تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص        ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللامساواة المدرسية و وهم الديوقراطية التربوية..
نشر في الأستاذ يوم 03 - 03 - 2014

صحيح جدا ان الرهان المجتمعي على تحقيق الانتقال التربوي واصلاح منظومة التربية والتكوين وتأهيلها لتضطلع بدورها كما يجب هو رهان موضوعي ومشروع.. ..وذلك على اعتبار أن هذه المنظومة هي إحدى القاطرات الكبرى لمشاريع التنمية المستدامة من خلال تكوين الرأسمال البشري الذي يعتبر الدعامة الكبرى لكل نهوض اقتصادي ورقي اجتماعي وتنمية بشرية..بيد أن هذا الاصلاح لا يتجسد إلا بالمراهنة على النوعية والجودة مع الايمان دائما بأن التغيير باب يتم فتحه من الداخل".وبأن للجودة كلفتها..هذه الكلفة تقتضي مما تقتضيه إبعاد التربية عن دنس السياسة/الايديولوجيا قدر المستطاع لتحقيق "علمانية تربوية" تكون الحدود فيها بين التربية والسياسة واضحة ومضبوطة وذلك قصد تحقيق المبدأ الديموقراطي في التربية.
فالنضال اليوم ، من أجل تحقيق الديمقراطية التربوية، يمثل إحدى الجبهات المتقدمة لصراع الإنسانية التاريخي من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية.وذلك لأن الديمقراطية التربوية تشكل مضمون ومحتوى الديمقراطية الاجتماعية.. فغني عن البيان أن الديمقراطية الاجتماعية تمثل الإطار العام لكافة أشكال الديمقراطية السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية.. إن كثيرا من الباحثين يرى بأن المؤسسة التربوية هي المكان الأفضل للنضال الاجتماعي ، ليس نحو تحقيق التكافؤ التربوي فحسب، وإنما من أجل تحقيق العدالة والديمقراطية على المستوى الاجتماعي برمته..
وهنا نعتبر أن التحصيل العلمي والمعرفي من الخيرات المادية والروحية،وبالتالي لابد للديمقراطية التربوية تتجسد في التوزيع العادل لهذه الخيرات بين أفراد المجتمع. فديمقراطية التعليم ،وفقا لذلك الاعتبار ،لا تتحقق في توفير الفرص التربوية المتكافئة فحسب، وإنما في توفير الإمكانيات المتكافئة للتحصيل التربوي بين أفراد المجتمع ككل.كما أن حق كل طفل لا يتحقق بمجرد توفير إياه المقعد في المدرسة وإنما في منحه الحق في الاستفادة من الخيرات التربوية التي يزخر بها الوطن استفادة عادلة وديموقراطية..
لكن حقيقة الامر إنه لا يمكن الحديث التوزيع العادل للخيرات والثروات بكافة أشكالها وعن المدرسة بمعزل عن نمط الإنتاج السّائد (إقطاعيّة ، رأسماليّة أو إشتراكيّة). فالمدرسة تقوم بإعادة إنتاج وشرعنة نمط الإنتاج السّائد. وهي بالتّالي جهاز من أجهزة الدولة، ومن ثم فإن كل محاولة للتعرف على طبيعة "المؤسّسة التعليميّة" ووظيفتها لابد أن ينطلق من معرفة علمية بطبيعة الدولة ووظيفتها..
