رغم أن هناك شبه إجماع لدى المحللين والخبراء على ان الولاياتالمتحدة في طريقها إلى خسارة الحرب في كل من العراق وأفغانستان مما سيخلق في النهاية وضعا أسوأ لها من الذي حاولت تبديله، إلا أن تمكنها من اسقاط نظامي حزب البعث في بغداد وطالبان في كابل، خلق اختلالا وفراغا سياسيا وعسكريا وأمنيا تحاول بعض دول المنطقة غير العربية ملأه واستغلال تطلعات الولاياتالمتحدة المستمرة - رغم نكساتها - لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير، من أجل تحقيق مكاسب إقليمية وإقامة تحالفات جديدة أو التوصل إلى تفاهمات مع واشنطن لتقاسم الغنائم. من الهند مرورا بإيران وتركيا وإسرائيل تتداخل أو تتقاطع المصالح والمخططات الإستراتيجية في منطقة فقدت توازنها. طهران شكلت حتى الآن أكبر الرابحين الإقليميين من تبدل الأوضاع على جانبي حدودها من الشرق والغرب خاصة وأنها وبإعترافها ساعدت الولاياتالمتحدة في حربيها، وهي تخوض سرا وعلنا حروبا متعددة الأشكال في بلاد الرافدين وأفغانستان على أمل النجاح في منع عودة خصومها التقليديين إلى مركز السلطة بعد رحيل القوات الأمريكية وحلفائهم. تركيا التي فقدت جزء من أهميتها الإستراتيجية لدى واشنطن سواء نتيجة إنهيار الإتحاد السوفيتي أو سقوط عاصمة الرشيد تحت الإحتلال، تتلمس طريقها خاصة وأن يقينها يتقوى بأن حلمها أن تكون جزء من الإتحاد الأوروبي لن يتحقق وأن الأوروببين يتلاعبون ويناورون لتحقيق مكاسب على حساب أنقرة، ولذلك يتحتم عليها تعديل خياراتها الإستراتيجية إذا أرادت ألا تكون مجرد طرف متعاون مع الإتحاد لتحييد تأثير المنطقة العربية على الأوضاع في المتوسط والعالم القديم. «لا تدعونا ننتظر» يوم 6 أكتوبر 2010 قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، إن على الاتحاد الأوروبي أن يعلن ما إذا كان يريد تركيا عضوا فيه، أم لا. وصرح خلال لقاء رجال اعمال في اسطنبول «إن كنتم لا تريدون تركيا في الاتحاد، فعليكم أن تقولوا ذلك»، مضيفا «لا تدعونا ننتظر». وكانت تركيا قد بدأت المفاوضات الرسمية للانضمام الى الاتحاد الاوروبي عام 2005. وتظهر استطلاعات للرأي ان مستوى تأييد الاتراك للانضمام للاتحاد الاوروبي الأن أقل من النصف نزولا من نحو 75 في المئة قبل عشر سنوات. بعد ثلاثة أيام ويوم السبت 9 أكتوبر قال اردوغان انه يتعين عدم ابطاء مساعي تركيا للانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي، وأضاف في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل «يجب عدم إبطاء العملية، وأنه يتعين على الإتحاد الاوروبي أن يحفظ وعوده وطالب ألمانيا بمساعدة بلاده في مساعيها. من جانبها قالت ميركل أن المفاوضات تجري على مسارها إلا إن النتيجة لاتزال غير واضحة. وأضافت «تجري محادثات انضمام تركيا وتتواصل العملية. نتيجة العملية لاتزال مفتوحة». وتقدمت المحادثات ببطء نظرا لرفض تركيا فتح مطاراتها وموانئها أمام حركة المرور الجوي والبحري القادمة من قبرص عضو الاتحاد الاوروبي بينما يصر الاتحاد الاوروبي على مقاطعة جيب تركي في شمال الجزيرة الواقعة في البحر المتوسط. وتعارض بعض الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي