الاتحاد الاشتراكي يعلن اعتزازه بالمسار الذي اتخذه ورش مراجعة مدونة الأسرة بما يليق بمغرب الألفية الثالثة    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    انخفاض كميات مفرغات الصيد البحري بميناء آسفي    رئيس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء: الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    حماس وإسرائيل تتبادلان الاتهامات بتعطيل اتفاق الهدنة وإطلاق سراح الرهائن    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    نجاة 32 شخصا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان    "سرقة البطولة" من الجيش تثير مواجهة مفتوحة بين رئيسي الوداد البيضاوي والرجاء البيضاوي    السلطات الأمنية تمنع تنقل جماهير الرجاء إلى بركان        حافلة "ألزا" تدهس شابًا وتُنهي حياته بطنجة    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    الحصيلة السنوية للأمن الوطني: أرقام حول الرعاية الاجتماعية والصحية لأسرة الأمن الوطني    إسبانيا تبدأ إجراءات تسليم جثة مهاجر مغربي عثر عليه وسط البحر    المغرب التطواني يكشف حقائق مغيبة عن الجمهور    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025        بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية        الدراسات التمهيدية والجيولوجية لمشروع نفق أوريكا تكتمل وبدء التحضير للدراسات التقنية لتحديد التكلفة النهائية    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    قياس استهلاك الأجهزة المنزلية يتيح خفض فاتورة الكهرباء    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موانع الإصلاح الحكومي ..عند العدالة والتنمية..
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 09 - 09 - 2013

3 - تحتل مقولة الإصلاح موقعا مركزيا في الخطاب الدعوي والسياسي للعدالة والتنمية .ولما كان الإصلاح بمنطق التحديث الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي لاينتمي الى الأجندة الإيديولوجية والسياسية لعموم الإسلام السياسي ومنه تنظيمنا المغربي..ولما كان المقصود هو الإصلاح بالمنطق العقيدي الهويّاتي التدّيني الشكلاني ، كما بينّا سابقا ، فلماذا هذا التركيز الكبير..والتّعلق الصّارخ والمستمر ..بمقولة الإصلاح ومشتقاتها في هذا الخطاب ؟؟ربما لأنها مقولة عامة وعائمة وفضفاضة تنتمي إلى / وتشتغل في حقل الدين وحقل السياسة معا..وتفيد في لغة المنطقين التحديثي العصري والتقليدي الهوياتي معا..وتتوجه بسلاسة ونفاذية إلى المتلقي / المخاطب بكل فئاته وأنواعه: الخاص والعام ،الاقتصادي والاجتماعي ،الحليف والمعارض ، الرسمي والمستقل ،الداخل والخارج ..إلخولما كان المجتمع العربي الإسلامي قد جرّب الإصلاح (والثورة..)القومي والاشتراكي والليبرالي ..دون جدوى أو محصول كبيرين..فلماذا لا تحمل هذه « النوبة « الإسلامية ، أيضا ، لواء الإصلاح (والثورة معا..)وتركب موجته ،تنفيذا لقولة شيخ خرف « لقد آلت إليكم فتلقفوها تلقف الكرة «(نقلا عن ذ محمد العمري ج الإتحاد الإشتراكي ع 10461 ? 27 /28 ? 07 ? 2013 )،وفعلا تلقفوها وكأنها غنيمة آلت إليهم بعد تمهيد مضن من غزوهم وفتحهم لمجتمعات كانت تحولاتها في العقود الأخيرة عندهم، مجرد عماء وجفاف ديني..وانحراف قيمي ..وتغريب سلوكي..ومن زاوية أخرى ، تفرض الأزمنة الحديثة ،موضوعيا ، على الإسلام السياسي قاموسا سياسيا ينتمي إلى روح العصر ، قولا وشكلا ، حتى وهو يناقض ويناهض هذه الروح فعلا ومضمونا..من هذا القاموس نذكر تعبير الإصلاح نفسه(كتعبير جمعوي سائد»الإصلاح والتجديد» « الإصلاح والتوحيد «، وكبلاغة يومية سياسية دعوية نضالية رسمية حكومية أو معارضة..)، والصحوة ، والنهضة (حزب الإخوان بتونس) والتجديد ( جريدة الإصلاح والتوحيد) والعصر ( جريدة العدالة والتنمية سابقا)والحرية ( حزب الحرية والعدالة بمصر)..وغيرها من تعابير لاتمت بأي صلة الى وقائع وشواهد النكوص والتقليد والتزمت والمحافظة والأخونة ..ولايمكن فهم كلام ذ عبد العالي حامي الدين ،بأن الدولة المغربية العميقة يسكنها تيار تقليدي محافظ..وأن « لقاء الملك مع مسؤؤلين أمنيين ووزير الداخلية غير دستوري ..» ( ج أخبار اليوم م ع 845 ،31 /08 /2012 )،وأن « المؤسسة الملكية غير المنسجمة وغير المتجانسة ، نظرا الى تواجد تيارين أحدهما اصلاحي والآخر تراجعي ..»( ج المساء ع 2129 ،29 / 07 / 2013 )قلت ،لايمكن فهم مثل هذا الكلام إلا في سياق مفارقة الإصلاح الذي يراد منه الهوية / الأخونة ،والتحديث الذي يراد منه التقليد ، والتاريخ الذي يراد منه الأصالة ، والعصر الذي يراد منه السلف ، والسياسة التي يراد منها الدعوة ،والمواطن الذي يراد منه المريد ..هذا ، عدا الدلالة التي لصاحب هذا الكلام ..كصوت أوسفير إخواني لذود في منظومة الثقافة الحداثية من قانون ودستور وحقوق وإعلام ..حتى يبدو وكأنه الولد ( كما في السينما) المتخصص في قلي الحداثة في / من زيتها ..عندهم..من هذه المفارقات ، نخلص الى نقطة مركزية تقول أن مجتمعنا ، وغيره من المجتمعات العربية الإسلامية ،حقّق خلال هذا الزمن المعاصر الكثير من سمات وطبائع التقدم : منها الوقائع المؤسساتية والمدنية للدولة ..ومنها النزوع البشري الدنيوي للسياسة..ومنها مدنية القانون والسلطة ،ومدنية مرجعياتهما المتراكبة والمتراكمة مع أمور تستبطنها هذه المدنية ،وأهمها مرجعية المصلحة والعقل في أمور المجتمع والدولة والسلوك ،والتي يلخّصها ذ عزيز العظمة في كلمة «علمنة» نقول هذا ونحن ندرك مدى حدّة التفاوت فيما بين هذه المجتمعات على مستوى التأهيل المدني والمؤسساتي والثقافي ، وعلى مستوى النمو الاقتصادي والبشري ،وعلى مستوى الترقي الذهني والعقلي..(عزيز العظمة،جولة أفق في العلمانية وشأن الحضارة،م الآداب البيروتية،ع 7 -8- 9 ،2007 ،ص 5 ? 12 ).
إن الإسلام السياسي ، وهو يدرك مدى انغراس هذه السمات والطبائع في التربة المجتمعية ..ومدى صعوبة بل واستحالة مواجهتها وتغييرها ..،يسعى بممانعاته جرّنا الى منطق « ليس في الإمكان أبدع مما كان..»،والى اعتبار هذه السمات والطبائع المحقّقة ( على الرغم من محدوديتها ونواقصها.. ) مكتسبات مهدّدة ، وعلينا أن نهدر الجهد والوقت لحمايتها ..بدل صرفه في ترقيتها وتعميقها وتوسيعها..مع ما يرافق هذا سياسيا من كبح أو تعطيل أو إرجاء للتناوب الديمقراطي السيّار والطبيعي ..كما يحدث في بلادنا..
4 ? تقول الحكمة أنه يجب الحكم على تجربة العدالة والتنمية انطلاقا من مقياسين : الأول هوالوقت الكافي..والثاني هو فعلها عوض كلامها..
