عاد بن كيران إلى الواجهة من خلال كلمة ألقاها أمام شبيبة حزبه. ولم تكن عودة بن كيران عادية لكي لا ينتبه إليها الصحافيون والمهتمون بالشأن السياسي، بل كانت قوية جدا إلى حد أنه بدا فيها كشاحنة قديمة ومهملة، لا تتوفر على فرامل وحصارات، فإذا ما دفعها أحدهم من خلف، تنطلق لتصيب كل ما يوجد أمامها بخسائر وأضرار قد تكون جسيمة، بينما لا يهم حينها إن أصيبت هذه الحافلة بأضرار مادية لأنها كانت مهملة. نعم، لقد تكلم بن كيران بطريقة موسومة بالنرفزة والعصبية والاحتقان، تعكس بوضوح حالة اليأس والاكتئاب التي أصيب بها، والتي سبق لموقع “برلمانكم” التحدث عنها. فالشخص لم يتحمل النفور والإقصاء الذي تعرض له من طرف أصدقائه والمقربين منه داخل حزب العدالة والتنمية، منذ أن غادر كرسي رئاسة الحكومة، وما تلا ذلك من ضربات أفقدته التوازن؛ ومنها إبعاده مناضليه عن زعامة حزب العدالة والتنمية وفشله في العودة إلى الساحة السياسية من نافذة حركة التوحيد والإصلاح، وهذه الحالة النفسية يسميها علماء النفس بالاضطراب السلوكي والانفعالي، وأعراضها تعتبر خطيرة أحيانا لأنها تؤدي إلى اضطرابات شخصية تسمى “السيكوباتية بحيث أن صاحبها ينأى عن المجتمع وكانه شخصية غير اجتماعية (Antisocial Personality) بل تتطور إلى مرض نفسي يسمى السيكوباثية (Psychopath)؛ ويتميز صاحبه بالصراع المستمر مع المجتمع، وعدم الشعور بالذنب تجاه الآخرين. لقد جمع بن كيران كل ما لديه من حجارة، وانطلق يقذف بها يمينا ويسارا، فلم يسلم من حجارته التجمع الوطني للأحرار، ولا حزب الأصالة والمعاصرة، ولا عزيز أخنوش، ولا رشيد الطالبي العلمي، ولا حكيم بنشماش، بل لم يسلم من لسانه حزبه نفسه، ولا نعرف كيف لم يقم بن كيران بهجاء نفسه مثل ما قام به الشاعر الحطيئة حين هجا الجميع، ولم يسلم من لسانه وجهه فقال فيه: أَرَى لِي وَجْهًا قَبَّحَ اللَّهُ خَلْقَهُ * * * فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وَقُبِّحَ حَامِلُهُ حقيقة أن الوضع النفسي لعبد الإله بن كيران يبعث على الشفقة والعطف، بل يستوجب تداركه قبل فوات الأوان، فالعلامات التي بدت على سلوكه من خلال الاستجواب المنشور لا تبشر بخير، فإذ الدراسات الأخيرة التي نشرتها مجلة “ديلي إكسبريس” تقول إن تطورا مثل هذا السلوك لدى الشخص البالغ قد يتحول إلى العدوانية والتمرد، وتفاقم الشعور بالأنا، والكذب المبالغ فيه، وأضافت المجلة أن الأشخاص المصابين بهذا السلوك، يملكون أدمغة مختلفة عن الأشخاص العاديين، بحيث تكون لديهم مناطق سميكة في الجهة الأمامية. لكن المعروف عن عبد الله بن كيران، أنه ممثل رائع وأنه يتقن تقمص الأدوار فيظهر تارة في دور ضحية وتارة أخرى في دور فاعل وزعيم، وما بين دور وآخر تنكشف للمغاربة لعبة حزب بكامله يتقاسم فيه زعماؤه الأدوار، إذ حين يتراجع سعد الدين العثماني إلى الوراء يخرج بن كيران للواجهة، وحين يغطس هذا الأخير تحت الماء يطفو سعد الدين العثماني على سطحه. وأخيرا، فمن حكمة المغاربة أنهم يدعون للشخص الموجود في منصب المسؤولية بهذا الدعاء الجميل “الله يخرج عاقبتو على خير”… ونحن بدورنا نقول “الله ينجينا وينجيكم من دواير الزمان”.