عرفت فرنسا ثلاثة مراحل في علاقتها بالمساجد على ربوع اراضيها: 1 مرحلة المساجد التي تستجيب للحاجيات الروحية والايمانية، ومعظم هذه المساجد أو أماكن العبادة طلبها عمال المعامل والمصانع، وخاصة شركات السيارات، أو في أماكن ومناجم الفحم، أو الذين اشتغلوا في المناطق الفلاحية، وكانت مساجد أبعد ما تكون عن الخوض في قضايا السياسة، والهجرة، والهوية ، باختصار عرفت هذه المساجد بالبساطة موضوعا ومضمونا، وحققت استجابة روحية إيمانية ، تمثلت فيها شعائر الإسلام، وخاصة الصلاة والصيام، وكانت ولازالت تعرف هذه المساجد نشاطا متميزا في شهر رمضان.. 2 المرحلة الثانية والتي تمثلت في إضافة إلى الأنشطة السابقة، نوع من الاهتمام باللغة العربية والتعليم لدروس الوعظ والإرشاد و قد تضاف مواد الفقه والعقائد، حيث التحق إلى جانب العمال والسواعد، عدد كبير من الطلبة من كل شمال إفريقيا، ولبنان، وبعض دول المشرق، وعرفت هذه المرحلة الأحداث وانعكاسات الثورة الايرانية، ولم نعد أمام تدين بسيط، وكان حضور في الاطراف وإنما في قلب كبرى مدن فرنسا، باريس مارسيليا وليون وستراسبورغ و كبرى مدن فرنسا ، وإصبحنا أيضا امام قدوم اسلام مركب الأبعاد ، سواء على مستوى الإعتقاد ، والفقه، أو على مستوى الانتماء السياسي، وهنا بدأت أول محن المسلمين، حيث نشأت كل الصراعات المذهبية والفقهية داخل هذه المساجد، وخرجنا من فضاء يجمع المسلمين وينظم المؤمنين، إلى فضاءات تعتمد الاختلاف و تبحث عن إلغاء الآخر، وزاد الأمر تعقيدا، حين دخلت منظمات ومؤسسات ودول بالتمويل والشروط، فأصبحت هذه المساجد فوق التراب الفرنسي فقط، بل تطورت إلى أدوات صراع بين الأنظمة والتنظيمات العربية، وزاد الأمر تعقيدا دخول إيران على الخط وبداية صناعة المعارضة و الموالات من خلال المساجد، وهكذا انتقل الأمر من بيوت لله والعبادة ، إلى مقرات و مؤسسات كأدرع للصراع السياسي بين دول العالم الاسلامي، وما عاشته فرنسا عاشته باقي الدول الاوربية بدرجة متفاوتة، ويمكن اعتبار لندن اكبر سوق للتدين الإسلامي في العالم، منذ الستينات إلى الان، لكن يهم في هذا المقال وضع المسلمين في فرنسا. 3 أما المرحلة الثالثة، وهي ظهور الإرهاب بغض النظر عن سياقه ومن وراءه، وظروف نشأته، فإنه كان كارثة و مصيبة على المسلمين، في اوروبا عموما و المسلمين في فرنسا خصوصا، إذ حول المعادلة في المخيال الجمعي الفرنسي، من وضع يعتبر المسلمين مسالمون 99 في المئة لتنقلب هذه النتيجة إلى أرقام مخيفة، من خلال استطلاع الرأي العام و الاستجواب وتحريك إلة الإعلام، بل أصبح ورقة سياسية في كل حملة انتخابية، وأصبح الصراع والتنافس في أطروحات يمينية متطرفة، تجعل سلة مشاكل فرنسا مرتبطة بثلاثة قضايا الإسلام والهجرة والارهاب، من المفروض و المتوقع أن المسلمين وصل ابنائهم الذين تفوقوا ونجحوا اجتماعيا، ودراسيا، أن يدافعوا عن نموذج من الإسلام الذي يستجيب إلى حقوقهم و حرية الاعتقاد، ويضمن لهم في إطار الجمهورية اعترافا تاما بمواطنتهم، والتي يمثل جزء منها، حرية الإعتقاد وممارسة الشعائر ، طبعا وفق القانون، غير أن أبناء المسلمين في فرنسا من الحيل الثاني والثالث، وجدوا أنفسهم محاطين من جهة بعداء تاريخي اخترق كثيرا من الأحزاب الفرنسية، ومن جهة ثانية ببنية تقليدية عنيدة تتحكم في كثير منها المساجد والمنابر التي يتحدث من فوق منابرها عن " الخلافة،" و " الامة" والوحدة د، اي في قضايا أبعد ما تكون عن حياة المسلمين اليومية، بل بعض المساجد مرتبطة بمصالح مالية وتجارية أغرب من الخيال " قصة اللحم الحلال و الباس الحلال والعطر الحلال ....فيكفي إضافة خلال إلى متزوج ما ، وبمباركةوجمعية ما حتى تحصل على مفتاح كسب على حساب المسلمين. اختبرت الأحداث والوقائع، ان هذا الجيش العرمرم من " الدعاة والوعاظ والمسؤولين عن كثير من الجمعيات "، لم يستطيعوا تقديم وثيقة واحدة تمثل قاسما مشتركا، للسلطات الفرنسية التي تناقش قانونا سيقلب حياتهم راسا على عقب. و الخلاصة انه سيكتب التاريخ أن كثير من المسلمين في فرنسا، و في القرن الواحد والعشرين كانوا فاشلين في كل شيئ، الا في محاولة استرجاع الماضي نفسيا وشعوريا، هذا الماضي الذي يتخيلونه مشرقا في كل شيئ !؟ والذي لن يغير من واقعهم نحو الافضل، فالمدخل الطبيعي لهذا الظرف الصعب جدا ، هو الدفاع عن مشروع يتضمن مبادئ اساسبة، لمكون يمثل الديانة الثانية في فرنسا، و لن تنجح فرنسا في اي مشروع لا تدمج وتنصت فيه لرأي المسلمين الفرنسيين كمواطنين، من حقهم المشاركة في ما سيؤثر على وجودهم وحياتهم، ولكن لا يمكن لفرنسا أن تستجيب لمطالب غير موجودة ، أو مطالب هي عبارة عن مواقف سياسية لدول الروافد اي التي ينتمي لها أصول المسلمين، لا يمكن أن يترك سوق التدين في فوضى عارمة، لأن هذا يعتبره الفاعل السياسي الفرنسي مهددا لكينونة الجمهورية مستقبلا. فالمسلم الفرنسي هو قبل هذا وذاك جزء من كيان قائم مطالب أن يساهم فيه بكل مسؤولية وواجب ضمنزحقوق ليست اقل من حقوق باقي المواطنين ولاوتعلو على حقوقهم. لقد أصبح المسلمون في فرنسا أمام ثلاثة خيارات: 1 أن يساهموا بوثيقة مقترحات، وهذا لن يتحقق إلا بالتنازل عن بعض الانانيات، والاستعلاء على بعضهم البعض، وتحديد سقف من التوافق. 2 أن يتركوا الحكومة الفرنسية تفصل على مقاسها ، ويبقى لهم الطعن في عدم دستورية بعض القوانين، 3 أن يستسلموا للواقع وتصبح الحياة مستقبلا بالنسبة لهم، قرارا فرديا حيث كثير من شباب المسلمين بدأوا يفكرون في الهجرة من فرنسا , إلى دول أكثر امانا وحرية لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم. استاذ التعليم العالي فاس *