يعد شهر رمضان من الأشهر التي تحظى بقدسية منقطعة النظير، يستقبله المسلمون بالكثير من الحفاوة والترحيب، الأمر الذي يعزى بالأساس لتزامنه مع مجموعة من الأحداث التاريخية البارزة في الإسلام، من قبيل فتح مكة، وغزوات الفتح الإسلامي الأخرى، بالإضافة إلى الحدث الأبرك المتمثل في نزول القرآن الكريم، ما يجعل من رمضان شهر القرآن بامتياز. هناك مجموعة من الباحثين الذين خصصوا مجالا واسعا للحديث عن الموضوع الذي يخص نزول القرآن تزامنا مع شهر رمضان، إذ يوضح هؤلاء الباحثون من خلال كتاباتهم أن القرآن الكريم هو كلام الله المعجز والمتعبد بتلاوته، حيث عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثل آية من آياته، كما أنّ المسلم يحصل على الأجر والثواب العظيم من الله عز وجل عندما يتلوه. ويذكر أن نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين يخلد أهم معجزة في التاريخ الإسلامي، وتعهد الله تعالى بحفظه من التحريف والتبديل حتى يوم القيامة. وبخصوص نزول القرآن في يوم من أيام رمضان قال الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ…) [البقرة: 185]، وقال عَزَّ مِنْ قائل:﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: 1]. في هذه الآيات إشارة إلى أن الله تعالى أنزل القرآن في شهر رمضان المبارك، وبالتحديد في ليلة القدر، واختلفت الروايات في ما يخص اليوم الذي نزل فيه القرآن الكريم بالتحديد، لكن يرجح العلماء أنه نزل في الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 610م، وهذا لا يعني بالضرورة أن تكون ليلة القدر هي ليلة الخامس والعشرين من رمضان؛ لأنّ الله تعالى قدّر أن يخفيها عن المسلمين. ويفيد الباحثون أن الحكمة الأساسية من هذا الإخفاء تكمن في تحري المسلمين لليلة القدر في الأيام الوترية من العشر الأواخر من رمضان. ويشار إلى أن القرآن الكريم نزل على الرسول مفرقاً على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، حيث نزلت مجموعة من السور في مكةالمكرمة وعددها ثلاثة وثمانون سورة وتسمى بالسور المكية، أما السور التي نزلت في المدينةالمنورة بعد هجرة الرسول والصحابة إليها فوصل عددها إلى إحدى وثلاثين سورة، وسميت بالسور المدنية، فيصبح مجموع السور كاملاً مئة وأربع عشرة سورة. وفي هذا السياق، فقد جمع القرآن بعد هجرة المسلمين من مكةالمكرمة إلى المدينة واستقرارهم فيها، حيث أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة الذين يحفظون القرآن الكريم بتعليمه للمسلمين، وتحفيظهم إياه، كما طلب منهم أن يشرحوا ما ورد فيه من أحكام الشريعة والأخلاق والفضائل، حيث كانت لدى الكثير من أهل المدينة من قبيلتي الأوس والخزرج القدرة على الكتابة باللغة العربية. بالإضافة إلى أسرى غزوة بدر، حيث قرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تكون الفدية لسبعين أسيراً منهم، أن يُعَلِّم كل واحد منهم عشرة من صبيان المسلمين الكتابة، وبهذه الوسيلة استطاع الكثير من المهاجرين والأنصار تعلم القراءة والكتابة، وكتبوا كل ما ينزل على رسول الله من القرآن الكريم بهدف حفظه، وحتى يظل مرجعاً للمسلمين. ويذكر في هذا الجانب، أن القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ما يدل أن فيه فرق بين عصر وعصر قبله، وكذلك رمضان فيه فرق بين الطاعة والجحود، القرآن كتاب هداية، والصيام في رمضان رياضة خاصة وتدريب للجسد وللنفس، ويجدون في الصوم وفي القرآن هداية إلى فهم المنهج الصحيح لحياة المسلم.