عضوية تركيا الدولة المسلمة الفقيرة نسبيا التي يبلغ عدد سكانها 72 مليونا في هذا التجمع. ويقول معارضون أوروبيون تقودهم فرنساوألمانيا ان الاختلافات الثقافية ستجعل من الصعب دمج تركيا في الاتحاد. ومنعت فرنسا المحادثات في خمسة مجالات تقول انها تعني في نهاية المطاف منح تركيا عضوية الاتحاد، وتفضل باريس وبرلين منح تركيا شراكة مميزة. وأكملت تركيا مجالا واحدا فقط وبدأت محادثات في 13 مجالا اخر من بين 35 ملفا يتعين استكمالها ليتبقى 21 مجالا اخر يجب التفاوض فيها. وتوقفت المحادثات في 18 ملفا بسبب رفض تركيا الاعتراف بقبرص العضو بالاتحاد الاوروبي. وتقول أنقرة ان الاتحاد الاوروبي في حاجة الى أن يدرك أهمية تركيا لاهداف السياسة الخارجية للاتحاد ومزايا قبول اقتصاد فتي ينمو بسرعة. وقال الرئيس التركي عبد الله غل في مقابلة مع صحيفة «سودويتشي تسايتونغ» الالمانية نشرت يوم السبت 16 أكتوبر انه ينبغي من جديد تسريع عملية مفاوضات الانضمام. وأضاف ان السبب الرئيسي لبطء العملية هو غياب الرؤية والفكر الاستراتيجي لدى السياسيين والمثقفين الاوروبيين.. عليهم التفكير على مدى 25 و 50 او 100 عام. وقال غل انهم سيرون عندئذ ان تركيا لا يمكن إلا ان تعزز الاتحاد الاوروبي ويمكنني هنا وضع لائحة مطولة بالمواضيع من امدادات الطاقة إلى الأمن لكن عندما يقتصر التفكير على القضايا اليومية تتعرقل العملية. الموقف الأمريكي وتؤيد الولاياتالمتحدة بقوة مساعي تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي للانضمام الى الاتحاد الاوروبي، ويقول محللون أن أحد دوافع واشنطن هو إبعاد أنقرة لأطول وقت ممكن عن تعديل خياراتها الإستراتيجية، مما يعطي للولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي مهلة كافية سواء لبناء تحالفات جديدة، أو العودة إلى تكوين طوق من التحالفات والتفاهمات مع كل من أيران وتركيا وإسرائيل لتأمين سيطرة الغرب على أكبر مصادر النفط في العالم. في الثلث الأول من شهر يوليو 2010 وفي مقابلة مع صحيفة «كورييرا ديلا سييرا» الإيطالية، قال الرئيس الأمريكي اوباما إن «تركيا تتمتع بأهمية استراتيجية ضخمة، ولطالما كانت تقاطعا بين الشرق والغرب. تركيا حليفة في الناتو، واقتصادها يشهد ازدهارا كبيرا»، وأضاف أن «كونها ديموقراطية تتمتع بغالبية مسلمة في الوقت نفسه، يجعل منها نموذجا مهما للدول الإسلامية الأخرى في المنطقة. لهذه الأسباب، نعتقد انه من المهم بناء علاقات قوية مع أنقرة»، موضحا «لذلك، وبالرغم من عدم كوننا أعضاء في الاتحاد الأوروبي، قد عبرنا دوما عن رأينا بأنه من الحكمة قبول انضمام تركيا إلى الاتحاد». وقال اوباما «أعي أن هذا الموضوع يثير ردات فعل قوية في اوروبا، كما انني لا اعتقد أن تباطؤ اوروبا أو ترددها في ذلك، هو السبب الوحيد او الأساسي وراء بعض التغييرات التي شهدناها مؤخرا في توجهات تركيا»، معتبرا أن «ما نراه هو مواجهة ديموقراطية داخل تركيا، لكنه يتجه بالتأكيد إلى التأثير على رؤية الشعب التركي لاوروبا. إن لم يشعروا بأنهم جزء من العائلة الأوروبية، فسيبحثون حتما عن تحالفات وانتماءات في أماكن اخرى». وكان وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس قد صرح يوم الاربعاء 9 يونيو 2010 إن بلاده تشعر بالقلق حيال انهيار في علاقات تركيا مع إسرائيل وحيال رفض اوروبي لتطلعات تركيا الاوروبية يدفع البلد المحوري للتوجه « شرقا». وأضاف غيتس «اظن بصفة شخصية أنه اذا كان من شيء وراء الشعور بأن تركيا تتحرك شرقا فذلك من وجهة نظري وفي جزء كبير منه ناتج عن أنه تم دفعها لذلك، ودفعت من البعض في اوروبا الذي لايريد ان يمنحها علاقة عضوية من نوع ما بالغرب تسعى اليها تركيا». وقال «علينا أن نفكر طويلا وبعمق في سبب «تغير السياسات في تركيا «وفي ما يمكن ان نفعله لمواجهة ذلك ولاقناع القادة في تركيا بأن إقامة علاقات أقوى مع الغرب يخدم مصلحتهم بشكل أكبر». ردا على هذه التصريحات وغيرها وصف رئيس الوزراء التركي الاتهامات الغربية التي تفيد ان تركيا تتحول عن البلدان الغربية بأنها «دعاية قذرة». وقال في منتدى تركي عربي في اسطنبول، انه عندما استثمرت فرنسا في سوريا او في بلدان عربية اخرى، لم تحصل مشاكل «لكن عندما يتعلق الامر بتركيا التي تستثمر في البلدان العربية او العكس، تحاول دعاية قذرة منع هذه العملية». وأضاف إن «الذين يقولون أن تركيا قطعت علاقاتها مع الغرب هم عملاء دعاية تحركهم نوايا سيئة». اهتمام مركز على الأمن يوم الجمعة 15 أكتوبر 2010 وقبل أيام من قمة فرنسية ألمانية روسية في بلدة دوفيل الفرنسية لبحث التعاون الأمني، ذكر معهد أبحاث إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يجري حوارا ثلاثيا بشأن الأمن مع كل من روسيا وتركيا لحل الصراعات المجمدة وتعزيز الاستقرار في جناحه الشرقي. وقال المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تقرير له أن الاتحاد ويضم 27 دولة يجب أن يتولى المزيد من المسؤوليات الامنية في منطقته لأن الولاياتالمتحدة لديها ما يكفيها في أفغانستانوإيران والصين ولم يعد تركيزها منصبا على أوروبا. وخلصت الدراسة إلى أن النظام الراهن فشل في منع نشوب حرب في كوسوفو وجورجيا وفي منع تعطيل امدادات أوروبا من الغاز او حل مجموعة من النزاعات الموروثة على أطراف الاتحاد السوفيتي السابق. وفي تقرير بعنوان «وهم النظام وشبح أوروبا متعددة الاقطاب» قال كاتبا التقرير مارك لينارد وايفان كراستيف «قمة ميركل ميدفيديف ساركوزي أمامها جدول الاعمال الصحيح لكن المشاركين الخطأ. «نحن بحاجة الى حوار أمني أوروبي غير رسمي تشارك فيه الاعمدة الامنية الاوروبية الثلاثة..تركيا وروسيا والاتحاد الاوروبي». وكتبا أن المنتدى المقترح لن يحل محل المؤسسات القائمة مثل مجلس حلف شمال الاطلسي وروسيا او منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ولن يكون بديلا عن مفاوضات انضمام تركيا لعضوية الاتحاد. لكنه سيبني الثقة المتبادلة من خلال العمل على نزع فتيل نقاط المواجهات المحتملة مثل منطقة ترانسدنيستريا في مولدوفا او الصراع القائم بين أرمينيا وأذربيجان على اقليم قرة باغ. وجاء في التقرير ان ظروف عقد هذا الحوار الثلاثي تحسنت بعد ان علق حلف شمال الاطلسي خطوات ضم جورجيا وأوكرانيا التي تعارضها روسيا بشدة وبعد ان سعت الولاياتالمتحدة