الخط : لم تُسقط هزات الجمعة 8 شتنبر بيوتا وجدرانا في المغرب فقط، بل أسقطت أيضا الأقنعة السميكة التي وضعتها نخبة فرنسا على وجهها، في التعامل مع المغرب.. وعندما سقطت الأقنعة والشعارات المهزوزة، تبين أن قمة الانحطاط الأخلاقي الذي يمكن أن تصله دولة فرنسا ونخبتها السياسية الإعلامية، هو أن تتوسل في الزلزال الفاجعة الذي ضرب المغرب، وسيلة لابتزازه السياسي والتشهير بطريقته في معالجة الكارثة. منذ اللحظات الأولى انبرت الأصوات والتصريحات والبرامج لتعطي تقييماتها عن التدبير والكارثة الإنسانية والعمرانية ما زالت في لحظاتها الأولى، بل كانت الجثث ما زالت بحرارتها الجسدية التي تلي الموت المفاجئ، وفي الوقت الذي لم يكن المغرب قد عرف بعدُ حجم الكارثة.. وبعد ذلك، مباشرة بدأت النخبة ذاتها تعرض على المغرب ما تريد من مساعدات، وهي تنتظر بفارغ الصبر أن يعلن المغرب حاجته إليها، وإلى من يسيرون في ركابها في الجوار المتوسطي. كان المغرب، وملك المغرب ومؤسسات المغرب، وقتها منشغلين بالتدبير الواقعي العقلاني لكارثة لطالما شلت مثلها الحركة عند الكثيرين من الدول الكبرى.. وبدأ المغرب من حيث يجب أن يبدأ: عقد اجتماعا طارئا ترأسه جلالة الملك أطلق من خلاله خارطة طريق للتجاوب الفوري مع الفاجعة. ثم وضع سبل التنفيذ للحفاظ على الأرواح، ثم إنقاذ ما يمكن إنقاذه. في الوقت ذاته واصلت المنابر الإعلامية، التي تتحدث بلسان سادتها في مراكز القرار تأليبها ضد المغرب وقيادته، تارة باسم رفض المساعدات وتارة أخرى باسم تعطليها أو تأخيرها. والمغاربة في عز محنتهم يتابعون بصبر وقوة وشهامة إنقاذ إخوانهم، ويدرسون بوقار المنكوبين ما يلزمهم من خطوات سريعة وعاجلة، ثم ما يليها من قرارات وطنية تطمئن المغاربة وتشعرهم بقوة بلادهم وتزيد من صلابة مؤسساتهم، وتحمِّسهم لكي يقدموا اعلى ما يملكون من احتياطي وطني من نكران ذات وتضامن وعطاء في هذا الوقت العصيب.. ربما رأت النخبة المقيتة أن البلاد جثت على ركبتها وأنها ستطلب متوسلة مساعداتها، وعندما لم يحصل ذلك وبقيت البلاد شامخة شموخ الأطلس، أصيب من في القوة الاستعمارية السابقة بالسعار! المغرب بلد شهم، شكر من عرض المساعدات، والعالم كله أكْبرَ فيه عزة النفس والصبر وشموخ الروح، لكن المرضى في بلاد العم فولتير اعتقدوا بأنهم سيحلون مكان المغرب في تدبير الزلزال وفي الحزن والبكاء وعرض المساعدات واتخاذ القرارات مكانه! المغرب راكم تجربة دولة ضاربة في التاريخ، كما راكم تجربه وطنية خالصة في التعامل مع الفاجعات، ولهذا كان يعرف بأن الرسالة الأولى التي يجب أن يصدرها إلى أبناء شعبه هو أن الدولة قائمة وتعرف ما ينتظرها من قرارات ومن عمل وليست في حاجة إلى تضامن يراد به باطل ويعطي الانطباع بأن الدولة المغربية عاجزة.. والمغرب يعرف الاقربين إليه، في كل لحظة من لحظات الفاجعة، ويحدد ما يريده من المساعدات الخارجية بما يخدم مناعته الوطنية، ويعمق علاقته الطيبة مع الآخرين. المغرب لا يريد «حماية إنسانية» من دولة ما زالت تشك في وحدة الأرض وتريد من الزلزال أن يساعدها على اللعب على الحبال!! إن أبسط شروط التضامن هو احترام الموجوعين ملكا وحكومة وشعبا، وهوما لم تصل إليه نخبة فرنسا المتهاوية ولعله سيكون من المفيد لها أن تتابع عمل المغرب الجبار لتتعلم.. كما حصل أيام كوفيد !