مرة أخرى ، أجد نفسي مضطرا لأخذ قلمي – مكره أخوكم لا بطل- للكتابة حول م م بوعنتر ، ليس لأنني أحب اجترار الكلمات أو المواضيع ، وليس تحسرا على الحالة المزرية لتلك المدرسة ( انعدام الإنارة ، الإكتضاض ، نوافذ مرقعة بالبلاستيك ، سبورات وطاولات قديمة...)، والتي استفضت الحديث حولها في مقال( م م بوعنتر بين الإهمال والنسيان) نشر بالبوابة بتاريخ 06/12/2009 ، فقد تحسرت وبكيت وجفت دموعي ، وكفى. لكن أجدني اليوم أكتب عن ظاهرة عجيبة وغريبة من جهة ، ومبكية ومحزنة من جهة أخرى ، ظاهرة يصعب فك خيوط لغزها ، أو إيجاد الحلول الناجحة والناجعة بشأنها ، إلا إذا تحلى المعنيون بالأمر بالرزانة ، و تحلى القائمون على الأمور-أقصد نيابة وزارة التعليم- بالجرأة وسن سياسة العصا الغليظة ، في معاقبة المخالفين . إنها ظاهرة الغياب غير المبرر لبعض المدرسات لأيام متتالية، والتجمعات غير القانونية لبعضهن داخل المؤسسة أثناء أوقات عملهم ، دون مراعاة لهؤلاء التلاميذ الأبرياء. ظاهرة يمكن تفسيرها بسبب واحد ووحيد ألا وهو غياب الضمير المهني ، والتربوي ، والأخلاقي ....وهلم جرا. أود أن أعترف بداية أنني خجلت من نفسي ، وأنا أتابع مستجدات القضية الفلسطينية ، خاصة مستجدات قمع قافلة " شريان الحياة" على الحدود المصرية-الفلسطينية، التي يتزعمها البرلماني البريطاني جورج غلوي ، ومعه مفكرون وكتاب وسياسيون ، أتوا من أوربا بقافلة محملة بالطعام واللباس والأغطية ...لفك الحصار عن مليون ونصف من أبناء غزة ، وما أبهرني فعلا هو تواجد عجوز تبلغ من العمر 85 سنة ، اسمها هيدي ابستين ، أتت على كرسي متحرك – لم تقدم شهادة طبية لثتبث عجزها- أتت هذه العجوز بالرغم من شيخوختها ، وصحتها المتدهورة ، وأصرت على أن تحمل بنفسها الطعام والهدايا لأطفال/تلاميذ غزة. قلت، أنني خجلت من نفسي وأنا أعقد مقارنة- وإن كان الأمر لا يجوز فلا مجال للمقارنة – بين العجوز الأوربية التي حز في نفسها أطفال/ تلاميذ غزة ، وحقهم في التعليم ( من باب التذكير فقط فنسبة الأمية في فلسطين هي 0 في المائة) ، وبين مدرسات في عمر الزهور، يتركن تلاميذهن للمجهول، واللواتي لا نشك ولو للحظة واحدة في إيمانهن القوي بالله عز وجل ، واعتقادهن الراسخ بكون الأجر يدخره الله جل وعلى في الآخرة قبل أن يكون عملا دنيويا مؤدى عنه من طرف الدولة ، لكن كيف يضحي البعض في أوربا من أجل أطفال غزة، والبعض لا يريد أن يضحي من أجل أطفال بوعنتر ، السنا نرجو من الله ما لا يرجون( نرجو الحسنى في الآخرة)، ويرجون ما لا نرجو ( يرجون نحت أسمائهم في كتب ستذهب لا محالة إلى مزبلة التاريخ). الغياب والإهمال مرة أخرى أضحى الغياب بمجموعة مدارس بوعنتر المركزية ، أمرا عاديا ومألوفا، ولم يعد يستفز البعض – أقول البعض لأن هناك مدرسات يضحين من أجل هذا النشء الصغير، فتحية لهن ، ونتمنى منهن المزيد- الذي يبدو انه لا يرتاح إلا وهو يحرم تلاميذ وتلميذات، لا ذنب لهم سوى كونهم كتب عليهم أن يولدوا في هذه القرية ، ويقصدون م م بوعنتر المركزية من أجل التعلم. أي مركزية وأي تعليم ؟ واتعليماه، وامركزيتاه ، ونيابتاه، وأكاديميتاه، واوزارتاه... رحم الله الإمام أبو حامد الغزالي الذي قال( معنى كلامه): " أن المرء حين يألف أمرا ما ويتعايش معه لمدة معينة ، فلم يعد يستفزه ، بل يصبح عادته وديدنه ، والذي لا يرتاح إلا إليه ومعه". وبقدر كون هذه الظاهرة/ الكارثة/ المعضلة أمرا عاديا ومألوفا، بقد رما أصبحت مصدر قلق لكثير من العائلات، التي أصبحت تتوجس من مستقبل فلذات أكبادها، الذين أصبحوا على شاكلة المستفيدين من محاربة الأمية. سياسة الشواهد الطبية لم يكن يدرك تلاميذ وتلميذات المستوى الأول الإبتدائي ( يسميه المغاربة التحضيري)، والمستوى الثاني ابتدائي ، أنهم بمجرد دخولهم من العطلة البينية الأولى بأسبوع واحد فقط ، "سينعمون" ( تعمدت وضع هده الكلمة بين مزدوجتين) بعطلة أخرى ، أكثر طولا من سابقتها ، بعدما منحتهم– أي تلاميذ التحضيري – المدرسة عطلة أخرى مدتها 15 يوما بالتمام والكمال ، بداعي المرض، ولم يكن تلاميذ المستوى الثاني أفضل منهم ، فقد منحتهم المعلمتان اللتان تدرسانهما 10 أيام ن بداعي المرض أيضا، ( القسم الثاني يتكون من قسمين، نظرا للتكرار الجماعي لأحد الأقسام ، الذي تسبب(ت) فيه أستاذ(ة) أتقن(ت) فن الغياب العام الماضي، إضافة لقسم أخر الذي كان يدرس في التحضيري العام الماضي) ، إنه سباق محموم نحو الشواهد الطبية ، ونحن نعلم كم تساوي هذه الشواهد ؛ فثمنها بخس ، لا يتجاوز دراهم معدودة ، وقد تكون فيه الطبيبة الصديقة ، أو طبيب العائلة من الزاهدين. إنه وضع أصبح مألوفا عند البعض ، فإذا كانت كل الطرق تؤدي إلى روما- كما يحب الإيطاليون أن يقولوا- فكل الوسائل تؤدي إلى حرمان تلاميذ م م بوعنتر المركزية ، ولو كان ذلك بالوسائل المشروعة ، من قبيل الشواهد الطبية، التي قد يصل عدد أيامها إلى 10 أو 15 يوما ، وقد يزيد أو ينقص حسب هوى الشخص . إننا لا يمكن – من حيث المبدأ- أن نتجاهل الجانب الإنساني لدى الشخص ؛ فقد يمرض ، وقد لا يكون مرتاحا ( من الناحية النفسية)، وقد تتعرض سيارته لعطب، وقد يتعرض هو أو أحد أقربائه لمكروه ، وقد ، وقد ....لكن أن يكون الغياب عادته وديدنه ، أو تراه يتجول مع أسرته ، وهو في كامل لياقته ، مستشهدا بالشهادة الطبية، فتلك هي الطامة الكبرى، التي تستحق وقفة تأمل، وهو السؤال المركزي ، الذي يتطلب نقاشا ونقاش. لقد حز في نفسي مشهد عشرات التلاميذ والتلميذات ، وهم يعودون أدراجهم في كل يوم ، في هذه الأيام الباردة ، حاملين على ظهورهم محافظ تزن كيلوغرامات من الأوراق، منهم من قطع كيلومترات من الوحل ، جراء الأمطار الأخيرة ، وفي وجوههم البريئة ، علامات الإستغراب من هذا الوضع الصعب عن التفسير ، الذي فرضه أناس انتدبوا ورشحوا أنفسهم للتربية والتعليم ، بما تحمل كلمة الترشح من معاني المسؤولية ، أمام الله عز وجل ، وأمام الوطن ، وأمام الناس. ومن المفروض أن يكونوا قدوة لتلاميذهم، لا أن يربوهم على الغياب ، فالفكرة الأسبق تكون دائما هي الألصق ، بمعنى أننا لا نلوم التلاميذ إذا تفننوا في الغياب مستقبلا ، وقديما قيل" إذا كان رب الدار بالدف يضرب فشيمة اهل البيت كلهم الرقص". معلمتان مع وقف التنفيذ " غير كايدخلوهوم للقسم ياإما كايخرجو لبرا كايتجمعو ، أولا كاتجي وحدة عند الأخرى وكايبقاو مجمعات " إنها شهادة ، لكثير من آباء وأولياء وأمهات تلاميذ المستوى الثاني الإبتدائي لهذا الموسم