بعد هدنة امتدت لما يناهز الثلاثين سنة طفى إلى السطح، مرة أخرى، نزاع يعتبر من أعنف الصراعات بالقوقاز، بين أذربيجانوأرمينيا، في إقليم ناغورني-كارباخ والمناطق المجاورة له. فرغم أن الأطراف المتنازعة كانت قد وقَّعت في تسعينيات القرن العشرين(1994)اتفاقاً لوقف إطلاق النار فإن هذا الصراع ظل دون حل يذكر، كما أنه كان يعرف مناوشات وكذا نشوب إقتتال من حين لآخر، لكون الأرمن لايزالوا يسيطرون على ناغورنو-كراباخ، وبعضٍ من مساحة الأراضي الأذربيجانية المحيطة به(تقدر ب20 في المائة من أقليم اذربيجان). يجدر التذكير، أنه بعد المواجهات العسكرية المتطاحنة بين الأرمن وأذربيجان، في بداية تسعينيات القرن العشرين، تكرس واقعا هناك تمثل في؛ أن ناغورني كاراباخ "تعتبر" منطقة مستقلة بحكم الواقع، (مع اعتمادها بشكل كبير على دعم الدولة الأرمينية؛ فهذه الأخيرة تنتشر قوات لها منذ فترة طويلة في هذه المنطقة)، لكنها(كارباخ) بالمقابل لاتحضى بأي اعتراف دولي من قبل أي عضو في منظمة الأممالمتحدة، فمعظم المجتمع الدولي لا يزال يعتبر إقليم ناغرورني كرباخ أرضاً "تابعة" لأذربيجان. إن اندلاع المواجهات العسكرية(الأخيرة) بين البلدين يبرز ثلاثة حقائق أساسية: الأولى تتمثل في فشل المفاوضات الثنائية بين الأطراف الرئيسية التي يعنيها هذا الصراع بشكل مباشر، حتى الآن، للتوصل إلى اتفاق سلام دائم من خلال إيجاد حل لنزاع ظل في حالة كُمُون منذ سنة 1994. أما الحقيقة الثانية فتتمثل في فشل "الوساطة الجماعية" التي تقوم بها مجموعة ‘مينسك'(تشارك فيها روسيا والولايات المتحدةالامريكيةوفرنسا في إطار منظمة الأمن والتعاون) في إيجاد حل لهذا النزاع وإنهائه. الحقيقة الثالثة:فشل الأممالمتحدة في تسوية هذا النزاع، وفي القيام بالمواكبة المطلوبة لتفعيل قرارات مجلس الأمن، ذات الصلة بهذا الموضوع،خاصة القرار 822 والقرار884. فشل في واقع الأمر يعود إلى أسباب متداخلة ومتشابكة؛ فالصراع الارميني الاذربيجاني، بالرغم أنه يبدو نزاعا ثنائيا فالواقع يقول أنه أكثر من ذلك،فهذا النزاع تتمدد آثاره إلى أطراف مختلفة،فللعديد من القوى الاقليمية والدولية مصلحة بيِّنة في منطقة جنوب القوقاز. فالاضافة إلى أن الدولتين الأرمينية والاذربيجانية لهما علاقات معقدة مع الجوار تنتج عنها تحالفات "منسجمة"أحينا، ومصالح متناقضة تفضي أحيانا أخرى إلى مستوى يستعصي معه فرز تحالف عضوي خالص ومنسجم من بين هذه الاقطاب كلها، فالمنطقة، وإن كانت "حديقة" خلفية لروسيا، فهي تندرج ضمن المواقع الجغرافية التي تعرف تدافعا وصراع للنفوذ بين الولايات المتحدةالأمريكيةوروسيا، مما يجعل هذا النزاع يترتب في خانة النزاعات التنافسية الجيوسياسية التي يصعب التكهن بمآلاتها مستقبلا. إن الاحداث الجارية في جنوب القوقاز ليست معزولة عن السياق العام الدولي ،خاصة في آسيا وجنوب وشرق أوروبا، الذي يتسم بالعديد من التوترات، وبالخصوص ما يقع في شرق المتوسط؛ النزاع التركي اليوناني، والحرب في سوريا والصراع العربي-الاسرائلي..، على إعتبار أن الفاعلين(الاقليميين والدوليين) في هذه الصراعات هم نفسهم(تركيا، ايران،..وروسيا والولايات.م أ، و'الاتحاد' الأوروبي). إن تفاوت اهتمام القوى الدولية ومدى انخراطها في هذا النزاع يرتبط أساسا بالأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة وما تحتله من مرتبة في سلم أولويات هذه القوى، لذلك ف"فاعلية" الفاعلين الدوليين والاقليميين في هذا النزاع الأرميني الأذري، وكذا تحركاتهم(السياسية والعسكرية) اتجاهه تتحدد أيضا، لا محالة، بحجم قدرة ومصالح كل فاعل و حسب ما يمكن أن يجنيه منها من مكاسب.. سياسية واقتصادية،كما أن للعامل العرقي والتاريخي والنفسي دورا لا يستهان به في صياغة مواقف الأطراف التي يعنيها هذا الصراع اتجاه بعضهما البعض. فتقاطع المعطى الاقتصادي( الثروات الحيوية؛النفط،والغاز..) والجيوبولتيكي(موقع جغرافي متميز،البنيةالسياسية..) والمعطى التاريخي(استعمار،انتماء لمنظومة/دولة واحدة،..) والثقافي(اللغة،الدين،القيم،التقاليد..)