الى «اعادة ضبط» علاقاتها مع موسكو وتحسنت العلاقات بين بولندا وروسيا. هواجس أنقرة إذا كانت أوروبا مهتمة بتركيا لضمان جزء من محيطها الأمني بمعناه الواسع، فإنها لا تشاطر أنقرة هواجسها الأمنية والتي تتزايد مع تبلور إدراكها أنها لن تكون جزء من أوروبا الموحدة وبالتالي لن يشكل جيرانها إلى الشمال امتدادا لعمقها الإستراتيجي، زيادة على ذلك تتابع أنقرة بقلق مسلسل الشد بين واشنطنوطهران من أجل تحديد قواعد وشكل تقاسم الكعكة في المنطقة الشرقية من الوطن العربي وتدخلات إسرائيل في العراق ومناطق أخرى مما يشكل تهديدا لأمن تركيا ووحدة أراضيها. النفوذ الإيراني المتوسع في العراق يهدد بعزل تركيا عن محيطها الجنوبي، وعندما ينضاف إلى ذلك التغلغل الإسرائيلي يصبح الأمر أكثر خطورة خاصة وأن ذلك سوف ينعكس سلبا على المستوى الأمني والسياسي وعلى دورها الإقليمي. لعل أحد الاوائل الذين تحدثوا علنا بعد سقوط عاصمة الرشيد تحت الإحتلال عن تكثف الوجود العسكري والإستخباري الإسرائيلي في المناطق الكردية الكاتب الأمريكي الشهير سيمور هيرش في مجلة نيويوركر بتاريخ 21 يونيو 2004. بعد ذلك ذكرت كثير من التقارير الاستخباراتية الغربية ومنها الفرنسية في العام 2007 عن وجود 1200 عنصر من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية منذ عام 2004 يدربون عناصر البشمركة في مدينتي أربيل والسليمانية وهذا ما كان قد اكدتة صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية أيضا بكشفها أن معسكرا للتدريب يعرف باسم المعسكر «زيد» يديره ضباط إسرائيليون أنشئ في منطقة شبه صحراوية شمال العراق. المساندة الإسرائيلية للحركة الإنفصالية الكردية اعتبرت من طرف أنقرة بمثابة حرب بالنيابة تخدم مخطط تمزيق دول المنطقة، وهذا ما صرحت به الحكومة التركية في عدة مناسبات منذ احتلال العراق. ورغم نفي كل من إسرائيل والقيادات الكردية في شمالي العراق، فإن تركيا لم تقتنع خاصة مع كشف مصادر رصدها وجود دعم إسرائيلي لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا ضد أنقرة منذ حوالي 26 عاما. كما كشف جهاز مخابرات لا يعد من خصوم تركيا أن مراد كارايلان الزعيم الميداني للتمرد حاليا، أجرى لقاءات سرية مع كل من الجنرال مئير دجان، رئيس «الموساد» (جهاز المخابرات الخارجية)، وعاموس يدلين رئيس المخابرات العسكرية عدة مرات في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة. وقد اضيف هذا التعاون إلى ما كان قد سجل سابقا من تعاون عبر أطراف ثالثة بين عدة أجهزة إستخبارات غربية مع حزب العمل الكردستاني. فمن جانب تتحمس الدول الغربية في إعلان تأييدها لتركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني بينما تقدم من وراء ظهر تركيا دعما ماديا للحركة الإنفصالية. ويقول المحلل العراقي سلام الربضي «إن حقيقة المصالح الإسرائيلية في دعم الأكراد تأتي من منطلق تشتيت القرار السياسي والأمني القومي في العراق، وتوزيع الامكانيات الاقتصادية والعسكرية على أكبر عدد ممكن من الجبهات لتبقى الجبهة الشرقية لإسرائيل أكثر أمنا. وتحاول إسرائيل من خلال التغلغل في شمال العراق سد الفراغ السياسي والأمني في حال لم تستطع الولاياتالمتحدةالأمريكية السيطرة على العراق أو فشل مشروعها فيه». ورقة ضغط ومن هذا المنطلق يجب على إسرائيل أن تبحث عن خيارات وبدائل استراتيجية لها تحسبا لأي مستجد، وهو ما تجده في كردستان شمال العراق. ومن منظور إستراتيجي أمني وسياسي، فإن التواجد الإسرائيلي في شمال العراق يعتبر بمثابة ورقة ضغط على كل من سوريا وتركيا وإيران، وخاصة على المستوى العسكري والأمني حيث أصبحت عملية التجسس الإسرائيلية من خلال الأجهزة المتطورة أكثر خطورة على تلك الدول أو من خلال ما يمكن القيام به على صعيد اللّعب بالورقة الكردية سياسيا. وتنامي الدور الإسرائيلي عبر البوابة الكردية، والدور الإيراني عبر البوابة الشيعية، يعني أن اسرائيل وإيران هما اللاعبان الأساسيان في العراق بعد الولاياتالمتحدة وأن تركيا يمكن أن تتحول إلى طرف مستهدف. والتاريخ يذكرنا أنه في نهاية الحرب العالمية الأولى كان هدف الحلفاء الأوروبيين ومعهم الأمريكان المنتصرين على المانيا القيصرية وحليفتها الإمبراطورية العثمانية، تقسيم تركيا إلى عدة دول لكل من الأكراد والأرمن جزء ولليونان الطرف الأوروبي من تركيا. كما يتذكر أصحاب القرار في أنقرة أنه عندما قررت الولاياتالمتحدة حظر الطيران العراقي على المنطقة الكردية حذر الجيش التركي من أن في ذلك تدعيم لحزب العمال الكردستاني الذي لم يكن له وجود في شمال العراق إلا بعد حرب الخليج الثانية سنة 1991. وزاد الوضع خطورة بالنسبة لتركيا بعد ان حولت واشنطن مناطق شمال العراق إلى اقليم خارج سلطة بغداد، وذلك في نطاق مخطط يهدف إلى تقسيم البوابة الشرقية للأمة العربية إلى ثلاث دويلات. وردت أنقرة جزئيا على التحرك الأمريكي برفضها سنة 2003 مرور القوات الأمريكية عبر أراضيها لاحتلال العراق. ومنذ ذلك الحين تتبادل واشنطنوأنقرة اللكمات غير المباشرة وكانت آخرها المناورات العسكرية الجوية المشتركة بين تركيا والصين بين 20 سبتمبر و 4 أكتوبر 2010، التي حاولت إدارة أوباما منعها دون جدوى. وقبلها في 4 أبريل 2010 عقدت الحملة العالمية لمقاومة العدوان في مدينة إسطنبول التركية مؤتمرا لدعم المقاومة العراقية، تحت شعار «قاوم حتى التحرير»، بهدف تسليط الضوء على أن الاحتلال الأمريكي للعراق ما زال قائما، وأن المقاومة ما زالت حية ونشطة رغم التعتيم والحصار. سياسة «صفر أعداء» في الثلث الأخير من شهر أكتوبر 2010 وفي نطاق النقاشات الدائرة سواء في تل أبيب أو واشنطن عن خيارات تركيا، أشارت صحيفة «هآرتس» إلى التحولات التي تجري في تركيا وآثارها على نظرية الأمن القومي التركية. ورغم أنه سبق وأعلن أن القيادة التركية تتطلع إلى تكريس سياسة «صفر أعداء» في جوارها، التي رسمها وزير الخارجية داوود أوغلو، فإن الترجمة العملية لذلك في المؤسسة العسكرية لم تتحقق بعد. وحاليا تجري في مجلس الأمن القومي التركي مداولات لإعادة توصيف الأخطار التي تتعرض لها تركيا. واعتبر مراسل الشؤون العربية في «هآرتس» تسفي بارئيل أن من يبحث عن براهين إضافية على التحولات في تركيا، يمكنه أن يجدها في مداولات مجلس الأمن القومي التركي، فهذه هي المرة الأولى منذ الحرب الباردة