بالنسبة للأول ،سنتان ، تقريبا ، من عمر الحكومة ،ليست فعلا هي كل عمر التجربة الذي هو ، طبعا ، الوقت القانوني الكفيل بالحكم على عملها / برنامجها /إصلاحاتها..لكنها ( =هذه السنتان )مدة جديرة بأن تمنحنا والحكومة ، الملامح والمؤشرات الكبرى لطبيعة عملها / برنامجها ، ووثيرة اشتغالها .وهنا ،يقول المقياس الثاني أن هذه الحكومة هي بحقّ ظاهرة صوتية أوكلامية ، معظم ما قدّمته لنا من « فعل « للامتحان هو مجرد كلام ونوايا ..فأيّ حكم أو تقييم يمكن أن يستقيم مع رجحان الحصيلة الكلامية والنزوع الإيديولوجي لهذه التجربة؟؟
يجب أن نذكر هنا بأن كل عمل حكومي لايعني ولايفيد بالضرورة الإصلاح..وهذا ما ينطبق على هذه التجربة المشغولة أكثر بهواجس تصريف الأعمال وتدبير اليومي (وطبعا محاربة الطواحين..) وهي هواجس صعبة أمامها الكثير من التحديات والإكراهات المالية التي حتّمت على الحكومة الرجوع إلى صنبور القروض الخارجية بوثيرة مسترسلة ،وإلغاء قدر محترم من ميزانية الاستثمار (15 مليار درهم). وقبل ذلك كانت قد بدأت بالزيادة في أثمان المحروقات .هذه ،وغيرها اجراءات سياسية حقيقية لانرى فيها أي موقع لأية عقيدة دينية.ولعلها ، وهي على كل حال اجراءات سلبية تحسب ضد الحكومة ، الإجراءات السياسية الميدانية الفعلية الوحيدة ، لاأثر فيها للإسلام طبعا ،التي طبّقتها الحكومة بعيدا عن صخب كلامها بالإصلاح وعنه..
هذه ،إذن، دروس موضوعية في ضرورة الفصل بين الدين والسياسة ..بين عقل الكلام وعقل الفعل..بين منطق الإصلاح بالدين المؤدلج لذاته وبذاته ومنطق إصلاح وترقية موقعنا التاريخي على هذه الأرض..لكن العدالة والتنمية ،كما عموم الإسلام السياسي ، يغض الطرف عن هذه الفروق والتمايزات الموضوعية ،بأسباب العجز وضعف الخبرة وغياب منظورية الإصلاح الدنيوي وغلبة الحمية الإيديولوجية ..وهي أسباب تعضد بعضها البعض ،وتتساوق مع ذهنية مجتمعية قدرية لاتدرك بوضوح وحسم أثر وسببية وزمنية العوامل الموضوعية البشرية على سيرورة عيشها..أو أنها تعتبر الدين هو السبب الأول والآخر في تفسير الحال..وصنع أو توقّع المآل..لذا سيظل الجنوح الجامح إلى الشعبوية ..والتقمص الدائم لدور المعارضة..(حتى والعدالة والتنمية في الحكومة..) والاجترار الإستهلاكي اليومي لشعار» الإصلاح ومحاربة الفساد والاستبداد ..» أسلحة بنيوية لامحيد عنها في ظل غياب ضرورة الفصل بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية،وفي ظل العجز عن تحقيق الإصلاح المؤهّل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية..
لكننا نعتقد أن هذه الذهنية المجتمعية القدرية لن تظل هكذا راكدة مستلبة بخطاب الإسلام السياسي .ولعل حدث 30 يونيو 2013 بمصر حيث خرجت حشود بشرية بالملايين ضد حكم الإخوان المسلمين ،وهو بحق مفصل تاريخي في البدايات الأولى لدينامياته ..وهي ديناميات ستكون شاقة ،وبالأسف مكلفة دمويا ، إنما هي ديناميات مجتمعية واعية وحادّة في نقض الحكم بإسم الدين ،وما جر على مصر ،في ظرف قصير جدّا ،من مخاطر الاصطفاف العقائدي / الإيديولوجي في هياكل ومؤسسات الدولة الأساسية كالقضاء والإعلام والثقافة،ومن تدني مستويات العيش وارتفاعتكاليفه..
لهذا يعمل الإسلام السياسي بكل الوسائل وفي كل الواجهات على استمرارية وإنعاش هذه الذهنية ،لأنه يرى فيها جوهرا قارّا ماوراء التاريخ وماقبله ومابعده هو الإسلام ،ضاربة عرض الحائط بالواقع والتاريخ..وبشروطهما واكراهاتهما وصيرورتهما..وهذا هوعينه مفهوم الشعبوية في النظر إلى الشعب والمجتمع عند تيارات الإسلام السياسي..5 ? إن مفهوم الإصلاح ونوعه وطبيعته عند العدالة والتنمية يجعل من التمييز او التمايز بين الحزبي و السياسي و الدعوي و الجمعوي والحقوقي والشبابي والنسائي وحتى النقابي ،داخل هذا التنظيم الإسلاموي ،واقعا شكليا فقط ..ويجعل من الحديث عن الأذرع في هذا التنظيم مجرد مسألة منهجية قطاعية فئوية..بينما المشروع واحد متطابق.. والوجهة موحدة محدّدة..
قد يكون هذا هو حال كل الأحزاب مع /وبتنظيماتها الموازية ..نعم ، على الرغم من خلخلة هذه الأشكال التنظيمية لصلابة الإسمنت الإيديولوجي الشمولي والمتطابق ، وذلك بفضل السّماد الديمقراطي المتصاعد اليوم ،الذي أصبح يضفي على العلاقات الأفقية والعمودية داخل هذه التنظيمات وبينها الكثير من التنسيب والاستقلالية الخلاقة والنقد والاختلاف والحرية ..طبعا في إطار الوحدة التنظيمية الكبرى..
لكن مع تنظيمات العدالة والتنمية ، حيث أننا في مرحلة ماقبل السياسة ..إذ السياسة الحقيقية هي الدعوة..وإذ الدعوة هي مبتدأ السياسة وخبرها ..لايمكن للفكر الديمقراطي وآلياته أن يكون مطلوبا ،أو مجديا،أو مستساغا في حضرة منطق الكلام المطلق حيث للإصلاح بعد واحد هو البعد العقائدي الأخلاقوي .. وعليه،يمكن الحديث ،بالتالي، عن العلاقات داخل وبين قطاعات (أذرع)العدالة والتنمية..أو داخل وبين (أذرع)الإصلاح والتوحيد..سيان.فالأمر شبيه بالعلاقات بين الوحدات العسكرية لجيش ما خلال الحرب : الجبهات مختلفة..المجالات مختلفة..الأسلحة مختلفة ..لكن نفس القيادة العامة لنفس الانضباط لنفس الغاية..وقد صدق الداعية عماد القباج منسق جمعيات دور القرآن لما قال أن «التنسيق والتعاون بين مكونات الخطاب الدعوي ،لاسيما التنسيق بين العمل الرسمي والعمل الجمعوي التطوعي يقوّي العمل الدعوي ..» نعم العمل الدعوي - وليس السياسي ، لأنه هوالأصل وهوالغاية..(في حوار مع ج التجديد ع3202-31/07/2013).
إن الإصلاح كما يفهمه ويعرفه ويسعى إليه أهل العدالة والتنمية هو بالدرجة الأولى مهمة دعوية وفقهية .إذ الإصلاح بالدين ولأجله ،لايمكن إلا أن يكون مهمة أهل الدين. وليس هذا لأن في الأمر تخصص أو اختصاص يمكن تفهّمه وتعليله ، ولكن لأن هذا هو أصل الإصلاح وعينه ..هو الإصلاح والإصلاح هو..والدعاة والشيوخ والفقهاء هم رجاله وجنده..
وأما السياسة بمفهومها وآلياتها ووسائلها وغاياتها واجراءاتها البشرية الدنيوية فهي لاحقة..ملحقة..وهي في أحسن أحوالها تنفيذا لهذا الإصلاح..
وبتمرين بسيط يقوم به أي متتبع أو مهتم ،سيقف عند خارطة « الإصلاح الإسلامي « كما ترسمها وتفصّلها كل قطاعات وأذرع العدالة والتنمية ، إن بالواضح أو بالمرموز ،إن اليوم أو بالتدريج، والتدريج يفيد شيئان : صعوبات اليوم أو صعوبات الدفعة الواحدة ..ثم رهانات الغد التي هي الغلبة والتمكين..