والعرقي.. في منطقة موضوع النزاع يجعلها على فوهة بركان وقابلة للاشتعال والتمدد في إطار حرب استنزاف عالية الكثافة، و قد يكون نصيبٌ للمواجهة فيها بالوكالة أمر وارد. الدب الروسي لن يترك"حديقته الخلفية" لِيَعْبَث فيها الآخرون بحرية روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي، لا يمكن لها أن تقف موقف المتفرج فيما يقع من التطورات في منطقة القوقاز وفيما يصنع من موازين القوى هناك، وعبرها على المستوى العلاقات الدولية وذلك لعدة اعتبارات؛ الاعتبار الأول؛ أن أذربيجان و أرمينيا جمهوريتان سابقتان في الاتحاد السوفيتي، وما لذلك من حمولة تاريخية ونفسية على روسيا(جزء من هذا المشكل كان من صنع الاتحاد سوفياتي، حينما دفع في اتجاه انشاء منطقة حكم ذاتي بكارباخ، ذات الأغلبية الأرمينية، في عشرينيات القرن الماضي)،الاعتبار الثاني؛ مسألة التماس والجوار مع البلدين المتنازعين، الاعتبار الثالث؛ أن روسيا تربطها علاقات تجارية واقتصادية مع الطرفين الاذري والارميني وتربط كلاهما بالاتحاد الروسي صفقات أسلحة، رغم أن أرمينيا تحتل مكانة أساسية في التعاون الاستراتيجي العسكري مع روسيا، ويتعلل ذلك بوجود قواعد عسكرية روسية فوق الاراضي الأرمينية، وهذا يجعل أرمينا في موقف الحليف لروسيا،الاعتبار الرابع؛ أي تقارب قد تفكر فيه دولة سوفياتية سابقة مع "الغرب" لا يمكن أن يتم بسهولة(وهذا قد ينطبق على العلاقات الروسية الأذرية) ولا يمكن أن يتم على حساب مصالح الاتحاد الروسي (ذو النفحة السوفياتية)، خاصة وأن روسيا أصبحت في السنوات الأخير تحس بنفس جديد بعد تحقيقها لمكاسب جمة بعدما ساهمت في إعادة صياغة الخريطة الجيوسياسية للعديد من المناطق والنزاعات، ومن ثمة فهي لن تسمح بأي تغيير لا ينسجم مع ما تبتغيه هي(روسيا) مادامت تعتبر هذه المنطقة(القوقاز)تندرج ضمن محيطها الحيوي والاستراتيجي الذي يقوِّي مكانتها ونفوذها على المستوى الدولي. هذه الحقيقة يزكيها معطا حاسما يتمثل في أن منطقة القوقاز منطقة(خاصة أذريبجان،جورجيا) غنية بالثروات الحيوية(النفط والغاز)،وهذا يجعلها تحتل موقعا مهما في الاستراتيجية الروسية، كما يرفع من درجة انجذاب القوى الدولية لها،مما يجعلها لا محالة محط أنظار وتنافس كبيرين. وللتذكر فمنطقة القوقاز، وتركيا، تعتبر من جهة ممرا مهما لنقل النفط والغاز نحو أوروبا وبقية العالم عبر انابيب أُقيمت لهذا الغرض(ك:خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان الذي تم تشغيله سنة2006 ويمتد عبر أراضي أذربيجانوجورجيا وتركيا)، ومن جهة ثانية تعتبر مصدرا منتجا للطاقة خاصة دولة أذريبيجان ( ثلثا أراضيها غنية بالنفط والغاز الطبيعي) التي كانت محط أنظار شركات نفطية غربية من بينها؛"أموكو Amoco Corporation"(أمركية) و"إكسون موبيل"(أمريكية)"بي بي" (شركة بريطانية)ولوك أويل(روسية) "شتات أويل"(نرويجية)، والتي وقعت معها(اذربيجان) عقودا منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، كما أن هناك مجموعة من شركات النفط الدولية وقعت أيضا مؤخرا عقودا أخرى للتنقيب في البحر. إنها معطيات قد تجعل روسيا لاتنظر بعين الرضى لأذربيجان، كما أنها قد تعتبرها "منافسا" محليا بخصوص تفاعلاتها مع الاتحاد الأوروبي، خاصة في مجال تصدير الطاقة لهذا الأخير. وللإشارة فبالرغم من تنوع إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي(بما فيه ما يستورده من الولايات.