في الخمسينيات، تدرس تركيا تقليص قائمة دول المخاطر. حول مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية يقول الباحث في الشؤون الدولية سلام الربضي : «نتيجة الوقائع المستجدة منذ احتلال العراق والتطور الملحوظ في مقاربة تركيا لمصالحها الإستراتيجية يبقى التساؤل: كيف ينعكس ذلك التطور على العلاقات التركية الإسرائيلية ؟. فهل ستزداد وتيرة التوتر في العلاقة بين البلدين وصولا إلى الانحدار الحاد ومن ثم القطيعة ؟ السياسة التركية الجديدة تعمل على كسب المزيد من الأصدقاء ولا ترغب أن يكون لها أعداء جدد أو أن تبني علاقاتها الجديدة على أنقاض بعض الأصدقاء الآخرين وخاصة إسرائيل، لأن ثمن ذلك قد يكون باهظا على عدة مستويات ومجالات، وبالرغم من ردود الفعل التركية المتعددة إزاء الممارسات والمواقف الإسرائيلية المختلفة ومواقف الرأي العام لدى كلا الطرفين وخاصة بعد أزمة قافلة الحرية، فإن الحكومتان ما زالتا تحافظان على علاقتهما الاقتصادية والعسكرية إلى حد ما في جميع المجالات، إذ لم تقم تركيا مثلاً بإلغاء أو تجميد عقود التسليح أو الدفاع أو التجارة مع إسرائيل بشكل نهائي، وهو أيضا حال العلاقات الدبلوماسية بينهما. لا يبدو أن لكلا الطرفين مصلحة في تعميق الخلافات القائمة بينهما أو تطوير مداها ومضمونها بغض النظر عن حجم الضرر أو استفادة هذا الطرف أو ذاك، بل إن أمر العلاقات التركية الإسرائيلية ومستقبلها على ما يبدو قد يتجاوز مصلحة الطرفين، إذ إن توتر العلاقة أو القطيعة بينهما قد يلحق الضرر بكثير من الأطراف الدولية والإقليمية ومنها العربية، وبالتحديد سوريا، فإذا رغبت تركيا الدخول على خط مفاوضات السلام الإسرائيلية العربية ينبغي أن تكون لديها علاقات جيدة مع تل أبيب. تركيا على يقين أن أمريكا لن تستطيع في المستقبل أن تستمر مستفردة بالقرارات، لذلك اتجهت لاعتماد إستراتيجية خاصة بها في المنطقة لا يكون فيها ارتباط عضوي كلي مع الولاياتالمتحدة، ولا يكون فيها أيضا مواجهة أو عداء لأمريكا حتى في إطار علاقتها مع إسرائيل. ويعي أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركية، وهو المنظر الاستراتيجي التركي أهمية تركيا الاستراتيجية لواشنطن. حيث يحاول الربط بين مصالح تركيا الوطنية وتحقيق المصالح الأمريكية في قوس جغرافي كبير، ممتد من آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط وحتى شرق المتوسط. ويسند دائما سياسات تركيا الخارجية إلى تناغمها مع المصالح الأمريكية، إذ إن تحقيق تركيا لمصالحها في جوارها الجغرافي يعني تحقيق الولاياتالمتحدة لمصالحها. جدير بالذكر أن هناك 60 معاهدة سارية المفعول للتعاون المشترك بين تركيا واسرائيل في قضايا الأمن والتسلح والتعاون الإستخباري. الفزاعة الخبير المتخصص في شئون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية ستيفن أ . كوك قال في مقابلة أجراها معه «برنارد جويرتزمان، المحرر الاستشاري بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي «حاولت إسرائيل استخدام تحالفها مع تركيا كفزاعة في مواجهة الدول العربية وخاصة سوريا والعراق التي لطالما كانت علاقاتهما متوترة مع