قد تأتي الأقدار والزمان بقوم الى مواقع في السياسة، وهم ليسوا اهلا لها، وإنما نتيجة التقاء عوامل ضعف عام في المجتمع، يظهر عند ذاك جيل من السياسيين يعرفون بالتمدد في فراغ الوهم، و هو أسوأ من الوهم نفسه، والوهم مشروع متكامل في حد ذاته، ولا أمل في الخروج من دائرته إلا بصدمة الواقع و قوة الأحداث التي تصيب الجادين، فيستيقضون و يعرفون قدرهم، بينما هناك من يعشق الوهم لأنه فرصة رهيبة للتمدد، و التوسع والحضور، ولو بشكل سائل رخو، فينتشر مثل بقعة الزيت مع هطول المطر، فهو الى زوال، ولكن قد يسبب بعض حوادث السير هنا او هناك، وكثير من الاحزاب تعيش هذا الوضع الفيزيائي، فكلما زاد المطر تخلص الناس من بقع زيتهم، الذي هو طارئ على السير وليس جزء منه. لقد عرفت كثير من الأمم والشعور شعبوية سياسية، وصلت حد انتاج حرب عالمية ثانية (هتلر وموسوليني)، و اذا كانت قد نجحت الشعبوية واوصلت بعض القوم الى ما اوصلتهم اليه، سواء في بلادنا او في كثير من بلدان العالم، فلا يعني ذلك ان الامر سليم ، فربما كانت حادثة سير فقط.، لدى نذكر الشعبوية انه لا يمكن استمرار الحضور السياسي من خلال : 1 اعتماد ثقافة الفرجة واسلوب الحلقة، لان السياسة جد ومسؤولية، واحترام القواعد والمؤيدين والمريدين والاتباع حد أدنى في الأخلاق السياسية، وتكمن خطورة الشعبوية انها تجمع حولها اصحاب العاطفة بدل العقول، وحتى وان حضرت هذه العقول، فهي تستسلم امام الغثاء الكثير، والسيل الجارف من الاتباع و المريدين. 2 استهلاك الكلام وكثرة الثرثرة، في امور تحتاج التفكير قبل القول مئة مرة، ومن علامات بلوغ الثرثرة مداها ان يحكى ما وقع في فضاء خاص، برواة وتوابل في فضاء عام، لكي يوحى الى الجالسين أمامهم انهم يجالسون المقربين، 3 الإجابة على اسئلة جادة بالتهريج والنكتة و الخرافات لان الجد يحتاج الى منطق وتحليل وارقام ومعطيات ومقارنة، و هم يعلمون اي الشعبويين ان الحديث الجد سيعري على بضاعتهم، فيلجؤون لهذا الأسلوب الذي يعفيهم من الجهد و يصرف النظر عن المطلوب، 4 التحريض، وهو من أخطر أسلوب لخلق الصراع بين فئات المجتمع، وتحربض بعضها على البعض ، بل تفتيت الفئة الاجتماعية الواحدة الى فئات، فحين يتحدثون عن تحقيق مكاسب زهيدة بحجم التضحيات و صبر السنين ، يتحدثون عنها بلغة الحقد و العداء والاتهام بأنها رشوة، سعيا الى كسب اصوات الفقراء و الذين يعيشون ظروفا صعبة ، فاصحاب الشعبوية يستبدلون وضع برنامج للتنمية ببرنامج للصراع وشعارهم تحريض المغاربة بعضهم على بعضهم، وهكذا يصنعون الحقد بين طبقات المجتمع 5 الشعبوية لا ترى مانعا في أكل السحت مع اتهام الاخرين بالرشوة ، فالهجوم أسلوب معتمد وممارس الى أبعد الحدود، واسرع طريق لتكريس الهجوم هو ان الشعبويين يلبسون جلباب المعارضة مع القيام بمهام قذرة لصالح الاغلبية، ليتهم سكتوا و تركوا المواطنين وهذه الأغلبية في مواجهة تدبير العلاقة بين الحقوق والواجبات، 6 الشعبوية تكره النخب وعلى رأسها الجامعات فسور التعليم قصير جدا ، لانه ليس وعاء إنتخابيا بحيث لا يتجاوز عددهم 16 الف صوت على اعلى تقدير، مشتت على 32 حزب و غير المنتمين، و بالتالي وجب الهجوم عليهم، سور او جدار تسلقه الشعبوية حتى يراها الفقراء، والمساكين، والمؤلفة قلوبهم من الحواريين، 7 الشعبوية تهتم ب" الطوندونس" فهو من يحكم القول والكلام، وان كان قولا ظالما جائرا مستفزا، فقول الشيء والإتيان بنقيضه، مهنة ازدواجية المواقف، و تعدد ألاقنعة المختلفة فن تتقنه الشعبوية بامتياز، لانه فعل يضمن المواقع و الاحتفاظ بالامتيازات، ان مهمة القضاء وسحق كل الطبقات مقابل رشوة سمينة دون خجل ودون استحياء من مال دافعي الضرائب كافية للقيام بالمهمة في نظر الشعبويين. الخلاصة تعتمد الشعبوية في اقناع اتباعها على عناصر مشتركة عالميا: 1 نظرية المؤامرة، 2 الكذب وسوء الظن بالاخرين 3 حب البقاء في السلطة من أجل السلطة والمال! حتى ولو سجل عليها في تاريخها صفر انجاز، و صفر مبادئ، وتعميم الريع والفساد. نسأل الله حسن الخاتمة.