تعيد إلينا صور الدخول، سواء التي تداولناها عن حادثة الفنيدق أو صور الطرقات المنزوعة الأسفلت،في طاطا والنواحي، أو صور الآثار الحية والباقية لزلزال شتنبر من العام الماضي، أو صور المحامين في حالة احتجاجية.. ضرورة وضع صورة شمسية، واضحة ومحيَّنة عن المسؤولية في بلادنا.وإعادة وضعها في إطارها الصحيح، حتى تكون الصورة واضحة! لقد اعتقدنا بأن ربط المسؤولية بالمحاسبة والتنصيص عليها دستوريا، كان في أحسن الأحوال تتويجا لقناعة مستجدة في أوساط القرار، التدبيري والسياسي،أو في أسوئها خطوة أصبحت إجبارية لتطوير الحكامة في بلادنا وتحصينها من الهدر، أو تمنيعها من الممارسات الانحرافية واللصوصية والغش .. إلخ. لكن نتابع غير ما مرة، لا سيما مع توالي ضربات الطبيعة الجارية أو الانفجارات القطاعية تارات أخرى، بنزوع مستحكم في أصحاب القرار. المعني بهاته الحوادث، نحو البحث عن جهات خفية، وضمائر مستترة، تقف وراء غضب الأساتذة أو خروج الطلبة من أجل الاحتجاج أو تجريم بند الغضب من طرف رجال الصحة والتعليم إلخ..وترانا نتابع عودة منطق السحر والسحرة. في تفسير الأوضاع السياسية والاجتماعية.. عدنا إلى ما قبل اللحظة الوضعية بلغة أوغيست كونت! وشاهدنا ميلاد الحزب السحري في صور جديدة، تراه حينا هو المرحلة المتقدمة من الحزب السري، وتراه مرة أخرى هو الحزب الذي يعتبر السحر هو منطقه في تفسير وقائع المجتمع الصعبة والضاغطة! وهي فرصة لنقول إن من الوظائف الخطابية والسياسية لميلاد الحزب السري، الذي ندين في ابتكارها وتعميمها للقائد محمد اليازغي أطال الله عمره، هو العمل في السر، في صناعة القرار وإدارة جزء من البلاد ومؤسساتها، من خلال ظلال هذا الحزب المرئية علانية في المشهدالسياسي! الحزب السحري، بما هو مرحلة متطورة في المشهد، هو الحزب الذي تم تقديمه باعتباره الحل السحري للوضعية السياسية في المغرب، سيجدد للمغاربة التزامهم بالشأن العام أو يهديهم على صراط الحداثة القويم، وقد اتخذ في ذلك أشكالا عديدة، منها حتى الحزب التقنوقراطي، والحزب العقاري، أو الحزب الإداري أو الحزب الباطرونالي إلخ.. السياسة نفسها قد تسقط تحت تأثير سحر البرجوازية الخفي، فيكون الحزب السحري، كتعويض للحزب السري هو التعبير عن النزوع المقاولاتي في ربح المعارك السياسية، لا الربح المجتمعي والفكري المفروض في كل تنافس سياسي حزبي. وفي كل الحالات يكون البحث عن التفاسير الغيبية والسرية، نوعا من «آلية إيديولوجية لتحريف المسؤولية، وذلك بالتهرب منها. شاهدنا ذلك في برامج تلفزية حول أحداث بعينها، لعل آخرها النقاش السياسي حول لفنيدق، ثم حول الحصلية الحكومية، عندما تميل الحكومة إلى البحث عن جهات ما غامضة لتبرير الاحتجاجات الاجتماعية، وهو عمل لا يمر بسلام: فعندما يحصل العجز عن تسمية المسؤول عن أمر ما أو عن حادثة، فإن ذلك قد يفتح المجال للعنف، بل يحرره من أي ضوابط ممكنة!( عنف اللغة، العنف الحقوقي، العنف السياسي في التغول باعتباره أحدث أشكال العنف المؤسساتي !). بل إن أشكاله المؤسساتية تميل إلى تعطيل مراتب المسؤولية بواسطة الأغلبية العددية، ويكون من نتائجها تعطيل مسؤولية الحكومة أمام البرلمان وتعطيل مسؤولية البرلمان نفسه أمام الشعب، بحيث أن البرلمان بغالبيته القائمة، مازال يستمر في لحظة الانتخاب الأولي دون الانتباه إلى انزلاق القارَّات الذي نعيشه) نسبة المشاركة في الجزئيات الأخيرة،وتدهور القدرة المؤسساتية في البلاد بتراجع الثقة في كل ما هو سياسيle politique ولعلنا نذكر كلنا، في هاته اللحظات من القلق الاجتماعي الواسع، خطاب العرش لسنة 2017، الذي تأسس عليه »الزلزال « السياسي الملكي. والذي رأينا فيه، بشكل أو آخر أن الغضب الملكي أو التدخل المباشر بالأدوات الدستورية المتاحة، صار أحد عناصر بناء سلامة المجتمع! وإذا كنا مؤمنين، إيمانا شديدا أن أحد ميزات العهد الجديد هو الاحترام الصارم للدستور ( انظر حوارنا مع محمد الطوزي بمناسبة ذكرى ربع قرن من عهد محمد السادس ) فإن الشعور غير المعلن والضمني هو الاستعداد الجماعي بأن يصبح الزلزال نمط حكم، وحلا سياسيا ومؤسساتيا مثل غيره.. إذا ما كان المسؤولون يصرون على الهروب من المسؤولية، واعتبارها سبة أو اتهاما!