عبثية عبد المولى الماروري، تتقاطع مع التأصيل الفلسفي لمفهوم “العبثية”، من حيث أنهما يخلصان معا إلى الفشل الحتمي في إدراك معنى الكون والأشياء، لكنهما يختلفان في نقطة أساسية، وهي أن الماروري عابث بالعبثية من حيث أنها مدرسة فكرية، بيد أن هذه الأخيرة فهي تؤسس لمستوى متقدم من السخرية في فهم وتملك الواقع السياسي والاجتماعي. فالمحامي وعضو حزب العدالة والتنمية، تحدث عن عبثية الحقوق والحريات في زمن كورونا، ولسان حاله يلهج ويلهث باستهداف “غيبيات” ما يسميها الدولة العميقة، لكنه نسي أو تناسى بأن “حقيبة الحقوق والحريات” يمسك مقاليدها وزير صديق من آل الرهط وبني العترة في الحزب وفي منتدى الكرامة وفي مهنة المحاماة. فالعبث إذن هو أن تحمل “الغيبيات” أوزار وزارة حقوق الإنسان التي يديرها حزبك في العلن! والمحامي عبد المولى الماروري الذي أرخى العنان واللجام لخياله الجامح، أو كما يقول أهل البادية ” طوّل لبهيمته”، عندما تحدث عن مرئيات فوق منطقية حول ” معتقلات الفضاء العام”، و”أقبية المواطن في الساحات والشرفات والطرقات”، ربما نسي بأن حزبه السياسي هو من تولى، لأول مرة في تاريخ المغرب، تدبير شؤون وزارة تجمع بين “العدل والحريات”، وبأنه شارك، من خلال منتداه الحقوقي، في الحوار الوطني للإصلاح الشامل والعميق للعدالة الذي أفرز النظام القضائي الحالي الذي يعبث به عبد المولى الماروري! أو ليس هذا هو العبث في أقصى تجلياته؟ لكن عبثية عبد المولى الماروري، سوف تبلغ منتهاها، وتتجاوز مداها، عندما سقط في أخطاء “الطباق”، وانحرف بعيدا عند استعماله عبارات “المدح بصيغة الذم”. فالمحامي العابث باللغة والمفاهيم، انصرفت انطباعاته وأمانيه لجَلْدِ الدولة على مقصلة الحقوق والحريات، لكن محبرته خانته وتحدثت عن نقيض سره ونجواه! فقد أقرّ واعترف، بدون تعذيب جسدي ولا إيلام نفسي، بأن المغاربة لم يعودوا يرزحون في المعتقلات السرية، ولا يهابون زوار الليل الذين يمارسون الاختطاف البدني، وأن الشعب صار يتكلم ملء فمه، والمواطن لم يعد يخشى القائد والدركي والشرطي… فكيف لنا إذن أن نخشى على مواطن يتمتع بكل هذه الحقوق والحريات؟ اللهم إلا إذا كانت غيبيات الماروري تتحدث عن “لا مرئيات السجون ولا مادية السلطة التي حددها الفكر الغربي في القرون الوسطى “. والمؤسف حقا في “تدوينة العبث عند عبد المولى الماروري”، أنها ليست تصورا انطباعيا بالمفهوم الفلسفي، ولا هي تراجيديا سوداء بالمعنى الدرامي للعبثية كحالة من السخرية السياسية، بل هي فقط “حالة شرود ذهني لشخص يعيش الشرود الواقعي في زمن الجائحة”، وربما هي “اندفاعية ونزق شخص كاميكاز منذور لوأد ما تبقى لديه من رصيد حقوقي” !هذا إن افترضنا جدلا بأن لدى هذا الشخص شظايا مؤونة من الرصيد الحقوقي المزعوم. لكن المثير للسخرية والاستهزاء في “تدوينة العبث”، هي عندما التحف عبد المولى الماروري “سَجَى المحارب الميداني”، وامتطى صهوة منصات التواصل الاجتماعي، ثم انبرى يؤلّب الناس ضد “حاضنتهم المشتركة” و”رباطهم الجامع”، مخاطبا شعب الفايسبوك الافتراضي بكلمات لا تخلو من نبرة تجييشية: “تكلم أيها الشعب.. وارفع صوتك…فلا حياة لمن تنادي”. لكن المحامي والسياسي عن حزب العدالة والتنمية سرعان ما تخلى عن جيشه العرمرم، وتراجع عن حربه المقدسة/العبثية، وفضّل أن يعلّق “بارانويا الهلوسة” لديه على مشجب الشعب المغربي، الذي وسمه بالخذلان والانهزامية وكثرة الضجيج، عندما خاطبه فايسبوكيا في تدوينة العبث بأنه ” شعب منقاد مساق مغلوب على أمره، فقط يصرخ ولا يحتج ولا شيء بعد ذلك!!”. فالعبث هو أن يعتقد الماروري نفسه بأنه المصباح الوحيد الذي “يضوّي البلاد”، والحال أنه لا يعدو أن يكون مجرد “مشكاة خافتة في مصباح غازي صدئ (لامبّة)” لا يصلح للإضاءة ولا حتى للزينة في رفوف مساكننا القديمة. والمثير للتقزز ختاما، هو أن يُطِّل علينا هؤلاء المنسيون من عزلتهم الآمنة في زمن الجائحة، ومن محراب الاعتكاف المشفوع بالدسم على طاولة الإفطار في شهر رمضان، لينفثوا هلوساتهم وفصامهم على مسامع الشعب المغربي، وليصدحوا فينا عاليا “حي على النضال المزعوم”، وهم الذين يقبعون وراء شاشات التلفاز ولوحات الهواتف المحمولة، دون أن يقدموا فلسا واحدا في صندوق تدبير الوباء، ولا إعاشة أسرة واحدة معوزة في زمن الفاقة والخصاص.. فالعبث..كل العبث، هو أن يعتقد مثل هؤلاء المنسيون، الذين اصطفوا في الهامش ليس تهميشا من الدولة كما يزعمون، وإنما لهامشيتهم إزاء قضايا المجتمع، بأنهم صيغة محينة وراهنية لفلاسفة عصر الأنوار في زمن جائحة كورونا المستجد.