تركيا». حاليا تمت إزاحة العراق من التأثير على أحداث المنطقة بينما أصبحت دمشق إلى حد ما رهينة في اللعبة السياسية الإيرانية التي تستهدف تقاسم مناطق النفوذ مع الولاياتالمتحدة على أساس حصة كبيرة وليس فتات الخبز الذي تعرضه واشنطن. تركيا لم تقطع خط الرجعة على ترميم خلافاتها مع تل أبيب كما شهدت على ذلك الزيارة التي قام بها إلى تركيا يوم الأحد 17 يناير 2010 وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ويقول «ستيفن أ . كوك» «بكل المقاييس كانت الزيارة باراك على ما يرام وتركت صورة إيجابية فقد أكد وزير الدفاع التركي وجدي غونول على العلاقة الاستراتيجية التي تجمع تركيا وإسرائيل كما التقى باراك بوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في اجتماع استغرق نحو ثلاث ساعات ونصف وأبدى الطرفان رغبتهم في تجاوز الخلافات بينهما وأُعلن عن قرب حصول تركيا على صفقة طائرات إسرائيلية بدون طيار. بعد ذلك ويوم الأربعاء 30 يونيو 2010 اجتمع وزير الخارجية التركي سرا في بروكسل مع وزير التجارة الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر. وعندما كشف الاعلام اللقاء قال الوزير التركي أن الاجتماع تم بمبادرة إسرائيلية وأضاف أوغلو أمام البرلمان في أنقرة، إن «بن اليعازر حضر كموفد خاص من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وطلب عقد هذا اللقاء، موضحا أنه يحمل رسالة من نتانياهو». وقالت قناة «أن تي في» التركية إن المسؤولين اتفقا على مواصلة هذه المباحثات في مكان وزمان لم يكشفا عنهما. معادلة التقاسم يقدر محللون ألمان أن أنقرة مستاءة من توجهات الولاياتالمتحدة النهائية والمرجحة لتسوية التنافس والصراع على النفوذ وتقاسم الغنائم في منطقة الخليج العربي مع طهران مستبعدة أي دور تركي هام. ويشير هؤلاء أن الخطوط الأساسية لمعادلة التسوية انعكست في تقرير عن معهد «بلفير» التابع لجامعة هارفرد الامريكية الذي يساهم مع غيره من مؤسسات الدراسات والابحاث الأمريكية في تقديم الخيارات لصانعي القرار في البيت الأبيض. التقرير قدم كأرضية رأى الأستاذ في جامعة «أزاد» الايرانية كايهان بارزيغار عن أن الترتيبات السياسية الأمنية المبنية على مبدأ «توازن القوى» لا يمكن أن تحفظ الأمن والاستقرار في الخليج، وخصوصا منذ سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين. «وبما أن ترتيب «توازن القوى» يقوم على مبدأي «لا غالب ولا مغلوب» وصعود «لاعبين منافسين»، وغالبا ما يؤدي إلى نزاعات وأزمات، اقترح بارزيغار ترتيبا يقوم على مبدأ «توازن الأمن»، يتم التوصل إليه بين اللاعبين الأساسيين في المنطقة، لكونه يقوم على أساس «الربح المتبادل»، وهو ترتيب ينجم عنه الاستقرار والسلام والتنافس البناء». ولأن إيرانوالولاياتالمتحدة هما اللاعبان الوحيدان القادران على شن عمليات عسكرية في المنطقة، وبناء تحالفات سياسية أمنية، فإن التوازن الجديد يجب أن يتم بينهما، بحسب ما قال الباحث. ويضيف التقرير أن الخطوات التي تقوم بها واشنطن والتي تعتبرها معززة للأمن الجماعي في المنطقة، تراها طهران مخلة بهذا الأمن. غير أنه، في حال قبلت واشنطن بالدور الإيراني