أثار فضولي كثيرا كتاب "رجال مُعنّفون..متابعات نفسية" لصاحبه العالم الاجتماعي الفرنسي، ميشيل غرافيي، لما يرصده من تعنيف نسائي قاس على الرجل بدءا من التعنيف الجسدي كالتعذيب والبصق والضرب، إلى ما هو أشد قسوة كالعنف الكلامي والنفسي والعاطفي الذي أصبح شائعا في الأوساط الغربية، حتى إن آخر الأبحاث الخاصة بالعنف في البيوت الزوجية تقر بأن ما يزيد عن 900 ألف من الرجال يتعرضون للتعنيف سنويا من قبل زوجاتهم. ويؤكد الكتاب الذي استقى شهادات من أوساط اجتماعية متفاوتة المراتب والأعمار، أن العنف النفسي يبقى السلاح الأفضل لدى المرأة، حتى وإن زاد العنف الجسدي على الرجال بنسبة 31 في المئة، مما يفند بعض المزاعم التي تقف فقط على اضطهاد المرأة وتعرضها لعنف وطغيان الزوج. ويتجسد العنف النسائي في الكثير من سمات الإذلال والتجريح المصحوبة بالاتهامات الباطلة، وأيضا السعي إلى استهداف الزوج في كيانه الذكوري بشكل يؤثر على توازنه المعنوي ويجعله إنسانا منعزلا خنوعا يتعايش مع الإهانة والإذلال كواقع مكتوب لا حيلة له فيه. ويوضح ميشيل غرافيي أن ثلاثة من عشرين رجلا فقط ممن يتعرضون لمثل هذا النوع من العنف، يختارون الفراق بينما يتأقلم الباقون مع سلطة الزوجة، راضين بقدرهم المرير دونما لجوء إلى مصالح الشرطة أو جمعيات حقوقية كما تفعل النساء. والوضع المغربي الذي يفتقر إلى ما يلزم من بحوث ودراسات عن خطورة العنف الزوجي وانعكاساته على توازن الأسرة واستقرارها، لا تخلو بعض بيوته من سلوكات أنثوية عنيفة تتزايد مع تزايد تقلد المرأة مكانة الزوج في البيت وفي شتى مناحي الحياة المجتمعية. وكانت الجمعية المغربية للدفاع عن الرجال ضحايا العنف النسوي ومعها الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال، قد دقتا قبل سنة ناقوس الخطر، بعد ارتفاع حالات الرجال المُعنّفين من مختلف الشرائح والمستويات الاجتماعية والثقافية، إلى 25 ألف حالة سنة 2020، يشكل العنف الجسدي فيها نحو 30 في المائة. والعنف النسوي عندنا يتأرجح بين الضرب والجرح في الأوساط الزوجية ذات الدخل المحدود أو المتوسط، إلى التجريح الكلامي والنفسي في البيوت الميسورة التي غالبا ما تتولى فيها المرأة زمام السلطة، وتكون لها الكلمة الأولى في تدبير شؤون الأسرة. وبما أنه ملفوف بسرية وكتمان شديدين ناجمين عن النزعة الكبريائية للزوج وخوفه من أن يكون موضع سخرية بين معارفه وأصدقائه، فإن العنف النسائي المغربي سيظل مغمورا راقدا في رماده يترقب صحوة ذكورية تغذيها وقائع على الأرض فاضحة للظاهرة التي تزداد استفحالا في الكثير من البيوت المغربية. وإلى حين أن يخرج الرجال ضحايا العنف الأنثوي عن صمتهم، وأن يبادر التربويون وذوي الاختصاص من خبراء ومهتمين إلى اقتحام ظاهرة التعنيف النسائي للرجال من زواياها المختلفة، تبقى الوضعية آخذة في التأصل والانتشار من دون عقاب أو متابعات. ولا حيلة للجنس الخشن أمام دمعة تذرفها المعتدية أمام الشرطة أو القضاء لتقلب الموازين لصالحها. ولا أظنه بعيدا اليوم الذي سنعيش فيه تكاثر الجمعيات الحقوقية للدفاع عن الرجال المعنّفين أو الجمعيات المطالبات بالمساواة مع المرأة التي ندعوها مع ذلك إلى مواصلة مسيرتها النضالية من أجل حقوق أخرى ضائعة. والأفارقة بشكل عام ليسوا غرباء عن مثل هذا الشذوذ الأنثوي وإن كانوا يميلون إلى كتمانه تظاهرا بالسلطة الذكورية وبموقعهم المتميز في تدبير الشؤون الزوجية. والسائد في بلدان إفريقيا الشرقية (كينيا، مالاوي، أوغندا، تنزانيا، بوتسوانا...) أن الرجال يتعرضون للعنف من ضرب وجرح وغيرهما بشكل اعتيادي، حيث مخافر الشرطة بهذه البلدان لا تخلو من شكاوى شبه يومية عن التعنيف النسوي الذي يتعرض له الجنس الخشن. ويحتمي الرجال في هذه البلدان بالكثير من الجمعيات الحقوقية لحمايتهم مثل جمعية "الرجال من أجل المساواة بين الجنسين" وهي من أهم الجمعيات الحقوقية بكينيا. وقد بادرت إلى دعوة وكالة تنمية المرأة التابعة للأمم المتحدة للاجتماع بنيروبي مع ممثلي الجمعيات المدافعة عن حقوق الرجال بدول إفريقيا الشرقية، ليستعرضوا أمامها مختلف الممارسات الأنثوية الشاذة بما في ذلك التعذيب الجسدي والنفسي الذي يستهدف الرجال. وتفيد مديرية المصالح الاجتماعية الكينية في دراسة حديثة أن نحو عشرة رجال يتعرضون أسبوعيا للتعنيف الجسدي من طرف زوجاتهم، وأن ضعف هذا العدد يهم العنف اللفظي والنفسي بعبارات وإشارات تستهدف الرجال في كيانهم الذكوري. ولأشقائنا المصريين قصص طويلة مع التعنيف النسائي. فهم أول من بادر في العالم العربي إلى خلق جمعية "المستضعفون في الأرض" كأحدث مشروع اجتماعي لرصد هذه الظاهرة، وكمبادرة جريئة لفضح جرائم بعض النساء داخل البيوت الزوجية.