وفيما يلي ثلاث واجهات /عيّنات من / في هذا التمرين :
1 ? قد تكون جريدة «التجديد « صوت حركة التوحيد والإصلاح ،هي في نفس الوقت صوت العدالة والتنمية ، مسألة عادية ومعلّلة ، لأن الأخير لايمتلك جريدة خاصة..ولأن « التجديد « وماوراءها سلاح لنفس الجيش..
وقد يكون الأمر غير عادي إذا تساءلنا : لماذا لايمتلك تنظيم «سياسي» له قاعدة انتخابية منحته 107 نائبا برلمانيا صوتا / جريدة خاصة للتواصل والتفاعل مع هذه القاعدة؟ ولماذا لاتحتاج هذه القاعدة ،أصلا،لمنبر إعلامي خاص؟
سنقول هنا ، أن الإصلاح الإسلامي الذي يستهدفه العدالة والتنمية لاحاجة له بالسياسة السياسية ..ولابالجريدة السياسية ..حتى وهو بهذا الفريق البرلماني»الكبير»(.. والنسبي جدا من الناحية التمثيلية العددية..)، مادامت له قنواته ومنابره التقليدية التي تفي بالغرض التواصلي..وهي قنوات ومنابر غير سياسية ،لكنها توظف في الصراعات والانتخابات السياسية .وهذا يعدّ من جملة الاختلالات الكبرى الناجمة عن الخلط بين الدين والسياسة ، والتي تضر السياسة السياسية والأحزاب من جهة ، ومن جهة ثانية الدين كمكون هوياتي روحاني لاحم للجميع ومتعال عن الجميع . لأن هذا الجميع لايمكن إلا أن يكون من الوجهة السياسية متعددا مختلفا ومتصارعا في إطار المصلحة العليا والمستقبلية لهذا الجميع نفسه..مهما يكن ، فجريدة»التجديد» ،إذن ، هي جريدة الجمعية / الدعوة ، والحزب/السياسة في نفس الآن..ولأنها في الأصل والقانون جريدة التوحيد والإصلاح ،فإن هذا « مايشفع « و « يبرر « لها الصّدح بصوت التوجيه للحكومة عامة وللوزراء الإسلاميين خاصة ، الذين هم بتحصيل الحاصل أعضاء في التوحيد والإصلاح بالفعل ،أو بالإيديولوجيا الجامعة ، وأحيانا بصوت النقد والعتاب . وأما صوت التكامل والتبادل والتقاسم والتشارك في الأدوار ،فهو الأصل والفصل في العلاقة بين « التجديد « /التوحيد والإصلاح/الدعوة من جهة..والعدالة والتنمية /السياسة /البرلمان والحكومة من جهة ثانية..2 - تمتلك التوحيد والإصلاح فريقا تنظيميا حركيا من الدعاة والخطباء والوعاظ (الحركية هنا ،بمعنى الوعي بالمشروع ،ثم الانخراط في دعمه وتنزيله هنا وهناك ..ومنازلة ومهاجمة خصومه و»أعدائه» أينما كانوا وفعلوا وقالوا..)،عدا مناصريها وحلفائها من السلفيين والأصوليين والقرآنيين (من دور القرآن) . جل هؤلاء ،إن لم نقل كلهم ،يدرك « فرصة « أن يكون العدالة والتنمية في الحكومة ،وما يمكن أن تنطوي عليه هذه الفرصة من إمكانيات وآفاق لخدمة ورفد وبلورة المشروع الإسلامي في بلاد المغرب ،الذي هو عينه المشروع الإصلاحي لعموم تيارات الإسلام السياسي في المجتمعات العربية..( من هنا لايمكن إلا فهم وتفهم الحنق الشديد الذي ألمّ بالفقيه الريسوني على إهدار الفرصة المصرية في هذا المشروع ،وما أدراك ما هذه الفرصة..و في مصر بالذات..).
وقد اخترنا من هذا الطاقم الدعوي العنقودي ، الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني بالذات (يخطر بفهمي أن أعطف هذه « المقاصدي « على المقصد الأرأس للفقيه الذي هو المشروع الإسلامي لأجل الدولة أو الخلافة الإسلامية ..وليس على المقاصد الفقهية التي لايمكن ،بسنّة التغيير وحتمية الإجتهاد ،إلا أنى تكون لأجل مصلحة الناس ، حيث تمة شرع الله ، سمحاء ..متعددة ..نسبية..متحولة..)الخبيرالأول بمجمع الفقه الإسلامي بجدة ،ورئيس رابطة علماء السنة.اخترناه بالنظر لتواتر حضوره الإعلامي ..ولأثر ونوع خطابه الدعوي /السياسي ،إن باندفاعه واقتناعه وميله الخاص..أوبطلب من الجمهور الإعلامي والجمعوي..والحالتان معا لاتفسدان للإثارة المقاصدية معنى ومسعى.. حتى أنني تخيلت وكأن هذا الفقيه المغربي يريد أن يقول فيه المستقبل كما كان الماضي يقول :((..وصادفت عودته من ديارالإسلام المنوّرة ،بعد أن قضى فيها ستة أعوام في تحصيل العلوم الشرعية واستكناه المتون الفقهية وتدوين موسوعة القواعد الأصولية والمقاصدية ، غليانا إسلاميا مباركا في ربوع الأمة المغربية ، وتقول رواية أخرى أن عودته كانت بسبب هذا الغليان ولأجله ..والله أعلم. فأنخرط في هذا الغليان المجيد جامعا بين الممارسة والمدارسة ، لايخاف في خدمة هبّة الإسلام،وحماية وإحياء أصوله الشريعية والتشريعية ، ومحاربة نفوذ وتغلغل الإلحاد في دواليب الدولة المغربية وفي اعلامها ،قلت لايخاف في ذلك سيف أو سلطة حاكم ،ولا ضغط أو تغريض مناوىء ، مهتبلا فرصة صعود أصدقائه ومشايعيه الى سدة الحكومة بالصناديق الانتخابية الأعجمية الأصول ،والتي تحولت بفضل شرعنتها وتقعيدها من طرف علماء وشيوخ الإسلام من أمثاله ، وبفضل رسالة الإسلام للعالمين ، الى وسيلة شرعية مختصرة لتنصيب وتثبيت حكم الإسلام على الشعب المغربي المسلم مثل باقي اخوانه في القطر التونسي والمصري الشقيقين..))
إن الرئيس السابق لجمعية الإصلاح والتوحيد ( ولاقيمة للسابق هنا ..دون معرفة دورها اللاحق / الحالي في العلاقة مع العدالة والتنمية..) التي استقبلت وائتلفت مع الجماعة الإسلامية سليلة «الشبيبة الإسلامية» باتجاه الحزب الحركي لعبد الكريم الخطيب كمحطة لنيل الاعتراف والشرعية ،للمرور إلى الإقامة في العدالة والتنمية ( والمطالبة الموارية لاحقا بفتح باب العودة أمام الرمز الشبيبي الإسلامي القتّال عبد الكريم مطيع..).قلت إن السيد أحمد الريسوني هذا مانظنه إلا مباركا ل / مغتبطا بالنجاح الإنتخابي للعدالة والتنمية ،وكذا قيادة الأخير لحكومة مابعد 25 نونبر 2011 ،للعمل سويّة ،كل من جانبه على ترجمة وتنفيذ مشروعهم الإسلامي للإصلاح ..أو مشروعهم الإصلاحي ، الإسلامي . .يجدر التذكير هنا ،بأن الفقيه الريسوني لايخفي غايته في بناء السياسة على أساس الشريعة ، على شاكلة ولاية الفقيه الإيرانية،لأنه وبكل بساطة مقتنع ،كما قال عبدالله حمودي ،برأي زائف يصدّق بمبدأ ترجمة الأغلبية العقيدية (..المغاربة مسلمون في معظمهم..طبعا..)إلى أغلبية سياسية اسلامية ، لايمثل فيها التفوق الانتخابي للعدالة والتنمية إلا تحصيل الحاصل لبداية الطريق..(ع الله حمودي ،الدخيل والأصيل في فكر الريسوني ،ج أخبار اليوم م ع 857 ،14/09 /2012 ) وذلك لأن الشعب المغربي المسلم والحركة الإسلامية ،عنده، وجهان لنفس العملة ،ومن يستهدف الحركة بالاستئصال ،عليه أن يستأصل كل هذا الشعب..(الريسوني في حوار مع ج التجديد ع2955 ،07 /08/2012 ).