بالتحديد ، وهي نفس الشهادات التي استقيتها من التلاميذ الذين يدرسون في القسم الثالث هذا الموسم ( كانوا تلاميذ هاتان المعلمتان في العام الماضي) ،وهي نفس الشهادة التي سمعتها من سكان عاينوا هذا الوضع لأكثر من مرة ، حول المعلمتان المشرفتان على القسم الثاني الإبتدائي ، اللتان تقضيان جل وقتيهما في التجمعات الغير القانونية ، داخل المؤسسة أثناء أوقات عملهما، بحيث تصل هذه التجمعات إلى ثلاث ساعات يوميا، دون مراعاة لهؤلاء التلاميذ الأبرياء ، شهادات توضح بجلاء دركات الإنحطاط التربوي الذي وصلت إليه المؤسسة ، وهدا يؤكده طبعا المستوى المتدني للتلاميذ ، الدين يمكن وصفهم بالمستفيدين من دروس محو الأمية . وللسبت قصة أخرى أما يوم السبت ، فله قصة خاصة، تختلف كثيرا عن قصص الأيام الأخرى ، كما تختلف عن قصة التجمعات الغير القانونية ، فالأستاذة المشرفة على قسم التحضيري تصر على حرمان تلاميذها كل يوم سبت ، وقد تزيد أيام أخرى وسط الأسبوع( وصل غيابها لحد كتابة هذه السطور 20 يوما متتابعة) ، بسبب البعد عن الدفء العائلي ، حسب ما أكدته أحد المعلمات غير المأسوف على انتقالها ، وغير المرغوب أيضا في عودتها ، على اعتبار أن بعض الأخبار تتحدث عن إمكانية رجوعها في الدورة الثانية. قلت أن هذه المعلمة غير مرغوب في رجوعها لعدة اعتبارات ، نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر ، الإعتبار التربوي، أو اللاتربوي على الأرجح؛ بحيث ساهمت- هده المعلمة- بشكل كبير في نسبة الهدر المدرسي الذي عرفته المؤسسة في السنوات الأخيرة ، فهي لا تحمل عاطفة الأنثى ، ولا تحمل هم المعلمة والمربية ، وتصر على ضرب تلاميذها بطريقة هستيرية في أي مكان في الجسم ، وأنا أعرف حالة تلميذة ( وسمعت عن حالات أخرى)، فضلت أوبالأحرى اضطرت إلى الإنقطاع عن الدراسة ، بسبب كثرة الضرب اليومي الذي تتلقاه هذه التلميذة من هذه المعلمة ( أنا مع ضرب التلميذ شريطة أن يكون مجرد عقاب أو زجر ، يروم منه المدرس ردع التلميذ ). وعودا إلى قصة السبت ، وحرمان التلاميذ، بسبب البعد عن الدفء العائلي ،فأود أن أقول أن حكاية التضحيات لرجال التعليم ونسائه ، كثيرة جدا ، تستحق أن نذكر بها بين ظهراني هذا المقال ، لعلها تكون منارات وصوى ومعالم على الطريق لمن يهمه الأمر. لعلي من التلاميذ الذين كتب عليهم الدراسة لمدة ست سنوات بين جدران م م بوعنتر، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، لا يسعني إلا أن أقف وقفة إجلال وإكبار لمعلمة كانت تعيش نفس الوضعية بل وأكثر من وضعية الحالة الماثلة بين أيدينا ، فقد كانت متزوجة ولها طفل من معلم حكم عليه بالإنتقال فجأة من م م بوعنتر إلى مدينة الرباط ، ومع ذلك لم يزحزح هذا الإجراء أستاذتنا عن مبدئها قيد أنملة، فكانت لتلاميذها بمثابة المعلمة والمربية والأم ، إنهم المدركون بكون التعليم بذل وتضحية ، والعارفون بأنه لولا أبناء الفقراء لضاع العلم ، ولا يسعنا إلا أن نقول لها ولأمثالها ، ومنهم بعض الوجوه في م م بوعنتر ، إلا كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله: قم للمعلم ووفيه التبجيلا ---- كاد المعلم أن يكون رسولا أعلمت أشرف أو أجل من الذي --- يبني وينشئ أنفاسا وعقولا ملتمسات