كثيرة هي الالقاب التي تطلق على المستشارة الالمانية، فهي “موتي ميركل ” (اي ماما)، منقذة العالم الحر، “أم المنبوذين” بالنسبة للاجئين، ولكن بفوزها بولاية رابعة في الانتخابات التشريعية التي جرت اليوم الاحد، أضحت بالفعل “المستشارة الابدية” التي تتربع على عرش المستشارية وأيضا على قلوب الالمان. وقد بصمت ميركل منذ بداية مشوارها السياسي، على مسار استثنائي يقطع مع الصور النمطية إذ كانت أول بروتستانية في تاريخ المانيا تتولى رئاسة حزب له جذور مسيحية كاثولوكية متشددة وأول امراة تتولى منصب مستشارة في المانيا مند 2005. ويأتي فوزها في الانتخابات تتويجا لهذا المسار حيث اثبتت أنها فعلا المستشارة التي لا تهزم عندما تمكنت من انتزاع ولاية رابعة سيرا على خطى أبيها الروحي الراحل هلموت كول الذي تولى منصب المستشارية لمدة 16 سنة، بالرغم من الضغوط والتحديات الكبيرة التي تواجهها داخل ألمانيا وفي اوربا والولايات المتحدة. وأعربت ميركل في كلمة في مقر حزبها في برلين عن سعادتها بفوز الاتحاد المسيحي الذي يضم حزبها الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي. وقالت “هناك مهام جديدة تنتظرنا بعد 12 عاما من الحكم”، مؤكدة على مكافحة الهجرة غير الشرعية وأسباب النزوح. ويظل استمرار ميركل الظاهرة، في تسيير دواليب الحكم في المانيا لغزا محيرا، لكن خصومها قبل انصارها يشهدون لها بالنجاح في عملها ، فهي تقود بلدا يعتبر معجزة اقتصادية يسجل انخفاضا قياسيا في معدل البطالة. ويحسب لها في رصيدها إلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية وفتح المجال أمام التخلي عن الطاقة النووية وفتح الحدود أمام اللاجئين. فقد أبهرت العالم خاصة السوريين والعرب، عندما فتحت الحدود صيف 2015 أمام ازيد من مليون لاجئ تقطعت بهم السبل هربا من ويلات الحرب، في خطوة كشفت الوجه الانساني لالمانيا كما تريدها التي لم تتخلص بعد من عبء تاريخها النازي، لكن كلفها ذلك تراجع شعبيتها ومع ذلك تمسكت بسياستها بشان اللجوء معتبرة انها كانت “سليمة” بالرغم من بعض التنازلات. وتتميز قائدة أكبر قوة اقتصادية في اوروبا، ببساطتها وتقشفها التي تثير اهتمام وسائل الاعلام ، فهي تقيم في شقة في برلين مع زوجها العالم يواكيم وتتسوق من متجر قريب وتقضي إجازاتها في ممارسة رياضة المشي في جبال الألب. ولئن كانت ميركل تمثل بالنسبة للالمان رمز الامان والاستقرار فانه في الخارج ، ينظر اليها كمنقذة لقيم العالم الحر بعد انتخاب دونالد ترامب وأنها القلعة الأخيرة التي تقاوم انهيار الاتحاد الأوروبي بعد البريسكت. وقد عاشت ميركل طفولتها في حضن أسرة بروتستانتية في مدينة تيمبلين بولاية براندنبورغ. وكان والدها يعمل كقس، في حين كانت أمها ربة بيت. ولم يكن أحد يعتقد أن أنغيلا دوروثيا كازنر، ستصبح أقوى امرأة في العالم. ولكن صفات كالاجتهاد والموضوعية وضبط النفس والتواضع كانت وراء هذا النجاح الخارق. فبعد حصولها على شهادة التعليم الثانوي بدأت ميركل دراسة الفيزياء في جامعة لايبزيغ. بعدها مباشرة بدأت بالعمل في أكاديمية العلوم في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، حيث حصلت على شهادة الدكتوراه في مجال تفاعلات التحلل الكيمائي. وانخرطت العالمة الفزيائية في عالم السياسة بعد انضمامها الى الحزب المسيحي الديمقراطي حيث كانت مقربة من المستشار الألماني الراحل هلموت كول الذي فسح لها المجال لتولي أعلى المناصب حيث عينت في حكومته وزيرة للمرأة والشباب، ثم وزيرة للبيئة والسلامة النووية. وبعد هزيمة هلموت كول في الانتخابات البرلمانية، عينت ميركل أمينة عامة للحزب، ثم زعيمة للحزب عام 2000، ولكنها خسرت المنافسة لتولي منصب المستشار، أمام إدموند ستويبر عام 2002. وفي سنة 2005 فازت مع حزبها بالانتخابات لتصبح أول مستشارة لتخلف بذلك غيرهارد شرودر المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي. وكمستشارة اتحادية تتمتع ميركل بمجال للتحرك في العمل السياسي حتى ولو أنها الرقم الثالث في الدولة بعد رئيس البرلمان الألماني والرئيس الاتحادي.. وتعد أنغيلا ميركل المستشارة الثامنة منذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية سنة 1949.