ياله من منطق أصولي ، إخواني ديماغوجي شعبوي صوري ..يسعى الى الهجوم والاستئصال من حيث يبدي الدفاع ويمثل الضحية..
مهما يكن ،فإن المشروع الإسلامي الإصلاحي عند الريسوني يتقاطع مع نظيره عند العدالة والتنمية على مستوى الكلام/الخطاب اليوم على الأقل..في الغايات التالية:
« تقوية حضور الإسلام في حياة المسلمين ،وإحياء سننه ، وتفعيل شريعته ،وترقية وترشيد التدين،مع ضرورة الدعوة المستدامة والتربية المستدامة..» وحتى وإن اتفقت جميع المذاهب والاتجاهات على محاربة الفساد بكل أنواعه وأشكاله ،فإن ميزة الإسلاميين ،عند الريسوني،تتمثل في قدرتهم على تقديم القدوة في النزاهة والاستقامة ونظافة اليد كصفات ،يتفوق فيها عادة المتدينون والملتزمون ( أحمد الريسوني ،المشروع الإسلامي على المحك ،ج المساء ع 1877 ،05/10/2012).إن المنزع الإيديولوجي التفضيلي في هذا الكلام لاغبار عليه ، إذ هو يدفع النار دفعا على خبز العدالة والتنمية وكأنه وحده الخبز الحقيقي ،والباقي « يرني « تلك النبتة التي كان المغاربة يأكلونها أيام المسغبة ..أو قل أنه يعتبر وزراء العدالة والتنمية وحدهم النزهاء الأصفياء الأوفياء ، لأنهم وزراء متدينون ملتزمون ..أوبالضبط لأنهم ينتمون الى حزب اسلامي ،أي اسلاميون ،مادام كل الوزراء (و معهم معظم المغاربة..)مسلمون ،ومتدينون حتى..(تصنيف وتفضيل الريسوني لوزراء العدالة والتنمية..ولعموم الإسلاميين ،ينهض فعلا على تمييز واضح وجليّ بين الإسلامي والمسلم ،عنده..). وأما ما ينطوي عليه كلام الريسوني من نظيمة اخلاقية تقول أن الأخلاق المستقيمة والإسلام صنوان متلازمان ، أو أن مكارم الأخلاق وقف على المنظومة الإسلامية وحدها..فأقل مايمكن التعليق به على هذا الكلام ، هو الزيف المنافي لواقع الأمم والحضارات المتقدمة اليوم في الأخلاق والقيم ،كما في الإقتصاد والإجتماع والثقافة والسياسة والعلم..مقارنة مع الواقع المتخلف والمتردي للمجتمعات العربية الإسلامية في هذه المجالات وفي غيرها..إلا إذا كانت الأخلاق تفيد ،فقط، هذا النزوع الصاخب إلى تقوية مظاهر وأشكال التديّن الاستعراضي في كل أوصال المجتمع ..هذا ناهيك عن المضمر العنصري المحايث لهذا الكلام ،وهو على كل حال مضمر ملازم،دوما، للكلام المطلق عن المسلمين ك « خير أمة..»
.لقد انخرط الفقيه الريسوني بكل ما أوتي من « أساس علمي « و « استطاعة ميدانية « في هذه « النقلة العميقة والنوعية والحقيقية « التي تمثلها رئاسة العدالة والتنمية للحكومة . هذه النقلة التي أتبثت « أن كل ما كنا نسمعه منذ الاستقلال عن الديمقراطية وعن الانتقال الديمقراطي وعن التناوب..كان كلاما وكان خداعا وكان تزييفا..» أمام هذه النقلة الحالية .. « الأولى من نوعها في المغرب الحديث « ( عن ج التجديد ،عدد سابق).ونعتقد أن هذا الكلام الريسونئّ يقترب كثيرا من كلام وزير الدولة السيد باها ، بأن النخبة الحزبية العصرية ،عدا أنه أنشأها الاستعمار ،فهي غير متدينة ،عكس نخبة وأعضاء العدالة والتنمية التي هي فقط المتدينة ، وهي بالتالي النخبة الحقيقية المطابقة للمغرب والمغاربة ،وهي طبعا نخبة حكومة مابعد 25 نونبر 2011 التي « ابتلاها الله لخدمة الإصلاح في هذه البلاد « كما بقول السيد باها. لايحتاج هذا الكلام الواضح المباشر الى أية قراءة او تأويل إضافيين، عدا خدمته لنوايا المشروع الاصلاحي ، الإسلامي ، الإخواني عند حكومة العدالة والتنمية : من مثل شرعنة الفقيه الريسوني للتدبير بمنطق الحلال والحرام في السياسة .. ومن مثل شرعنته وإجازته « لبعض المتدينين وذوي الإستقامة والنزاهة « (وهم وزراء العدالة والتنمية بالضبط عنده..)تولي مناصب ووظائف سياسية وادارية ومالية وقضائية في ظل قوانين مخالفة للشريعة «..مادام الهدف الأسمى عنده هو الإصلاح..( ذاك الإصلاح الذي بينّاه كم مرة في ماسبق..)(ج التجديد ع3179 ،27 /06 /2013 )، ومن مثل تحذيره المستمر لأصحابه « أصحاب الخطاب الإسلامي « كما يسميهم ،من إلغاء المرجعية الإسلامية في القضايا التي يعالجونها لفائدة مرجعيات أخرى قانونية وسياسية واعلامية ، كما حدث في قضايا مثل : الأطفال المتخلى عنهم ، والمهرجانات ،والبنوك الإسلامية ،واعلانات محاربة الرشوة ..حيث دعا الفقيه بقوة وصرامة إلى تبني واعتماد خطاب وموقف اسلامي صريحين ومباشرين في مثل هذه القضايا.. ، حتى أن قلما يكاد يكون ناطقا باسم رئاسة الحكومة وبإسم تنظيماتها وقطاعاتها ،لم يعجبه الحال فردّ « عفوا يافقيه المقاصد..الدولة الحديثة ليست دولة الفقهاء» ( ج أخبار اليوم م ع 1087 ،12 /06 /2013 )،ولنا عودة فيما سيأتي ،إلى الدور الإعلامي في هذا النزوع الإصلاحي الإسلامي ، معتبرا أن « التشويش لايبررضعف عمل الحكومة وبطء انجازاتها ..» طبعا في هذا المنحى الإصلاحي (في حوار مع ج المساء ع 2094 ،18 /06 /2013 ).
إن الريسوني يضع هذا النزوع الإصلاحي في مسار « الأمور الجدية « التي تقع في المغرب ،كما عند الأشقاء الإخوان في تونس ومصر، لذا فالأمر عنده « معركة إصلاح معقدة وتحتاج إلى نفس طويل « ،كما تحتاج الى التظاهر ( في الشارع يقصد..) للمساندة والدعم ( ج اخبار اليوم م ع 918 ،27 /11 ،2012 ). هذا الصوت الفقهي الدعوي «العضوي» ( بالمعنى الغرامشي) لابد له كل مرة من جرعات إضافية متواترة كميا ،وبالخصوص نوعيا ، من الجرأة والشجاعة استجابة لنفسانيته هو بالذات كممثل وكمحارب صنديد في صف الإخوان المسلمين بالجبهة المغربية ،أو بالغرب الإسلامي للدّقّة..واستجابة أيضا لعيون وآذان الأتباع والأنصار والأحباب والخصوم أو الأعداء للدقة أيضا..
لذا يطل الريسوني كل مرة بوعي وحسبان من جهة..ويتوجه ،من جهة ثانية، بسهامه الحادة السامة إلى الدولة على شكل تهم ثقيلة مثل تغلغل الإلحاد فيها..( وأما تشكيكه في الأهلية العلمية والفقهية لأمير المؤمنين فقد نال عليه ذات مرة صفة « بليد « (وما هو ببليد طبعا..) من طرف المرحوم عبد الكريم الخطيب ) ورفضه لتجديد البيعة سنويا ..وهذه عنده من الأمور التي تفيد أن الإصلاح يجب أن يهم أيضا ،ولربما أساسا ،سقف الدولة، أو أن هذا الإصلاح أو الفتح الإسلامي الحالي يجب أن يطال الجميع،الدولة والمجتمع معا..
