منذ توليه منصب رئيس الحكومة المغربية، سارع عبد الإلاه ابن كيران إلى تغيير عشرات المسؤولين في الإدارة و المؤسسات العمومية، كأول إجراء يدخل في إطار تنزيل الدستور الجديد الذي تطالب به جميع شرائح المجتمع. و رغم أن هنالك قرارات في غاية الأهمية تمس الحياة الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية اليومية للمواطن المغربي كان على ابن كيران أن يبدأ بها، فإن هذا الأخير جند كل طاقاته لاستبدال الأطر العليا التي ورثها عن الحكومات السابقة بأخرى موالية له و لحزبه، حزب العدالة و التنمية، وعيا منه بضرورة زرع مسؤولين مدينين له في مراكز القرار و في مختلف دواليب السلطة. وقد عانى حزب ابن كيران كثيرا قبل دخوله الحكومة مما كان يعتبره تهميشا من طرف الإدارة و الإعلام العموميين، لذلك فهو يسعى جادا لتجاوز هذه الهوة مستعملا المشروع واللامشروع لبلوغ اهدافه الاستراتيجية. لقد شن مصطفى الخلفي وزير الاتصال هجوما قويا على وسائل الإعلام العمومي للسيطرة عليها و لتسخيرها لخدمة أجندة حكومة ابن كيران، لكن ضعف خبرة الخلفي و تسرعه في مبادراته أفشلت خطة الحزب الحاكم. فخلال ثلاث سنوات فشل الخلفي في إخضاع القنوات التلفزية العمومية و الإذاعات لسلطة إديولوجيته، و لم يحصد سوى ولاء جزئيا للوكالة الرسمية للأنباء ذات التأثير المحدود و المتراجع. لذا أخذ ابن كيران بزمام الأمور حيث أشرف شخصيا على إنشاء ترسانة إعلامية حزبية قوية بما فيها الالكترونية، و أسند الإعلام الحزبي إلى سليمان العمراني، أحد الأطر النافذة في البي جي دي و داخل جناحه الدعوي حركة التوحيد و الإصلاح. من جهة أخرى، لا يكاد يمر مجلس حكومي دون الإعلان عن تعيينات جديدة تهم المناصب العليا في الوزارات خاصة التي يشرف عليها وزراء حزب العدالة و التنمية، وقد تم الحرص على أن يكون هؤلاء المسؤولون الجدد مخلصين للحزب الحاكم، مما أدى بعدد من الوزراء إلى إعفاء مدراء و كتاب عامون لم يثبتوا ولائهم بعد مرور بضعة أشهر على تنصيبهم. وهكذا كان مصطفى الخلفي أول وزير بي جي دي أثار الإنتباه حول الطريقة التي حاول أن يفرض بها سعد لوديي أحد أقطاب حركة التوحيد و الإصلاح في منصب الكاتب العام لوزارة الإتصال، مباشرة بعد تفجير فضيحة تدخله لدى مؤسسة القرض الفلاحي لتوظيف ابن رئيس حركة التوحيد و الإصلاح آنذاك. و بعد أن تم تعيين اليعقوبي في منصب الكاتب العام، لم يتردد الخلفي في طلب إعفائه و تشكيل لجنة تضم خاصة الوزيرة سمية بن خلدون المنتمية لحزبه، و صديقه و مرؤوسه خليل الهاشمي الإدريسي، مدير “الوكالة المغربية للأنباء”، لاختيار كاتب عام جديد. و إذا كان وزراء البي جي دي هم من اجتهدوا في تعيينات على مقاس مرشحيهم، فإن بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية حطمت الرقم القياسي في عدد المسؤولين الذين تم تغييرهم و استبدالهم بآخرين تنعدم فيهم شروط تحمل المسؤولية التي أسندت لهم، حيث يبدو أن الوزيرة الحقاوي لا تولي الكفاءة المهنية و المصلحة الوطنية أي اعتبار. ويبدو أن شعار بسيمة الحقاوي هو القرابة الحزبية و القبلية التي أصبحت المعيار الأساسي في التعيينات، مما أثار تدمر الأطر و الموظفين الغير منتمين للبي جي دي و الذين يشكلون الأغلبية الساحقة داخل الوزارة. بسيمة الحقاوي نمودجا حين حطت بسيمة