من يذكر أيام المجد الإذاعي لا بد أن يتذكر بالخير إذاعة “هنا لندن” التي كنا نعشق سماعها ونحن شباب، وكانت آذاننا تظل ملتصقة على جهاز المذياع، تستمتع لمهنية وبراعة مذيعي “بي بي سي” ومعدي برامجها، وكان من ضمن تلك الروائع برنامج مشهور :”أنت تسأل ونحن نجيب”، ويوما سأل مستمع معد البرنامج سؤالا غريبا يتعلق بمعنى كلمة “عليون” وماذا يقصد الناس بقولهم:”عليون لكن نحو الأسفل والسفالة”. ورغم غرابة السؤال فقد حرص معد البرنامج على الجواب، وأخبر صاحبه أن عليون” هي جمع ل”علي” سواء كان اسما أو صفة، وأنها تعني عند العرب صفة السمو والعلو كما أن “عليون” اسم يطلق أيضا على “سجل أعمال الصالحين من العباد”، واستغرب المذيع كيف لمستمع أن يطلب منه الربط بين اسم بصيغة الجمع يعني عند العرب العلو والسمو، وبين صفات قبيحة تعني الدنو والسفالة”إلا إذا اجتمع على الأرض قوم، والعياذ بالله، حملوا هذا الاسم جميعهم، لكنهم يحملون في نفس الوقت صفات الدناءة والحقارة، وهذا أمر ممكن وإن يبدو نادر الحدوث”. استحضرت هذا الموقف لأنني كنت من هواة الاستماع الى البرامج المعرفية لتلك الاذاعة، وما كنت أظن أنني سأعيش الى زمن تتحقق فيه نبوءة مقدم البرنامج ومعده. نعم، فمن غرائب العجائب، ومن عجائب الغرائب، ان يجتمع على الارض القوم الذين تنبأ بهم صاحب البرنامج، كلهم يحملون اسم “علي” ولا يحملون أي صفة سامية من صفات هذا الاسم المبارك الذي حمله علي بن ابي طالب، فهذا هاو للزلات، و هذاك بخيل طلا السياسة بلعابه، وثالثهم “عمار للشوارج” معروف بالكذب والخداع و السرقة، ورابعهم لا يهوى الا “السعاية” والولائم حيثما وجدت وكأنه اشعب الطماع…”سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ .وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ …” فها هو علي “الوجدي ” يفشل في تدبير أمور منتخبيه بتلك المنطقة الجميلة ولا يجد وجهة ينشدها غير شراء موقع مفرنس، ليقاسم في ملكيته عليا آخر معروف “بتعمار الشوارج الخاوية” وبالتحقيقات التافهة المترجمة عن علي آخر. وعلي الوجدي (بلحاج كي لا نذكر اسمه) المعروف عند الجميع ببخله الكبير لا بد أنه سقط ضحية “تعمار الشوارج”،من قبيل ان الاستثمار في موقع تافه وبئيس وبلغة اجنبية يمكن ان يدر على صاحبه اموالا فائضة ومليارات زائدة، والمغاربة يقولون “الطماع يقضي عليه الكذاب”. لا حاجة للاستغراب إذن أمام وضع كهذا يجمع فيه الله عليا بخيلا بعلي “كذاب ومقامر” خرج من السجن، وإلا فكيف لعلي البخيل الذي لو عاش في عهد الجاحظ لأفرد له صفحات متميزة من النوادر التي ملأ بها كتاب “البخلاء”، كيف له ان ينفق مليار سنتيم كاملة في شراء نصف أسهم موقع مغمور وتافه؟ كيف لعلي البخيل أن يجرؤ على ذلك، ويغامر بهذا المبلغ الذي لو أنفقه على الفقراء من ابناء بلدته لرفع الله عنه البخل والشح وقصر اليد، وهي صفات ذميمة جعلت احد اقرب اصدقائه يتساءل يوما بسخرية: “كيف لعلي ان يتنفس من منخريه معا، وهو يعلم ان هذا إسراف وتقتير” والسؤال مستوحى من بيت ابن الرومي حين هجا بخيلا: يقتر عيسى على نفسه وليس بباق ولا خالد ولو يستطيع لتقتيره تنفس من منخر واحد صاحبنا لم ينجح في تأسيس حزب ناجح، فلصق بحزب جديد حتى سموه “باللصقة”، فاختاره الحزب الجديد لينسق عمله السياسي في مدينة مالية واقتصادية، فلا “لصق ولا نسق، وزال اللصاق والزواق”، قبل أن يعود إلى وجدة، ويستفيد من موقعه ليصول ويجول في عقارات مدينة بركان، واستطاع تجميع أموال كثيرة ليسترجع بها الجاه والنفوذ. ولعل ركاب إحدى الرحلات الداخلية التي كانت تربط يوما مدينة البيضاءبوجدة يذكرون يوم طلبت زوجة علي الوجدي من ربان الطائرة، ايقاف الرحلة لسبب بسيط انها دخلت في عراك مع سيدة اخرى. إن اكبر الآفات التي يمكن ان يصاب بها انسان هي البخل، فكيف الحال إذا أراد المرء تجميع شر البخل بكذب السياسة؟ فلعله انذاك يصدق فيه قول الشاعر العربي: إذا جُمع الآفات فالبخلُ شرُّها وشرٌّ من البخلِ المواعيدُ والمطلُ فإن كنتَ ذا مالٍ ولم تكُ عاقلاً فأنتَ كذي نعلٍ وليس لها رجلُ ُ اما علي “عمار الشوارج” فيكفيه اللي فيه” فلا هو وجد صحفيين “يعمروا ليه” الموقع ولا هو وجد مالا “يعمر” بها جيوبه، بعد الكساد الذي لحق به، وبعد ان خسر كل شيئ، السكن والمال، وربما الزوجة والاهل، وهاهو اليوم يبحث من خلال تحقيقاته المترجمة عن خسارة الجميع. إن علي “عمار الشوارج” يعشق التحقيقات التافهة، لانه كان يوما موضوع تحقيقات جادة حين ضبطته الشرطة و هو يحاول سرقة بنك مغربيا وانتهى به الامر في السجن. علي هذا، يبحث عن كل السبل ليعود لترفه وحياته السابق، وهو من أجل ذلك لا يخجل في توظيف كل الوسائل لتحقيق أهدافه، فهو لا يعرف للحياء سبيلا ولا للصدق دليلا. إنه لم يستح من زوجته حين ضبط في ذلك الوضع المخجل، ولم يستحي من دينه حين قام بتشجيع خليلته على إفطار رمضان علنا بمدينة المحمدية، فكيف له اليوم ان يستحي من وطنه وقد تحالف بالأمس مع من ظن انهم سيغدقون عليه طول حياته، فلما تنكروا له، أخرج كتابه الأسود، كاشفا كل اسرار تلك الصداقة؟. وقد اكتفينا بما ذكرناه به يوم الاثنين، ونقول له ما قال السلطان مولاي عبد الرحمان : “فإن عادت العقارب لسمها عدنا للنعال”.