ومثل قربها ( يقصد دورالدولة..) عما يجري لحكومة بن كيران، « بطبيعة الحال « (بطبيعة الحال هذه من عنده طبعا..).
ولعل حصة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ،ووزيرها أحمد التوفيق هي الأوفر حظا في مرمى سهام الريسوني .فالوزارة عنده عبارة عن « جزيرة منعزلة « « لاعلاقة لها بالحكومة «..و» الشأن الديني يسيّر بطريقة عتيقة ،متخلفة واستبدادية « ..(ج المساء ع2094 ،18 /06/2013 و ع 1891 ،22 /10 /2012 ).حتى أنه سخر بشدة من الوزير أحمد التوفيق ،على مقارنته بين شجرة بيعة رسول الإسلام ..ومظلة بيعة الملك..ونعتقد أن الريسوني يستهدف في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،وعبرها مايلي :
أ ? إمارة المؤمنين ،وعموم السلطة الدينية والرمزية للملك :قد يرد قائل بأن الريسوني لما انتقد إمارة المؤمنين ..أو البيعة..لم يخف وجهه ..نعم ، لكن هل بإمكان هذا الفقيه ، بل وهل من مصلحة العدالة والتنمية وهو في الحكومة ( ..وحتى وهو خارجها كما حصل مع « بليد « الخطيب..) أن يردد الريسوني كل مرة ،ومن دون مناسبة هذا النقد؟؟ وإذن ، فوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ،على تماس وظيفتها بحقل إمارة المؤمنين ،(ألم يقل الريسوني أن لاعلاقة لهذه الوزارة بالحكومة؟) توفر له هدفا غير مباشر ..ومستمر..
في انتقاد هذا الحقل لغرض زعزعته وتقويضه ..كما يوفر له تدبير وزيرها مناسبة للسخرية من رأيه ومعرفته ،والتعالي على موقعه ،سيما والوزير معلوم كمؤرخ و روائي ومتصوف..وهذه السّير قد تكون نقيصة مفصلية في عرف فقهاء الإسلام السياسي ،إذ كيف يصحّ في وزير مسؤول على الشؤون الدينية للأمة أن لايكون فقيها او شيخا أو مفتيا كبيرا ؟؟
ب - الإستقرار الديني والعقيدي والمذهبي للمغاربة :وذلك ،على اعتبار أن الوزارة المعنية تبسط ادارتها وسلطتها على مساجد المملكة وأئمتها وأوقافها ..وعلى اعتبار عدم الارتياح الذي يبديه أو يشعر به الأئمة والوعاظ المحسوبين على التوحيد والإصلاح /العدالة والتنمية،سيان ،والمتعاطفين معهم ،بإزاء سلطة الوزارة ..وعلى اعتبار أن قطاع الأوقاف والشؤون الإسلامية هو روح وطاقة مشروع الإصلاح الإخواني ،أو بالأحرى يجب أن يكون هو الروح والطاقة في تعبئة المسلمين المغاربة على نصرة حزبهم تدافعيا وانتخابيا..لتبوئته مقاليد أمورهم الى غير رجعة..(وهذه،للتذكير،من وعود الشيخ السلفي المغراوي لإخوانه الحكوميين ..وبمناسبة هذا الشيخ ،وفي سياق تحليلنا ،نقول هل يحتاج رد الفعل القوي لبعض وزراء ونواب العدالة والتنمية في البرلمان على وزير الأوقاف بشأن قرار إغلاقه لدور القرآن ،الى نبوغ تأويلي لكي نفهم ،أيضا،إدراك الريسوني وعموم إخوانه ،لمدى أثر وتأثير هذه الوزارة لهم وعليهم..ولكي نفهم ،ثانيا،الخلفيات الدعوية والمذهبية والإيديولوجية «الخاصة « لدور القرآن وعموم الجمعيات المثيلة؟؟).
ولما يدعو الريسوني إلى « دمقرطة هذا القطاع « (= عموم الشأن الديني ووزارة الاوقاف)(ج المساء ع 1891 ،22 /10 /2012 )،فإنه بالنتيجة المنطقية الدعوية الإيديولوجية سيذهب استخلاصنا الى أنه يريد بهذه « الدمقرطة « ومنها أضعاف السلطة الدينية للوزارة (والدولة تاليا..)،واستباحة دورها في خدمة ورفد الوحدة المذهبية والعقيدية للمغاربة ..وعدم ائتمار الأئمة بخططها ..وشرعنة خطاب الإسلام السياسي بالمساجد..وليس اصلاح الحقل الديني بما يقوّي ويمنّع استقلاليته عن معمعان الصراع السياسي ،ويزكي تمركز سلطة هذا الحقل في أمير المؤمنين ،ويخدم الميراث المغربي المتسامح والمجتهد والموحّد لهذا الحقل.. إذ التجربة والواقع والنظر برهنوا أن الإسلام السياسي لايبتغي من «اليمقراطية « إلا «عسل « صعوده وسيادته وحكمه..
وقد انتهينا من تحرير هذه المقالة ،مدّنا الفقيه الريسوني مرة أخرى،بإطلالة واعية ومحسوبة ،أيضا ، كما جاء في منطق تحليلنا ،بل ومركبة الاهداف .. فبمناسبة قضية العفو عن الإسباني دانييل كالفن وما أثارته وخلّفته من ردود وتداعيات ،طلع الريسوني في جريدة أخبار اليوم المغربية ،طبعا ،(ع 1134 ،06 /08 /2013 )يقول بأن قرار العفو لايعبر فقط عن « خطأ شنيع « (..وما جاء في لغة البلاغ الأول للديوان الملكي يفيد « الخلل»..)وأن « القضية أكبر من دانييل « من حيث أنها « تدل على خلل أكبر بكثير وأوسع بكثير..» يتمثل في « عدم تطور طريقة اشتغال المؤسسة الملكية» داعيا الى «الإصلاح الحقيقي « لهذه المؤسسة التي « تظل رافضة للدخول في العصر ، وتظل جامدة على طقوسها وأساليبها المتخلفة «..