م أ)، فروسيا هي أكبر مورد للغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي (بما يصل نحو 38 في المئة من الواردات، والذي سوف يرتفع بالتأكيد مع المشروع الطاقي لخط أنابيب"نورد ستريم 2″ ( الذي يربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق). الاتحاد الأوروبي: دور محتشم وماكرون منزعج من أردوغان و"حليف"لأرمينيا دعت دول الاتحاد الأوروبي أطراف الصراع في إقليم كارباخ إلى وقف التصعيد واستئناف المفاوضات، للوصول إلى تسوية سياسية للنزاع، وبالرغم أن الاتحاد الاوروبي ككيان، من خلال هذا الموقف، يظهر غير مصطف بشكل واضح لأحد أطراف النزاع على حساب الآخر،فإن التوتر الذي تشهده القوقاز يحتل مكانة لا يستهان بها في السياسة الأوروبية تجاه هذه المنطقة. فالاتحاد الأوروبي تربطه علاقات تجارية واقتصادية متميزة مع دول شرق أروبا(خاصة دول القوقاز)،خاصة في إطار مبادرة الشراكة التي أطلقها الاتحاد الاوروبي(سنة2009) في إطار"الشراكة الشرقية"، والتي تعتبر مبادرة سياسة – اقتصادية مشتركة، تهدف إلى تعميق وتعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وجيرانه الستة الشرقيين: أرمينيا، أذربيجان، بيلاروسيا، جورجيا، مولدوفا وأوكرانيا(رغم أن هذه الشراكة تلقت انتقادات من روسيا ولم تكن راضية عليها). من جانب آخر فالاتحاد الأوروبي يبحث لنفسه، على الأقل كتكتل اقتصادي، عن موقع متقدم ضمن صراع القوى على الصعيد الدولي، لذلك ‘يرى' أنه لا بد أن يساهم في صياغة الأحداث التي تحدُث على المستوى الدولى، وبالخصوص تلك التي تخص جيرانه وشركائه. وتجدر الاشارة إلى أن الاوروبيون "غير مرتاحين"، لقيام تركيا بدعم واضح لأذربيجان، وتتقدمهم فرنسا(أحد أقطاب الاتحاد الاروبي)،التي اتهم رئيسها تركيا بإرسال مرتزقة إلى أذربيجان حين أعلن أن: "لدى بلاده معلومات تؤكد أن تركيا ترسل مسلحين إلى كاراباخ للمشاركة في القتال إلى جانب أذربيجان"!. موقف الاتحاد الاوروبي كتنظيم لا يبدو حادا ومنفعلا كما الأمر بالنسبة للموقف الفرنسي(المنفرد)، ففرنسا في واقع الأمر تبدو أقرب إلى أرمينيا وتميل إلى الدفاع عنها، وهذا الموقف يمكن قراءته في إطار المعطيات التالية: أولا؛ فرنسا هي واحدة من الدول التي اعترفت بالإبادة الجماعية للأرمن، ثانيا؛ وجود جالية مهمة ومؤثرة من الأرمنيين بفرنسا،ثالتا؛ بروز سوء فهم كبير في الوقت الراهن بين تركيا(أردوغان) حليفة اذربيجانوفرنسا(ماكرون)، واختلافهما في العديد من القضايا،رابعا؛ فرنسا عضو في مجموعة "منسيك"،يفترض فيها الاهتمام بهذا النزاع وطرح"حلول" لمعالجته. الولايات المتحدةالأمريكية: جنوب القوقاز مركز استراتيجي لابد منه للتنافس وللضغط الاقليمي والدولي أما فيما يخص الولايات المتحدةالأمريكية فسلوكها على المستوى الدولي يتحدد من منطلق أنها "قوة عظمى" تعتقد وترى أنه لا يجب أن تترك الأمور لقوى أخرى، كي تفعل ما تريد دون أن تكون هي فاعلة فيما يجري من ديناميات على الساحة الدولية، فلا يمكن الاستغناء عن هذا المعطى فيما يخص السياسة الأمريكية إزاء ملف كرباخ وتشعباته،إضافة إلى هذا، فالعنصر الاقتصادي يبقى متغير ثابت يتدخل في تحديد سياساتها الخارجية بشكل دائم ومستمر. إن ما يزيد من اهتمام الولايات المتحدةالأمريكية بهذه المنطقة، هو وجود ثروات طاقية مهمة، و وجود شركات أمريكية تستثمر في مجال النفط والتنقيب عليه بها،كما اشرنا أعلاه. فالامريكيون أنفقوا أموالا كبيرة في مجال استخراج النفط والغاز في اذربيجان، وهم يريدون أن يظهروا "استبدال" الثروة النفطية الموجودة في الخليج بالثروة النفطية الموجودة في بحر قزوين!! إن الولايات المتحدةالامريكية دائما ما تسعى إلى إيجاد موطئ قدم حقيقي في هذه المنطقة الاستراتيجية،لذلك فرغم بعضٍ من عدم التفاهم الذي يطفو أحينا بين أذريبجان والولايات المتحد.