإنما هي مجرد أوراق للتوت سرعان ما تذروها الرياح كلما تحركت لغة القانون في ردهات المحاكم.