تونس قيس سعيد باعت علاقاتها مع المغرب بثمن بخس جدا قدره 300 مليون دولار وبضعة آلاف سياح جزائريين، واختارت الاصطفاف إلى جانب النظام العسكري الجزائري الذي حرم نونس من أراضيها التاريخية باستعمال القوة. لن ندخل في هذا المقال في حيثيات الاستقبال الفولكلوري لزعيم البوليزاريو من طرف قيس سعيد وتناقضات البلاغ التونسي الذي تحدث عن البوليزاريو كدولة، بقدر ما سنتحدث عن ما يعنيه هذا الموقف التونسي للمغرب حاضرا ومستقبلا. موقف تونس المتماهي مع موقف شقيقتها الكبرى الجزائر، كما يحلو لبعض التونسيين القول، يعكس مدى وهن الرئاسة التونسية التي تقف على شفى حفرة من الانهيار الاقتصادي والمالي. فقدان السيادة الاقتصادية والمالية في تونس يتزامن مع تواجد رئيس أخرق أحرق سلم الدمقراطية الذي جاء به للسلطة أدى بتونس إلى فقدان سيادتها على سياستها الخارجية. الرئيس قيس سعيد وجد نفسه معزولا اقليميا ودوليا ولم يبق له غير الاحتماء بالنظام العسكري الجزائري، فهرول هو ووزراء حكومته مرارا للجزائر، وحضر رفقة بن بطوش استعراض الاسلحة السوفياتية في الجزائر ودفع بتونس للامتناع عن التصويت في قرار مجلس الأمن الاخير الذي رحب به المغرب ورفضته الجزائر، وقامت تونس الى جانب 8 من أكثر الدول الافريقية تخلفا بالتصويت لصالح الجزئر لاحتضان وكالة الأدوية الافريقية، وهو التصويت الذي فازت به رواندا، إلى غير ذلك من المواقف التي تبين ارتماء تونس في أحضان شقيقتها الكبيرة، من شقيقة الرأس طبعا. في المقابل، تعاملت الجزائر مع تونس كما تتعامل مع الدول التي تبيع ذمتها، وبلغت الهذيان بالرئيس التبون الجزائري أن دعا في لقاء صحفي مع الرئيس الإيطالي إلى العمل سوية على ارجاع تونس للطريق الدمقراطي في تدخل صارخ في الشؤون الداخلية لقيس سعيد، والذي بطبيعة الحال لم يرد على شقيقته الكبرى. تونس التي فرطت في أراضيها التاريخية التي اقتطعتها فرنسا وألحقتها بالجزائر، هاهي اليوم تتخلى عن استقلالية دبلوماسيتها وتختم باستقبال فولكلوري للمدعو بن بطوش على تبعيتها لنظام جزائري عسكري يعامل تونس كما لو كانت ولاية جزائرية. وقد خلف الموقف والبلاغ التونسي المتناقض المساند للجزائر والبوليزاريو ضد مصالح المغرب استياء عارما وسط المغاربة وهم يتذكرون كيف قام ملكهم بزيارة تونس في وقت حرج وتجول في أزقة العاصمة التونسية باعثا رسالة ثقة في وقت عانت فيه السياحة في هذا البلد المغاربي من تبعات الارهاب، ولم يتوان المغرب في ارسال مستشفى ميداني وطائرات محملة بالدوية العام الماضي لمساعدة تونس في مواجهة كورونا. إن الدرس الذي نستفيده كمغاربة من تغير الموقف التونسي هو نفسه خلاصة العروي في أن المغرب جزيرة مطوقة وعلينا أن نتصرف كسكان جزيرة. المغرب فعلا تصرف كجزيرة وعمل على تعزيز بنيته التحتية بموانىء عالمية كما تفعل الجزر الأمم، ومطارات في المستوى، لكن علينا طي صفحة المغرب الكبير الذي منذ ولادته ولد أعرجا بوصفه بالعربي والتركيز على افريقيا والواجهة الأطلسية الافريقية كامتداد اقتصادي. القيادة الجزائريةوالتونسية منزعجون من الفارق الذي يتعمق بين بلدانهم وبين المغرب في مجال البنى التحتية. فبينما المغرب يتصرف كجزيرة وينوع من شركائه بما فيهم اسرائيل في ظل غياب اتحاد اقليمي مندمج، يسود الجيران نوع من الحسد والرغبة في ازالة النعم من المغرب. بعد المواقف العدائية الجزائريةوالتونسية، الدولة المغربية الآن على موعد مع التاريخ لتضرب المثل لباقي شعوب شمال افريقيا وتزيد من احراج الأنظمة الاستبدادية في الجزئر وتونس أمام شعوبها، وذلك بمواصلة البناء الدمقراطي والسير نحو ملكية برلمانية واقتصاد حر، وسياسة خارجية واقعية، والاستثمار في مقومات الدولة الأمة للمملكة المغربية.