أ، فهذه الأخيرة تحاول أن تعمق علاقاتها الدبلوماسية والسياسية والعسكرية مع أذريبجان، حتى تطوّق "التغلغل" الايراني من جهة، وتتواجد في منطقة تشكل مجالا حيويا لروسيا إحدى أهم المنافسين الدوليين للولايات المتحدةالأمريكية من جهة أخرى. هذا دون أن نغفل أن الولايات المتحدةالأمريكية تحفظ علاقات مهمة مع أرمينيا، فالامريكيون ذو الأصل الأرميني( يقدر عددهم بحوالي مليون وخمسمائة ألف)جالية لها موقعها في المجتمع الأمريكي،بحيث تؤكد الدراسات أن الأرمن هُم أهم وأكبر تأثيرًا من أية جالية أخرى بعد الجالية اليهودية على السياسة الأميركية، فهم يملكون رؤوس أموال ضخمة ويسيطرون على مشاريع مهمة واستراتيجية.. إن هذه المعطيات تجعل من الولايات المتحدةالأمريكية أحد اللاعبين المهمين والمؤثرين في هذا النزاع، وتدخله في صياغة القرار الدولي الخاص به(النزاع) مسألة حتمية؛ سواء عبر مجموعة "مينسيك" أو بشكل انفرادي. تركيا: دعم غير مشروط لأذربيجان وعداوة ثابتة لأرمينيا منذ تجدد الإقتتال في منطقة القوقاز أعلنت تركيا دعمها غير المشروط لأذربيجان،( وتوجد اتهامات على أنها تواصل تزويد أذربيجان بمختلف القدرات العسكرية)، فموقف تركيا جد واضح؛ فهي تعلن بشكل صريح وُقوفها الكامل إلى جاني أذريبجان لاستعادة أراضيها "المحتلة"، على عكس بقية الأطراف التي تعلن "حيادها" في هذا النزاع. التقارب التركي الأذربيجاني ليس بالجديد، فتقليديا كانت تركيا تقدم دعما دبلوماسيا وسياسيا لأذريبجان، لكن اللافت هذه المرة أن تركيا أبرزت صرامة أكثر في تعاطيها مع هذا الصراع، وفي تبني موقف يقول أن؛ لأذربيجان "حق مشروع" يجب أن يتحقق سواء عن طريق المفاوضات أو أي "مسار" آخر. فالعلاقات الاذرية التركية تنطلق من عدة خلفيات، فالاضافة إلى التقارب الجغرافي والعرقي، فتركيا تعتبر أذربيجان شريكا استراتجيا مهما في المنطقة، وهذا ما جعل البلدين تربطهما علاقات تجارية واقتصادية متشابكة(حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع من 296 مليون دولار إلى 3.2 مليار دولار خلال الفترة ما بين 2002-2018،كما أنه من المنتظر أن يرتفع إلى 15 مليار دولار، بحلول عام 2023). كما تعمقت هذه العلاقات بشكل أكثر على صعيد التعاون العسكري، وتجسد ذلك في وجود اتفاقات(للتدريب العسكري) منذ تسعينيات القرن العشرين،واتفاقيات أخرى تنص على إمكانيات الدفاع الشرعي الجماعي عن النفس(الفصل 51 من ميثاق الأممالمتحدة )، وكذا استخدام الامكانيات والمساعدة العسكرية المتبادلة بينهما حينما يتطلب الأمر ذلك، يتعلق الأمر هنا أساسا باتفاقيات وُقِّعت سنة 2010 في إطار ما يسمى بمعاهدة التعاون الاستراتيجي بين تركيا وأذربيجان. على النقيض من ذلك تعتبر العلاقات التركية الأرمينية علاقات يشوبها التوتر، منذ استقلال أرمينيا، فبعض التقارب الذي حصل بينهما في بداية تسعينيات القرن العشرين سرعان ما تراجع ولم يتطور إلى علاقات ودية ودبلوماسية بين البلدين، ويرجع هذا التنافر العلائقي بين البلدين على الأقل إلى ثلاثة أسباب: السبب الأول؛ قضية الإبادة الجماعية للأرمن،(يقدر الباحثين قتل نحو 1.5 مليون أرمني من قبل السلطات العثمانية) والتي تشكل نقطة خلاف محورية بين الطرفين، فبينما تعتبر أرمينيا أن ما وقع للأرمينين كونه إبادة جماعية(تعتبره كذلك العديد من الدول)ترفض تركيا هذا الموقف، وتعتبر أن عدد الوفيات كان أقل من ذلك بكثير، وتؤكد أن هذه الوفيات كانت نتيجة مرض ومجاعة ونزاع بين الأعراق خلال اضطراب الحرب العالمية الأولى …،ومن ثمة فتركيا تعمل في اتجاه جعل أرمينيا تقوم بوضع حد لعملية الاعتراف الدولي بالإبادة الجماعية للأرمن كمدخل أساسي لبناء علاقات تعاون وتبادل استراتيجي بين تركيا و أرمينيا . السبب الثاني؛ ترى تركيا أنه يجب أن تعترف أرمينيا بالحدود التركية الأرمينية، وتتنازل عن أي مطالب إقليمية، وذلك وفقا لما أنشأته معاهدة "قارص" والتي وقعت عام 1921، و التي أسست الحدود المعاصرة بين تركيا ودول جنوب القوقاز. السبب الثالث؛ تركيا في محاولات حثيثة لاستعادة "أمجاد الدولة العثمانية"،فإحساس تركيا كونها أضحت قوة إقليمية مؤثرة فيما يجري من الأحداث حولها، إحساس زاد في السنوات الأخيرة،خاصة مع تمكن أردوغان من إحباط المحاولة الانقلابية عليه، و"تجميده" لمطالب الاكراد، وتدخله في العديد من النزاعات الاقليمية(سوريا،ليبيا،العراق..)