يبدو أن "التكليف بمهمة" الموجه لعلي لمرابط لمعاداة واستهداف بلده المغرب، عرف مؤخرا بعض التعديلات والتغييرات الجوهرية. إذ لوحظ في الآونة الأخيرة أن علي لمرابط لم يعد يقتصر فقط على استهداف المغرب والإساءة لمؤسساته الوطنية، بل شرع أيضا في تحسين صورة النظام الدكتاتوري التونسي وغسيل سمعة الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر. فالتقارب التونسيالجزائري انتقل صداه إلى تدوينات علي لمرابط في مواقع التواصل الاجتماعي، وكأن هناك جهة ما تهمس في "رصيد" الرجل، وتدفعه دفعا إلى نثر الورود ومساحيق التدوين الافتراضي على الوجه البشع للنظام العسكري الجزائري، وعلى الدكتاتورية الجديدة في تونس التي انبلجت من أكمة قيس سعيد المزهو بلغة الضاد. ومرد هذا الحديث هو ما دبجه علي لمرابط مؤخرا في تدوينة تصدح بالمغالطات والافتراء والشعبوية والتدجين! فقد ادعى الرجل، بدون خجل ولا وجل، أنه لا يوجد صحافي معتقل في تونسوالجزائر، وتهكّم بنبرة ساخرة على من ينتقدون "جنة الإعلام الجديدة" ممثلة في قطب الجزائر وولايتها الصغيرة تونس. لكن علي لمرابط، الذي يتوسم في نفسه الأمير المزعوم للصحافة الحرة والاستقصائية، نسي أن ينقر نقرة بسيطة في محرك البحث على "غوغل"، لتطالعه أعدادا كثيرة من الأحكام القضائية والمطالبات الدولية بالإفراج عن صحافيي تونسوالجزائر المعتقلين في السجون بتهم الإرهاب والتآمر على الدولة. لكن رغم إسراف علي لمرابط في المداهنة والكذب، وفي إهمال التقصي والتحري لتأثيث مصادر تدوينته، إلا أننا نتفق معه في نقطة جوهرية: وهي هذا الاختلاف الفعلي والفرق الشاسع بين المغرب من جهة، وتونسوالجزائر من جهة ثانية، في قضية احترام الصحافيين والعمل الصحفي إجمالا. ففي المغرب، لن تجد صحافيا يحاكم بالإعدام، لكن في الجزائر التي يمدحها علي لمرابط نجد أن محكمة الجنايات الابتدائية بالدارالبيضاءبالجزائر العاصمة أدانت في شهر أكتوبر المنصرم الصحفي محمد عبد الرحمان سمار، مدير موقع "ألجيري بارت" بالعقوبة القصوى (الإعدام) لمجرد أنه نشر مقالات حول الاختلاسات التي يعرفها ميدان المحروقات في مجمع سوناطراك. وفي المغرب لن تجد صحافيا أو مصورا أو مراسلا يتابع أمام المحاكم العسكرية بموجب قوانين العدل العسكري، لكن في تونس التي يزين علي لمرابط وجهها البشع اليوم، نجد أن القضاء العسكري أمر في 3 أكتوبر 2021 باعتقال النائب البرلماني عبد اللطيف العلوي والمذيع الصحفي عامر عياد بتهمة التآمر على أمن الدولة بسبب بثهما برنامجا على قناة "الزيتونة" التلفزيونية. وإذا كان علي لمرابط قد نسي ركون قيس سعيد، بشكل ممنهج، إلى القضاء العسكري لمتابعة وإدانة الصحافيين، فما عليه سوى مراجعة تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في 7 أكتوبر 2021، والتي عبرت فيه "عن قلقها إزاء التقارير التي تشير إلى محاكمة الصحفيين التونسيين في محاكم عسكرية"، بل إن المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس أوضح في إفادة صحفية وقتها أن "واشنطن قلقة إزاء التقارير الواردة من تونس حول محاكمة صحفيين في المحاكم العسكرية، إضافة إلى أوضاع حقوق الإنسان". وبالرغم من كل ذلك، فقد صدق علي لمرابط عندما ميّز المغرب عن تونسوالجزائر. ففي المغرب لن تجد المكتب المركزي للأبحاث القضائية المكلف بقضايا الإرهاب يحتجز صحافيا لأنه "رفض الكشف عن مصادره"، لكن في تونس نجد أن وحدة التحقيق في جرائم مكافحة الإرهاب اعتقلت في 25 مارس 2022 السيد خليفة القاسمي، المراسل بإذاعة (موزاييك) الخاصة في تونس، وذلك بسبب إصراره على رفض الكشف عن مصادره بشأن قصة عن تفكيك جماعة إرهابية. وفي المغرب أيضا، لن تجد القضاء ولا المشرع الوطنيين يتلاعبان بأحكام قانون الإرهاب ويتعمدان تطويعها لملاحقة الصحافيين، بيد أنه في الجزائر التي يطالبنا علي لمرابط بعدم انتقادها، نجد أن محكمة جنايات الدارالبيضاءبالجزائر العاصمة أدانت الصحافي محمد مولوج بالسجن النافذ، وهو يوجد حاليا بسجن القليعة بتهمة "الانتماء إلى جماعة إرهابية لمجرد إرساله رسالة نصية قصيرة إلى أحد المعارضين يطلب منه إجراء مقابلة صحافية معه". وفي المغرب كذلك، لن تجد صحافيا يدان من أجل قصاصة إخبارية حول تمور "المجهول"، لكن في الجزائر فإن نشر مقال مقتضب يتناول تمور "دجلة نور" قاد صحافي جريدة الشروق بلقاسم حوام إلى السجن سنة حبسا من بينها شهرين موقوفة التنفيذ، بعدما أدانته محكمة حسين داي بالعاصمة في 25 أكتوبر 2022. ودائما في إطار التماهي مع المقارنة العبثية التي قام بها علي لمرابط، ففي المغرب يستفيد الصحافيون والمقاولات الإعلامية، منذ أشهر عديدة، من الدعم المالي المباشر لتجاوز تداعيات الجائحة الصحية، بينما في تونس يدعم قيس سعيد الصحافيين بمقتضيات قانون العدل العسكري مثلما وقع مع الصحافي المعتقل صالح عطية، كما يدعمهم أيضا بالعنف المفرط مثلما وقع مع المراسل الفرنسي "ماتيو غالتيي" الذي تعرض في شهر يناير 2022 ل"ضرب عنيف" من قبل الشرطة التونسية بسبب تغطيته للاحتجاجات التي عرفتها العاصمة التونسية في ذكرى الاحتفال بالثورة على نظام بن علي. وحال الجزائر ليس بأفضل من حال "ولايتها" الصغيرة تونس. ففي 13 يونيو 2022 أدانت محكمة سيدي امحمد وسط العاصمة الجزائرية مدير قناة وصحيفة النهار، محمد مقدم، والمعروف باسم أنيس رحماني، بالسجن لمدّة عشر سنوات ومصادرة ممتلكاته وحساباته المصرفية. فهل استفسر علي لمرابط يوما عن التهم المنسوبة لمدير قناة النهار التي تعتبر بوق الدعاية لنظام الكابرانات في الجزائر؟ طبعا لن يجرأ علي لمرابط على مساءلة من يوقعون له "التكليف بالمهمة". فهو مجرد مأجور يأتمر بأوامر من يهمسون في رصيده البنكي، والذين قرروا اليوم توسيع نطاق "ولايته" لتشمل غسيل سمعة قطب الجزائر-تونس على حساب مصالح وسمعة بلده الأصلي المغرب.