عديدة هي الشخصيات التي بصمت على مسار متميز في حياتها المهنية والخاصة، ونجحت في تقديم أعمال رائدة أو تحقيق إنجازات مهمة، نقلتها إلى عالم الشهرة وأدخلتها في قلوب الناس جيلا بعد جيل. عبر هذه السلسلة الرمضانية، “شخصيات صنعت التاريخ” يغوص “برلمان.كوم” بقرائه في عوالم شخصيات دونت اسمها في قائمة أفضل شخصيات العالم، وسنتوقف في حلقة اليوم عند شخصية “أنجيلا ميركل” المرأة الحديدية التي تربعت على عرش المستشارية الألمانية كأول إمرأة تتقلد هذا المنصب والتي تم تصنيفها كأقوى نساء العالم. أنجيلا ميركل النشأة : ولدت أنجيلا كاسنر بتاريخ 17 يوليوز 1954، في مدينة همبورغ شمال ألمانيا، انتقلت أسرتها إلى ألمانيا الشرقية، تحديدًا مدينة تمبلن في ولاية براندنبورغ، حياة أنجيلا ميركل لم تسر على ما يرام في بداياتها، فقد نشأت في أسرة متديّنة، تحثها على التفوّق في كافة جوانب الحياة، وبفضل والدتها كانت أنجيلا من المتفوقين في مدرستها، كما كان لديها ولع وشغف بمادتي اللغة الروسية والرياضيات، وكان حلم أنجيلا أن تعمل أستاذة، لكن الحلم تلاشى واختفى بسبب وضع ألمانيا الشرقية الشيوعي، حيث كانت الحياة في ألمانيا الشرقية والتي تعد دولة ملحدة بالنسبة لألمانيا الغربية صعبة للغاية على أسرة كأسرة أنجيلا، فسبق وأن تم منع والدتها من الاستمرار في العمل كمدرسة للغتين اللاتينية والإنجليزية بسبب أن زوجها قسيسًا، وكثيرًا ما كانوا زملاء أنجيلا في المدرسة ينصحونها بأن تخفي مهنة والدها الحقيقية، وأن تخبر من يسألها بأنه يعمل مدرسا أو عاملا أو شيئا آخر غير قسيس، حتى لا يتم نبذها أو طردها من أي مكان. حياة أنجيلا الدراسية : التحقت أنجيلا ميركل بجامعة لايبزغ في عام 1973 لتتخصص بدراسة الفيزياء، بالموازاة مع دراستها كانت أنجيلا تعمل كنادلة في إحدى الحانات لتغطي مصاريف الدراسة والسكن، حيث اعتادت أنجيلا على تحمل المسؤولية منذ الصغر، وهو ما أوصلها إلى ما هى عليه الآن، وخلال دراستها بالجامعة تعرفت أنجيلا على زميلها أولريش ميركل، الذي أصبح فيما بعد زوجها الأول، تزوجا عام 1977 لكن الحياة لم تمض بالشكل الذي توقعاها، فأعلنا انفصالهما عام 1981، وبالرغم من الطلاق إلا إنها لازالت تعرف باسم عائلته حتى الآن. بعد التخرج أتمت أنجيلا رسالة الدكتوراه في الفيزياء عام 1986، وانتقلت بعدها للعيش في برلين، حيث كانت تعمل بالمركز الرئيسي للكيمياء الفيزيائية في أكاديمية العلوم حتى عام 1990، وبعدها بأعوام التقت أنجيلا ب”يواخيم ساور” زوجها الحالي، والذي يعمل أستاذ كيمياء في جامعة هومبولدت في برلينبألمانيا. من الفيزياء إلى السياسة : شكل إنهيار جدار برلين سببا من أسباب دخول أنجيلا للحياة السياسية، حيث بدأت في الانضمام للأحزاب والدعوة للحرية السياسية، وكان حزب نهضة الديمقراطية أول الأحزاب التي انضمت لها أنجيلا، لتصبح بعدها متحدثة باسم الحكومة المنتخبة تحت رئاسة لوثار دي مايزيير، وبعد إعلان وحدة ألمانيا انضمت أنجيلا لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، هناك سطع نجم أنجيلا ميركل، حيث بدأت مسيرتها السياسية برعاية من المستشار “هلموت كول”، والذي كان يلقبها ب “فتاتي الصغيرة”ومن هنا عرفت أنجيلا بلقب “فتاة كول”. يعد “هلموت كول” بمثابة الأب الروحي لأنجيلا ميركل ، فمنه تلقت الدعم والرعاية والتشجيع الدائم، وبالرغم من صغر سنها إلا إنه عينها بمنصبين كبيرين في حكومته، وهما وزيرة لشؤون المرأة ثم وزيرة البيئة وذلك عام 1994 وحتى عام 1998، عندما لعب القدر لصالحها، استفادت أنجيلا من فضائح التبرعات التي انتشرت في الوسط السياسي عن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، ما دفع معلمها “هلموت كول” للإنسحاب، وعزوف معظم السياسيين عن ترؤس الحزب. ترأست أنجيلا الحزب بالرغم من كونها بروتستانتية، إلا أن ذلك لم يشكل مانعا بالنسبة لها أن تترأس حزبا كاثوليكيا، حيث نجحت في محو هذه الفضيحة من أذهان الإعلام. التربع على عرش منصب مستشار ألمانيا: استطاعت أنجيلا التوصل لاتفاق ينص على تشكيل حكومة ائتلاف تترأسها هي، بعد صراع طويل مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يترأسه غيرهارد شرودر، لتصبح بذلك أول مستشارة لألمانيا، وأول مستشار لجمهورية ألمانيا الاتحادية من شرق ألمانيا، ونجحت أنجيلا في كسب الجميع لصالحها، بفضل الإصلاحات التي قامت بها، والتي طالت كافة الجوانب كالاقتصاد والقوى العاملة والاستثمار وغيرها الكثير. أنجيلا..العمل السياسي قبل المظهر: بالرغم من أن حياة أنجيلا ميركل كانت حافلة بالنجاحات والتي مكنتها من الوصول إلى منصب لم تصله امرأة قبلها، وصنفت من ضمن أقوى نساء العالم لأعوام متتالية، وفوزها بوسام التميز لأكثر الشخصيات تأثيرا في العالم ضمن قائمة الملوك والرؤساء وكبار السياسيين، وإختيارها لثلاث مرات متتالية لتكون مستشارة ألمانيا منذ العام 2005، ترفض أنجيلا دائما إبراز أنوثتها في العمل السياسي، وتعترف هذه المرأة التي يوحي اسلوبها الرزين بالفتور والبرود والتي كثيرا ما تتعرض للسخرية على ما ترتديه من ملابس بأن الموضة ليست من هواياتيها.