،حيث كانت وجهة نظر التركية حاضرة في صياغة وخلق موازين قوى خاصة بتلك النزاعات. لذلك ترى تركيا نفسها معنية بشكل كبير بما يحدث في القوقاز، وتعتبرها منطقة تتمركز في مجال يحتوي مصالحها،خاصة وأنها تشترك مع دولها العديد من الأمور.. وبالخصوص مع أذربيجان الحليف الرئيسي لتركيا في المنطقة، ومن ثمة فصراع المواقع والتقاطبات في المنطقة تقرِّب أكثر تركيا وأذربيجان في مقابل التقارب الروسي الأرميني الإيراني. هذه الأسباب والمعطيات تتحكم،دون شك، في إنتاج السياسية الخاريجية التركية اتجاه النزاع الدائر في ناكورني كراباخ، وكذا تعاملها مع المشاكل والتوترات التي تقع في منطقة القوقاز بشكل عام. إيران "لاعب" حذر يحكم تحركاته معطى الأقلية الأذرية في شماله والحسابات الجيواسراتيجية الأمريكية في المنطقة..! بالرغم أن إيران لم تبرز بشكل كبير في سياق النزاع الأرميني الأذريبجاني، فهي في واقع الأمر غير بعيدة عن الاحداث التي تجري في المنطقة، وهو ما يتأكد من خلال المعطيين التاليين: الأول: إيران بحكم موقعها الجغرافي المتاخم لجبهة التوتر، من الطبيعي ومن المؤكد أن تصل إليها ارتداداته وتداعياته لكون أن هناك تقاطعات ثقافية ودينية وتاريخية واقتصادية واستراتيجية.. لإيران مع دول المنطقة. فعند النظر إلى قضية كارباخ يظهر فيها وبشكل محوري دور كل من روسيا وتركيا، كقوى تدعم كل منها طرف على حساب آخر، كما أنّ إيران أيضاً تشكل الطرف الإقليمي الآخر في معادلة الصراع الدائر في ناغورني، بحيث أنها(يران)فهي تُعتبر معنية بشكل مباشر بالتطورات التي تقع بهذه المنطقة. الثاني: إيران تعيش حالة توتر دائم مع الولايات المتحدةالأمريكية، ومن ثمة فهذه الأخيرة دائما ما تعمل ضد المصالح الايرانية في المنطقة، وتحاول جاهدة فرملة أي تمدد لطهران فيها، ومن ثمة عمّقت(الولايات.م.أ) علاقاتها أكثر مع اذريبجان عبر الاستثمار الكبير في مجال الطاقة، وكذا عن طريق التدخل بشتى الوسائل للتغلل في القوقاز بغرض التصدي للنفوذ الايراني..من خلال توجيه السياسة الاذرية في ما لايخدم المصالح الايرانية(ثني المسؤولين الاذربيجانيين عن تنفيذ مشروع مد خط أنابيب نفط باكو- جيهان عبر الاراضي الايرانية وقد ذهبت هذه الانابيت نحو جورجيا..)، فقد وصل الأمر إلى درجة أنه عندما طرح الامريكيون فكرة الهجوم العسكري على إيران سُمعت في اذربيجان بعض الأصوات التي كانت تدعو لضم "اذربيجانالايرانية" بعد الضربة الامريكية. بناء عليه، فبالرغم من أن إيران تحاول أن تُظهر نفسها كوسيط "محايد" في صراع كرباخ والمشاكل المتفرعة عنه، فالواقع يقول عكس ذلك، فإيران تصطف إلى جانب أرمينيا وتبدو في موقع الحليف لها. إن دوافع بناء علاقات ‘استراتيجية' بين إيرانوأرمينيا لا تتمثل فقط في تلك التوترات المستمرة بين طهران وباكو، بل أيضا تتمثل في الحاجة الاستراتيجية الملحة لأرمينيا إلى مثل هذه العلاقات، لكونها(أرمينيا) تتمركز جغرافياً بين تركيا وإيران، إذ إنّ أرمينيا المغلقة حدودها مع أذربيجان وتركيا، يبقى لديها منفذان للتواصل مع العالم الخارجي، هما حدودها مع جورجياوإيران. فأرمينيا أمام هذا الوضع تواجه مايشبه انسداداً في طرق التجارة من جانب أذربيجان وتركيا، وهي معنية بتأمين ممر آمن وموثوق لاقتصادها،كما يتبين أن إيران بدورها في حاجة إلى أرمينيا لتوفير معبر بديل للنقل إلى روسيا وأوروبا، كما أن الرهان أيضا لدى إيران خلق مشاكل لأذربيجان حتى لا تتقوى مطامحها في المنطقة في الاتجاه الذي يصل إلى خلق قلاقل داخل إيران عبر الأقلية الأذرية هناك. فهذا قد يعمل على تعزيز النزعة القومية لدى الأذريين في إيران على حساب الهوية الوطنية، وهو ما يثير مخاوف السلطات الإيرانية ويجعلها في إطار موقف حذر ومحسوب اتجاه أطراف النزاع. هذه المعطيات تؤكد أن أي تطور وتافقم في نزاع كارباخ سوف تكون له انعكاسات خطيرة على الأمن القومي الإيراني، وهذا ما جعل إيران- رغم تقاربها تاريخيا مع أرمينيا-تدعو في موقف لافت(مؤخرا)إلى وقف المعارك بالمنطقة واحترام وحدة أراضي أذريبجان. الأممالمتحدة: عجز بيِّن ولا تدخل صارم في الأفق لايمكن مقاربة النزاع الدائر في كارباخ بشكل خاص، وما يتفرع عنه من توترات بين أذربيجانوأرمينيا ومنطقة جنوب القوقاز بشكل عام، دون الوقوف عند دور الأممالمتحدة في هذا الصراع. مجلس الأمن الدولي أصدر العديد من القرارات تخص هذا الملف؛ ولاسيما القرارات 822 (1993) و 853 (1993) و 874 (1993) و 884 (1993)،وهي قرارات تتمحور بنودها، بشكل عام، في ما يلي: – الإعراب عن قلقه الشديد إزاء ما يحمله استمرار النزاع في منطقة ناكورني كرباخ وما حولها..