هناك من يعتقد أن الصراع بين فرنساوتركيا حديث العهد على الساحة الدولية، بسبب ليبيا، بل هو صراع عميق قديم، نكتفي أن نستشهد فيه بآخر احداثه، فهو تاريخ اصطدام على الدوام، فلا ننسى أن فرنسا كانت سدا منيعا من التحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي، بعد مفاوضات شاقة، وفي لحظة كانت تركيا تراهن على بناء اقتصادها من جهة والتحرر من هيمنة العسكر من جهة اخرى، إذ لم تتحرر اليونان الجارة من هيمنة الجيش على حياتها السياسية الا زمن دخولها الاتحاد الاوروبي، فقد كان ساركوزي واضحا حين قال أن حدود أوربا ليست جغرافية فقط ولكن دينية أيضا، ةبالتالي وضع حدا الطموح تركيا في الالتحاق بالاتحاد،الأوروبي، كما أن فرنسا حركت مرارا ملف الارمن وما تسميه " بالمذبحة الارمنية " وهو أمر ترفضه تركيا على الدوام، لما فيه من تبعات اقتصادية وأخلاقية وقانونية، ملف تتزعمه فرنسا وتضعه على الطاولة الدولية كلما أتيحت الفرصة لذلك، و يمثل الصراع العسكري في كرباخ العليا الامتداد دا لهذا الموضوع، وطبعا تحظر جرعة تلى جانب المصالح الاعراق والدين، فتركيا تدعم بالسلاح والخبرة العسكرية والتدريب وقد تكشف الايام مستويات أخرى من الدعم لدولة اذربيجان دون الحديث عن الدعم السياسي بشكل لاريب فيه طامعة في تطويع الشأن الديني من التشيع إلى السنة لصالحها وخلق عمق ولائي داخل إيران والحفاظ على مصالحها الحيوية خاصة وأن الأصول العرقية متقاربة ، بينما في الجهة الأخرى تدعم فرنساأرمينيا عسكريا و استخباراتيا وسياسيا، ومن حظ اذربيجان أن إسرائيل توجد في صفها للأسباب جيوستراتيجية، منها محاصرة إيران وابقائها تحت المراقبة، ولما لا دعم الثلاثون مليونا ازريا بالانفصال عن إيران والالتحاق بأذربيجان في مقبل الايام، يضاف إلى ذلك ان وجود قواعد عسكرية في هذه المنطقة مهم جدا باي حرب مستقبلية مع إيران بحيث يكون القصف دقيق وقريب جدا بسبب المسافة الجغرافية. إلى جانب الصراع التاريخي بين فرنساوتركيا، ازدادت ثلاثة ملفات صعبة على الطاولة السياسية بين تركياوفرنسا: أولها الملف الليبي: حيث تمتل ليبيا سوقا توسعيا لتركيا من خلال تسويق كل منتجاتها و تعمير ما دمرته الحرب الأهلية الأولى والثانية، ومصدرا للطاقة والغاز، وتمثل ليبيا ايضا وفي نفس الوقت، سوقا انقاد الاقتصاد الفرنسي المنهك نسبيا وتحريك جزء من آلته الانتاجية، فليبيا دولة نموذجية للسوق الرأسمالي حيث تستهلك كل شيئ ولديها ما تؤدي به بسهولة اي الغاز والبترول، وتحتاج إلى عملية تعمير شاملة، بمعنى صفقات وعقود بالملايير، الأمر الذي يفسر هذا الصراع، حيث للمتخصصين عنوانه اقتصادي عسكري محظ، ففي الجانب العسكري يسمى البحر الابيض المتوسط بحر الامبراطوريات ومن خرجت منه انكمشت ، فعلى المستوى العسكري متؤكد أن من يملك قواعد بحريةووعسكرية في ليبيا حتما سيكون له وزن استراتيجي في البحر الأبيض المتوسط. ثانيا تناسب الصراع: ونقصد به، أن تركيا تمنعها موانع لخوض صراع مع الولاياتالمتحدة لكون هناك علاقات جيواستراتيجية فهي عضو وازن