الحقاوي الرحال بوزارة الأسرة، شرعت في تغيير الكاتب العام عبد اللطيف البردعي و تعويضه بالعربي ثابت الحاصل على ديبلوم في الجيولوجيا من جمهورية بولونيا، و الذي أوصى به سليمان العمراني خيرا. و رغم أن مقاييس التعيين قد وضعت على مقاس العربي ثابت، إلا أن خلاصات اللجنة المشرفة على التعيين كانت تتجه نحو الإعلان عن فوز مرشح آخر، لولا تدخلات و ضغوطات لفرض مرشح سليمان العمراني. ولما أرادت الوزيرة تعيين مدير جديد على رأس مديرية التعاون، شكلت لجنة و نصبت العربي ثابت منسقا لها، و ذلك لتسهيل فوز عبد المنعم المدني، أحد أثرياء حزب المصباح و عضو مكتب بلدية الرباط. وهكذا و في خرق سافر للمسطرة، تمت إعادة النظر في المعايير الموضوعة لجعلها على مقاس المدني حيث اشترط من المرشح للمنصب أن يكون رئيس قسم، عِوَض مدير مركزي، لأن سعادة عبد المنعم المدني لم يسبق له أن تقلد مسؤولية مدير مركزي، بل كان رئيس قسم بالخزينة العامة للمملكة. و هنا لابد من الإشارة إلى أن بسيمة الحقاوي عملت كل ما في جهدها لرفع راتب المدير الجديد، و هو ما تأتى لها بفضل زميلها في الحكومة و في الحزب، الأزمي الوزير المنتدب في المالية. و سوف يتتبع المراقبون عمل عبد المنعم المدني الخبير في الإنتخابات، خلال الشهور المقبلة، وهو الذي نصب على رأس مديرية حساسة ميزانيتها لا تقل عن 600 مليون درهم و عدد مستخدميها يناهز الأربعة آلاف (4000) شخص عبر التراب الوطني. كما حرصت بسيمة الحقاوي على تعيين السيدة مريم أحرضان في منصب مديرية المرأة، لكن و بعد أن اكتشفت أن هذه الأخيرة لا تشاطرها إديولوجيتها، دفعتها للاستقالة بعد سنة فقط على تعيينها. نفس الأسلوب سلكته الوزيرة مع مدير الموارد البشرية عادل النجار، و هو أحد الأطر الكفأة داخل الوزارة و الذي أقالته سنة فقط بعد تعيينه، لأنه على ما يبدو لم يقبل الركوع للبي جي دي و لحركته الدعوية، التوحيد و الإصلاح. و قد نصبت الوزيرة مصطفى المجدوب على رأس مديرية الموارد البشرية، و لم يكن سوى رئيس مصلحة بوزارة عبد العزيز الرباح قبل أن يشغل لبضعة أشهر منصب كاتب عام في مدرسة تابعة لوزارة التجهيز وهوًمنصب جد متواضع. و يبقى تعيين الحقاوي لأحد المنحدرين من منطقتها أولاد زيدوح في منصب المفتش العام من أغرب التعيينات. فالشخص المنتمي بطبيعة الحال لحزب الحقاوي و الذي كان مجرد رئيس مصلحة بصندوق الضمان الإجتماعي، لم تسند له لحد الآن أي مهمة تفتيش منذ تعيينه مفتشا عاما في يونيو 2013. حسب أهل الدار، فالمفتش العام في خلوة دائمة في مكتبه، وبسيمة الحقاوي في اجتماع دائم مع مستشارتها زوجة مصطفى الخلفي في دردشات لا تنتهي حول الموضة و آخر طراز الأثواب و الطبخ و كان الله في عون الوزارة و المصلحة العامة. ولا يمكن أن ننسى الضجة التي خلفها تعيين عبد اللطيف بوعزة على راس وكالة التنمية الاجتماعية رغم الضجة التي خلفها وضع مقاسي خاص به لتعيينه ورغم سخط الجمعيات واحتجاجات الصحف والمواقع الأإلكترونية. لقد كذبت حكومة ابن كيران على الشعب المغربي حينما أعلنت أنها قررت تنظيم مباريات و تنافسية حول المناصب السامية في إطار الشفافية. لكن حبل الكذب قصير و هاهي الوقائع تكشف أن جل وزراء حكومة ابن كيران يضعون معايير على مقاس مرشحيهم المفضلين، و ليذهب أبناء الشعب إلى الجحيم.