من تهديد للسلم والأمن في المنطقة. -التأكيد على سيادة وسلامة أراضي أذريبجان وجميع الدول في المنطقة. -التأكيد على حرمة الحدود الدولية، وعدم جواز اكتساب الأراضي عن طريق استخدام القوة. -إدانة الأعمال العدائية المتبادلة بين أطراف النزاع،وكذا إدانة الاستيلاء على العديد من المناطق في أذربيجان، مع المطالبة بانسحاب كامل من هذه المناطق من قبل الأرمن. – عدم إعاقة جهود الإغاثة الإنسانية الدولية – حث المجلس الأطراف المعنية على استئناف وإجرائها المفاوضات الرامية إلى إنهاء النزاع في إطار عملية السلم التي اقترحتها مجموعة "مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. – طلب المجلس إلى حكومة أرمينيا أن تمارس نفوذها لتحقيق امتثال أرمن منطقة ناغورني كاراباخ في أذربيجان بموجب القرار 822، والمقترحات المقدمة من مجموعة "مينسك". – دعوة الدول إلى الإمتناع عن تقديم أي أسلحة أو ذخائر قد تؤدي إلى اشتداد حدة الصراع. من خلال استقراء مضمون قرارات مجلس الأمن يمكن تسجيل أربعة ملاحظات أساسية: الملاحظة الأولى: أنها قرارات أصدرها مجلس الأمن منذ تسعينيات القرن العشرين ولم يتم تفعيلها، إلى يومنا هذا،خاصة تلك البنوذ التي تتعلق بضرورة الانسحاب من الأراضي المحتلة من طرف الأرمن(انظر القرار822)، وعدم استعمال القوة في اكتساب الأراضي. الملاحظة الثانية: عدم تحديد وبدقة، واستينادا إلى القانون الدولي، الوضع القانوني لمنطقة ناغورني كارباخ التي تعتبر نفسها "دولة مستقلة" بينما تعتبرها اذربيجان جزء من أراضيها. الثالثة: الخرق المتكرر لقرارات مجلس الأمن، خاصة تلك التي تنص على "عدم جواز استعمال القوة في اكتساب الأراضي"، التي برزت بشكل كبير خلال المواجهات التي اندلعت مؤخرا خاصة من طرف اذربيجان التي تحاول "استعادة أراضيها المحتلة".. الملاخظة الرابعة: "تكليف" الأممالمتحدة لمجموعة "مينسك"،من أجل رعاية المفاوضات والتوصل إلى اتفاق سلام في المنطقة. انطلقا من هاته الملاحظات تبرز لنا ثلاثة حقائق متداخلة: الأولى؛ تتمثل في فشل الأممالمتحدة في تدبيرها لصراع معقد وخطير، فعمليا تم نقل مهام مجلس الأمن إلى "مجموعة منسيك"،منذ بداية هذه الأخيرة لوساطتها في هذا النزاع سنة 1992، إلى حدود اليوم، مما يعني أن الأممالمتحدة عمليا رفعت يدها عن هذه القضية، وهذا لا يعني سوى تخليها عن مسؤوليتها في معالجة هذا النزاع(في سنة 1992، عقدت لجنة كبار المسؤولين اجتماعا إضافيا لمؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في هلسنكي، وقرر المجلس عقد مؤتمر في مينسك، يكون بمثابة إطار دائم للمفاوضات من أجل إيجاد "حل سلمي في أقرب وقت ممكن للنزاع"، وفقا لبنود مؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا). الحقيقة الثانية؛ تتمثل في فشل "مجموعة منسيك" في إيجاد حل للنزاع، رغم توصل الأطراف المتنازعة إلى اتفاق لوقف النار سنة1994.