ويمكن لنا هنا أن نسأل:هل يمكن الحديث، في ظل ما نعيشه من تفاوت طبقي قاتل ومن احتكار مكشوف للمناصب السامية والحساسة وذات الثقل والنفوذ من طرف طبقة معينة ،عن كون المدرسة المغربية لا تقوم سوى بإعادة الإنتاج الاجتماعي السائد؟..أليس تقسيم التعليم إلى نوعين، عمومي وخصوصي،تكريس للطبقية القاتلة وبرهان على اللامساواة التربوية والريع التربوي؟..هل فعلا تحقق المدرسة المغربية شعار تكافؤ الفرص أم أن ذلك سوى محسن بديعي يدبج به المسؤولون عن القطاع خطبهم الجوفاء التي لم تعد تقنع استعاراتها ومجازاتها أحدا؟.ألم تعد الهوة عميقة جدا بين بنات وأبناء المغاربة حيث التمايز في التعلمات والكفايات وما يؤدي إليه من هرمية الوظائف الاجتماعية؟.هل يمكن الحديث عن الديموقراطية التربوية والشعب يعرف كثيرا أن مخرجات التعليم في المغرب متعددة ومتنافرة من حيث المعارف والمهارات والقيم، نظرا لتعدد المدارس، مثل مدارس البعثات الفرنسية، والتعليم الخصوصي بجميع مراتبه، والتعليم العمومي، والتعليم الأصيل..؟؟.. أليست طبيعة وخصوصية كل مدرسة من هذه المدارس تجعلنا أمام مواصفات تخرج مختلفة للأطفال المتمدرسين،وتجعل فرص وحظوظ كل واحد في هذه المدارس مختلفة على سلم الرقي الاجتماعي والدراسي والتموقع الطبقي المجتمعي؟؟.هل يمكن ان نعثر على تلميذ من الطبقة المتحكمة والمسيطرة يدرس في مدارس التعليم العمومي الى جانب أبناء الشعب المقهور؟..إذا كان الجواب بنعم…هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين..
ثم ما العلاقة التي توجد بين الديمقراطية التربوية والديمقراطية الاجتماعية ؟ ..هل تقوم المدرسة حقا بتقليص العدالة الاجتماعية أم تكرسها ؟. هل تستطيع المدرسة والمؤسسات التربوية أن تلعب دورا جوهريا في استئصال اللامساواة التربوية والاجتماعية ؟ وفي النهاية على أية جهة تقع مسؤولية اللامساواة التربوية والاجتماعية ؟ هل تقع على عاتق المدرسة ؟ أم هي مسؤولية المجتمع ؟: هل تستطيع المدرسة أن تحقق الديمقراطية التربوية ؟ وإلى أي حد يمكن لها أن تنجز ذلك؟ هل فعلا المدرسة مؤسسة بورجوازية ؟وهل تسعى المدرسة إلى تكريس مفاهيم التفرقة الاجتماعية وعدم المساواة من خلال المجتمع المدرسي؟….
وأخيرا هل نحن أمام مدرسة مغربية واحدة أم نحن أمام مدارس متعددة بتعدد الانتماء الطبقي والجغرافي؟؟ ... ولماذا يصنع المسؤولون التربويون بضاعة تربوية يكونوا هم أول من يزهد فيها ويحتقرها ولا يثق فيها؟؟ ويسوقون لنجاحات وهمية لمنتوج لا يستهلكونه أبدا و لا يفكرون إطلاقا في تمدرس أبنائهم في مؤسسات هم مسؤولون عنها مباشرة؟ .ألا يحجزون لأبنائهم مقاعد في المعاهد والمدارس الخاصة والبعثات الاجنبية أو ما يمكن تسميته "بالتعليم البديل"ويتركون البقية الباقية تتقاتل في مدارس عمومية تفتقد جل شروط التعليم فما بالك بشروط التعلم؟؟..ألا يستثمر العديد من المسؤولين الكبار في التربية في المدارس الخاصة ويشجعون على ذلك تشجيعا في ممارسة واضحة لسلعنة التربية وتسليع المدرسة..؟؟.
1- المدرسة جهاز من الأجهزة الإيديولوجية للدول..
إن التعليم لم يكن قط خارج دائرة الايدولوجيا بقدرما كان ولا يزال فعلا إيديولوجيا معتبرا.فالمدرسة وجدت عبر تاريخها الطويل لخدمة الجهة المهيمنة والمتحكمة والمالكة لأدوات الانتاج المختلة ألوانه وإن كنا نقول دائما في المستوى الرسمي إنها وجدت لممارسة فعل نبيل يتمثل في نشر المعرفة والقيم النبيلة .إن المدرسة أداة من أدوات التحكم والسيطرة، تحتكر من خلالها الطبقة المهيمنة الإنتاج الإيديولوجي المشروع ممارسة ما يعرف"بالعنف الرمزي"،وتستطيع عبرها كذلك إضفاء الشرعية على النظام الاجتماعي القائم وإعادة إنتاج الذهنيات والعقليات التي تريد، فهي المعنية بترويض العقول وتدجينها على قبول القيم والأفكار المتوخاة وإبعاد الاخرى المنبوذة.
