استوقفني كثيرا كتاب "الرجل المُعنّف.. تحريم في قلب التحريم" لصاحبته العالمة الاجتماعية السويسرية، صوفي توران، المقيمة بباريس، لما يرصده من ممارسات أنثوية قاسية على الرجل بدءا من العنف الجسدي كالضرب والبصق والتعذيب، إلى ما هو أشد وطأة كالعنف اللفظي والعاطفي والنفسي الذي أصبح متفشيا في السنوات الأخيرة في الأوساط الغربية، حتى إن آخر الدراسات الخاصة بالعنف الزوجي تقر بأن نحو 500 ألف من الرجال بفرنسا يتعرضون للضرب والتجريح سنويا من قبل زوجاتهم. ويظهر الكتاب (منشورات "أكت سود" 2013) الذي استقى شهادات من مختلف الفئات الاجتماعية، أن العنف النفسي يبقى السلاح المفضل للمرأة، بالرغم من أن العنف الجسدي الممارس على الرجال زاد بنسبة 9 في المئة، مما يفند الكثير من المزاعم التي تقف فقط على اضطهاد المرأة ومعاناتها من سيادة السلطة الذكورية. ويتجلى العنف النفسي الأنثوي في الكثير من سمات التجريح والإذلال والاتهامات، وكذا السعي إلى استهداف الزوج في كيانه الرجولي بشكل يفقده توازنه المعنوي ويجعله كائنا خنوعا منعزلا يتعايش مع الإهانة كجزء من قدره المحتوم.. وتوضح صوفي توران أن اثنين من بين عشرة رجال فقط ممن يمارس عليهم هذا النوع من العنف، يختارون الطلاق بينما يتأقلم الآخرون مع سلطة الزوجة، راضين مرتضين دونما لجوء إلى مراكز الشرطة أو جمعيات حقوقية كما تفعل النساء. والأفارقة هم الآخرون ليسوا بمنأى عن هذا الشذوذ الأنثوي وإن كانوا يرفضون الإفصاح عنه تظاهرا بالسلطة الأبوية وبمكانتهم المتميزة في تدبير الشؤون الزوجية، تقول الكاتبة السويسرية، قبل أن توضح بأن السائد في بلدان إفريقيا الشرقية (كينيا، مالاوي، أوغندا، تنزانيا، بوتسوانا...) هو أن الرجال يتعرضون للضرب بشكل اعتيادي حيث لا تخلو مخافر الشرطة بهذه البلدان من شكاوى يومية عن العنف الأنثوي الممارس على الجنس الخشن. ويتحصّن الرجال في هذه البلدان بالكثير من الجمعيات لحمايتهم من العنف الأنثوي مثل جمعية "الرجال من أجل المساواة بين الجنسين"، وهي من أهم الجمعيات الحقوقية بكينيا. وقد بادرت مؤخرا إلى دعوة وكالة تنمية المرأة التابعة للأمم المتحدة لعقد اجتماع مع ممثلي الجمعيات المناصرة لحقوق الرجال بدول إفريقيا الشرقية، ليعرضوا أمامها الممارسات النسائية الشاذة وصنوف التعذيب الجسدي والنفسي الذي يتعرض لها الرجال. وتفيد أرقام الشرطة الكينية أن نحو عشرين رجلا يتعرضون أسبوعيا للعنف الجسدي من طرف زوجاتهم، وأن ضعف هذا العدد يخص العنف اللفظي والنفسي. ولأشقائنا المصريين حكايات طويلة مع العنف الأنثوي. فهم أول من بادر في الوطن العربي، تقول صوفي توران، إلى إحداث جمعية "المستضعفون في الأرض" كأحدث مشروع اجتماعي عربي لرصد هذه الظاهرة وكخطوة جريئة تزيل القناع عن المسكوت عنه من ممارسات عنيفة داخل البيوت الزوجية. ونقلت الكاتبة السويسرية عن المركز المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن نسبة العنف ضد الرجال ارتفعت في الفترة الأخيرة إلى 18%، وهي نسبة تم أخذها من محاضر الشرطة، ولا تعكس كل الحقيقة باعتبار أن الرجل في المجتمعات العربية خصوصا، يخجل من الإعلان عن تعرضه للعنف والإهانة من قبل زوجته. والمغرب الذي يفتقر إلى ما يلزم من دراسات وبحوث عن واقع العنف الزوجي وانعكاساته على استقرار الأسرة، لا تخلو بعض بيوته من سلوكات شاذة تتنامى مع تنامي تقلد المرأة مكانة الرجل في البيت وفي شتى مناحي الحياة المجتمعية. والعنف الأنثوي قد يتأرجح عندنا بين عضة الأسنان في الأوساط الزوجية الفقيرة وغير المتعلمة، إلى عضة اللسان في البيوت الميسورة التي غالبا ما تتقلد فيها المرأة المسئولية، وتكون لها اليد العليا في تدبير شؤون الأسرة. وبما أنه ملفوف بكتمان شديد ناجم عن النزعة الكبريائية للرجل وخجله من أن يكون موضع سخرية مجتمعية، فإن العنف الأنثوي سيظل راقدا في رماده ينتظر طفرة ذكورية تغذيها في يوم قريب أحداث فاضحة لهذا الواقع المنسي.. وفي انتظار أن يخرج الرجال المعنّفون عن صمتهم، وأن يبادر ذوي الاختصاص إلى اقتحام وعاء المحرمات من زواياه المختلفة، يبقى العنف الأنثوي آخذا في التأصل بصمت وتكتم شديدين.. ولا أراه بعيدا اليوم الذي سنشهد فيه ميلاد جمعيات مغربية للدفاع عن الرجال المعنّفين أو جمعيات حقوقية تنادي بالمساواة مع المرأة التي يلزمها مع ذلك مواصلة مشوارها النضالي من أجل حقوق أخرى ضائعة.