الخط : إستمع للمقال في المشهد اللاسياسي المغربي الحالي، تظهر حكومة عزيز أخنوش، غير المأسوف على رحيلها القريب، ككيان مسلوب الإرادة، وكصورة مشوّهة لأداة تنفيذية كانت، في زمن مغربي جميل، تمارس الفعل السيادي. هذه الحكومة المتخلّقة من أمشاج المشروع النيوليبرالي، وجدت نفسها فريسة لقواعد اللعبة التي ثبتتها بنفسها، حتى باتت عاجزة عن مواجهة تداعيات اقتصاد مكشوف الظهر، في حربٍ على المواطنين تكاد تتحول إلى حربٍ على الوطن: أسعارٌ تحلّق في فضاء المضاربات، واحتكارات متوحشة، بينما ينزوي الخطاب الحكومي إلى شجب من غير جدوى، في مسرحية سياسية رديئة، حيث يتحول الوزراء إلى متظاهرين ضد أزماتهم، وإلى صناع مشاكل بدل أن يكونوا صناع حلول. إنها السلطة التنديدية لا التنفيذية. 1 . من حكومة تنفيذية إلى سلطة تنديدية: واضح أن الحكومة المغربية، في انضباط تام لتعليمات النيوليبرالية، قد عقدت عزمها على تمكين لوبيات الأسواق من أدوات السيادة الاقتصادية، لأن تلك اللوبيات ليست في نهاية المطاف شيئا آخر غير الحكومة نفسها، التي يغرق رئيسها في تضارب المصالح في تحد سافر للمواطنين وللدولة ومؤسساتها الحكامية. وإذا كان رئيس الحكومة ضاربا للدف، فطبيعي أن وزراءها سيرقصون على نغماته. لقد تم تعطيل الحكومة من طرف الحكومة نفسها بعد أن حددت لنفسها مهمتين اثنتين: التمرير والتبرير؛ تمرير مصالح أقلية رأس المال على طريقة المناولة وتبرير الاختيار كما فعل أحد دكاترتها في الاقتصاد قائلا "اتقوا الله في المغاربة"، وهو يتوسل بخطبة عن التقوى. إننا إذن أمام تعطيل طوعي للحكومة لنفسها بنفسها، بل أمام تغذية عمدية لأسباب الغضب الشعبي، ودفع للجماهير الشعبية إلى اختبار أقصى حدودها في الصبر التي يبدو أنها على عتبات الانتهاء. أما اليوم، فلن يجدي ظهور الوزراء في البرلمان أو في مهرجانات الخطابة أو على شاشات التلفاز متذرعين بالعوامل الجيوسياسية تارة، والأوضاع المناخية تارة أخرى. سيكون عليهم هذه المرة، أن يرتدوا ربطات عنقهم وأن ينزلوا إلى شارع محمد الخامس ليدشنوا شكلا احتجاجيا يطالبوننا فيه بالرحيل. 1. احتكار أم إعادة رسم خريطة السلطة؟ سيكون من فرط السذاجة اعتبار مآلات وصول التغول إلى جزء من السلطة مجرد أزمة تدبير اقتصادي قابلة للتجاوز بإصلاحات تقنية وبتوليد ارتجالي لعناوين تتوسل بمعجم " الاستراتيجية الحكومية " و " المخطط " و " الإقلاع " وغيرها من الشقشقات اللغوية. الأمر هذه المرة أشد خطورة: إنه إعادة هيكلة لعلاقات السلطة في المغرب على يد ما سمي بالتغول الثلاثي ورسم لملامح خريطة جديدة تسعى إلى إعادة توزيع القوة داخل النظام السياسي. لقد باتت قلة من المتنفذين تحدد الأسعار وتتحكم في يومي المغاربة، بل وتستطيع صناعة الأزمة قبل أن ترمي بها في وجه الدولة، التي يسعى التغول إلى تحويلها إلى موظف إداري لدى رجال المال والأعمال الطامحين إلى رسم السياسة العامة. أدرك أن هذا التوصيف فيه شيء من القسوة، لكن سيكون من اللطيف سماعه الآن قبل أن يصبح مشروع التغول في إعادة هيكلة علاقات السلطة واقعا مغربيا. 1. ما الحل؟ القرار الملكي أول الغيث في توقيت مطبوع بوطأة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، جاء القرار الملكي الذي دعا المغاربة إلى عدم إقامة شعيرة ذبح أضحية العيد هذا العام كإجراء استثنائي. وهو القرار الذي تلقاه عموم المغاربة بالارتياح والاستقبال. في تقديري، هذا القرار، هو أول الغيث، إذ يهدف اجتماعيا إلى التخفيف من الأعباء المالية على المواطنين في ظل ارتفاع أسعار الماشية نتيجة الجفاف والتضخم. لكنه فوق ذلك يتعين قراءته مؤسساتيا بوصفه توجيها ملكيا صريحًا إلى كل مكونات الدولة للتحلي بالحزم في مواجهة هذه الظواهر. آن أوان تقليم أظافر التغول وإرجاعه إلى حجمه الطبيعي والتاريخي. ربما إلى ما دون ذلك. لم لا؟ إنه توقيت إعادة التوازن إلى السوق وحماية الفئات الهشة والضرب بيد من حديد على كل من سولته له نفسه اتخاذ المغاربة رهينة من أجل تكديس مال فاسد وأرباح غير مستحقة، عابثا بالسلم الاجتماعي في نزوع أناني مقيت. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل نحن مضطرون إلى تحمل المزيد من متاعب هذا التغول الثلاثي حتى شتنبر 2026 أم أن علينا أن نتزود بمزيد من الصبر والسلام؟ الوسوم الجزائر المغرب الملك محمد السادس فرنسا