ومتمنيات لكم تمنينا لو أدارت نيابة التعليم ، وجهها تجاه هذه المدرسة ، التي تعتبر بحق معلمة تاريخية ، فهي تصنف من بين أقدم المؤسسات بجماعة واولى ، إذ يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1976 ، من طرف الحاج محمد أيت منا رحمه الله ، الذي اشترى الأرض ، وشيد هذه المدرسة ، فله فضل لا يجب نسيانه – بعد فضل الله عز وجل – على الأعداد الهائلة التي مرت عبر هذه المدرسة . قلت أننا تمنينا لو أدارت نيابة التعليم وجهها تجاه هذه المدرسة ، وتفتح- كإجراء أولي- تحقيقا حول مصير أموال جمعية الآباء التي صودرت ، والتي تورط فيها مدير سابق ، والذي غادر المؤسسة بعد فضيحة أخلاقية ، ولا زال يمارس مهمة الإدارة – وقيل أنه مجرد موضف شبح- بإحدى المؤسسات التعليمية بأزيلال،(ربما مكافأة له على الإنجازات "الباهرة"، كما تورط في هذه الأموال أناس لا يزالون يعيشون بين ظهرانينا، ويصولون ويجولون كل يوم في طرقات الإقليم دون حسيب أو رقيب . كما نتمنى من نيابة التعليم – كإجراء ثاني- أن تفتحت حقيقا في مصير الطاقات الشمسية ، التي استفدت منها المدرسة منذ موسم 96/95 ، لكنها بعد ذلك امتدت إليها بعض الأيدي ، وأخذتها إلى وجهة لا زالت مجهولة. كما نتمنى من نيابة التعليم – كإجراء ثالث- أن ترسل لجنة تفتيشية لمعاينة الوضع الدراسي عن كثب ؛ فتلاميذ السادس الإبتدائ ، المقبلون على الإعدادي، لا يزالون لا يتقنون الحروف الأبجدية ( وأنا ألوم الذين أشرفوا عليهم قبل سنوات). لكن قبل هذا وذاك نتمنى من نيابة التعليم أن تسارع في أقرب وقت ممكن لتزويد المؤسسة بالإنارة ، والإهتمام بمرافق المؤسسة ككل. ملتمسات وأماني ، نتمنى ونلتمس ونرجوا رجاءا ملحا ، أن تنزل على أرض الواقع ،وترى النور عما قريب ، لا أن تذهب إلى سلة المهملات ، ونحن نلتمس خيرا من السيد النائب الإقليمي. صرخة من أجل م م بوعنتر " إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم " ؛ إنها قاعدة التغيير الربانية القرآنية والتي ستبقى خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، تقرع آذان السامعين ( وليس الصم)، وتقض مضاجع الغيورين ( وليس الخاملين) ، وتعلنها حربا شعواء على كل ذي عقل سليم. فمتى سيأتي هذا التغيير....؟! إن التغيير يا هيئة التدريس- اكرر مرة أخرى أنني لا أعمم- ليس حقنة تباع في الصيدلية، بحيث يحصل التغيير بمجرد تناولها ، وليس وصفة طبية تقليدية عند العشاب، وليس "ربحة" في علبة " التيد" ، بل هو تشمير على ساعد الجد ، وتحمل المشاق والصعاب ، من أجل تكوين هذه الأجيال وتعليهم وتربيتهم وبنائهم ، فتلميذ اليوم هو رجل الغد. فيا هيئة التدريس إنكن مدعوات للتصالح مع تلاميذكن ، وإنكن مدعوات للإستماع إلى شكواهم ، ومسح دموعهم ، وإنكن مدعوات لترميم ولملمة جراحهم ، وذلك بفتح قلوبكم أولا ، ودفاتركم ثانيا ، بشكل جدي ومستمر ، حتى تستعيد المؤسسة هيبتها ورونقها. هي إذن صرخة صادقة من قلب مفجوع ألما وحزنا على الحالة المزرية التي وصلت إليها المؤسسة، قلب أؤكد أنه لا يحمل حقدا ولا ضغينة تجاه أي كان ،صرخة ليست ظلما أو تعديا على حق أحد بل هي الحقيقة المُرة، عسى أن تستفيق الضمائر الحية ، وتفكر في إنقاذ هذا النشء الصغير. السعيد بزوي