في الحلف الاطلسي، و وورقة للتوازن من الاختلال العسكري ضد روسيا، قم أن اقتصاد أمريكا صعب تهديده بالمنافسة التركية، ولديها اي تركيا مصالح كبرى مع الصين، وهو ما يفسر صمتها ضد ما يقع لمسلمي الايجور رغم ثلاثة روابط لهم مع تركيا ، الدين ، والعرق، واللغة، ومع ذلك لم يشفع لهم اي الايجور اي تدخل الا ما كان سياسيا ووراء الكواليس، لأن الصين لا تغفر الجهر بالسوء، ولكون الامور اكبر من تنجز فيها تركيا شيئا ذا قيمة لهم، خاصة وأن موضوع الأقليات جد حساس لدولة الصين، اما روسيا، فدولة تركيا لديها ملفات مشتركة معها، اقلها ثلاثة، الملف السوري و الملف بحر قزوين وملف ارمينيا، و ملف الطاقة، تعتبر المانيا موضع ثقة لدى تركيا ووسط مع أوروبا ولها مصالح اقتصادية متميزة مع تركيا، مع وجود جالية تركية مهمة على المستوى الديمغرافي والاقتصادي والاجتماعي بألمانيا. فرنسا نموذجا سهلا: للأسباب التي أشرنا إليها سابقا ، تسعى تركيا لتدبير ذكي مع الدول الأربع الولاياتالمتحدةوالصينوروسياوالمانيا، بينما يبقى الصراع والاصطدام بالنسبة لفرنسا مقدور عليه، بحيث اجتمعت الجراح والمواقف التاريخية بين الدولتين، و الصراع الأقل كلفة بالنسبة لتركيا، يضاف إلى ذلك سياسة الاستفزاز الغبية التي قدمتها الحكومة الفرنسية على طبق من ذهب لتركيا، بحيث حولت شخص اردوغان متحدثا باسم مليار ونصف من المسلمين، وصنعت زعامة لو أنفقت تركيا ملايين الدولارات لما انجزتها بهذه السرعة، خاصة وأن الزعامات العربية مشغولة في حدودها الداخلية، فمصر منغلقة منهكة اقتصاديا واجتماعيا، ولا تملك صورة سياسية إيجابية، في الداخل فكيف بمسلمي العالم، خاصة حين جعلت الصراع الديني مادة حاضرة في المشهد الداخلي، اما دول الخليج فقد كانت تتمتع بحضور على مستوى المشاعر لكن تجربة السلفية التي تحولت إلى ما تحولت اليه، ونزوعها نحو العنف والاقصاء، افقد مشاعر التعاطف للمسلمين والاقتراب منهم، بل كثير يعتبر أن ما يعاني منه المسلمون في أوروبا ذلك النموذج من التدين الفاشل القادم كن الشرق، و رغم ما كان من زخم و حضور لبعض دول الخليج من قبل، فقد انتهى أو يكاد هذا الرصيد المعنوي لدى المسلمين باوروربا، اما إيران فقد أصبحت مستفزة مرفوضة لدى مشاعر المسلمين العامة قبل النخب، خاصة في مواقف مثيرة ، الغير أخلاقية في سورية، والعراق من قبل، و لبنان اخيرا، بل يشعر المسلمون السنة في أوروبا أن تدخلات إيران الأيديولوجية تزيد وضعهم تازما وتعقيدا، ومن هنا بدأ إختصار التشيع في أوروبا لينتقل إلى افريقيا ، خاصة مع توقف الدعم المالي لأسباب متعددة. هذا الصومالتركيا تدخل على الخط و تستفيد من أخطاء فرنسا لينتقل الصراع إلى داخل فرنسا نفسها، وهو أمر تقطن له المغرب ويفسر في جزء منه بياناته سواء على المستوى السياسي الديبلوماسي، من خلال وزارة الخارجية، و بذكاء اللحظة من خلال المجلس العلمي الأعلى ليعطي غطاء روحيا دينيا لموقف حازم في الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، و حتى لا يترك الفراغ المهول أمام الموقف