تكتسي زيارة العمل الرسمية التي يقوم بها الرئيس فرانسوا هولاند إلى المغرب في نهاية الأسبوع الجاري، بدعوة من الملك محمد السادس، أكثر من دلالة، كونها تمثل من جهة، تطبيعا رسميا للعلاقات بين باريس والربط بعد حالة الجمود والتوتر الدبلوماسي التي سادت هذه العلاقات طيلة سنة 2014، وتعطي من جهة أخرى، انطلاقة جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين البلدين وفق رؤية استراتيجية جديدة. وطبقا لما أعلنته المصادر الرسمية، سواء في قصر الإليزيه أو الديوان الملكي، فإن محادثات الرئيس هولاند، الذي سيصل إلى طنجة يوم السبت القادم، مع الملك محمد السادس، ستتناول جملة من الملفات الساخنة، منها ما هو مرتبط بالعلاقات الثنائية كالتنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي والأمني، ومنها ماهو ذو طابع إقليمي-دولي، مثل مواجهة الإرهاب والتشاور حول الأزمات التي تعرفها مناطق الشرق الأوسط والمغرب العربي ودول الساحل. كل المؤشرات تدل على أن باريسوالرباط خرجتا من الأزمة الأخيرة التي طبعت علاقتهما، بقناعة راسخة تصب في اتجاه طي صفحة الماضي ، والانطلاق نحو المستقبل بإرادة سياسية لخدمة المصالح المشتركة العليا للبلدين في إطار ما يمكن أن يطلق عليه محور باريس-الرباط . الكل يتذكر حادث إقدام قاضي التحقيق الفرنسي، في فبراير من السنة الماضية، على توجيه استدعاء للمسؤول الأول عن مديرية مراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف الحموشي ، لدى زيارته لباريس، من أجل التحقيق معه في شكاية تتعلق ب”التعذيب”. وتم ذلك دون مراعاة لما ينص عليه اتفاق التعاون القضائي بين البلدين، الأمر الذي تسبب في اندلاع أزمة دبلوماسية حادة بين الرباطوباريس ، تعطلت معها لمدة سنة كاملة قنوات التعاون والتواصل الرسمي بينهما ، مما أثر بالسلب على المصالح المشتركة للدولتين. وسادت حالة من التوتر والترقب طيلة سنة 2014، إلى أن تم اللقاء الذي جمع في فبراير من هذه السنة بباريس الرئيس الفرنسي مع العاهل المغربي الذي كان يقوم بزيارة خاصة ، لتلتقي الإرادة السياسية للجانبين في طي صفحة الماضي والانطلاق مجددا بالتعاون والتنسيق الثنائي في مختلف المجالات لتدارك ما فات. ومن تجليات تبعات هذا اللقاء ، مراجعة اتفاقية التعاون القضائي وتسريع وتيرة تبادل الزيارات بين المسؤولين رفيعي المستوى وغيرها من المبادرات ، كل ذلك ساهم في إعداد الأرضية المناسبة للزيارة الحالية للرئيس هولاند للمغرب ، والتي تمثل ، حسب المحللين ، تكريسا لتطبيع العلاقات بين البلدين بعد طي هذه الصفحة وإعطاء انطلاقة جديدة لتعاونهما في أهم المجالات . ولعل استعراض عناوين أهم الملفات التي ستتناولها محادثات الجانبين ، خاصة في المجالين الاقتصادي والأمني يؤكد استفادة الرباطوباريس من العطب الذي اعترى تواصلهما الطبيعي ، ليعطيا نفسا أقوى لتعاونهما. ذلك أن مدينة طنجة التي تحط بها طائرة فرانسوا هولاند صباح السبت، تحتضن أحد أضخم المشاريع الاستثمارية الفرنسية في المغرب ، وهي الوحدة الصناعية لشركة “رونو” لتصنيع السيارات ، بالإضافة إلى محطة انطلاق مشروع القطار الفائق السرعة “تي.جي.في” الذي تساهم في إنجازه مجموعة من الشركات الفرنسية، ناهيك عن المشروع الجديد الذي ينتظر أن يحتل الصدارة خلال هذه الزيارة ، ويتعلق الأمر بمعمل “بوجو-سيتروين” بمدينة القنيطرة. يذكر أن المغرب يستقبل، حسب بيانات البنك المركزي الفرنسي، 76 في المائة من الاستثمارات الفرنسية في البلدان المغاربية الثلاثة (المغرب وتونسوالجزائر)، والتي بلغت 11.2 مليار يورو في نهاية 2012، مقابل نحو 17 في المائة من هذه الاستثمارات في الجزائر و6.5 في المائة في تونس. كما حافظت فرنسا على مكانتها كأول شريك اقتصادي للمغرب خلال سنة 2014 ،رغم الغيوم الدبلوماسية التي عكرت صفو سماء البلدين ، وإن أصبحت تواجه منافسة قوية من إسبانيا على مستوى الشركاء التجاريين للمملكة. الملف الأمني ، الذي يكتسي أهمية خاصة بالنسبة للعاصمتين ، بالنظر لاستفحال ظاهرة التنظيمات الإرهابية ومحاولاتها المستميتة اختراق الدفاعات الأمنية في البلدين ، يحظى أيضا بالأولوية في تعاون الرباطوباريس ، بعد أن تأثر بالأزمة الدبلوماسية بينهما. كل المؤشرات إذن تدل على أن زيارة الرئيس هولاند للمغرب تأتي في وقت مناسب لتضع قطار التعاون الاستراتيجي بين المغرب وفرنسا على سكته الصحيحة من جديد .