لايهمنا ما تبعث عليه الجملة الأخيرة من كلام الريسوني من سخرية لايسعنا معها إلا القول حقيقة أن الإيديولوجيا الدعوية الإخوانية تعمي الأبصار والبصائر ..حتى أنها تعيب على خصومها (أو أعدائها..) مثل تهمة الخروج من العصر هذه ..ما هو فيها بنيويّا متجدّرا..بقدر مايهمنا التنصيص على « العقدة « التي تشكلها الملكية في المغرب بشرعياتها الرّاسخة والمتنوعة ، دينيا وتاريخيا وشعبيا ووطنيا وعصريا ، على مشاريع الإسلام السياسي وفقهائه كالريسوني ..والتي تقتضي ( أي هذه العقدة ) إما المهادنة والتلويح بأن « الملك مع الإصلاح « لأنه « هو الذي فتح الباب لكل التغيرات التي حصلت (...) والتي فيها مصلحة بلده ومملكته ورسالته ومسؤوليته « (أحمد الريسوني ج أخبار اليوم م ع 918 ، 27 /11 /2012 )، وإما المهاجمة بأن هذه الملكية نفسها التي تريد الإصلاح..» ترفض الدخول إلى العصر(...) ويلفها التعتيم الشديد (...) وقراراتها وميزانيتها لاتناقش (...) كل من يعمل داخلها يبقى خارج دائرة الحساب والمساءلة والمحاكمة والمعاقبة « ،عدا «..غضبة ملكية « طفيفة ..وغيرهذا الكلام من سهام الريسوني ..التي عرجت في الأخير على قرار إغلاق دور القرآن من طرف وزارة الأوقاف متسائلة «.. بلسان الناس ..(...) هل هذا القرار اتخذه الملك بنفسه لكونه يدخل فيما يسمى الحقل الديني « ؟ أو اتخذه وزير الأوقاف ،كما هو ظاهر الأمور؟ أو اتخذه المستشار القوي داخل المحيط الملكي ،ثم أملاه على الوزير باسمه الخاص أو باسم «سيدنا» «؟
تصب هذه الأسئلة الريسونية ،إذن، بكل وضوح في منطق تحليلنا لموقف الريسوني ، فقيه وداعية ومنظرالمشروع الإصلاحي للإسلام السياسي بالمغرب، من المؤسسة الملكية..ومن ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي ما يهاجمها بشدة إلا لأنها تمثل « ظاهر الأمور»..ولأنها ممرّه إلى «باطن الأمور».. هناك تجربة تاريخية أمريكية كتبت تاريخ أمريكا بمنطق « لو «.. باحثة مثلا في موضوع لو لم يتم تشييد السكك الحديدية نحو الغرب الأمريكي ،ماذا كان سيكون تاريخ امريكا؟ أو هل كان سيكون بمثل ماكان ؟ وجريا على هذا المنهج نطرح هذه الأسئلة: لوكانت المؤسسة الملكية غير موجودة ؟ أو موجودة ،لكن مفتقدة أو مهزوزة الشرعية ، أو ضعيفة ؟ أو فاسدة ؟ هل كان موقف /فعل الريسوني سيبقى عند هذا الحد ؟؟ إن دور الفقيه والداعية الريسوني لايمكن إلا أن يدخل فيما وصفه ذ عبد الإلاه بلقزيز في « الدور المهدوي بإمتياز « بإعتباره « يتوسط بين الحقيقة والجمهور «وبإعتباره «يمتلك الحقيقة « وبإعتباره يقوم ،شأن كل خطاب ايديولوجي على « فكرة الخلاص « (ج الإتحاد الإشتراكي ع 10434 ،27 /06 /2013 ).لكن مايمكن أن نعيبه على رأي ذ بلقزيز هو أنه عوض أن يركز نقده على دور الداعية الديني بإعتباره يمثل اليوم البطولة الدعوية في المجتمعات العربية الإسلامية ، يسحب ويعوّم نقده على الداعية الحزبي الحديث..والداعية المثقف الطبقي وغيرهما..ونحن لا نعيب عليه هذا السحب والتعويم في حد ذاتهما ..وإنما نعيب عليه وضع كل الدّعاة في سلة واحدة ،وكأنه يهرب أو يهاب من التخصيص والتعيين..والحال أن الحزب والمثقف الحديثان هما اليوم في أسوإ حالهما وتأثيرهما ونفوذهما..عدا أنهما صارا أكثر تمثلا وانصياعا لسلطة النقد الثقافي والسياسي ..ومها يكن ، فالفقيه أحمد الريسوني يمثل حقا ما يسميه عبد الله العروي «طوبى الفقيه « في السياسة والدولة..لكن الريسوني لاينتظر ،لكي تقوم الخلافة أو الدولة الإسلامية ،أن «.. يشاء الله ويغير طبيعة البشر..» (ع الله العروي ،مفهوم الدولة ط 1 ،1981 ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء)،بل يبادر بالمدارسة والممارسة ،بالتعبئة والنفير،لكي تقوم هذه الدولة / الخلافة الآن هنا..ربما لأن الأمر لم يعد طوبى سياسية اسلامية كما اعتقد عبد الله العروي، وإنما أصبح امرا واقعا بهذا « الربيع الإسلامي».. لكن ماحدث بمصر بعد 30 يونيو 2013 ،أكد ،فعلا، هذه الطوبى السياسية في الإسلام كما حللها ع الله العروي.3 - مرّ بنا أنه حتى الصحافي توفيق بوعشرين صاحب جريدة أخبار اليوم المغربية رد بقوة على « اتهام « ( هذه الجريدة هي التي وضعت اتهام بين مزدوجتين..)الريسوني وزراء العدالة والتنمية بالإبتعاد عن المرجعية الإسلامية صارخا « عفوا يافقيه المقاصد ..الدولة الحديثة ليست دولة الفقهاء»..
ولايهمنا ،هنا ،هذا الرد الذي ينتصر للدولة الحديثة « دولة القانون الوضعي الذي يستمد مشروعيته من الأسس الدينية والثقافية والإجتماعية للجماعة التي تنتخب من يضع القوانين ويطبقها ..» (ج أخبار ي م،ع 1087 ،12 /06 /2013 )على الرغم مما يشوب هذا التعريف من خلط وغموض وتعويم..، بقدر ما يهمنا مناقشة « الإعلام المستقل « في شخص هذه الجريدة (وفي غيرها..طبعا) وعلاقاته وارتباطاته بهذه الجهة أو تلك ..وهي علاقات وارتباطات من حرية هذا الإعلام..كما هو من حريته الخط التحريري الذي يرتضيه لهذه العلاقة وهذا الإرتباط.. ولعله من البديهي القول أن هذه العلاقة وهذا الإرتباط يشرطان موضوعيا وذاتيا على هذا الخط أو ذاك إكراهات وأوفاق وتبادلات نفعية مادية ومعنوية ..واضحة صريحة ،أو مضمرة مشفّرة.. وقد بات ، والحال هذه ،من غير المقبول عند بعض الجرائد ادعاء براءة الإستقلالية ،مقرونة بغير قليل من بهارات النضال والتضحية والبطولة والحقيقة والإستهداف (= مستهدفة..).
وفي حالة السيد توفيق بوعشرين ،نحن نقوم هنا بالنقد كحرية معرفية تجاه حالة أو ظاهرة إعلامية ، وليس تجاه حالة أو حياة شخصية، حتى ونحن نعلم أنه في الكثير من تجاربنا الإعلامية « المستقلة « يكون الفرد /المسؤول /صاحب الجريدة هو عينه الظاهرة ..وتصير الأخيرة رسما له..
لقد مر مشوار هذا الصحافي بمرحلتين متمايزتين :* مرحلة العمل الصحافي عند الآخرين حتى ولو شغل رئاسة التحرير ..وقد عاصرت هذه المرحلة تجربة التناوب التوافقي ، وتأرجح فيها قلمه بين الأسبوعيات واليوميات ..ولقد ترسخ بذهني أنه كان يبدو دوما إعلاميا مثقفا ،أو مثقفا في الإعلام..يجمع في نقده بين اليومي والأكاديمي ،وينتمي ،أو هكذا خيّل إليّ ،إلى طلاّب الدولة المدنية الحديثة المؤسساتية ، سيما وقد كان دوما متيّما مستشهدا بعبد الله العروي كأيقونة له..( في المرحلة الثانية يبدو أنه عرّج صوب عبالله حمودي ..).* مرحلة المقاولة الإعلامية الخاصة و «المستقلة « ( وهي على كل حال مرحلة جرّبها الكثيرون غيره ،إذ التوالد والتناسل من الذات وفيها.. في الإعلام المكتوب ،يكاد يكون ظاهرة مغربية، وعليه ،فالظاهرة ،إذن،حالة عيش ،ومصدر رزق ،وحتى ارتزاق..).ابتدأت جريدة (أخبار اليوم ) بجرعة كبيرة من الجرأة ،حدّ التهور ،كما حصل مع الكاريكاتور المعلوم ،الذي ستغيّر تبعاته القضائية مسار وخط و» فلسفة» السيد بوعشرين صوب (أخبار اليوم المغربية)الى اليوم..
يستطيع أي متتبع أن يلحظ الرهان الكبير الذي وضعته هذه الجريدة على حركة 20 فبراير بالأمس .ومثل أي قارىء تساءلت وأتساءل بدوري ،مادخل وماشأن جريدة «مستقلة « في خدمة هكذا رهان الى حد أنها صارت كقناة الجزيرة في علاقاتها مع موجة الإحتجاج العربي عام 2011 ؟الراجح عندي هوالسوق ..كم سيكون هذا السوق كسبا طيبا منتشيا ومزهوا ،وهو يلعب ،وقتذاك على زبائن النضال الهادر والتغييرالمنشود ،حتى لانقول الثورة..كما يستطيع أي متتبع أن يلحظ،أيضا،الإنخراط الكبير والواضح لهذه الجريدة في خدمة حكومة عبد الإلاه بن كيران وتنظيماته ووزراءه وبرلمانييه..وكأنها أكثر من صوته الإعلامي (وهي بحق تضاهي «التجديد» في هذه الخدمة..وبعيني أرى ،دوما،بعض أهل العدالة والتنمية يمرون في الكشك إلى أخبار اليوم م رأسا دون إلقاء ولو نظرة خاطفة إلى « تجديدهم «..).ويتجلى هذا الانخراط اليومي في المواكبة..والمتابعة ..والصور الشخصية لأهل العدالة والتنمية..والسبق الصحفي لكل ما له علاقة بشأن وزراء ونواب العدالة والتنمية..وترويج الرأي المحسوب على هؤلاء أكثر من غيرهم..وصياغة ودلالات العناوين الكبرى في الصفحة الأولى دوما على المقاس المنتصر لهؤلاء..وتبخيس خصومهم داخل الأغلبية نفسها أو في المعارضة طبعا....وأخذ تصريحات وأقوال العدالة والتنمية بمنطق البطولة المفجّرة للقنابل والمثيرة للجدل..وغيرها من المظاهر والفدلكات والعلامات التي يمكن أن تغري المهتمين بمتابعة سهلة و واضحة..
