في الوقت الذي بدأت فيه أوضاع منطقة الريف تتجه نحو الهدوء ونسيان فترة التوتر، التي بينت بالملموس خيبة أمل من حاول الركوب عليها في الداخل والخارج، وفي الوقت الذي حاول الجميع نسيان فضيحة تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مجموعة مدعي التعذيب من معتقلي حراك الريف والفضيحة التي رافقت مضامينه، والصمت الذي تلاه والوعد الكاذب الذي أطلقه رئيس المجلس نفسه ادريس اليزمي بإصدار تقرير نهائي، خرجت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بتقرير مفخم مليئ بالمغالطات حول واقع أحداث الحسيمة، وصلت فيه حد إرسال اتهامات مجانية للملك محمد السادس. المنظمة التي تعودت التحامل على المغرب من خلال اعتماد رواية واحدة ووحيدة في كل تقارير الأحداث التي تحمل طابعا “حقوقيا”، أصدرت أمس الثلاثاء ما يشبه تقريرا، ضمنته من المغالطات الشيء الكثير، واعتمدت في صياغته على بعض الأحكام المكتوبة الصادرة ابتدائيا في حق بعض المحكومين على خلفية تلك الأحداث، كما اعتمدت فيه بشكل كبير على تقرير مجلس اليزمي المسرب حول مدعي التعذيب من المعتقلين. وإذا كان الجميع قد كان متسامحا إلى حد ما مع ما جاء في التقرير الهاوي لمجلس اليزمي، خصوصا، مع نسيانه الذي صنعه اختباء ادريس اليزمي وصمته على فضيحة التقرير، ووعده بإصدار تقرير نهائي “منقح”، فإن اعتماد “هيومن رايتس ووتش” على ذات التقرير لكيل الاتهامات لملك البلاد صراحة وفي صدر التقرير وعنوانه، يحيل اليوم على سوء تدبير مسؤولية المجلس الوطني لحقوق الإنسان، واستهتاره بالمسؤوليات الملقاة عليه، كمؤسسة دستورية تعنى بحماية سمعة الدولة، قبل أن تتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان، حتى لو كانت بأسلوب يضرب في هيبة الدولة ورموزها. تقرير المنظمة ورغم أنه كال من الاتهامات المجانية لملك المغرب، وقزم من خطابه بمناسبة عيد العرش الأخير، الذي خص فيه الملك حديثا عن عدة مواضيع مهمة من بينها الحسيمة وأحداثها ودور القوات العمومية في حفظ الأمن وحق المواطنين في الاحتجاج، وفساد المسؤولين وتقريعهم، إلا أنه أجاب في بعض مضامينه عن مغالطات المنظمة، وخصوصا عندما تحدث عن مطالب هيئات دفاع معتقلين بإجراء خبرات طبية مشابهة بناء على طلبات للمعتقلين. ويبدو أن تقرير اليزمي وبعلاته وهفواته الكبرى، لم يكن أداة محركة فقط للسان منظمات دولية، لها ما لها ضد المغرب منذ زمن طويل، بل إنه اليوم صار مبررا لمحامين يستغلون فرصة أحداث الحسيمة لتلميع صورتهم، حيث باتوا وبلسان فصيح لم يكن لهم سابقا، يطالبون قاضي المحكمة بإجراء خبرات على معتقلين يدعون التعذيب ولو بعد مرور وقت طويل على اعتقالهم، إلا أن المحكمة كانت حاسمة في جوابها عندما اعتبرت “الاستجابة للطلب المذكور قد يُخرج المحكمة عما يُفرض فيها من حياد، بل قد ينقلها من هيئة حكم إلى سلطة اتهام وهو ما لا يُسمح به قانونا”. وتستمر المشاكل التي أفرزها التقرير المشؤوم لمجلس اليزمي، والمجسدة في تقرير “هيومن رايتس ووتش”، في ادعاءات باطلة قالت فيها إن “المحكمة الابتدائية أصدرت أحكامها قبل إتمام صياغة تقارير الأطباء التي كلفهم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، وهو ما يظهر حجم الاتهام الذي تسبب فيه مجلس اليزمي وتقريره للإساءة لمؤسسة القضاء في المغرب، قبل أن تضيف المنظمة تذكيرا مهما بعمل قام به مجلس في شكل دراسة صدرت عام 2013، وانتقد فيها المجلس حينها “وضع الطب الشرعي في المحاكم المغربية.. والخبرة الطبية للمدعى عليهم التي تأمر بها المحكمة، ويتم إسنادها، بشكل عام، للأطباء المسجلين في جداول الخبراء المقبولين لدى محاكم الاستئناف، وهم أطباء ليس لأغلبهم أي تكوين مسبق في مجال الخبرة الطبية القضائية وتقييم الأضرار الجسدية”، حسب تعبير مجلس اليزمي، الذي يبدو بأنه اليوم غير رأيه وهو يستعين بأطباء “شرعيين” في إنجاز تقريره المشؤوم. كل ما سبقت الإشارة إليه من أخطاء جسيمة لا تغتفر لتقرير مجلس اليزمي حول مدعي التعذيب من معتقلي الحسيمة، والذي استند له تقرير “هيومن رايتس ووتش” ك”حقيقة مطلقة”، بلغت حد الإساءة للملك وتحميله مسؤولية ما لا يتحمله، تضعنا اليوم أمام ضرورة مساءلة مجلس اليزمي بكل حزم وجد، والتفتيش في ملفاته الراكدة سواء منها ما تعلق بجدوى الممارسة الحقوقية الدستورية التي رسم خطوطها العريضة دستور 2011، ولا حتى الغدق المالي الذي ألِفه اليزمي وجماعته داخل المجلس، حتى صاروا غير مبالين بعواقب تصرفاتهم غير المسؤولة، والتي على رأسها اليوم، تقرير غير مسؤول حول قضية وطنية ينتظر الأعداء أية هفوة للركوب عليها. فمتى يا ترى سيخرج اليزمي بتقريره النهائي المرتقب حول مدعي التعذيب؟ وكيف ستكون ردة فعله مما خرجت به “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها هذا؟ خصوصا فيما تعلق بالإساءة لشخص الملك؟ وهل جهّز اليزمي دفاعاته لتلقي مراوغات خصوم المملكة التي باتت اليوم تركب على تقريره للإساءة للمغرب من كل الجهات.