،بحيث أن جوهر المشكل(إحتلال اراضي اذربيجانية، وقضية ناغورني كارباخ..) بقي مجمدا مع اندلاع مناوشات من حين لآخر. الحقيقة الثالثة؛ وجود وتحقق أوضاع، أسفرت عنها المواجهات العسكرية المسلحة، تدخل حسب القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة في نطاق تهديد السلم والأمن الدوليين، كما أكدت العديد من التقارير أن هناك استهداف للمدنيين والمنشآت المدنية في خرق سافر للقانون الدولي الانساني. هذه المعطيات(الحقيقة الثالثة)تستدعي في واقع الأمر تدخل مجلس الأمن الدولي، حسب ما تنص عليه مقتضيات الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، باعتباره المسؤول الرئيسي عن حفظ السلم والأمن الدولي، والعمل بما يجب القيام به قبل أن يستفحل الأمر في جنوب القوقاز. مجلس الأمن الدولي اجتمع بشكل طارئ(29سبتمبر 2020) بعد اندلاع المواجهات بين الأطراف المتصارعة، وأصدر بيانا "أدان فيه بشدة استخدام القوة.." وأضاف أنه"يدعو الجانبين لوقف القتال على الفور، وتهدئة التوتّرات والعودة بدون تأخير إلى مفاوضات بنّاءة". لكن بالرغم من اللهجة الشديدة، التي جاءت في لغة بيان مجلس الأمن الدولي، اتجاه أطراف النزاع، فإن المعطيات السياسية والميدانية والعسكرية القائمة لا تعكس فعلا أن الأمور ستعود لهذا الجهاز(مجلس الأمن)،لكي يتخذ الاجراءات الضرورية والمناسبة لمنع تفاقم النزاع الأذريبجاني الأرميني إلى مستوايات أكثر خطورة والتي تنذر فعلا بحرب مدمرة في المنطقة. لذلك فبيان مجلس الأمن يبقى، في جزء منه، مجرد خطاب لا معنى له، خاصة في ظل استمرار المواجهات العسكرية، فيبدو أن مجموعة "مينسك" استأثرت "بالتكفل" بهذا النزاع وأخرجته عمليا من دائرة تأثير و"حل" الأممالمتحدة، و هذا مايَظهر فعلا من بيان مجلس الأمن نفسه(البيان الذي أقرّه المجلس اقترحه الرؤساء المشاركون الثلاثة لمجموعة "مينسك"، ممّا سهّل اعتماده)،حيث جاء فيه؛ "أعرب أعضاء مجلس الأمن عن دعمهم الكامل للدور المركزي للرؤساء المشاركين لمجموعة مينسك ..وحثّوا الجانبين على العمل الوثيق معهم من أجل استئناف الحوار بصورة عاجلة وبدون شروط مسبقة". بناء على ذلك، فمجلس الأمن سيبقى رهينة في أيدي مجموعة "منسيك" ولا يسطيع فعل أي شئ في هذا النزاع دون ما تقرره روسياوفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية، وذلك لاعتبارين أساسين؛ أولا لكونها أعضاء يتمتعون بحق الفيتو داخل مجلس الأمن، ومن ثمة لايمكن أن يخرج منه قرار دون أن يحصل توافق بينهم، وثانيا تعقُّد وتشابك وتناقض المصالح بين هذه القوى إزاء منطقة النزاع سيعقِّد، دون شك، توحيد التصور وبالتالي الحل. وعلية فمجموعة "مينسك" رغم فشلها في إدارة هذا النزاع، ورغم الغموض الذي يكتنف دورها في هذا الموضوع منذ 1994،رغم ذلك لايمكن لمجلس الأمن أن يسحب هذا الملف منها، ولن يقدر على ذلك، كما أن الدول الثلاثة(روسيا،فرنسا،الولايات.م.أ) وإن "أظهرت" أنها تبحث عن الحل في إطار جماعي(منسيك)،فإنها عمليا وبشكل انفرادي تبدو غير مستعدة للتخلي عن مكاسبها في المنطقة، وغير مستعدة أيضا للبقاء خارج موازين القوى الاقليمية والدولية التي سيفر عنها هذا النزاع، فيبدو أن مجموعة "مينسك" ليست لها الارادة الحقيقية لايقاف ما يجري عبر اقتراحات جدية لإيجاد حلول واقعية،وهذا ما سيجعل هذا الصراع مرشح أن يعرف تطورات خطيرة بما يشكل تهديدا حقيقيا على السلم والأمن الدولي. بناء على ما سبق، فالصراع القائم بين أذربيجانوأرمينيا قد يفضي إلى السيناريوهات التالية: السيناريو الأول: استمرار المعارك لفترة معينة، دون أن يتحقق انتصار بيِّن وحاسم لهذا الطرف أو ذاك، ثم تعود الأمور لما كانت عليه قبل اندلاع المواجهات الحالية، فهذا السيناريو وارد الحدوث في ظل عدم انخراط القوى الاقليمية عسكريا بشكل صريح ومباشرة في النزاع، و"عدم رغبتها في تفاقمه"، نظرا لوجود مصالح كبيرة لها(القوى) في المنطقة، والتي ستتضرر إذا ما استمرت المواجاهات العسكرية وتطورت أكثر مما هو قائم في الوقت الراهن. السيناريو الثاني: انتصار نسبي لأذربيجان، والرجوع إلى واقع ما قبل بداية حرب تسعينيات ق.20. قد نزعم القول أن هناك تفوقا استراتيجيا وعسكريا لأذربيجان، وهذا قد يمكنها بعد فترة من المعارك من تغيير الواقع على الأرض لصالحها، ومن ثمة إجبار أرمينيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والرضوخ لما تبتغيه باكو. فالتحالفات الاقليمية التي تقدَّم في إطارها المساندة والدعم، لهذا الطرف أو ذاك لا تعني