السؤال/الأسئلة ،هي لماذا هذا ؟ وهي أسئلة لاتطلب غير المعرفة والفهم : * هل لأن صاحب الجريدة يميل وينتمي فكريا وسياسيا الى إيديولوجيا العدالة والتنمية ؟ هذه حريته التامة ..وهذا حقه المشرع والمشروع ،لو صحّ الميل والانتماء..وعملت الجريدة على هديه وخطه..وفي هذه الحالة لايصح أخلاقيا وتربويا كل إعلام يخاتل القراء باستقلالية مدّعاة..
* انحياز هذه الجريدة للعدالة والتنمية وهو يقود هذه الحكومة لاتخطئه العين والفراسة معا..فهل مردّ هذا الإنحياز إلى هذا الموقع الرسمي للعدالة والتنمية بالذات ؟ وتاليا،فهل هو منطق الانتصار / الانتماء إلى الصوت الغالب ،والذي هو منطق انتهازي ? انتفاعي ؟* هل التفوق الانتخابي للعدالة والتنمية يوم 25 نونبر جعل هذه الجريدة تنحو إلى..أو تختار هذا الصوت الغالب ،ربما تماشيا ومماشاة وموالاة لهذه الموجة الثقافية السائدة التي تصرخ ببلاغة الهوية والأصالة المصاغتان بلغة الدين فقط..ومن تم تبعية وإذعان الجريدة للرؤية الإصلاحية التي يدعو إليها هذا التيار الإسلامي وهو في الحكومة ،وما تستتبعه هده الرؤية من مواقف وممارسات « وحشية « في الهوية والمجتمع والسياسة..عدا ما قد توفره ،طبعا ،هذه الموالاة من كسب تجاري في سوق اعلامية تشكو من محدودية القراء /الاقتناء ، ومن منافسة العناوين..؟* تطرح هذه الموالاة أسئلة حارقة من قبل ،كيف يستقيم فكريا وسياسيا الدفاع عن الحريات الفردية والجماعية ،حريات التعبير والتفكير ،حريات السياسة والإعلام ..والتمترس ،في نفس الوقت ،خلف مشروع اصلاحي هو في أصله وغاياته مناقض لذود لهذه الحريات ؟ وكيف يستقيم تربويا في مجتمع بذهنية تقليدية محافظة كمجتمعنا أن ينتصر في رسالة الإعلام منطق الموالاة والانحياز والتبعية على منطق التنوير والتربية على الحرية والنقد والحواروالتعدد والاختلاف.. باعتبارها قيم ومبادىء تجسّر انتماءنا إلى هذا العصر إن أردنا ذلك فعلا ، كما يقول ويردد ويطمح هذا الإعلام لوصدّقناه ؟ عدا أن الإعلام نفسه ، حرية واستقلالية ، لايمكن ان يوجد أصلا ، فأحرى أن يقوم بدوره ،في غياب هذه القيم والمبادىء..قد نخلص بهذه الأسئلة /الملاحظات إلى أن الجريدة ،وهي ترد على الريسوني بأن «الدولة الحديثة ليست دولة الفقهاء « ،إما أنها تناقض خطها كصوت للعدالة والتنمية ،وهذا أمر مستبعد..وإما أنها لاتستطيع أن تفرط في « استقلاليتها « المخاتلة ..وهذا فيه غير قليل من الإست بلاد لذكاء القراء ..وإما أنها تميل إلى الحساسية السياسية في العدالة والتنمية على الحساسية الفقهية ،أو اضطرت إلى هذا الميل مع خرجات الريسوني المتعاقبة والواضحة المنزع الإيديولوجي ..وهذا يقتضي ،أولا،التسليم بوجود هاتين الحساسيتين ( وهذا أمر واقع ،فعلا ،لكن بالطبيعة وليس بالدرجة ..حتى وأن الطبيعة تؤثر موضوعيا في الدرجة..)وثانيا ،التسليم بصراعهما وتنافرهما وتباعدهما ..وهذا ما لايسمح به ، موضوعيا أيضا ،منطق المشروع الإصلاحي المشترك بينهما..
إنما ،هل يمكن القول ،أن هذه الجريدة تسعى ،بمعية بعض أعضاء العدالة والتنمية ،إلى اجتراح أوخلق أوتكريس حساسية سياسية فعلية ومتمايزة عن الحساسية الفقهية الدعوية الناظمة ،حقا،لكل مشروع العدالة والتنمية الإصلاحي ؟وهل تستطيع في سعيها هذا ؟ وإن استطاعت ، هل تنجح ؟ لو صحّ هذا المسعى.. ولونجحت فيه.. سيكون ذلك من علامات الرشد السياسي للعدالة والتنمية..وفي كل الاحوال ،فوراء هذه الجريدة ،أو أمامها ، الكثير من إن..كما يقول المغاربة.ختاما ،نؤكد أن الإصلاح بمفهوم ومنطق العدالة والتنمية طريق خطأ..طريق لاداعي له..ولأجله..طريق هو الجواب الخطأ على السؤال الخطأ..حتى وهو يتذرع ،أو قل بسبب أنه يتذرع بمانيفستو « الإسلام هو الحل «.. وبعزوة القاع المجتمعي المحافظ..إن مايمكن أن تنجح فيه تجربة الإسلاميين في الحكومة أو في الحكم..،حسب دلائل الواقع والتاريخ ،هو جرّ المجتمعات العربية الإسلامية الى أتون الفتنة المذهبية والطائفية..والى شرطة أو محاكم تفتيش الأخلاق والنوايا..والى المزيد من التفقير والتمايز الإجتماعي..عندها ستصحّ فيها حكمة المثل الشعبي « شحال قدك من تسغفير الله البايت بلا عشا..»
المفروض ،إذن،أو الطريق الصّح ،إذن، هو الإصلاح الذي يوفر العشاء ..أي كل مستلزمات العيش الكريم من سياسة واقتصاد وثقافة واجتماع وصحة وتعليم وشغل وسكن وترفيه..إلخ. وهذا هو محك الإصلاح بمنطق الترقي والتقدم والحرية كما دأبت وتدأب عليه كل الأمم المتقدمة ،والسائرة في طريق التقدم فعلا..وبتركيبة ذكية وبليغة ،كما هو قلم عبد الحميد جماهري ،فهذا الإصلاح الممتنع في هذه الحكومة هو الخيال ..أما الحقيقة فهي أنه (رئيس الحكومة) سيذهب الى الشعب ويقول له « ما قدرت ندير والو» ..(ج الإتحاد الغشتراكي ع 10455 ،20 /21 ? 07 ?2013.