ولذلك لا نجد حرجا بالمرة في اعتبارنا المدرسة جهازا من الأجهزة الإيديولوجية للدولة.. جهاز تعتبره القناة الأفضل لتمرير العديد من الأنساق القيمية والفكرية والإيديولوجية التي ترغب في إعادة إنتاجها " La reproduction" وتدويرها وإبعاد القيم الأخرى التي لا ترغب فيها. فالمدرسة هي المعبر الذي يؤمّن استنساخ روابط الإنتاج عبر خلق نموذج تقسيم مستويات التكوين مطابق لنموذج تقسيم العمل السائد في مجتمع معيّن.إن المدرسة وسيلة من وسائل صناعة ثقافة الموافقة وإدارة الادراك.
فهي من هذا المنظور، مجرد جهاز إيديولوجي للدولة تدير من خلاله الصراع لخدمة الطبقة البرجوازية المتحكمة في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهي المسؤولة عن إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية عن طريق العنف الثقافي المؤسس على معايير ثقافية خاصة بالطبقة المسيطرة. عنف يصبح معه الفعل التربوي ممثّل الثقافة المؤسسية الرسمية، و عامل الاصطفاء الثقافي .وهي المسؤولة عن تنزيل مشاريع وغايات الطبقة المهيمنة ونشر قيمها وأفكارها واعتبار تلك القيم والأفكار هي التي يجب أن تتعلم وتتداول بين الناس لأنها الافضل والأحسن..
إن المدرسة تقوم بمهمة القمع الإيديولوجي المقنع،فهي تنهض تبرير السيطرة الطبقية وتأبيدها ، ومحاربة الفكر المجدد ، والترويج للثّقافة القائلة بأن ما هو كائن أفضل مما كان وأفضل مما سيكون..والترويج لثقافة الوحدة المبسترة ،وثقافة التفكير بالأصل..وثقافة الرجعيّة التي تعمل على تكريس التخلّف وتبليد الفكر وتعطيل ملكة النقد والإبداع…مما يولد في الاخير "عقولا دوغمائية راكدة وأسطورية يغيب عنها السؤال النقدي" كما نعتها محمد عابد الجابري..
وتأسيسا على ذلك فإن اعتبار التربية لا تتصل بالايديولوجيا تعد أكذوبة جميلة لم تعد تنطلي على أحد ، فلا وجود للمدرسة اللاسياسية التي لا ترتبط بمصالح طبقة اجتماعية مهيمنة ومتحكمة .فالمدرسة اللاسياسية تعد في نهاية الأمر أكذوبة برجوازية هدفها خداع الجماهير و تزييف الوعي كما ذهب سنيدر " Snyders ".
لقد اعتاد الباحثون السيوسيولوجيون على توظيف مفاهيم بيير بورديو وباسرون" Bourdieu et Passeron" للقول ان المدرسة قناة ممتازة لإعادة إنتاج اوضاع تراتبية في المجتمع…حيث إن المدرسة بنظمها التربوية المنتقاة بعناية تامة لا تسهم في تكوين مجتمع يتقاسم افراده تقاسما عادلا للرأسمال الرمزي المتمثل في الاستفادة من خدمات التربوية والمعرفية والتكوينية لخلق تكافؤ الفرص بين جميع افراد ذلك المجتمع بقدرما كانت ولا تزال تعيد إنتاج نفس الوضعيات الاجتماعية السائدة والمتمثلة في الطبقية القاتلة.
2- اللامساواة التربوية والمدرسية..
إن اللامساواة الاجتماعية " Les inegalités sociales "مصدر لكافة أشكال اللامساواة التربوية والمدرسية. وذلك على اعتبار أن المدرسة في مجتمع طبقي لن تكون ولا يمكن أن تكون إلا مدرسة طبقية..إذ كيق كيف يعقل أن نعلم الديموقراطية بطرق ديكتاتورية؟؟..إن المدرسة مجتمع مصغر،ولذلك فهي تعكس بوضوح مايعيشه هذا المجتمع من تفاوت طبقي قاتل..