في التركيبة الأمنية الإقليمية الجديدة، قد تستطيع واشنطنوطهران تأسيس توافق من شأنه أن يرضي مصالح المعنيين جميعا على اختلافها، إن كانوا من الإقليميين او الدوليين. خلال عقود ماضية، مثل العراق جبهة صلبة وندا دائما في وجه إيران. غير أن الأدوار تبدلت بعد غزوه في العام 2003. ويضيف التقرير الأمريكي عندما تتوازن التهديدات المتبادلة الحالية بين إيرانوالولاياتالمتحدة في الخليج، سيبدأ التأسيس لأمن ذاتي مستدام وسلام سياسي طويل الأمد، بالارتكاز على المصالح المشتركة. ومن خلال توتير الأجواء الأمنية العامة للاعبين الإقليميين والدوليين، سيسيطر منطق توازن المصالح على مسائل أمن الطاقة، والأمن الجماعي، والاعتماد الاقتصادي المتبادل للدول المعنية، الإقليمية والدولية، ويسلط الاهتمام على المصالح المشتركة ونقاط الالتقاء. كما على التطورات الأمنية الجديدة الارتكاز على مقاربات حديثة وتقويم أكثر تناسبا لطبيعة التهديد ومصادره، واعتراف عادل بأدوار اللاعبين الكبار. وأخيرا يقول التقرير، لا يمكن بناء نظام إقليمي ملائم واستقرار أمني دائم من غير البناء لمرحلة اعتماد اقتصادي وأمني سياسي متبادل بين دول الخليج. فالتأسيس لعلاقة استراتيجية بين اقتصادات المنطقة، أي أسواق مشتركة لتشجيع التجارة، وإمدادات النفط، واستخدام المرافئ في مشاريع مشتركة، وتطوير نظام مصرفي إقليمي، وتشجيع السياحة والتجارة، وإنشاء خطوط نقل جوية وبحرية مشتركة، وما إلى ذلك، من شأنه أن يؤسس لاعتماد متبادل سيعود بنتائج مبهرة للجميع، ستجعل هذه السياسات الدول المعنية مسؤولة للحفاظ على الاستقرار ضمن نظام أمن جماعي بناء». النهوض الذين يتصارعون لملئ الفراغ يتجاهلون أن الحرب لم تنته لا في العراق ولا في أفغانستان وأن الهزيمة القادمة للإمبراطورية الجديدة ستستبدل الفراغ بقوة عاتية تفرض على كل المعتدين دفع الحساب كما أثبتت تجارب التاريخ دوما على مدى 60 قرنا. ومع ذلك وبكل بساطة حاولوا ويحاولون ان ينكروا على شعب تمتد حضارته على مدى 60 قرنا من تاريخ الإنسانية المعروف، بطولته ونجاحه بمقاومته في وقف مسار مخطط الشرق الأوسط الكبير وما كان يتضمنه من مشاريع تقسيم الأقطار العربية إلى 54 كيانا. مقاومة تضع اللمسات الأخيرة على مراسيم دفن الإمبراطورية الكونية الأميركية. كتب الزميل علي الصراف: لو كانت بغداد تقدر أن تسقط لكانت قد سقطت على يد هولاكو فلا تنهض مجددا. ولكنها نهضت. ومن كل مجزرة تالية، ظلت تنهض ولتنحر الغزاة الذين نحروها. وقد فعلتها بغداد، في تاريخها، 12 مرة. ومرة تلو الأخرى كانت المجازر هي السلاح الذي يستخدمه الغزاة. وما أخطأوا هذه المرة. فقد حاولوا قتلها بأكوام الجثث، وبفرق الموت، والتهجير، وحواجز الكونكريت، وبمزيج من مليشيات وجنود ومرتزقة من كل جنس. ولكن شاهد التاريخ يشهد انها تقاوم اليوم أفضل مما فعلت في كل مرة. وتتباهى بفرسان حريتها أكثر من كل مرة. وتدحر رعاع العصر أسرع من كل مرة. وهي تدفع غزاتها إلى دَرك لم يروا له قاعا بعد. لو لم تكن بغداد بغدادَ لما كان لها من صمود أهلها ما كان. ولكنها من خلال الرماد والموت، كالعنقاء تنهض. وتاريخها هو الذي يصنع العبوة الناسفة.