وجود توازن على أرض المعركة، فإلى حدود اليوم تشير التقارير إلى تحقق تقدم نسبي للقوات الأذرية، وهذا قد يسعفها على استعادة المناطق "المحتلة" من طرف أرمينيا، ومن ثمة ووفقا لهذا السيناريو،(حسب العديد من المحللين)،فأذريبجان سوف تُحاصر ناكورني كارباخ، مما يعني أنها ستكرس واقع "جديد" في المنطقة(واقع ماقبل اندلاع المواجهات في بداية تسعينات. ق 20 أي قبل "احتلال" أرمينيا لجزء مهم من الأراضي الأذربيجانية)، وهذا المدخل سيمهد الطريق للدخول في مفاوضات ستقبل بها أذريبجان وستفرض على الدولة الأرمينية. لكن هذا السيناريو رهين بموقف روسيا- التي تحاول أن تٌظهر في الوقت الراهن على أنها على مسافة واحدة من الدولتين- وهي التي أكدت فيما سبق أن المواجهات تجري خارج الأراضي الأرمينية، ومع ذلك،فروسيا المرتبطة باتفاقية دفاع عسكري مشترك مع أرمينيا ؛ تعرف أن هناك التزامات ينبغي احترامها إذا ما قررت القوات الأذرية استهداف الأراضي الأرمينية. السيناريو الثالث: الحرب الشاملة النزاع الدائر في جنوب القوقاز ليس محصورا بين أرمينياوأذربيجان و"سلطة أمر الواقع" في كارباخ، بل هو نزاع يمتد في الحقيقة إلى جهات متعددة، تتدخل فيه بحسب ما تفرضه مصالحها، وكذا موازين القوى الدولية والاقليمية. فبالاضافة إلى أن مركز النزاع "ناكورني كارباخ" نقطة وسطية، وبجاورها محطة عالمية لنقل الغاز والنفط من غرب آسيا وشرق أروبا، والتي تعتبر روسيا من أكبر منتجيها في العالم، هناك أيضا طموحات إقليمية ودولية في القوقاز، في أذربيجان وفي بحر قزوين، فالقوى التي لها هذا الطموح في المنطقة لن تتخلى عنه بسهولة، ولن تتنازل عنه بدون مقابل. فلابد من التأكيد أنه في هذا النزاع اختلط التنافس الاقتصادي مع العرق والدين والصراع عن النفط والغاز، والصراع على الأرض في توليفة شاذة وعجيبة، لذلك فرغم مواقف "الحياد" التي تحاول أن تُظهرها القوى ذات الارتباط، المباشر وغير المباشر، بهذا النزاع فإنه في الواقع هناك اصطفاف لهذا الطرف أو ذاك، بحيث تمخض عنه تشَكَّل ما يفيد بوجود "قطبين" متنافسين الأول داعم لأرمينيا(روسيا،فرنساإيران)،والثاني لأذربيجان تتزعمه تركيا. قد يبدو مبدئيا أن القوى الكبرى "غير متحمسة" لتطورات عسكرية في المنطقة، لكن في أية لحظة قد تتبعثر الأوراق، وتصبح كل قوة مضطرة للتدخل عسكريا للدفاع عن مصالحها بشكل مباشر، آنداك سنكون،دون شك، أمام حرب شاملة ومدمرة. فإذا كانت تركيا لا تخفي دعمها لأذربيجان، وهذا ساهم في إظهار "باكو" في موقف "المنتصر" في المعارك الدائرة، فلا يمكن،من جانب آخر أن نتصور أن روسيا سوف تبقى في موقع المتفرج، خاصة، إذا ما تم قصف عمق الدولة الأرمينية، فبالاضافة إلى أن هناك التزامات تربطهما(أرمينيا،روسيا) في إطار اتفاقيات الدفاع المشترك، فإن روسيا لن تسمح بتغيير يطرأ في مجالها الحيوي دون أن تتدخل(لكون ذلك سيضعف نفودها في منطقة القوقاز، وسيؤثر على مكانتها كقوة على الصعيد الدولي). فروسيا يُفترض فيها (إلى جانب ما تقوم به من"وساطة" في إطار مينسيك)أن تسلك سبيل الضغط على أرمينيا لسحب قواتها من المناطق التي "احتلتها"، والمساهمة في إعادة ترتيب وضع إقليم كارباخ، لكونها(روسيا) قد ترى في هذا النزاع أمر لاتستفيد منه الكثير(لكن إذا ما تصرفت روسيا على هذا المنوال فهذا يعني الانتصار لموقف تركيا واذربيجان والتخلي عن حليفٍ تقليدي/أرمينيا)،أوقد تسلك طريق رسم خارطة طريق ل"حل" هذا النزاع وفقا لتصورها الخاص(وهو ما تجلت معالمه في اتفاق جرت رعايته في10اكتوبر 2020 من طرف روسيا، لكنه واضح أنه لم يصمد(اتفاق) أمام عودة المواجهات العسكرية بين الجانبين، أو قد تلجأ روسيا إلى مسلك "متطرف" وخطير وهو ذاك المتمثل في الانخراط العسكري الصريح، للمساهمة في حسم المعركة ميدانيا،وهذا سيفضي،دون شك، إلى اتساع رقعة المواجهات وتحولها إلى حرب شاملة وعالية الكثافة. *أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق أكدال بالرباط