ونحن هنا نعتبر كلامنا عن الوجود المؤكد" لحكومة الظل "في جميع الحكومات التي تعاقبت على المغرب يسلتزم الكلام عن وجود "مدرسة الظل" و"مناهج الظل".فالمدرسة ترجمان المجتمع…وإذا كانت حكومة الظل غير مباشرة ومتخفية و تحرك بأصابعها الناعمة مثل جلد أفعى دمى وكراكيز الحكومة المباشرة التي تواجه الجماهير مباشرة فإن منهاج الظل هو كذلك، وبالموازاة مع حكومة الظل،منهاج خفي ومضمر وفعالية تربوية صامتة غير منظورة موجودة بين السطور وفي الزوايا المظلمة للحياة التربوية..هذا المنهاج الخفي يترجم ارادة اجتماعية محددة تعمل على بناء التنظيمات الخفية والتخطيط لها في المدرسة وذلك لأغراض مجتمعية سياسية وطبقية..وهو منهاج لا يهدف الى تحقيق المساواة بين المتعلمين وإنما يهدف الى تعميق اللامساواة بينهم..
فمن البديهي ان ينتمي هذا المنهج الخفي ال الطبقة التي تصنع القرار التربوي وقبله القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.فهي الطبقة التي تصنع وترتب وتقرر وتخطط وتحدد…إن التعليم كان وما يزال يوجه طبقيا ولم ينفلت قط من قبضة الطبقة المالكة.
ان العديد من الاختلالات التي فتكت بجسم المدرسة المغربية بالذات كانت جراء تحويلها الى فضاء للصراع الايديولوجي المفضوح بين تيارات سياسية وايديولوجية، وإلى فسحة للمزايدات السياسية، و الى مجال للترضيات وجبر الخواطر وامتصاص ردود الفعل..إن إدخال المدرسة المغربية في اللعبة الساسية وعدم ابعادها عن هذا المستنقع لم يدفع بها إلا الى الوراء .
كما ترتد هذه الاختلالات من جهة أخرى الى أن العديد من الاصلاحات التي عرفها القطاع لم تكن جوابا على الاسئلة التي المستعجلة التي تطرحها المدرسة، ولا استجابة لحاجات هذه المدرسة المريضة، بقدرما كانت نتيجة تقاطب ايديولوجي طالما رجح كفة اعتبارات ظرفية مرحلية مؤقتة على مصلحة المدرسة. ويمكن لنا هنا أن نتذكر وكيف كان الصراع على على"التعريب" بين التيارات السياسية ،وكيف وظفت الدولة المدارس والجامعات لمواجهة التيارات الفكرية التي لا ترغب فيها.ونتذكر نكبة الفلسفة مرة ومحنة الشريعة الاسلامية مرات أخرى. فمرة تستهدف الاتجاه اليساري بالفكر الإسلامي، حتى إذا بزغ نجم الوعي الإسلامي واجهته بالتوجه اللاديني، فأشاعت الفواحش باسم الحرية الشخصية والقيم الكونية، كل ذلك في إطار المحافظة على التوازنات التي هي أس النظام السياسي المغربي.
إن الدولة تعز من تشاء وتذل من تشاء من المواد الدراسية والتخصصات الفكرية وقت ما تشاء وحسب ما تمليه عليها ظروفها الخاصة وما تراه تدخلا فوريا لاستئصال بؤر الحراك الاجتماعي الذي يهدد مصالحها…
وتأسيسا على هذا نقول ان المدرسة أصبحت وسيلة وليست غاية..وسيلة لربح استقرار سياسي مريض.وسيلة لربح سنوات معدودة من الاستقرار السياسي نقتل به جيلا بكامله…وبذلك نقتل المدرسة لتحيا الايديولوجيا..نخسر المدرسة لنربح رضا الايدولوجيا..نقتل المدرسة لنربح الهدنة السياسية..نقتل المجتمع لنربح كمشة من السياسيين الذين لم يعودوا يمثلوا إلا انفسهم وعائلاتهم بعدما انقضى رصيدهم الجماهيري وأصبحوا محتاجين للتعبئة من جديد…لكن حاشا أن يلدغ المغربي من الجحر مرتيين…فما عليهم سوى استيراد جماهير أخرى من أقوام أخرى لتعبئة رصيدهم الجماهيري الفارغ..