وعليه ،يمكن أن نستخلص أن رئيس الحكومة ،وهو يقصّر ويتلكّأ ويتسلحف (من السلحفاة) في أجرأة الدستور الجديد الى قوانين تنظيمية ..،وهو لايستغل الفرص الكثيرة التي يتيحها الدستور الجديد ..لايفعل ذلك إلا بإرتياح وطيب خاطر ..(كما بتقييم محمد الطوزي( ج الإتحاد إ ع 10470 ،07 /08 /2013 ).ونحن نعتبر أن هذا يحدث لأن الحزب الإسلامي الغالب أو الأغلبي في هذه الحكومة غير مهتم أو مهموم بإرساء وتطوير وإصلاح المنظومة القانونية والمؤسسية للدولة الحديثة ،بل ولايمكن في إطار «الإصلاح الإسلامي « الذي ينشده ويسعى إليه ،إلا أن يكون غير متحمّس أصلا ،حتى لانقول غير متقبّل ،لهذه المنظومة الإصلاحية الحديثة .ونعتقد أن بلاغة قاموس : الشياطين.. والتماسيح.. والعفاريت.. والبيادق.. والمشوشين.. والمغرضين.. والمتحكمين.. والدولة العميقة.. والنزول الى الشارع.. والربيع العربي مازال يدور..والإنتخابات السابقة لأوانها.. وأنا الشعب.. والعدالة والتنمية هو حزب المغرب...إلخ،تفيد(= هذه البلاغة) وتعني وتدل على أن رئيس الحكومة (وحزبها الرئيسي) لايستهدف إلا الإصلاح الذي في باله /بالهم..ومادام هذا الإصلاح صعب ،بل ومستحيل التنفيذ بالواضح المباشر ..القريب المدى..فإن العلّة المانعة والمعرقلة والمشوشة ستكون هي هذه الكائنات الغريبة الميتاواقعية ..وأما الشعب فيعرف هذا الإصلاح الذي يبتغيه رئيس الحكومة ،ويعرف،تاليا،رئيس الحكومة في كلامه وصمته ،كما أن رئيس الحكومة وتنظيماته وحدهم من يعرفون ويمثلون هذا الشعب ..لأن العدالة والتنمية هوحزب المغرب ..كما قال السيد بوانورئيس الفريق النيابي للعدالة والتنمية..وقد يهب هذا الشعب غدا الى الشارع لنصرة هذا الإصلاح أو ممثله العدالة والتنمية،سيان..وفي البال حركة دعوية ،وشباب «صامدون» ومجندون لتعبئة هذا الشعب للتصدي لكل من يستهدف هذا الإصلاح الإسلامي ويحاول « تعطيل المشاريع الإسلامية « (كما جاء في حركة صامدون لشباب العدالة والتنمية ،نقلا عن أحمد عصيد،ج الأحداث المغربية ع 5034 ،24 /07 /2013 )في المغرب طبعا ،كما في شمال مالي ومصر وتونس وسوريا ..حتى والحكومة لاتفصح بذلك لحساسية موقعها فقط..وعليه ،نفهم ،أيضا،لماذا لم يفارق ،ولن يفارق العدالة والتنمية لغة المعارضة(كما أسلفنا القول) وهو في الموقع الحكومي الرسمي بل والغالب ..(وهو توصيف معبر جدّا ،رغم غرابته بل وفرادته السياسية في العالم،أن يسمي الوزيرالحبيب الشوباني هذه الحكومة بحكومة المعارضة والمقاومة..ج أخبار اليوم م ع1151 ،28 /08 /2013)،لأنها هي اللغة الجاهزة والمناسبة والمطابقة لنزوع إصلاحي مناف لمنطق التاريخ وطبائع العمران البشري..لنزوع ممتنع ومستحيل ..نزوع ، قد يكون الفقر والبؤس الإجتماعي من عوامله ودواعيه الداعمة والمغذية ..لكنني أعتقد أن الفقر والبؤس الثقافي هو الفيتامين الذي يسمّنه ..ذلك لأنه « من المستحيل في هذا العصر بناء دولة أو تقدم مجتمع أوتنمية بلد بعقائد الماضيين وشرائعهم ونماذجهم ووسائلهم « كما يقول على حرب (ج أخبار الأدب المصرية ع 1045 ،04 /08 2013 ).
يحصل كل هذا وأكثر ،لأن الأمم المتقدمة بدأت ولازمت مسيراتها التاريخية الحديثة في النهضة والرقي والتقدم بالإصلاح في الدين ..حتى يتآلف مع عصر الحداثة دون رجعة..بينما نحن لانزال نخبط ونتخبط في معمعان ومجاهل الإصلاح بالدين..إصلاح يهدف إلى بناء دولة الله أو الحق أو الشرع..ومن هذه غايته لابد أن يكون هو وحده من يمثل هذه الدولة..أي لابد أن يلغي ممثلي الدولة الزمنية ..ثم هل يمكن لأحد.. وهل يحق لأحد..أن يطالب ممثلي دولة الله المطلقة ،دولة الحق المطلق ،بالحق في إصلاح بشري مدني ما ؟؟ تؤكد « موانع « الإصلاح في حكومة العدالة والتنمية ،انطلاقا من البارديغم الذي وضعه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق في أحد دروسه الرمضانية (المنشور بجريدة الإتحاد الإشتراكي ع 10154 ،27 /07 م2012 )،أن هذا التنظيم الإسلامي المهووس بسؤال الهوية ،يقترب أكثر من الفئة الأصولية الخائفة على الدين ..وليس الفئة الإصلاحية..بدليل دخوله إلى السياسة من باب الدين..وبدليل عدم إلتزامه الحياد إزاء الدين ..كما يجب في كل الفاعلين السياسيين والجمعويين..وبدليل اشتراكه مع باقي الأصوليات في : - رد الفعل على ماتعتبره تهميش للدين في المجتمع ، استعمال عناصر وحجج منتقاة من تراثها الديني ، تغليب التفسير الحر في النصوص ، تبني ثنائية أخلاقية ترى العالم فاسدا يجب اصلاحه على أساس تصورها هي ، تنمية سلوكات خاصة بغرض التميز،تصاحبها علامات بالنسبة للجسم واللباس واللغة ،رغبة في تأسيس مرجعية انفرادية ، اشتراط الولاء للزعامة المهيبة..( كما عدّدها أحمد التوفيق )وبمناسبة هذا الدرس ، نقول أن الخوف كل الخوف على الثوابت الدينية للمملكة المغربية.. بل وعلى لحمة المجتمع والوطن والدولة ..وعلى الإصلاح والتقدم..يأتي من الخائفين على الدين ..وليس من المتخوفين من الدين..مادام الأولون يبالغون في خوفهم..أو بالأحرى يتعللون بهذا الخوف في سعيهم إلى السياسة..أي إلى الحكم والرئاسة..أي «..العودة إلى الطروحات الإيمانية ..»في السياسة..بديلا عن الآليات الدستورية و المؤسساتية والقانونية..التي تسعى الدولة المغربية إلى تكريسها وتطويرها..وأما المتخوفون من الدين ،من العقلانيين الحضاريين والعلمانيين ، فنعتقد أن مصدر خوفهم ليس هو الدين بذاته كحقل وحقّ إنساني مبجّل ومحترم ..وليست طقوسه ومراسيمه وعوائده ..وإنما العنف العام الذي يصدر عن الفئة الأصولية من الخائفين على الدين..
أمام هذا الخوف على مصير البلاد من السياسة التي يبشر بها هؤلاء الخائفون الأصوليون على الدين..تبدو حكاية « الاستقرار « التي يرددها بعض المسؤولين من العدالة والتنمية وكأنها، من جهة ،تبرير أو تغطية على العجز الحكومي الملحوظ في مضمار الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي..ومن جهة ثانية ، تعبير مضمر وماكر حتى..على أن الذي يضمن الاستقرار اليوم في المغرب ،هو العدالة والتنمية ، وهو يحيل أو يذكر ضمنيا بمسألتين :الأولى هي عدم مشاركته في حركة 20 فبراير..إذ لو شارك لكان «الربيع المغربي»ربيعا بالفعل..ولربما جرّ ذلك الربيع المفترض البلاد الى أتون عدم الإستقرار..والثانية ،هي أن الربيع هذا لايزال حيّا يدور ويسعى ..وتكفي مشاركة العدالة والتنمية في الدعوة إليه والمشاركة فيه حتى يختلّ الاستقرار في البلاد..فإتركوا ، إذن ، العدالة والتنمية في عجزه الحكومي البيّن على الإصلاح ، كثمن أو مقابل لهذا الاستقرار..
أمام هذا المنطق السياسي البئيس والذي يستبطن قدرا محترما من التهديد..لايسعنا إلا القول أن الاستقرار بالمغرب سابق جدّا على العدالة والتنمية..وأن الذي ظل وسيظل ضامنا لهذا الاستقرار هو جدلية الاحتجاج المدني والنزوع المغربي الدائم إلى التوافق بين كل مكوناته السياسية والنقابية والجمعوية..وهو ،أيضا ،هذا التنوع والتعدد المغربي الرائع بتساكنه وتفاعله وتسامحه وخصوبته وتحابّه وبشاشته..
انتهى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.