التركي، الذي يظهر بمظهر الدفاع عن المسلمين في فرنسا وتوسيع سوقه الاستهلاكية واستغلال معركة المقاطعة المنتوجات الفرنسبة، علما ان اكبر جالية هي من أصول شمال إفريقيا ويمثل المغرب جزءا مهما من هذه الاصول. لقد كان ولازال خطاب ساسة أنقرة للمسلمين في فرنسا يعتمد ثلاثة رسائل: 1- أنكم اي المسلمين في فرنسا لا تستفيدون من العلمانية كما يستفيد منها باقي الديانات، على الأقل على مستوى التقدير وان الجمهورية لا توجد على نفس المسافة من الديانات الثلاثة. 2- أن دول الأصل غير حاضرة في دعمكم والدفاع عن نبينا جميعا, وأنكم محرومون من اي صوت للدفاع عن "شبه محاكم التفتيش الجديدة" 3- ان مقدساتكم ورمزينكم الروحية مشروع احتقار واستهزاء مفتوح، وان الاعتداء المعنوي والرمزي مسلسل لن ينتهي بحيث اصبح برنامجا سياسيادائما. أن المحللين يعلمون أن الصراع الاقتصادي يعتمد كل الوسائل والأدوات ، وان الدين إحدى هذه المواد عند الساعة بشكل عام، ومن هنا فقد ساهم الرئيس الفرنسي في خلط الأوراق بين دين لمليار ونصف مسلم، وبين تدين ( التاء مفتوحة) أنتجته ظروف وسياقات تولد عنه غلو، وتطرف، تحول مع الزمن إلى القتل والإرهاب الشنيع البشع المتوحش ، وبدل ان تستعين فرنسا ب، 99,99 في المئة من المسلمين المواطنين الفرنسيين في محاصرة فئة ضئيلة جدا من المتطرفين، وبدل ان تستفيد فرنسا من المواقف النبيلة والمشاعر الصادقة والمواقف الصلبة من المسلمين في فرنسا الذين وقفوا ضد الهمجية والإرهاب اي ضد هذه الفئة الباغية على مصالح المسلمين قبل اي طرف، وضد طبيعتها اي الكثلة المسلمة العامة وضد دين الإسلام أولا وأخيرا ، بدل أن تستفيد فرنسا من هذا الزخم الشعبي والحس الوطني، قامت لتعميق الجرح، وتكريس الاساءة و تعميم الاحتقار لمليار ونصف مليون مسلم، وعجزت عن حل معدلة صعبة ودقيقة كيف نجمع في فرنسا بين حرية التعبير؟؟ واحترام الآخر أو احترام التعدد والتنوع، الأمر الثاني لالذي لا يقل أهمية وأولويات عن الأمر الاول، وهو كيف نحافظ على حرية الإعتقاد ونحمي حرية التعبير ؟ و بأقل كلفة سياسية اقتصادية اجتماعية.و لا تعطي فرنسا وقائع وأحداث تستثمر في صراعات جيوستراتيجية دولية. لا زال الزمن متاحا والفرصة قائمة من أجل الاشتغال على اربع محاور : دعم نموذج من التدين وحرية الإعتقاد بما يحاصر التطرف من جهة و يحمي الحقوق والتسامح من جهة أخرى. البحث عن مناطق مشتركة بين الثقافات والفنون والآداب والتجارب الناجحة، و خير مثال مقاطع مشرقة من حضارة الأندلس، أو بمعنى آخر الأندلس الأوربية على غرار نموذج الأندلس المغربية، فعصر الأنوار يشهد من اين اخذ القبس؟! إنهاء الديكتاتورية الاليكية فهي تبقى ديكتاتورية، مهما رافقها من مفردات، فقد يدافع الإنسان عن مصالح بلده، دون أن يكون في حاجة إلى انتهازية من هذا الطرف أو غباء من ذاك الطرف، واسوء السياسة ما كان مرتبطا بأن تتحول أقلية من ستة ملايين من المسلمين رهائن لدولتين، فرض سياق التاريخ أن يتصارعا على مصالحهما عبر العالم. استاذ التعليم العالي*- فاس