إن هؤلاء المسيطرين المتحكمين في الرقاب جعلوا التعليم ليس وسيلة للحراك الاجتماعي وليس وسيلة للمساواة بل أداة لتقنين عدم المساواة وأداة للمحافظة على الفروق الطبقية الموجودة، ولهذه الأسباب، دعى باولو فريري وإيفان إيلتش إلى رفض التعليم البنكي الذي يتحول فيه التلاميذ إلى بنوك تودع في أذهانهم المعلومات الميتة و المحنطة تستعاد أثناء فترة الاختبارات بصورة آلية والميكانيكية عديمة الجدوى، ودعيا إلى إحداث تغييرات جذرية في التعليم تقوم على منهجيات الحوار، وإثارة الوعي، والتحرر، ورفض القهر والصمت، والثورة على النظم القائمة. فالتربية في نظرهم إما أن تكون للثورة ولإحداث التغيير الاجتماعي والسياسي المنشودين وإما لا تكون.. ويسترسل" إيفان إيليتش " في كتابه " مجتمع بلا مدارس " داعيا إلى إلغاء المدرسة من المجتمع كشرط أساسي لتخليص الناس من إدمانهم لمؤسسات مستبدة وخادعة.
بهذا المعنى نقول ان المدرسة ليست مجرد وسيط محايد لنشر المعرفة وإشاعة القيم أو مكان هادئ يتم فيه الاتصال البريء بين المعرفة والمتعلمين، بل هي فوق كل ذلك تعبير عن حاجات الايديولوجيا السائدة، و أحد الادوات المهمة لنشرها والتبشير بها..هاته الايدولوجيا التي غالبا ما تكون تعبر عن رغبات فئة دون اخرى…رغبات الفئة المهيمنة والمتحكمة لا رغبات الفئة المستضعفة والمقهورة..إن غايات اولئك المسيطرين من المدرسة هو إعداد مستهلكين قادرين على التّأقلم مع البضاعة التي يطرحها رأس مالهم في السّوق وذلك عبر إجادة المستهلكين للقراءة والكتابة فقط،بما ان أغلب منتوجاتهم أصبحت اليوم تستدعي بعضا من الأبجدية قراءة وكتابة : من قراءة تاريخ صلاحية السلع التي يصنعونها وعلامتها التجارية إلى قراءة كيفية ااستعمال الهاتف الجوّال وتعابئة الانترنيت التي يتحكمون في خيوطها..
وهل تعتقد يا اخي المقهور أنهم يريدون من المدرسة العمومية أن تقوم بإعداد منتجين كبار للتكنولوجيا ومالكين كبار للماركات التجارية ومنافسين حقيقيين للمناصب الثقيلة جدا..أنت واهم إن كنت تعتقد ذاك أو إنك سقطت في شباك إيديولوجيتهم…لأنهم بكل بساطة يضعون خططا مسبقة حتى لا ينافسهم في الميادين التي يحتكرونها أحد..
إن مناهج التعليم عموما تتكلم بلغة المترفين لا لغة المقهورين من المجتمع..فالنصوص التي تتحدث عن نوع الاشجار وفوائدها لايدري الطفل الذي يأتي الى المدرسة بأمعاء خاوية وأسمال مبللة بقطرات ندى الصباح البارد لماذا يقرأ ها، في حين إن الطفل الذي يوصله السائق بسيارة مكيفة إلى باب المدرسة يدرك أن ذلك سيفيده في حياته، لأن تلك الغابات التي يتحدث عنها الدرس ستكون أخشابها مادة أولية لمصنعه مستقبلا، اما الطفل الفقير فحتى وإن ابتسمت له الحياة مستقبلا فسيتكون في مركز تكوين المعلمين، ليعود فيدرس المتعلمين الجدد عن الأخشاب والغابات الموسمية وغيرها من جديد, فيكرر بناء الأحوال البرجوازية نفسها في المجتمع..وهكذا تسير دورة الحياة..
صحيح ان الصراع الايديولوجي يكون عبر اجهزة ومؤسسات متعددة تبقى المدرسة من أخطرها وانسبها لما لها من ادوار تأسيسية في تنشئة البنيات العقلية وتكوين الذهنيات وهندستها..فالمدرسة جهاز من أجهزة الأمن القومي التي تضاهي أجهزة الجيش والأمن نظرا لما تنهض به من استرتيجيات استباقية بعيدة المدى تحفظ الوضع القائم وتتفادى كل ما من شأنه أن يزعزع الاستقرار أو يخلخل الثوابت..إنها ذرع اجتماعي لصيانة الثوابت وحماية الثقافة السائدة وتكريسها تكريسا..و آلة للقمع تتيح للطبقات المسيطرة تأمين سيطرتهم على الطبقة المقهورة إلى الأبد..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.